الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن سعد قال: قرأ رجل عند علي: (وطلح منضود) فقال علي: ما شأن الطلح؟ إنما هو: وطلع، ثم قرأ (طلعها هضيم) فقلت: إنها في المصحف بالحاء أفلا نحوّلها؟ فقال: (إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل!) قال الحاكم: «وهذه أخبار آحاد لا يصح بمثلها إثبات القرآن. وكيف يقول علي هذا وجميع المصاحف على الحاء؟ ومصحف علي بالحاء! وعليه إجماع القراء في الآية. فنقطع أنه لا يصح عن الحسن وعن علي عليهما السلام. وعلى بعد يمكن أن يتأول أنه بين جوازه لو قرئ!!» .
وأكثر القراءات التي عدها تفسيرية من مصحف ابن مسعود- وقسم كبير من التي حكم بردها لأنها آحاد، منه أيضا- قال في قوله تعالى:
(وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ)«1» إنه ذكر أنه في مصحف ابن مسعود:
(وفي الكلام غير مبين) قال: «ويحمل على أنه فسر به» . وقال في تعالى: (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ)«2» إن القراء اجمعوا على (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) وعن ابن مسعود: قالوا سل ربك، قال:
«وهذا محمول على أنه فسر الدعاء به لا أنه قرأه!» .
ولهذا فإنه يورد بعض هذه القراءات في بند «المعنى» لا في «القراءة» ليشير إلى أنها من قبيل التفسير.
ثانيا: اللغة
أما شرحه للمفردات اللغوية فهو شرح فائق وغنيّ إلى درجة كبيرة،
(1) الآية 18 سورة الزخرف، ورقة 37/ ظ.
(2)
الآية 70 سورة البقرة، ورقة 95/ و،
وهذا فيما يظهر من أهم ميزات كتاب الحاكم، وإن كان مما لا شك فيه أن لقاعدته الأساسية التي قدمنا الكلام فيها- وهي أن مأخذ تفسير القرآن من اللغة- أثرها الكبير في سلوكه هذا الطريق.
1 -
والأمر الذي لا يكاد يتخلف في هذا الشرح، هو إيراده أولا مترادفات الكلمة أو نظائرها- كما يسميها دائما- وغالبا ما تكون هذه النظائر ثلاث مفردات، يعرّف الكلمة بعدها بالضد أو النقيض، ثم يبحث فيها عن التصريف وأصل الاشتقاق. ويورد بعدها معنى الكلمة في لسان العرب.
2 -
ولا يخلو في ذلك كله- في الغالب- من الاستشهاد بالحديث والشعر والأمثال وأقوال أئمة اللغة، حتى ليظن القارئ في بعض الأحيان أنه يراجع مادة في أحد المعاجم!
3 -
يضاف إلى ذلك أيضا إيراده في بعض الأحيان كثيرا من التعاريف الكلامية الاعتزالية- كما قدمنا- إلى جانب بعض التعاريف الاصطلاحية أو الشرعية، والأمور الفقهية.
4 -
والنقطة التي يلاحظها القارئ بعد أن يمضي قليلا في تفسير الحاكم هي أنه رحمه الله قد ألزم نفسه شرح الكلمة الواحدة في كل مرة ترد فيها، سواء في السورة الواحدة، أو في سائر السور، مع شيء من التفاوت في الإيجاز والاطناب. بل إن هذه هي طريقة الحاكم في بيان معنى الآيات عامة، يذكر فيها في كل موضع ما لا بد منه، فتراه مثلا يورد جملة ما قيل في فواتح السور عند كل فاتحة منها، وجملة ما قيل في أسلوب القسم في القرآن حيث ورد أي قسم، وكذلك تجده يكرر
المصطلحات والأمور الخلافية، ولا يحيل على ما تقدم في تفسيره إلا في أحوال جد نادرة.- وإن كان من الغريب نوعا أن يفصّل في بعض المواطن اللاحقة كالسور المكية ما أوجز فيه القول في المواطن المتقدمة! -
5 -
ونورد فيما يلي بعض النماذج اللغوية من تفسير الحاكم، تظهر فيها «جملة» هذه الطريقة التي تحدثنا عنها:
أ- قال في شرح معنى «الخديعة» في تفسيره لقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا)«1» : الخديعة والغرور والتمويه: نظائر، وخلاف الخديعة النصيحة، وأصله الاحتماء، ومنه المخدع لأنه تخفى فيه الأشياء. وحقيقته:
الإيهام بخلاف الحق بالتمويه والتزوير، ويقال: الحرب خدعة- بفتح الخاء- لغة النبي صلّى الله عليه وآله، والضم لغة، والأول أفصح. والخداع:
الفساد، والخادع: الفاسد من الطعام، قال الشاعر:
أبيض اللون لذيذ طعمه
…
طيّب الريق إذا الريق خدع
أي فسد.
