الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضمير في (جلاها) يعود على الشمس وقد تقدم ذكره .. وقيل يعود على الكناية عن الظلمة، ولم يذكر لأن معناه معروف كقولهم: أصبحت باردة وأمست عاصفة، فكنى عن أشياء لم يجر لها ذكر .. »
رابعا: النزول
عد الحاكم من علوم القرآن: النزول، قال «فإن منه ما نزل بسبب ثم قصر على سببه، وقد يتعدّى إلى غيره. والواجب اعتبار اللفظ دون السبب» «1» . وقد كان لاعتباره هذا- الذي هو مذهب الأكثر- ولمنهجه في الاعتماد على اللغة، وموقفه من خبر الواحد عموما، أثره في عدم عنايته الزائدة بأسباب النزول.
1 -
فهو دائما يورد ما «قيل» في الآية من أسباب النزول مضافا إلى الصحابة أو التابعين وسائر السلف، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون من قبيل الآثار أو من قبيل التفسير في كثير من الأحيان، حتى يظن الباحث أن فكرة الحاكم عن سبب النزول- بمعنى أن الآية نزلت لحادثة بعينها أو بعد سؤال بعينه أو ما شاكل ذلك من أسباب النزول- لا تخلو من غموض، فهو قد يورد ما «قيل» في الآية من أسباب نزول، ثم يعقب عليها بأن الأولى من ذلك حمل الآية على عمومها لأن المعتبر باللفظ دون السبب! أو يرجح بعض الأقوال على بعض بنظم الكلام أو بما ذهب إليه الأكثر! مع العلم بأن حمل الآية على العموم اعتبارا باللفظ أو بعموم اللفظ لا يمنع أن يكون لها سبب نزول خاص هو «الأولى»
(1) مقدمة التهذيب، ورقة 2.
من سائر أسباب النزول نظرا لصحته أو لإجماع الصحابة عليه، أو ما شاكل ذلك من المرجحات!
2) ولذلك فإن الحاكم لم يرجح سببا على آخر إلا في مواطن قليلة، كما أنه لم يصرح برفض بعض أسباب النزول، بحجة أنها من أخبار الآحاد أو أن الظاهر لا يدل على صحتها!! إلا لمخالفتها لمنهجه كما تقدم.
3) ومن شواهده الموضحة لهذا الموقف من أسباب النزول، ما يلي:
أ- قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ .. )«1» قال الحاكم: قيل: نزل قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) إلى آخر الآية في رجل من بني جميح يكنى أبا الأشدين، كان شديد القوة يضع الأديم تحت قدمه ويقول: من أزالني فله كذا، فلا يطيق أحد نزعه إلا قطعا، ويبقى موضع قدمه. وقيل إن أبا الأشدين هذا أنفق مالا كثيرا في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإياه عني بقوله:(أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) لقوته!. وقيل: نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة كان يقول: أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد، أي أنفقت.
وقيل: بل نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنه أذنب ذنبا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكفير، فقال لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات مذ دخلت في دين محمد. قال الحاكم «والأولى أنها على عمومها، فالمعتبر باللفظ لا بالسبب!» .
(1) الآيات 4 - 7 سورة البلد، ورقة 146/ و.
وقال في قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)«1» إنهم اختلفوا في سبب نزوله على ثلاثة أقوال:
«أولها أنها نزلت في أبي بكر. وثانيها أنها نزلت في رجل من الأنصار.
وثالثها أنها عام في جميع من كان بهذه الصفة» ثم فصل هذه الأقوال والروايات ولم يعقب عليها بشيء، وكأن العبرة في سبب النزول ليست في عموم اللفظ!.
ب) وقال في قوله تعالى: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ
…
) «2» قيل نزلت في المنافقين والآية متصلة بقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)؛ عن أكثر أهل التفسير. وقيل: نزلت في اليهود، وقيل إن أهل هذه الصفة لم يأتوا بعد. قال الحاكم:«والأول أصح لأن عليه أكثر أهل العلم، ونظم الكلام يقتضي ذلك» !
وذكر في سبب نزول قوله تعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)«3» أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب، عن مقاتل، قال: كان يؤذي رسول الله ثم صار وليا وصهرا، تزوج بابنته رملة أم حبيبة، قال الحاكم: «وليس في الظاهر ما يدل عليه، وأبو سفيان لم يكن وليا قط! وقد قال يوم عثمان: إني لأرجو أن يعود ديننا
(1) الآيات 5 - 7 سورة الليل، ورقة 148.
(2)
الآية 11 سورة البقرة، ورقة 42/ و.
(3)
الآية 34 سورة فصلت، ورقة 27/ و.
كما عاد الملك إلينا! وقال يوم السقيفة لعلي ما قال يحثه على محاربة أبي بكر حتى زجره علي
…
».
ولم يفت الحاكم أن ينازل القدرية المجبرة في أسباب النزول، ويعرض فيها لنقض مذهبهم، أورد في قوله تعالى:(وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ)«1» من سورة المجادلة، أنها نزلت في القدرية عن ابن عباس، قال ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد يوم القيامة: أين خصم الله! فيقوم القدرية مسودة وجوههم يقولون: ما عبدنا شيئا دونك! قال ابن عباس: صدقوا ولكن أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون. قال الحاكم: «وقد بينا في سورة القمر أن القدرية هم المجبرة الذين يجعلون كل القبائح بقدره، وروينا عن النبي ما يدل عليه، وبينا الوجوه في ذلك، وذكرنا أن عليا رضي الله عنه بين ذلك بيانا شافيا .. »
ثم استطرد في بيان دلالة هذا الخبر عن ابن عباس على ما قدمه في سورة القمر، ونقل عن الحسن أنه قال في قوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ
وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)
إن إبليس يقوم فيقال له: لماذا لم تسجد لآدم ولم كفرت وأبيت؟ فيقول إنه منع من السجود وخلق فيه الإباء .. فيقال كذبت، فيقول لي شهود!! فيقوم ناس من هذه الأمة فيشهدون له فيخرج من أفواههم دخان يسوّد وجوههم، ويبعث بهم إلى النار». «2»
(1) الآية 18، ورقة 77/ ظ.
(2)
انظر الورقة 89/ ظ.