المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌حوار مجلة الفرقان مع الدكتور عدنان زرزور

- ‌(نحو جيل قرآني)

- ‌(أسباب النزول)

- ‌(قضية الإعجاز العلمي)

- ‌(التفسير الموضوعي)

- ‌(بين سيد قطب والشعراوي)

- ‌(الحرب ضد القرآن)

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌مقدّمة

- ‌وبعد:

- ‌أولا: الحالة السياسيّة

- ‌1 - البويهيون

- ‌2 - الغزنويون

- ‌3 - السلاجقة

- ‌4 - الفاطميون

- ‌5 - الباطنية

- ‌6 - الزيدية

- ‌6 - ملوك الطوائف في الأندلس

- ‌7 - الحروب الصليبية

- ‌ثانيا: الحالة الدينية

- ‌1 - المعتزلة

- ‌2 - الأشاعرة

- ‌3 - الصوفية

- ‌ثالثا: أثر الحالة السّياسيّة والدينيّة في الحياة العامة

- ‌1 - الفتن السياسية

- ‌2 - فتن أرباب العقائد

- ‌3 - منازعات الفقهاء

- ‌رابعا: حركة التأليف في التفسير وعلم الكلام

- ‌1 - التفسير

- ‌أما أهم التفاسير المطولة التي وصلتنا فهي:

- ‌2 - علم الكلام

- ‌[اهم مصنفات المعتزلة في علم الكلام]

- ‌الفصل الأوّل حياة الحاكم

- ‌اولا: اسمه ونسبته

- ‌ثانيا: ولادته ونشأته:

- ‌ثالثا: وفاته

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلامذته:

- ‌سادسا: عقيدته ومذهبه

- ‌رأي الزيدية في الإمامة

- ‌الفصل الثاني آثاره

- ‌اولا: في تفسير القرآن

- ‌1) التهذيب في التفسير

- ‌2) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين

- ‌3) التفسير المبسوط

- ‌4) التفسير الموجز

- ‌1 - و (التهذيب)

- ‌2 - تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين:

- ‌ثانيا: في علم الكلام

- ‌1 - التأثير والمؤثر:

- ‌2 - شرح عيون المسائل

- ‌ثالثا: في الحديث

- ‌رابعا: في التاريخ

- ‌خامسا: في الفقه

- ‌سادسا: في العلوم الأخرى

- ‌سابعا: تعقيب عام حول ما وصل الينا من كتب الحاكم رحمه الله

- ‌الفصل الأوّل تفاسير المعتزلة قبل الحاكم

- ‌حول هذه التفاسير الخمسة:

- ‌الفصل الثاني مصادر الحاكم في التفسير

- ‌أولا: الحاكم وتفاسير المتقدمين

- ‌ثانيا: مصادره السلفية

- ‌1 - عمده من هذه المصادر:

- ‌2 - أمثلة وشواهد:

- ‌ثالثا: مصادره الاعتزالية

- ‌1) بين هذه التفاسير والتفاسير السابقة:

- ‌2 - عمده الرئيسية من هذه التفاسير، وموقفه من تفسير القاضي:

- ‌رابعا: نقوله العامة أو المبهمة

- ‌خامسا: حول طريقته في الافادة من المصادر

- ‌الفصل الأوّل قاعدة الحاكم الفكريّة ومحوره في تفسيره

- ‌أولا: قاعدته الفكرية العامة

- ‌خلق القرآن:

- ‌المنهج وهذه الأصول

- ‌ثانيا: محوره في تفسيره

- ‌1 - اكتساب المعارف

- ‌2 - الرد على المجبرة

- ‌الفصل الثاني قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌تمهيد: بين التفسير والتأويل

- ‌أولا: الأصل الجامع لقواعده في التفسير

- ‌ثانيا: قواعده الأساسيّة في التفسير

- ‌القاعدة الأولى: ليس في القرآن ما لا معنى له، أو ما لا يفهم معناه

- ‌فروع هذه القاعدة

- ‌القاعدة الثانية: لا يختص بتفسير القرآن الرسول أو السلف

- ‌1 - موقفه من تفسير السلف

- ‌2 - موقفه من الأحاديث والأخبار المرفوعة:

- ‌أ) أكثر الحاكم من الاستشهاد بالحديث في الشرح، ومن التدليل به على الأحكام التي يقف عليها في الآية أو النص القرآني:

- ‌ب) اعتمد الحاكم على الحديث في بيان المجملات والأمور الإخبارية وفي تفصيلات الأمور الغيبية

