الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان لهما دور كبير في نشر كتبه وإجازة الطلبة بها، جاء في طبقات الزيدية أن «محمد بن المحسن بن كرامة الجشمي، العلامة، قرأ على أبيه تفسيره المعروف بتهذيب الحاكم جميعه، وكتاب جلاء الأبصار وغير ذلك، وأخذ عنه التفسير أبو جعفر الديلمي مناولة للجزء الثاني وإجازة لسائر الأجزاء، وأحمد بن محمد الخوارزمي تلميذ والده .. » «1» كما أن القاضي شمس الدين جعفر بن عبد السلام (ت 573) سمع كتاب (التهذيب في التفسير) للحاكم علي الديلمي وأخذ منه إجازة ببقية كتب الحاكم، وسمع (جلاء الأبصار) للحاكم- مع كتب أخرى له- على ابن وهاس تلميذ الزمخشري «2» .
سادسا: عقيدته ومذهبه
1) لا يختلف المترجمون له في أنه كان حنفيا ثم انتقل إلى مذهب الزيدية وإن لم يحدّد أحد منهم تاريخ هذا الانتقال، وقد رأينا في ثبت شيوخه أن أولهم- أبا حامد- كان حنفي المذهب، وأنه اختلف من بعده- وقد جاوز العشرين من عمره- إلى الإمام أبي محمد قاضي
(1) ابن القاسم، الصفحة السابقة.
(2)
المصدر السابق ص 93. وذكر ابن القاسم في موضع آخر من الطبقات في ترجمة السيد العلامة الصدر الحسين بن علي بن أحمد المعروف بالجويني أنه «روى كتب الحاكم الجشمي: تنبيه الغافلين، وجلاء الأبصار، والسفينة، وغيرها .. عن مشايخ عدة متصلة بالمؤلفين» ويصفه الزيدية بأنه من حفاظ العترة، وبدور الأسناد المشرقة. انظر طبقات ابن القاسم ورقم 39.
قضاة الحنفية، وأنه قرأ عليه كتب ظاهر الرواية، ولا شك أن قراءتها يحتاج إلى زمن غير قليل، فانتقاله عن المذهب الحنفي- فيما يبدو- لم يكن في سن مبكرة أو في سن الطلب على الأقل. بل لعل ذلك إنما كان بعد أن اشتهر وعرفت آراؤه في المذهب، نظرا لشهرة هذا الانتقال بين الفقهاء، ولتعرضهم له في بعض مسائل الفقه، قال الفقيه العلامة سليمان الصعدي، في كتاب له اسمه «التذكرة» في باب الأطعمة والأشربة، عند ذكر المثلّث من الخمر: «وكان المحسّن بن كرامة الجشمي حنفي المذهب عدليّ الاعتقاد، ثم إنه رجع إلى مذهب الزيدية والشيعة، روى ذلك عنه صاحب التمهيد من بني خنش رحمه الله تعالى، ورواه أيضا محمد بن أحمد القرشي
…
» «1» ولكن شهرته في الزيدية بعد قد غطت على «أصله» الحنفي، وبخاصة بعد أن كتب في فقه الزيدية- فيما يبدو- كثيرا من الكتب، والحنفية على كل حال لم يترجموا له في طبقاتهم على أي اعتبار.
2) أما في أصول الاعتقاد فهو معتزلي لم يزل، وقد كان شيوخه ممن أخذ عن القاضي عبد الجبار أو من هو في طبقته، وكان القاضي- كما أشرنا- من أتباع المدرسة الجبائية ومن أشياع أبي هاشم بخاصة، ومن هنا جاء انتساب الحاكم إلى معتزلة البصرة- الفرع الذي بقي أقوى أثرا وأبعد صوتا- ولأبي هاشم الذي أكثر من النقل عنه بعبارة «قال شيخنا أبو هاشم» وللقاضي عبد الجبار الذي كان شديد الاعجاب به وبعلمه وكتبه وطريقته في التدريس حتى قال فيه: «وليس تحضرني عبارة
(1) طبقات الزيدية (الطبقات الزهر) ليحيى بن الحسين، ورقة 34.
تنبئ عن محله في الفضل وعلوّ منزلته في العلم فإنه الذي فتق الكلام ونشره، ووضع فيه الكتب الكثيرة الجليلة التي سارت بها الركبان وبلغت المشرق والمغرب، وضمنها من دقيق الكلام وجليله ما لم يتفق لأحد مثله
…
» «1»
فإذا علمنا أن كتب القاضي رحمه الله إنما حوت آراء أبي علي وأبي هاشم، وأن انتصار القاضي في الأغلب كان لأبي هاشم أدركنا منزع قول الحاكم:«وقد صار العدد والعلم والانتساب إلى الاعتزال لأصحاب أبي هاشم، وصار كالأصل لكثرة أصحابه ووفور علمه وصحة مذاهبه» «2» ورجحنا بذلك انتسابه لأبي هاشم.
