الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: ما في إخباره صلى الله عليه بها وتلاوته لها من المعجزة له مع أنه كان لا يقرأ ولا يكتب
…
«1» .
وقال في أسباب تكرار القصة الواحدة في أكثر من موضع إن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة، وكل قصة في مقام وعبرة، فلا يعد تكرارا! وقال أيضا:«لأنها تتضمن من عجيب الفصاحة ما يدل على إعجاز القرآن، فإن الواحد منا إذا ذكر قصة مرتين انحدر كلامه إلى الدركة الآخرة، والله تعالى كرر هذه القصص في مواضع بألفاظ عجيبة. وهذا من عظيم الفائدة» «2» .
تاسعا: الفقه
وقد جرت عادة الحاكم على أن ينهى وجوه القول في الآية أو الآيات- إذا كانت تتضمن بعض الأوامر الشرعية في بابي العبادات والمعاملات- بذكر ما يتصل بها من الأحكام الفقهية في فقرة خاصة.
1) والعنوان الذي يضع تحته هذه الأحكام، في الغالب، هو «الفقه» ولكنه ربما ذكرها في بعض الأحيان تحت عنوان «أحكام كذا» - بحسب بابها الفقهي المعروف، كأحكام التيمم، وأحكام الديات- يجعلها بعد فقرة «الأحكام» السابقة التي تحدثنا عنها، تمييزا لهذه الفقهيات عن تلك الدلالات العامة للآية، وربما اكتفى بالفصل بين الموضوعين دون أي عنوان «3» .
(1) انظر الورقة 24/ ظ من تفسيره لسورة النمل.
(2)
من السورة السابقة، ورقة 32/ ظ.
(3)
انظر تفسيره لقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ورقة 155. وانظر في هذا الجزء من التهذيب أحكام الديات ورقة-
2) رتب الحاكم هذه الفقرة «الفقه» من كتابه على الفصول المعروفة في كتب الفقه، وأوجز فيها القول، حتى إنها جاءت على شكل «ملخصات» دقيقة، أقرب ما تكون إلى المتون الفقهية التي يقصد منها التعليم، أو إغناء القارئ عن الرجوع إلى كتب الفقه، ولم يجر الحاكم في تفسيره مرة واحدة وراء أدلة الفقهاء الطويلة ومنازعاتهم في أصول التعارض والترجيح، على الرغم من كثرة الآراء التي يوردها في مسائل الفصل الواحد.
3) حفل الحاكم في هذه الفصول بفقه التابعين، وفقه الأئمة الثلاثة، وفقه الإمام زيد والإمام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين، وإن كانت نقوله عن الإمام زيد لا تكاد تذكر أمام نقوله عن الإمام الهادي وعن أبي حنيفة- بخاصة- والشافعي، وهذا مما يرجح أن مذهب الزيدية الفقهي هو مذهب الهادي، وأن اتّباعهم لمذهب الإمام زيد رضي الله عنه إنما كان في الأصول كما قدمنا.
4) أما ترجيحاته بين الآراء فهي ترجيحات عارضة لا تكشف لنا عن شخصية الحاكم الفقهية، مقلدا أو مجتهدا ولعل من الغريب أن المرء يعوزه على الدوام أن يجد في الكتاب أثرا بارزا لزيدية الحاكم التي طالما لهج بها المؤرخون وكتاب التراجم، بل إن الذي يبدو في ترجيحاته القليلة
- 191 - 193 وصلاة الخوف 198 - 199. وانظر «مسائل من الفرائض» بعد آية الميراث. وانظر في سورة الجمعة ورقة 99 حيث سلك «الأحكام» في بعض الآيات في فصل، وجعل «للفقه» فصلا آخر.
ميله الملحوظ إلى المذهب الحنفي، وعنايته الزائدة بآراء أبي حنيفة بخاصة «1» .
كما أن المرء في الوقت الذي يظن فيه أن الحاكم سيأخذ في التفريع واستعراض الأدلة والترجيح؛ يجد نفسه فجأة أمام عبارته الأثيرة التي كررها في مواضع كثيرة من كتابه: «وموضع تفصيله كتب الفقه» «2» !
(1) هذا قد يرجح الفرض بأنه كتب تفسيره قبل انتقاله إلى المذهب الزيدي، لأنه كتبه في وقت مبكر كما قدمنا، وإن كانت بوادر هذا الانتقال أو الاستعداد له، من حيث بعض الترجيحات والاجتهادات، قائمة على كل حال.
(2)
وتتجلى شخصيته الفقهية في الترجيح في «الأحكام» دون «الفقه» فيما يبدو، قال في قوله تعالى:(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ) إنها تدل على توريث ذوي الأرحام «على ما قاله أمير المؤمنين وابن مسعود خلاف ما يقوله زيد» .