- ‌القاعدة الثالثة: رفض «التفسير الباطني» وأن الإمام طريق معرفة القرآن

- ‌القاعدة الرابعة: إثبات المجاز في القرآن، ومنع الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة

- ‌الفصل الثالث حدوده في التأويل

- ‌أولا: أقسام المعارف

- ‌ثانيا: ميزان التأويل

- ‌ثالثا: التأويل واللغة وأنواع المجاز

- ‌رابعا: من تأويلاته في باب التوحيد والعدل

- ‌1 - في التوحيد وآيات الصفات

- ‌2 - في العدل

- ‌خامسا: منهج الحاكم في التأويل بين اللغة والعقل

- ‌الفصل الرّابع أثر منهجه العقلي وثقافته الكلامية في تفسيره

- ‌أولا: مبدأ اللطف

- ‌ثانيا: النبوة والأنبياء

- ‌ثالثا: الأرزاق والآجال

- ‌رابعا: حول عالم الغيب

- ‌خامسا: تعريفات وأمور فلسفية

- ‌الفصل الأوّل طريقته في كتابه «التهذيب»

- ‌تمهيد: بين المنهج والطريقة

- ‌أولا: القراءة

- ‌ثانيا: اللغة

- ‌ثالثا: الاعراب

- ‌رابعا: النزول

- ‌خامسا: النظم

- ‌سادسا: المعنى

- ‌1) طريقته في إيراد الأقوال ووجوه المعاني:

- ‌2) طريقته في الترجيح بين هذه الأقوال:

- ‌3) من شواهد طريقته في إيراد المعاني والأقوال:

- ‌4) من شواهد طريقته في الترجيح:

- ‌سابعا: الأحكام

- ‌ثامنا: القصة

- ‌تاسعا: الفقه

- ‌الفصل الثاني آراؤه في علوم القرآن

- ‌اولا: نزول القرآن

- ‌ثانيا: نقل القرآن

- ‌ثالثا: فضائل القرآن

- ‌رابعا: النسخ في القرآن

- ‌خامسا: اعجاز القرآن

- ‌1 - مقدمات الاعجاز

- ‌2 - وجه اعجاز القرآن

- ‌الفصل الأوّل مكانة الحاكم

- ‌أولا: منزلة الحاكم العامة

- ‌ثانيا: قيمة كتابه «التهذيب في التفسير»

- ‌الفصل الثاني أثره في المفسّرين

- ‌أولا: أثره في الزمخشري (467 - 538)

- ‌أ) من الشواهد التي نكتفي فيها بالاحالة على ما تقدم:

- ‌ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:

- ‌ج) شواهد أخرى:

- ‌ثانيا: أثر الحاكم في سائر المفسرين

- ‌مصادر البحث

- ‌أولا: المخطوطات

- ‌ثانيا: الكتب المطبوعة

- ‌ثالثا: الدوريات

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌2 - في العدل

هو العرش المعروف في السماء. وقيل العرش: الملك. وقيل العرش البناء.

قال الحاكم: «فمن قال العرش هو المعروف جماعة منهم أبو علي:

اختلفوا في معنى الآية، قيل معنى الاستواء عليه: كونه قادرا عليه وعلى خلقه وإفنائه وتصريفه، قال البغيث:

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف أو دم مهراق

وقال آخر:

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى

وكاسر!

أي: استولى، والمعنى: ثم رفع العرش إلى السماء وهو مستول عليه، أي قادر مالك، عن أبي علي، وقيل:«على» بمعنى «إلى» يعني:

لما خلق السموات والأرض استوى إلى العرش فخلقه، والاستواء بمعنى القصد كقوله:(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ).

وأما من قال: العرش الملك، قال: يقال عرشه أي ملكه، والمعنى أنه بعد خلق الأشياء قادر عليها يصرّفها كما شاء، مالك لجميعها خلاف قول المجوس، عن أبي القاسم البلخي. وأما من قال: العرش البناء، قال:

ومنه (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) أي يبنون، والمعنى: ثم قدر على بناء ما خلق كما أراد، عن أبي مسلم. قال الحاكم:«ولا يجوز حمله على أنه استقر على العرش لأن ذلك من صفات الأجسام» .

‌2 - في العدل

أما تأويلاته في باب العدل فكثيرة جدا تبعا لكثرة آياته وموضوعاته، وإن كانت المبادئ والقواعد التي تخرّج عليها تكاد تكون ثابتة معروفة.

ص: 295

وقد اخترنا الحديث عن تأويلاته في هذه الموضوعات الثلاثة: المشيئة، الختم والطبع، الهداية والضلال- التي تتصل بمسألة حرية الإرادة عند الإنسان ونفى القبيح عن الله تعالى- إلى جانب بعض مسائل الوعيد.

