الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الأشاعرة
: أما الأشاعرة فإن مذهبهم أصلا لم يأخذ في الانتشار بالعراق إلا من نحو سنة 380 «1» وكان الماتريدية في أقصى المشرق ينافسوهم على الرغم من تشابه المذهبين في الأصل، كما أنه كان عليهم في نهاية القرن الرابع وأوائل الخامس أن يدرءوا هجمات الحنابلة الذين كان شيخهم ببغداد حوالي سنة 400 يطعن على أبي الحسن الأشعري أمام الملأ وينال من الأشاعرة «2» وأن يقاوموا أيضا هجمات الكرامية الذين تحزبوا عليهم ورموهم بالباطل عند ابن سبكتكين قائلين إن الأشاعرة يعتقدون أن رسالة النبي انقطعت بموته «3» ولم تكن حال الأشاعرة- في الواقع- في أول عهد السلاجقة بأحسن من حال المعتزلة، فقد تعصب طغرلبك ضدهم وطاردهم مع المعتزلة، وبخاصة قبل دخوله بغداد (ما بين سنة 443 وسنة 447) فقد نقل له عام 445 أن أبا الحسن الأشعري يقول في الدين بأمور لا تليق بالسنة فأمر بلعنه، وصرح أهل نيسابور بتكفير من يقول ذلك، واضطر علماء نيسابور كالجويني والقشيري إلى أن يغادروها إلى القدس أو مكة، وزادت محنة الأشاعرة بمنعهم من الخطابة والوعظ، وبلعنهم في الجمعة، وجرت فتن طويلة بالرغم من أن طغرلبك استدعى جماعة من الأشاعرة وسألهم عما أنهى إليه من ذلك فأنكروه، وأنكروا أن يكون الأشعري قاله، فقال السلطان: فنحن إنما لعنا من يقول هذا «4» !
(1) انظر المقريزي: الخطط 2/ 358.
(2)
راجع طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 117. وكان الحنابلة يقولون إن الأشعري ظل على مذهب المعتزلة زمانا طويلا، ثم تركه وأتى بمقالة خبط بها عقائد الناس!
(3)
السبكي 3/ 54.
(4)
البداية 12/ 64.
واستمرت الحال بالأشاعرة كحال غيرهم في وقت ملىء بالفتن والمنازعات، حتى وزر للسلاجقة الوزير «نظام الملك» مدة تقرب من الثلاثين عاما استطاع خلالها أن يثبت حكم السلاجقة أنفسهم وأن يمكن للمذهب الأشعري لدى العامة والخاصة عن طريق الدرس والتنظيم، والواقع أن نظام الملك كان أفضل رجال السياسة من حماة العلوم، مثّل في الدولة السلجوقية دور الصاحب لدى البويهيين، ولم يكن يقل عنه ولعا بالعلم والمعرفة وحبا للعلماء وتقريبا لهم، إن لم يفقه في الأناة وسعة الصدر. ويفيض المؤرخون وكتاب التراجم في الثناء على نظام الملك، وعلى حنكته ودهائه وتدينه وورعه وعدله بين الناس «1» وقد لا يكونون مغالين في ذلك إذا ذكرنا إصلاحه الاجتماعي الذي تجلى في تأسيس القضاء على الفنن القائمة، والاحتيال على التخفيف من آثارها بالحكمة والدهاء. وقد رأى نظام الملك أن سبيل الاستقرار إنما يكون في التمكين للمذهب الأشعري في نفوس عامة المسلمين عن طريق العلم والمعرفة، فبنى المدارس «النظامية» في بغداد وبلخ ونيسابور وهراة واصبهان والبصرة ومرو وطبرستان والموصل «2» ودعا أئمة «أهل السنة» للتدريس في هذه المدارس، فكان أبو إسحاق الشيرازي على رأس مدرسة نيسابور «3» وقد تم افتتاح نظامية بغداد عاشر
(1) راجع البداية والنهاية: 12/ 140 والكامل 8/ 160 وطبقات الشافعية 3/ 135.
(2)
طبقات الشافعية 3/ 137.
(3)
توفي أبو إسحاق الشيرازي سنة: 476 فلما بلغ الخبر إلى نظام الملك قال يجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله، وأمر أن يدرس مكانه الشيخ أبو نصر بن الصباغ. راجع ابن كثير 12/ 125 وتوفي إمام الحرمين سنة 478.
المصدر السابق س 127.