الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يرجح هذا الانتقال للزمخشري- الطالب الخوارزمي- أننا نجد في ثبت تلامذة الحاكم بعض الخوارزميين الآخرين.
ويرجح ما ذهبنا إليه أيضا أن أحد القضاة باليمن- قاضي بلدة صعدة- قد رحل إلى الحاكم ليتلقى عنه في سنة (481)«1» ويكتفي مؤرخو الزيدية ببيان موطن الحاكم في بيهق، وأن قاضي صعدة قد رحل إليه، ولو أن قاضيهم رحل إلى الحاكم في عير بلده أو موطنه لما جهلوا ذلك- على الأرجح- ولما امتنعوا عن ذكره، وفي هذا ما يدل- من جهة أخرى- على أن قصد الحاكم من (خوارزم) جدّ طبيعي، وأنه قد بعد صوته وكثر تلامذته والراحلون إليه في موطنه الذي نرجح- لهذا كله- أنه لم ينزعج عنه إلا في أواخر حياته، والحديث- مرة أخرى- في أسباب إهمال ذكره لدى أكثر المؤرخين، وفي أي عام كانت رحلته إلى مكة على وجه التقريب، يفضي بنا للحديث عن موته وعن الظروف التي أحاطت به.
ثالثا: وفاته
مات رحمه الله مقتولا بمكة المكرمة في الثالث من شهر رجب سنة (494)«2» وله من العمر واحد وثمانون عاما، وقد حدد صاحب
(1) ذكر صاحب شرح الأزهار أن القاضي المذكور رحل إليه سنة 441 قال: «وارتحل اليه القاضي إسحاق بن عبد الباعث سنة 441 وأخذ عنه» .
وهذا خطا فيما يبدو لأن مما يبعد أن يرحل (قاض) من صعدة ليتلقى العلم في نيسابور عن رجل لا يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره). شرح الأزهار، صفحة 32.
(2)
انفرد صاحب شرح الأزهار بذكر اليوم، واشترك مع يحيى بن الحسين ويحيى بن حميد وابن القاسم (والقاضي الحافظ) وغيرهم في ذكر الشهر والسنة.
نزهة الأنظار عمره حين قتل- في حساب طريف لا مجال فيه للتصحيف- بإحدى وستين سنة، فقال فيه:«المقتول بمكة في شهر رجب سنة 494 وكان مبلغ عمره إحدى وستين، وكان مولده في شهر رمضان الكريم سنة 413» «1» وذهب إلى هذا التحديد أيضا أبو الرجال الصنعاني، إلا أن أبا الرجال يحدد تاريخ وفاته سنة (545)«2» - وقد أهمل بالطبع تاريخ ميلاده- وهو التاريخ الذي حكاه ابن القاسم عن بعضهم وحكم بخطئه، والواقع أنه وهم محض لأنه تاريخ وفاة رجل آخر يدعى (الفضل بن الحاكم) حتى إن بعضهم قد توهم أيضا فجعله تاريخ (محمد ابن الحاكم) الذي أشرنا إليه، وإن كان الوهم هنا أقرب، وقد توفي محمد المذكور سنة (518) كما سيأتي تحقيقه.
وكل المصادر مجمعة على أنه «قتل بمكة غيلة» أو قتل فيها شهيدا، ويدور سبب قتله- فيما ترويه هذه المصادر- حول رسالة له طعن فيها على المجبّرة وجعلهم فيها من
أتباع إبليس، قال صاحب نزهة الأنظار:
«وكان قتله بسبب ما قاله في العدل والتوحيد وحب أهل البيت في رسالته الموسومة: من أبي مرة إلى إخوانه المجبرة» وقال صاحب مطلع البدور: «واتهم بقتله أخواله وجماعة من الجبرية بسبب رسالته المسماة برسالة الشيخ أبي مرة» «3» وكأن يحيى بن حميد يجعل سبب قتله اعتزاله،
(1) النزهة ورقة 21 (مصورة دار الكتب رقم 358).
(2)
راجع مطلع البدور 4/ 414.
(3)
وقال ابن القاسم: «وله رسالة تسمى برسالة الشيخ كانت السبب في قتله» الورقة: 173 وانظر يحيى بن حميد: النزهة ورقة 21 ومطلع البدور 4/ 414.