ونقدم لذلك أولا ببعض تأويلاته العامة الموجزة في هذا الباب:

قال في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)«1» : إن من أعرض عن ذكر الله تعالى يخلي الله تعالى بينه وبين الشيطان، فيصير قرينه عوضا عن ذكر الله. «وإنما جاز التخلية لما علم أنه لا يفلح، وإن لم يكن الشيطان له قرينا. وقيل:

يقرنه في الآخرة ليذهب به إلى النار؛ عن قتادة، كما أن المؤمن يصير قرينه ملك يذهب به إلى الجنة».

وقال في قوله تعالى: (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)«2» إنهم بعد أن أقدموا على إبراهيم عليه السلام منكرين:

(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) حملوه إلى بيت أصنامهم وقالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟! فأجابهم على وجه الحجاج: أتعبدون ما تنحتون؟

يعنى كيف ترضون لأنفسكم أن تنحتوا أصناما من خشب ثم تعبدونها وتتركون عبادة خالق الأشياء، والله خلقكم أيها القوم وما تعلمون؟ أي:

ما تعملون فيه وهي الأصنام. قال الحاكم: «ولم يرد أعمالهم لأن المعبود هو الخشب دون عملهم، ولأنه احتج عليهم فلا يجوز أن يورد الحجة لهم!!

(1) الآية 36 سورة الزخرف، ورقة 39/ و.

(2)

الآيتان 95 - 96 سورة الصافات، ورقة 163/ و.

ص: 296

ولأنه أضاف إليهم عملا، ويقال: فلان يعمل بابا والمراد يعمل فيه، وعلى هذا (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) وإنما تلقف المصنوع!».

أ) المشيئة: تابع الحاكم شيخه أبا هاشم في حمل الآيات الدالة على أن الله تعالى لو شاء لآمن جميع من في الأرض أو لاهتدوا وذكروا، وتأويليها على أن المراد بها مشيئة الجبر والإلجاء، قال في قوله تعالى:

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها)«1» إنه تعالى لو شاء لآتاهم الهدى جبرا وإلجاء «إلا أن فيه إبطال التكليف وفساد التدبير، فاختار أن يخيرهم ويخلى بينهم وبين أفعالهم ليدخل المؤمن الجنة، وتمتلئ النار من المستحقين للعذاب» .

وقال في قوله تعالى: (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)«2» بأن من شاء ذكره واتعظ به، ولكن لا يتدبرون فيه إلا أن يشاء الله! قال الحاكم: «وهذه المشيئة غير الأولى إذ لو كانتا واحدة لتناقض! فالأولى مشيئة اختيار، والثانية مشيئة إكراه وإجبار، يعني: هؤلاء الكفار لا يجبرون إلا أن

يجبرهم الله تعالى على ذلك. وقيل: لا يذكرون الله ذكرا يستحقون به الثواب، والله تعالى لا يشاء الثواب للكافر إذا لم يشأ الكافر لنفسه، إذ لو شاء لأطاع، فإن الثواب بنفس المشيئة لا يحصل، وإنما يكون بالطاعة، فإذا لم يطيعوا لم يشأ الله ثوابهم».

(1) الآية 13 سورة السجدة، ورقة 92/ و.

(2)

الآيتان 55 - 56 سورة المدثر، ورقة 121/ و.

ص: 297

ب) الختم والطبع: وقال في الختم والطبع على القلب بأنه سمة وعلامة جعلها الله في قلوب الكفار، وأنه- أي الختم- لا يمنع من الأيمان، أو يسلب القدرة عليه التي أعطاها الله تعالى لجميع المكلفين، قال في قوله تعالى:(فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)«1» بأنه وسم عليها سمة الكفر بأنهم لا يؤمنون أبدا لتعرف الملائكة حالهم عقوبة لهم، كما قال أبو علي.

وقيل: لما ألفوا الكفر والعناد واعتادوا التكذيب ولم يصغوا إلى الحق ولم يفكروا في العواقب، خلّاهم واختيارهم وخذلهم، فصار ذلك طبعا على قلوبهم، قال أبو مسلم: وهو إلفهم ما اعتادوه من الكفر.

وقال الحاكم في قوله تعالى: (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)«2» إنه يدل على أنه تعالى جعل في قلوب الكفار سمة وعلامة.

قال: «ولا يقال إنه يمنع من الإيمان لأنه بمنزلة الخبر أنه لا يؤمن، ولأنه- أي المكلف- قادر على الإيمان، ولأنه جعل الطبع عقوبة على الكفر، فدل على أنه غير الكفر!» .

