الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفخذ منهم
…
الخ، وقد ذكر السمعاني أن (جشم نسبة إلى قبائل منهم جشم الخزرج) - راجع معجم قبائل العرب لكحالة 1/ 187 - 190 والأنساب صفحة 130 - ولا يبعد أن تكون قبيلة من هذه القبائل العربية سكنت خراسان. وربما كان من الراجح أن تكون قد نزلت قرية من قرى (بيهق) فسميت باسمها، فنص ابن القاسم على أن جشم قبيلة من خراسان تحكّم لا لزوم له، ومهما يكن من أمر فلا شك في أن الحاكم من أصل عربي، وأن نسبه يتصل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ذكر ابن فندق، وأن نسبته إلى (بلدة) جشم التي ولد بها، ولذلك نسب إليها وإلى بيهق لأنها الناحية الكبيرة التي تتبع لها جشم- على عادتهم في ذلك- «1» .
ثانيا: ولادته ونشأته:
1) ولد الحاكم في بلدة (جشم) في شهر رمضان سنة (413)، ونشأ بإقليم خراسان. وبالرغم من أن المصادر التي بين أيدينا لا تذكر لنا شيئا عن هذه النشأة إلا أن من الراجح أنه نشأ نشأة كريمة تليق بنسبة ومكانة أسرته، وبخاصة في هذا الإقليم الذي يغلب على أهله
(1) راجع تاريخ البيهقي ترجمة الدكتور يحيى الخشاب، وتاريخ طبرستان 1/ 101 وتاريخ بيهق لابن فندق ص 212 ومعالم العلماء لابن شهراشوب (ت 588) صفحة 83 وشرح الأزهار للجنداري، ص 32، ونزهة الأنظار ليحيى بن حميد ورقة 21، ونضد الإيضاح لعلم الهدى، الذي رتب فيه كتاب ابن المطهر الحلي (ت 726): إيضاح الاشتباه، صفحة 260 وانظر مجمع البحور للصنعاني (ت 1092) 4/ 413 - 414 (دار الكتب رقم 4322 تاريخ)، وطبقات الزيدية ليحيى بن الحسين ورقة 34، وطبقات الزيدية لابن القاسم ورقة 173، والذريعة إلى تصانيف الشيعة لمحمد محسن 5/ 122.
التشيع. ولم يحدثنا هو في ثبت شيوخه أن تلقى شيئا عن أبيه محمد، كما أنه لم ينقل عنه أو يعرض له فيما اطلعنا عليه من كتبه، ولعله لم يصحبه أو صحبه مدة قصيرة، وكتب التراجم على كل حال لا تذكر لنا شيئا عن حال أبيه العلمية سواء صحبه ابنه وتلقى عنه أم لا، في حين تحدثنا عن (محمد) ابن الحاكم، وتذكر أنه روى عن أبيه وعن غيره من العلماء، وأن (سماعه على أبيه) كان سنة (452)«1» وفي هذا ما يشير إلى أن الحاكم لم يتأخر في الزواج عن الخامسة والعشرين من عمره.
2) وقد انتقل الحاكم من بلده جشم وانزعج عن إقليم خراسان كله، لأنه مات بمكة سنة (494)، ولكننا لا ندري شيئا عن تاريخ هذا الانتقال وعن الظروف المحيطة به، كما أننا لا ندري هل انتقل إلى غير مكة قبل أن يأوي إليها أم لا؟ ومن المحتمل أن يكون ترك نيسابور في أواسط القرن الخامس عند ما تركها كثير من أعلام المذاهب الأخرى كالجويني والقشيري نتيجة للفتن الشديدة التي حصلت بين الشيعة وأهل السنة هناك «2» ، وأنه لم يعد إليها كما عاد الأشاعرة بعد أن قرّبهم نظام الملك وبنى لهم المدارس الكثيرة في نيسابور- التي وضع على رأسها الجوينى- وغيرها، وأنه فضل البقاء في مكة مجاورا وبعيدا عن الفتن، وبخاصة أن مكة كان فيها كثير من الشرفاء الزيدية- منهم بنو سليمان بن حسن من أهل مكة، الذين ينتسب إليهم ابن وهّاس
(1) طبقات ابن القاسم ورقة: 173.
(2)
انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 254 - 255.