وعرّف «الصبر» بأنه حبس النفس عما تنازع اليه قال: ونقيضه الجزع، قال الشاعر:
فإن تصبروا فالصبر خير مغبة
…
وإن تجزعا فالأمر ما تريان
والصبور: الكثير الصبر. ومنه: نهى أن يقتل شيء من الحيوان مصبورا، وهو أن يحبس حيا ثم يرمى فيقتل، ومنه: قتل فلان صبرا «2» .
(1) الآية 9 سورة البقرة، ورقة 21/ و.
(2)
التهذيب 1/ ورقة 141/ ظ.
وقال في تعريف «الحسرة» : «والحسرة والتندم والتأسف من النظائر، وهو الاغتمام بما فات وقته. وأصل الحسرة: شدة الندم
…
وأصل الباب هو الانقطاع، يقال: حسرت الناقة: انقطع سيرها كلالا، ومنه:
(يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي منقطع، فكأن النادم يحسر كما يحسر الذي تنقطع به دابته في السفر البعيد».
وقال في شرح معنى «الطارق» في قوله تعالى: (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ).
الطارق: الآتي ليلا، يقال: طرقني فلان، أي أتاني ليلا. وأصل الطرق:
الدق. ومنه المطرقة لأنه يدق بها، والطريق لأن المارة تدقه بأرجلها، والطارق يأتي في وقت يحتاج فيه إلى الدق للتنبيه، وفي الدعاء: نعوذ بالله من طوارق الليل إلا طارق يطرق بخير، وقال الشاعر:
ألا طرقتنا بعد ما هجعوا هند «1»
وقال في «السّفرة» في قوله تعالى: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ):
«والسفرة: الكتبة لأسفار الحكمة، واحدها سافر، كقوله: كاتب وكتبة، وساحر وسحرة، وكافر وكفرة، وعامل وعملة، وفاجر وفجرة. وقيل:
السفير الرسول، وسفير القوم: الذي يسعى بينهم بالصلح، قال أبو مسلم:
السافر حامل الكتاب، والجمع سفرة، وسفرت بينهم: أصلحت، قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قومي
…
وما أمشي بغش إن مشيت
وأصل الباب: الكشف عن الأمر، يقال: سفرت المرأة وجهها، إذا
(1) المصدر السابق، ورقة 134/ و.
كشفته، وأسفر الصبح: أضاء فكأنه يكشف عما في النفس. والأسفار:
الكتب لأنها تكشف عن المعنى، والواحد: سفر.
ب- وعرّف الرهبة في قوله تعالى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) بأنها الخوف والخشية، قال: ومنه: الراهب، ومنه: رهبوت خير من رحموت، يعني أن ترهب خير من أن ترحم. ثم قال:«والرهبة قيل جنس برأسه من أجناس الأعراض. وعندنا أنه يرجع إلى الاعتقادات، فمن اعتقد في شيء ضررا دعاه إلى اجتنابه فهو رهبة! ومن اعتقد فيه نفعا دعاه إلى فعله فهو رغبة» . «1»
وفي شرحه اللغوي أيضا لكلمة «أسباب» في قوله تعالى: (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) قال: «والسبب: كل ما يتوصل به إلى الشيء الذي يبعد عنك، وجمعه أسباب، يقال للطريق: سبب، والحبل سبب. والفرق بين السبب والعلة أن السبب يوجب الذوات، كالضرب يوجب الألم، والكون يوجب التأليف. والعلة توجب الصفات، كالحركة توجب كونه متحركا، وغير ذلك مما قيل فيه» . «2»
وقال في «الهبة» في قوله تعالى: (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً):
«والهبة والصلة والعطية من النظائر، وهب فهو واهب. والهبة عقد جائز في الشرع، صحتها بالإيجاب والقبول بالاتفاق، ثم اختلفوا فقيل:
وفي القبض والتسليم، عند أكثر الفقهاء. وقال الهادي: تصح من
(1) التهذيب، ورقة 67/ و.
(2)
المصدر السابق، ورقة 21/ و.