الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بموسى، أي مصدق له، ويقال لقوم فرعون: آمنوا بفرعون، أي صدقوه.
ثم قال: «ونقل في الشرع فجعل قولنا «مؤمن» اسم مدح، وقولنا «إيمان» اسم أداء الطاعات المفروضة واجتناب القبائح من الكبائر، ولذلك لا يطلق على الكفار والفساق، ولذلك قال تعالى:(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) بعد ذكر الطاعات، وقال تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم بين صفاتهم». فأما الإسلام ففي اللغة الانقياد والاستسلام، وفي الشرع هو والإيمان سواء، ولذلك يقال: رجل مسلم، ويراد به المدح، كما يقال رجل مؤمن وديّن، وقال تعالى:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وقال سبحانه: (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فذكر مرة بالإسلام، ومرة بالإيمان».
فروع هذه القاعدة
وأهم ما يتفرع على هذه القاعدة الأولى، وهي أن جميع القرآن معلوم المعنى، موقف الحاكم من المحكم والمتشابه، وموقفه من فواتح السور:
1 -
المحكم والمتشابه: عرّف الحاكم المحكم بأنه ما أحكم المراد به فيستغنى عن البيان لوضوحه، والمتشابه ما يحتاج إلى بيان لاشتباه المراد.
وهذا أول التعريفات التي ذكرها في تفسير آية آل عمران، ثم قال في الترجيح بين هذه التعاريف:«وأقرب الأقاويل ما ذكرناه أولا، وهو الذي اختاره القاضي أن المحكم ما يدل على المراد بنفسه، والمتشابه ما يحتمل الوجهين» «1» . وعنده أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، وقد
(1) التهذيب- المجلد الثاني ورقة 5.
فسر الراسخين في العلم بأنهم الثابتون فيه الضابطون له المتفنون فيه، وقال إن الواو في قوله تعالى:(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) واو العطف، يعني لا يعلم تأويله إلا الله- فإنه يعلمه- والراسخون في العلم يعلمونه، ومع ذلك يقولون آمنا به، يعني يعلمونه ويقولون آمنا، فأضمر «يقولون». «وقيل تقديره:
والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنا به، عن ابن عباس ومجاهد والربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير وأبي مسلم، وقوله «يقولون» يكون حالا .. » «1»
ثم قال: «ولولا ذلك لم يكن لذكره الراسخين معنى! ويدل على صحة هذا أن الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع آي القرآن، وعن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين في العلم، وعن مجاهد نحوه.
ولأن الغرض بالخطاب الإفهام» «1» .
أما الذين ذهبوا إلى أن الواو في الآية واو الاستئناف، وأن الكلام ثم عند قوله (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ثم ابتدأ:(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ) - وهو القول الذي نسبه إلى عائشة ومالك والكسائي والفراء وأبي علي الجبائي- فلا يصح عنده إلا إذا فسر المتشابه بأنه ما استأثر الله بعلمه من المغيبات، نحو وقت قيام الساعة وخروج الدجال ودابّة الأرض، ويكون معنى تأويل هذه الأمور: العلم بوقت وقوعها، وذلك إلى الله تعالى لا يماري في ذلك أحد «2» !
(1) المصدر السابق.
(2)
انظر كتاب: متشابه القرآن: دراسة موضوعية للمؤلف ص 140 فما بعدها. طبع دمشق 1389.
أما طريق بيان المتشابه عند الحاكم فهي بأن «يرد إلى المحكم ويرتّب عليه وعلى أدلة العقول» «1» وقد أكد هذا المعنى في آخر تفسيره فقال:
إن المراد بالمحكم يعرف بظاهره «والمتشابه يحمل على أدلة العقول والمحكم» «2» ويعني بذلك بالطبع أنه يؤول ليطابق المحكم وأدلة العقل- وسوف نشرح ذلك عند الكلام على التأويل- والذي يجدر تأكيده هنا هو: أن الحاكم لا يرى في وجود المتشابه في القرآن ما ينقض قاعدته في أن جميع القرآن معلوم المعنى، لأن المتشابه- بحسب حدّه المختار- مما يعلم معناه بحمله على المحكم- كما لا يرى فيه كذلك ما يخل بمسألة أن القرآن هدى وبيان بنفسه، وأنه يجب أن يتدبر ويعلم ولا يكتفي فيه بالتلاوة بحجة أن المتشابه ليس ببيان بل يحتاج إلى بيان كما زعم بعضهم، وذلك لأن البيان قد وقع بحمله على المحكم، وليس البيان في اللغة مقصورا على الظاهر، بل هو كذلك في المجاز.
وقد أوضح القاضي عبد الجبار من قبل أن الخطاب بالمتشابه يخالف خطاب العرب بالفارسية- في زعم من زعم- لأن هذا الخطاب ليس في العقل ما يعلم معه المراد فيكون عبثا، وليس كذلك حال المتشابه لأنه لا بدّ من أن يدل على المراد به إما العقل وإما المحكم، قال القاضي:
(1) من تفسيره لقوله تعالى: (رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) الآية 11 سورة الطلاق ورقة 104/ و.
(2)
ورقة: 161.
«وكلاهما ثابت لمن ينظر في المتشابه» «1» .