بل يمكننا أن نرجح هنا أنه كان من أشهر رجالات المدرسة الجبائية بعد القاضي عبد الجبار بما خلفه من تراث كبير، وبما تركه هذا التراث من أثر واضح في الزيدية المعتزلة الذين بقوا يحكمون اليمن، وبقوا على صلتهم بكتبه إلى العهد الحاضر، ولعله- فوق ذلك- خاتمة هذه المدرسة كما يشير إلى ذلك مؤرخو الزيدية حيث يختمون به (طبقات المعتزلة) - التي شارك هو في كتابتها- فيقول يحيى بن حميد- من أعلام القرن العاشر- بعد أن استعرض هذه الطبقات: «ولنختم ذكر العدلية برأسهم
(1) شرح عيون المسائل 1/ ورقة 129.
(2)
المصدر السابق ورقة 50 وقال ابن النديم في ترجمة أبي هاشم:
«وكان ذكيا حسن الفهم ثاقب الفطنة، صانعا للكلام مقتدرا عليه قيما به» الفهرست ص 247 طبع التجارية.
وناصر مذاهبهم بما هو القاطع القاصم المحسن الحاكم بن كرامة
…
» «1» .
3) وبعد، فإن مذهب الزيدية الكلامي هو الاعتزال، ولا يختلف الزيدية عن المعتزلة في الأصول إلا في مسألة الامامة «2» - وهي في الأصل مسألة فقهية يشيرون إليها في الأصول لأهميتها- قال الحاكم:«ومن أصحابنا البغدادية من يقول: نحن الزيدية، لأنهم كانوا مع أئمة الزيدية والمبايعين لهم والمجاهدين تحت راياتهم، ولاختلاطهم قديما وحديثا، ولاتفاقهم في المذهب» «3» وقد ارتقى أيضا بسند المعتزلة من شيوخه حتى انتهى به إلى علي بن أبي طالب «4» ونقل عن أبي علي الجبائي أنه همّ أن يجمع
(1) نزهة الأنظار ورقة 17 وقد أورد يحيى بن حميد تعريفا للعدلية ينطبق على المعتزلة تماما، ثم قال: وكل المعتزلة عدليون إلا من شذ منهم فبشيء لا يخل بالعدل! وقال الحاكم من جهة أخرى: «واعلم أن اسم الاعتزال وإن كان وقع أولا على من يقول بالوعيد والمنزلة بين المنزلتين، فقد صار في العرف اسما لمن يقول بالتوحيد والعدل وينفى التشبيه والجبر سواء وافق في الوعيد أو خالف، وسواء خالف في مسائل الإمامة أو وافق وكذلك في فروع الكلام» شرح عيون المسائل 1/ ورقة 67.
(2)
بعد أن تحدث الحاكم عن فرق الزيدية السابقة على عصره- الجارودية والأبترية- قال: «والزيدية يومنا هذا فرقتان: قاسمية ينتسبون إلى الإمام أبي محمد القاسم بن إبراهيم، والناصرية ينتسبون إلى الناصر إلى الحق الحسن بن علي عليه السلام» ثم قال: «ولا خلاف بين الفريقين في التوحيد والعدل والنبوات، وإنما خلافهم في فروع الفقه» شرح العيون 1/ 23.
(3)
شرح العيون 1/ ورقة 50.
(4)
شرح العيون 1/ 52.
بين المعتزلة والشيعة بالعسكر، وقال قد وافقونا في التوحيد والعدل وإنما خلافنا في الإمامة «1» .
بل إن الحاكم يطلق القول بأن جميع أهل العترة عدليون إلا القليل، وبأنه «لا شبهة أن المعتزلة هم الشيعة لا تباعهم أمير المؤمنين وأهل بيته في كل عصر وحين، واتفاقهم في مذاهبهم» «2» .
وقد جعل أبو الحسين الملطي الفرقة الرابعة من الزيدية (معتزلة بغداد)«3» وذكر أن المعتزلة «كانوا من أصحاب علي» وأن هذه التسمية- معتزلة- لزمتهم لاعتزالهم الحسن ومعاوية وجميع الناس احتجاجا على مبايعة الحسن لمعاوية «4» الذي أجمعوا على البراءة منه ومن عمرو بن العاص ومن كان في شقهما «5» .
وليس هذا بغريب إذا كان الاعتزال- أو العدل- إنما ظهر على يد «فضلاء العترة» ، وأن «واصلا» أخذه عنهم، كما يقول مصنفنا الحاكم رحمه الله «6» ، والنصوص في ذلك كثيرة، وتاريخ المعتزلة مع
(1) المصدر السابق ورقة 109 والعسكر بإقليم خوزستان، وكان جميع أهله من المعتزلة كما أن أكثر الإقليم كان كذلك أيضا. انظر أحسن التقاسيم للمقدسي ص 415.
(2)
شرح العيون 1/ 50.
(3)
التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، صفحة 39.
(4)
المصدر السابق، صفحة 41.
(5)
الانتصار للخياط، صفحة 98.
(6)
شرح العيون 1/ 138 وانظر الورقة 52.