أو مغالاته في الاعتزال وحب أهل البيت الذي أودعه في رسالته عن الجبرية، والواقع أن الاعتزال وحب أهل البيت مهما اشتط فيهما المرء ما عرفا سببا لانتقام فردي أو خاص وإن أثارا من الفتن العامة ما أثارا. ثم إن ما قاله الحاكم في العدل والتوحيد وحب أهل البيت قاله في سائر كتبه المطولة فلا معنى للحديث عنهما في هذه الرسالة، أو تخصيصها بهما وجعلها إطارا لموضوعاته العامة الأخرى، بل إن الذي يدل عليه عنوان الرسالة- التي سميت أيضا برسالة إبليس إلى المجبرة- هو أنه جعلها إطارا لموضوع رئيسي خاص على خلاف قول ابن حميد- هو الرد على الجبرية في مسألة خلق الأفعال أولا، وما يتبع ذلك- أو يتقدمه- من أن صحة التكليف مرهونة بالاختيار، وأن الحساب والعقاب منوطان به أيضا
…
إلى ما هنالك من هذه الأمور، وهذا لا يمنع أنه كان يصدر في هذه الردود والمناقشات عن مذهبه في العدل والتوحيد الذي بثه في كل كتبه، بل هو الباعث له على التأليف في الحقيقة، ولكنه لم يكن الباعث على قتله أو السبب المباشر له، ومن هنا كانت عبارة أبي الرجال الصنعاني أدق وان يكن قد أضاف الى المجبرة أخواله أيضا، وجعل الباعث للجميع على قتله الرسالة المذكورة، وهذا يدل على أن أخواله كانوا من المجبرة أو من المنتصرين لهم، وان مما يبعد أن يقدموا على قتله لحبه أهل البيت وهم يمتون اليهم بسبب!
ويتردد الباحث في قبول مثل هذا السبب للإقدام على قتل شيخ جاوز الثمانين مهما قيل في مغالاته في عداء الجبرية أو لدده في خصومته التي لا ننكر ظهورها في كتبه مع أعدائه ومخالفيه، وبخاصة الجبرية «1» وقد
(1) يورد في الصفحات الأولى من تفسيره شرحه لقوله تعالى (ختم الله-
بحثت طويلا عن أسباب أخرى، وبخاصة الأسباب السياسية ولكنني لم أقف على شيء، وقد وجدت أن ثناءه على الامام المرشد بالله كان عظيما كما أشرت الى ذلك في الحديث عن الزيدية، وأن من الراجح ألا يمتنع عن مبايعته عند خروجه سنة 491 ودعوته لنفسه، أو عن عدّه في «الأئمة» في كتابه (السفينة) الذي جعل قسما منه لأئمة الزيدية، واختلف فيه مع كثير من مؤرخيهم في عد بعض دعاتهم من الأئمة.
ويبقى السبب الذي أشارت اليه المصادر السابقة قائما معتبرا، وله ما يدعمه من شدته- رحمه الله على المخالفين، وإن من المؤسف حقا أن الرسالة المذكورة لم تصلنا، ولقد كان من الممكن أن توضح قيمة هذا السبب ومدى أهميته- أو جديته- في هذه الواقعة المؤلمة، كما أنها ربما ألقت ضوءا كافيا على انتقاله الى مكة، وبخاصة اذا كانت من أواخر ما كتب أو آخر ما كتب، ولعلها كذلك، لأنه لم يشر اليها فيما اطلعنا عليه من كتبه الكثيرة الهامة، ولأنه قد قتل بسببها فكأنه لم يمهل حتى يكتب أو يؤلف! وإذن فمن الممكن أن يكون جمع فيها خلاصة طعونه المتفرقة والشديدة على المجبرة بعامة، وسلكهم في الفئات الطاغية الكفرية، وجعلهم من
- على قلوبهم
…
الآية) مصدرا بقوله: «وقال بعض من لا شبهة في جهله» وقد تنبه علماء الزيدية إلى أن من مزايا تفسيره الهامة أنه «أودع فيه الحجج الواضحة الباهرة في الرد على الفئة المجبرة وغيرها من سائر الفرق الكفرية!» - راجع نزهة الأنظار- ويبدو على كل حال أنه كان حاد الطبع، وأن هذه الحدة قد زادت ولم تنقص عند تقدمه في السن- على عادة بعض الناس- وأنه كان فيه جرأة وميل الى الصدع بما يعتقد أنه الحق. راجع مطلع البدور وطبقات ابن القاسم. وانظر فيما يلي كلامنا على محوره في تفسيره.