(إمام الزيدية بمكة) المتوفى سنة (556)«1» - ولكن الذي يبعد هذا سكوت كتب التاريخ وكتب التراجم عنه دون غيره من الأعلام! أو سكوتها عن مجاورته بمكة على الأقل، وبخاصة كتاب (العقد الثمين في أخبار البلد الأمين) الذي ترجم فيه الفاسي (ت 832) لأعلام مكة والوافدين عليها والمجاورين بها، ولكل من زارها أو توفي فيها من العلماء والأعلام على مدى ثمانية قرون تقريبا، في الوقت الذي أفاض فيه في ترجمة الزمخشري «2» - تلميذ الحاكم- وابن وهاس تلميذ الزمخشري.
ثم إن من المستبعد أن يقيم الحاكم بمكة كل هذه المدة الطويلة ثم يموت فيها مقتولا- كما سنرى- ويسكت عنه مثل هذا السكوت! كما أن شهرته في الزيدية لا تبيح لابن
وهاس أن يتتلمذ على الزمخشري دونه، حتى ولو كانت شهرة ابن وهاس كإمام للزيدية بمكة إنما كانت بعد وفاة الحاكم، اللهم إلا أن يكون الحاكم قد دخل مكة خفية- لأن أيدي الجناة كانت وراءه- وهذا يدل على أنه دخل مكة في أواخر حياته لا في أواسط القرن الخامس، وهو احتمال سنعرض له عند الحديث على موته رحمه الله.
والذي نرجحه أنه لم ينزعج عن بلده إلا في أواخر حياته، سواء أقام بغير مكة أم لم يقيم، والدليل على ذلك أن الزمخشري قد تلقى عنه- كما سنرى في ثبت تلاميذه- والزمخشري ولد سنة (467) ولم يجاور بمكة إلا بعد وفاة الحاكم- على الأرجح- لأن صاحب العقد الثمين يقول في ترجمة الزمخشري: «ودخل بغداد قبل سنة خمسمائة،
(1) العقد الثمين للفاسي 6/ 217 - 220.
(2)
المصدر السابق 7/ 137 - 150.
وسمع فيها من أبي الخطاب نصر بن البطر وغيره، وتوجه إلى الحجاز فأقام هنا لك مدة مجاورا بمكة يفيد ويستفيد» «1» ، فقوله «قبل سنة خمسمائة» يدل على أن دخوله بغداد كان على أبعد الفروض ما بين (495 - 500) كما تدل باقي عبارته على أنه مكث مدة ببغداد سمع فيها من بعض العلماء ثم توجه الى مكة- وإن لم تكن الواو تقتضي الترتيب- وربما لم يدخلها، لذلك، إلا على رأس الخمسمائة. ومما يؤكد أن سفره إلى مكة كان بعد دخوله بغداد، أنه أقام بمكة «مدة مديدة يفيد ويستفيد» - وكل هذا بعيد عن طالب يدخل البلاد للسماع على العلماء- وأن رجوعه بعد ذلك إلى خوارزم- بلده- إنما كان من مكة ولم يكن من بغداد «2» . وكل هذا يدل على أن الزمخشري دخل مكة بعد وفاة الحاكم بها، وإذن فقد كانت تلمذته عليه في غير مكة، والراجح أنها كانت في جشم أو بيهق أو حيث كان يقيم الحاكم في إقليم نيسابور ويسعى إليه الطلاب، ومثل هذه الرحلة التي يقوم بها الزمخشري من قريته بخوارزم إلى بيهق ليست مما يلفت نظر المؤرخ، وبخاصة أن الزمخشري كان لا يزال طالبا صغيرا يسعى على طلب العلم في إقليمه الغني الواسع، فلو فرضنا أنه رحل- أو انتقل بتعبير أدق- وقد بلغ الخامسة عشرة من عمره- مثلا- لكان قد لقي الحاكم سنة (482) وقرأ عليه مدة تبيح للمؤرخ أن يقول في ترجمة الحاكم:«وهو أستاذ العلامة الزمخشري» «3»
(1) المصدر السابق.
(2)
راجع ترجمة الزمخشري في وفيات الأعيان 2/ 81 (طبع مصر سنة 1310) وأزهار الرياض للمقري 3/ 295 وإنباء الرواة للقفطي 3/ 265.
(3)
طبقات الزيدية لابن القاسم (ورقة 173) وفيها ينقل عن القاضي الحافظ (ولعله القاضي أحمد بن أبي الحسن الكنى المتوفي سنة 560 تقريبا.
راجع الطبقات ورقة 10 - 11).