بل إن مجيء القرآن مشتملا على المحكم والمتشابه يقتضي من الناظر فيه والمتأمل له إذا وقف على ما يدل بظاهره على الجبر والتشبيه، وما يدل على العدل والتوحيد أن ينظر في أدلة العقول وفي سائر ما نبه عليه تعالى في كتابه، ليعلم به أن ما يدل ظاهره على العدل فهو المحكم دون الآخر، فلا تهمل بذلك أدلة العقول، ولهذا كان كون القرآن كذلك ملجئا إلى العدول عن طريقة التقليد إلى طريقة النظر- وهو ما يحب الحاكم تأكيده على الدوام- لأنه إذا وجد القرآن مختلفا- بظاهره- لم يكن بأن يقلّد المحكم أولى من المتشابه، فيضطر إلى الرجوع الى الأدلة وتأملها، ولو كان جميع القرآن محكما لكان أقرب الى الاتكال على ظاهره وطريقة التقليد فيه!
ثم انه لا يجب في القرآن أن يبلغ في «البيان» أعلى الرتب! لأن ذلك لو وجب لوجب في المعارف أن تكون ضرورية، لأن ذلك أبلغ من تكليف النظر والمعارف، لامتناع السّفه فيها وتأتيه في المكتسب! فإذا لم يجب ذلك فغير واجب في البيان أن يبلغ نهايته في الوضوح.
بل لا يمتنع في المتشابه أن يكون أولى في البيان لأن أحدنا إذا خاطب غيره على عهد تقدم لا يكون ملبّسا وإن كان ظاهر الكلام منه، لو تجرد عن العهد، لم يدل على المراد، لكنه مع العهد دل على المراد لمكان التقييد والاتصال. وما مهده الله تعالى في العقول من المعارف والأدلة أوكد من العهد في هذا الباب، فيجب خروج الخطاب لأجله من أن
(1) المغنى الجزء 16 صفحة 376.
يكون تعميها وتلبيسا وعدولا عن البيان «1» .
2 -
فواتح السور: أما فواتح السور فليست داخلة في حد المتشابه عند الحاكم وإن كانت كذلك عند غيره، وهي عنده مما يصح أن يوقف على معناها، وقد أورد في كتابه أهم الآراء التي قيلت في تفسيرها، وعقب على بعضها بالنقد، وذهب إلى ترجيح رأي الحسن البصري وزيد ابن أسلم والقاضي عبد الجبار وأبي علي الجبائي- في أحد روايتيه عنه- أنها أسماء للسور، لأنه قال في التعقيب على هذا الرأي وعلى رأي قتادة أنها أسماء للقرآن:«وهذا جائز لأن أسماء الأعلام منقولة للتفرقة بين المسميات، فمتى لم يرد بها معنى الأصل فهي على جهة النقل، وقد جاء في أسمائهم حارثة بن أوس بن لام» ثم قال: «ولا خلاف بين النحويين أن كل كلمة لم تكن على معنى الأصل فهي منقولة، كقولك «زيد» إذا لم ترد به الزيادة كان منقولا إلى العلم. ولا يقال: لو أريد به التسمية لم يسمّ بها سورا كثيرة، لأن هذا موجود في أسماء الألقاب فيسمى خلق زيدا ثم يتميز بشيء آخر يتصل به، كذلك هذا يتميز بما ينضم إليه فيقال:«الم ذلك» و «الم الله» قال الحسن: سمعت السلف يقولون إنها أسماء السور ومفاتيحها» «2» وقال في تفسيره لمطلع سورة «ق» :
(1) راجع المغني 16/ 373 - 374.
(2)
التهذيب من تفسيره للآية الأولى من سورة البقرة، ورقة 11.
(3)
التهذيب، ورقة 63/ و.
أما الرأي القائل بأن هذه الفواتح سر لا يعلم المراد منه، فقد رده بقوله:«وهذا لا يصح لأن الغرض من الخطاب الإفهام، ولأن الصحابة والتابعين، والعلماء بعدهم تكلموا في معنى هذه الحروف، فقوله يخالف إجماعهم» وعلق على الرأي القائل بأنها حروف مقطعة ولو وصلت صارت اسما من أسماء الله تعالى كقولك: الرحمن، فهو:«الر» «حم» «ن» ، بأن هذا إنما يتأتى في بعض الحروف دون جميعها.
أما أهم الآراء الأخرى التي ذكرها ولم يعقب عليها، فهي: 1 - رأي المبرد وأبي مسلم الأصفهاني وجماعة أنها إشارة إلى حروف المعجم، وتنبيه على أنه تعالى أنزل كتابه من هذه الحروف وأنتم تتكلمون بها، فإذا عجزتم عن الاتيان بمثله دل على أنه كلام الله تعالى وأنه معجز.
2 -
رأى أبي بكر الزبيري- الذي سبقت الإشارة إليه عند الكلام على مصادر الحاكم في التفسير- أنه تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة سوف تقول بقدم القرآن، فأشار تعالى بهذه الحروف إلى أن كلامه من جنسها، ليدل بذلك على أنه مسموع محدث غير قديم! .. 3 - رأى الأخفش أنها قسم أقسم الله بها لشرفها ولأنها مباني الكتب المنزلة والألسن المختلفة وأسمائه الحسنى، وأصول كلام الأمم بها يتعارفون. 4 - وأخيرا رأى قطرب وأبي علي- في روايته الأخرى عنه- أن الكفار لما تواطئوا على عدم سماع القرآن، وعلى أن يلغوا فيه، أحدث الله تعالى هذه الحروف التي لم يكن لهم بها عهد ليستمعوا ثم يأتي الكلام بعدها فيكون حجة عليهم، فكأنها مرادة لإثارة الدهشة والاستغراب، وما يلازم ذلك من السماع والإصغاء،