وحمل «الغشاوة» في قوله تعالى: (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً)«3» على التشبيه، وفسر الغشاء بالغطاء، قال «يعني: يصير كأنه كذلك من حيث لا يبصر الخير، تشبيها، على ما ذكره أبو علي».

(1) الآية 3 سورة المنافقين، ورقة 100.

(2)

الآية 35 سورة غافر، ورقة 20/ ظ.

(3)

الآية 23 سورة الجاثية، ورقة 47/ و.

ص: 298

وقال في قوله تعالى: «أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) «1» إن معناه أن من لا يبصر الحق بمنزلة الأعمى والأصم، فكما يتعذر إدراك الأعمى وإسماع الأصم، كذلك يتعذر عليك إهداء هؤلاء لأنهم لا يتفكرون ولا ينظرون ولا يسمعون».

ج) الهداية والضلال: أما موضوع الهداية فمن أخطر مسائل العدل، وقد اختلف حوله المفسرون والمتكلمون كثيرا، واشتد تعصب بعضهم لتأويله هذا النوع من الآيات في القرآن على نحو واحد، حتى زعم أبو الحسن الأشعري- مثلا- أن قوله تعالى:(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) إنما يقصد به المؤمنين من ثمود وحدهم، وأنه لم يهد ثمود أجمعين «2» !

والحاكم- رحمه الله يميز في القرآن بين أنواع عدة من «الهداية» تمهيدا لمذهبه في تأويل طائفة معينة من هذه الآيات.

1) فهناك هداية التقدير والدلالة، وهي عامة، قال تعالى:(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)«3» . أي قدّر الخلق على ما خلقهم من الصور والهيئات، وأجرى لهم من أسباب المعاش، وهدى بذلك إلى معرفة توحيده. وقيل: قدر الآجال والأرزاق وهدى إلى التوحيد بإظهار الآيات.

2) وهداية التكليف، قال تعالى:

(1) الآية 40 سورة الزخرف، ورقة 39/ ظ.

(2)

راجع الإبانة عن أصول الديانة للأشعري، ص 57.

(3)

الآية 3 سورة الأعلى، ورقة 142/ ظ.

ص: 299

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)«1» أي بينا له الطريق بنصب الأدلة وإزاحة العلة، حتى يتمكن من معرفة الحق والباطل ويصح الابتلاء. قال الحاكم:«ومتى قيل: ما هذه الهداية؟ قلنا: أدلة العقل والشرع عم بها جميع المكلفين، و «السبيل» هو طريق معرفة الدين، الذي يتوصل به إلى ثواب الأبد، ويلزم كل مكلف سلوكه».

3) وتأتي الهداية بمعنى الثواب والأخذ بالعبد إلى طريق الجنة، قال تعالى:(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ)«2» لأن بعد القتل لا تكون الهداية إلا كذلك.

4) وربما جاءت الهداية بمعنى الجزاء على اهتدائهم بأنفسهم، قال تعالى:

(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)«3» والمعنى: أنه يزيدهم تعالى أدلة يشرح بها صدورهم، ويقوّي بصيرتهم، ويثبتهم على الدين.

فاذا كانت الهداية في القرآن تنصرف إلى هذه الوجوه، وكان معناها في اللغة: الدلالة والبيان لا خلق الإيمان في قلب المؤمن كما زعم بعضهم، فالحاكم يجد في ذلك مجالا لتأويل الآيات التي تدل بظاهرها على أن الله تعالى هو الخالق للإيمان في قلب المؤمن، والخالق للضلال في قلب الكافر، أو التي تدل على أنه اختص بهذه الهداية مكلّفا دون آخر، قال في قوله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ، وَمَنْ يَهْدِ

(1) الآية 3 سورة الإنسان، ورقة 126/ ظ.

(2)

الآيتان 4 - 5 سورة محمد، ورقة 53/ و.

(3)

الآية 17 سورة محمد ورقة 53/ ظ.

ص: 300

اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) «1» : إن من يجده ضالا فما له من هاد ما لم يهتد بنفسه. وقيل: من يضلل الله عن طريق الجنة والثواب لا يهديه إليها أحد.

وقيل: من يحكم بضلاله ويصفه بأنه ضال لا يصفه أحد بأنه هاد. وكذلك من اهتدى بهدي الله تعالى لا يضله أحد. أو من حكم تعالى بهداه أو الأخذ به إلى طريق الجنة والثواب، لا يضله عن ذلك أحد. قال الحاكم:

«ولا يجوز حمله على أنه يضل عن الدين لأنه يقبح ولا يجوز عليه تعالى، وقد أضاف الله تعالى الضلال إلى الكفار والشياطين، فقال:(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) وقال: (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) وقال:

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) فأضاف الضلال إلى هؤلاء».