وقال في قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) إنها تدل على أن الاستسقاء لا صلاة فيه، كما قاله أبو حنيفة، خلاف ما يقوله الشافعي. قال:«وروينا عن عمر مثل ذلك، وروي أن النبي صلى الله عليه استسقى ودعا ولم يصل. وروي أن عمر استسقى بالعباس ولم يصل. وما روي أنه صلى فعندنا يجوز أن يصلي، وإنما نقول: ليس فيه صلاة مرتبة مسنونة» .
وقال في قوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) .. إنها تدل باتفاق على وجوب النفقة للمطلقة الرجعية. قال: واختلفوا في المبتوتة بثلاث، والصحيح أن لها النفقة، وما روي عن فاطمة بنت قيس أن النبي لم يجعل لها النفقة والسكنى، فقد أنكر ذلك عمر وعائشة وابن مسعود، فلا نقبل خبرا أنكره هؤلاء الأجلة، وروي أنها كانت ناشزة
…
». راجع التهذيب الأوراق 98/ ظ، 115/ ظ، 104/ ظ.
5) ومهما يكن من أمر فإن الحاكم لم يجعل من هذه الفقرة في كتابه ميدانا لعرض آرائه في الفقه، وإن كنا نرجح عدم التزامه الكامل بمذهب بعينه، كما نرجح أنه لم يخرج فيما ذهب إليه من آراء عن اجتهادات الفقهاء السابقين مع نزوع واضح إلى الاجتهاد.
وطريقة الحاكم هذه- على كل حال- يختلف الحكم عليها بين من يطلب الخلاف والاجتهاد في كتب التفسير، وبين من يرجو ألا تتضخم أوراق آيات تفسير الأحكام، التي تعتبر قليلة إذا قيست بجميع آي الكتاب، وأن يكون حظها في كتب «التفسير» كحظ سائر الآيات، ولعل طريقة الحاكم التي نأت بكتب التفسير عن منازعات الفقهاء- مع نجاحها في ربط خلاصة الآراء الفقهية بالنص القرآني- هي الأقرب إلى الصواب، لولا أنها تركت خلافات الفقهاء إلى جدل المتكلمين!
6) وشاهد واحد يغني للدلالة في هذه الفقرة على كل ما ذكرناه:
قال في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)«1» إن الكلام في أحكام هذه الآية من وجهين «أحدهما: دلالات الآية. والثاني ذكر الجمعة وشرائطها» ثم خص كل واحد منهما- كلّ ذلك تحت عنوان فقرته «الأحكام» - بفصل خاص.
ونحن نورد فيما يلي كل ما قاله في الفصل الأول، مع ذكر رءوس المسائل التي عرض لها في الفصل الثاني، للدلالة أيضا على ما قدمناه من تفريقه بين
(1) الآيتان 9 - 10 سورة الجمعة، التهذيب ورقة 99.
«الأحكام» - أو دلالات الآية كما سماها هنا بدقة- و «الفقه» ، وحتى لا نستعرض مسائل فقهية ليس محلها هنا:
قال: «أما الأول، فتدل على اختصاص يوم الجمعة بصلاة وذكر.
وتدل على أن للجمعة نداء وهو أذان، وليس في الكتاب ذكر الأذان إلا هاهنا، وفي قوله:(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ). وتدل على وجوب السعي، والأقرب أنه يجب عند النداء لأنه عقبه به. وتدل على وجوب الجمعة لأن وجوب السعي إليها وتحريم المبايعة لأجلها يدل على وجوبها. وتدل على أن الخطاب للأحرار لأن العبد لا يملك البيع. وتدل على أنه خطاب للرجال لأن (آمنوا) حقيقة فيهم. وتدل على اختصاص الجمعة بمكان، لذلك أوجب السعي اليه. وتدل على ذكر يجب السعي إليه. وتدل على اختصاصه بوقت حيث ينادى فيه. وتدل على تحريم البيع، واختلفوا فالأكثر على أنه يكره وينعقد، وقيل لا ينعقد. وهو قول الحسن ومالك.
«ويدل قوله (وَابْتَغُوا)، على جواز الكسب خلاف ما يقوله بعضهم.
«ويدل قوله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أنه أراد من جميعهم الفلاح، ويدل على أن الفلاح يدرك بهذه الطاعات.
«واستدل بعضهم بقوله (فَانْتَشِرُوا) على إباحة السفر بعد الصلاة، فيدل على تحريمه قبلها، حتى زعموا أنه لا يجوز بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أن يسافر، والظاهر لا يدل عليه، وهو مذهب الأكثر.
«وتدل على أن السعي والبيع فعلهم، وكذلك الانتشار والابتغاء، لذلك علق به الأمر والنهي، وكيف يكون جميع ذلك خلقا له وهو يدعو
إلى ترك البيع والسّعي بألطف استدعاء: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)».
ثم ذكر جملا من ذلك- في ثلاث صفحات تقريبا- في غاية الدقة والتركيز.