الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:
1) قوله تعالى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى .. )«1» قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف قال (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الاشقياء، ولا بالنجاة أتقى الاتقياء. وان زعمت أنه نكر النار فأراد نارا بعينها مخصوصة بالاشقى، فما تصنع بقوله (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة، لا الأتقى منهم خاصة؟ قلت:
الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الاشقى، وجعل مختصا بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له! وقيل: الاتقى، وجعل مختصا بالنجاة، كأن الجنة لم تخلق إلا له. وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، وأبو بكر رضي الله عنه». «2»
2) قوله تعالى: (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)«3» .
قال الزمخشري: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) يعني: خلقكم وخلق ما تعملونه من الاصنام كقوله: (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) أي: فطر الاصنام!.
(1) انظر ص 302 - 303.
(2)
الكشاف 4/ 608 - 609.
(3)
انظر فيما تقدم ص 296.
«فإن قلت: كيف يكون الشيء الواحد مخلوقا لله معمولا لهم حيث أوقع خلقه وعملهم عليها جميعا؟ قلت: هذا كما يقال: عمل النجار الباب والكرسي، وعمل الصائغ السوار والخلخال، والمراد: عمل أشكال هذه الاشياء وصورها دون جواهرها، والاصنام جواهر وأشكال، فخالق جواهرها الله، وعاملو أشكالها: الذين يشكلونها بنحتهم وحذفهم بعض أجزائها حتى يستوي التشكيل الذي يريدونه!
«فإن قلت: فما أنكرت أن تكون «ما» مصدرية لا موصولة، ويكون المعنى: والله خلقكم وعملكم كما تقول المجبرة؟ قلت: أقرب ما يبطل به هذا السؤال بعد بطلانه بحجج العقل والكتاب، أن معنى الآية يأباه إباء جليا، وينبو عنه نبوا ظاهرا، وذلك أن الله عز وجل قد احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله، ولولاه لما قدر أن يصور نفسه ويشكلها. ولو قلت: والله خلقكم وخلق عملكم لم يكن محتجا عليهم، ولا كان لكلامك طباق!! وشيء آخر، وهو أن قوله (ما تعملون) ترجمة عن قوله (ما تنحتون) و «ما» في (ما تنحتون) موصولة لا مقال فيها، فلا يعدل بها عن أختها إلا متعسف متعصب لمذهبه في غير نظر في علم البيان ولا تبصر لنظم القرآن!!
«فإن قلت: اجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت، وأريد: وما تعملونه من أعمالكم. قلت: بل الالزامان في عنقك لا يفكهما إلا الاذعان للحق، وذلك أنك وإن جعلتها موصولة فإنك في إدارتك بها العمل غير محتج على المشركين، كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضا فإنك قاطع