والتأويلات التي ذكرها الحاكم في آيات الهدى لا تخرج عن الحمل على:

اللطف والهداية إلى الجنة، والحكم بها على طريق المدح، أو أنهم لما انتفعوا بالهداية صارت الهداية كأنها لهم دون غيرهم، نحو قوله تعالى:

(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) و (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ)، كما أنه حمل مسألة الضلال على: التخلية وسوء الاختيار، والمنع من الألطاف، ووصفهم بالضلال على طريق الحكم، أو الأخذ بهم عن طريق الجنة ونيل الثواب. وذكر في الهداية- في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) «2» وجها آخر: هو أن النبي لا يقدر على أن يجبرهم على الهداية، وأن ذلك ليس في وسعه أو مما كلف به. ولا يمكن أن تكون الهداية

(1) من الآيتين 36 - 37 سورة الزمر، ورقة 12/ ظ.

(2)

الآية 56 سورة القصص، ورقة 54/ ظ.

ص: 301

عين الإيمان والله تعالى يقول: (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ). «1»

على أن أكثر هذه التأويلات دورانا في تفسير الحاكم- ولعله ما يرجحه- إنما هو الحمل على الألطاف والتوفيق، وقد قال في غير موضع إن إضافة الهدى إليه تعالى «من حيث كان بتوفيقه وألطافه وآلائه وأمره» جل وعلا. قال:«وذلك يدل على صحة مذهب العدل، وبطلان الجبر!!» «2» .

د) في الوعيد: ومن تأويلاته الهامة في الوعيد- أحد مسائل العدل التي سلكت في الأصول كما قدمنا- ما ذكره في قوله تعالى:

(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى)«3» قال: قيل:

لا يدخلها ولا يعذّب بها، عن أبي علي. وقيل: لا يصير صلاءها أي وقودها؛ عن أبي مسلم. (إِلَّا الْأَشْقَى) أي: هو موضعه والمعذب فيه. أما المراد بالاشقى فقد قيل: الشقي، قال الشاعر:

تمنّى رجال أن أموت فان أمت

فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي بواحد. وقيل: المراد أشقى العصاة، وهو الكافر الذي كذب بالله ورسوله وتولى وأعرض عن طاعة الله وطاعة رسوله. قال الحاكم:

«ومتى قيل: يجب أن تكون النار موضع الكفار دون غيرهم من الفساق لأنه إثبات ونفي، فلو دخلها غيرهم لم يكن للإثبات والنفي معنى! قلنا:

عن هذا أجوبة:

(1) الآية 17 سورة الحجرات، ورقة 62/ ظ.

(2)

التهذيب، ورقة 135/ ظ.

(3)

الآيتان 14 - 15 سورة الليل، ورقة 148/ ظ وانظر الآيات التالية من السورة.

ص: 302

أولها: أن قوله (ناراً) نكرة في الإثبات، والنيران دركات فيجوز أن يكون أراد نارا يختص بعذابها الكفار، عن أبي علي، وقد قال تعالى:(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وقال: (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).

وثانيها: أن النار أضيفت إليهم لأنهم أكثر أهلها وأولاهم بها، وهم المقصودون بها، كقوله تعالى:(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).

وثالثها: أن فيه بيان أن الأشقى يدخلها، أما غيره فموقوف على الدليل، ولا يمتنع دخول غيره كقوله:(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)، ثم إن الفاسق ليس بأتقى ويتجنبها عنده! ولأنه لو كان استثناء حقيقة- على ما يزعمه- لوجب القطع على أن الفاسق لا يدخل النار، وفيه خلاف الإجماع، وإغراء بالمعاصي، بل إباحتها، وذلك لا يصح، ولأن البخيل والعاصي يخوف بالنار، فإما أن يقال هم كفار، وذلك لا يصح، أو يقال: غير مخوفين، وذلك خلاف الإجماع

».

قال الحاكم: «وأحسن الوجوه هو الأول» .

وقال في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)«1» إنه لا يدل على نفي ثالث، وهو الفاسق، بل هو مسكوت عنه، وإنما الغرض بالآية ذكر الطرفين على ما ذكره أبو علي. وقيل: أراد: فمنكم جاحد ومنكم مقر، عن الأصم. وحكى عن الحسين: ومنكم منافق إلا أنه داخل في قوله: (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) قال الحاكم: والوجه ما قاله أبو علي.

(1) الآية 2 سورة التغابن، ورقة 101/ ظ.

ص: 303