الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتزال إلا القول بقدرة العبد وأنها هي التي توجد الفعل، أو بعبارة أخرى: ليس لهم إلا رفض مذهب الجبر والنقض على المجبرة- ولذلك وسم بعضهم بالقدري- وهو الاسم الذي أطلق على المعتزلة أولا- ولهذا تغاضينا عن عد تفاسيرهم مع تفاسير المعتزلة في الفصل السابق.
والذي يفسّر اعتماد الحاكم لآراء هؤلاء المفسرين الاربعة، فيما نرى، ولعه الشديد بالرد على المجبرة، ومحاولته الدائبة استنباط الأحكام الدالة على فساد مذهبهم من آيات جدّ كثيرة، كما سنرى عند الكلام على منهجه في التفسير.
2 - أمثلة وشواهد:
ونورد فيما يلي فقرة واحدة من تفسيره توضح عنايته بآراء السلف، وتمهد للحديث عن مصادره الأخرى، وطريقته في الإفادة منها.
قال في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)«1» :
«المعنى: لما بين تعالى دين الحق «2» حثّ على إظهاره ونهى عن كتمانه فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ): قيل أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والحسن والربيع والسدي والأصم وأبي علي، وقيل إنه كلام مستأنف في كل من كتم ما أنزل الله، عن أبي القاسم وأبي مسلم والقاضي، قال: ونزوله على سبب لا يوجب قصره عليه، ولا
(1) الآية 159 من سورة البقرة.
(2)
راجع الآيات السابقة.
مانع من حمله على العموم، وروى عن عائشة وأبي هريرة ما يدل على أنهما حملاه على العموم قال أبو هريرة: لولا آيتان من كتاب الله تعالى ما حدثتكم، وتلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
…
(ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) قيل: من الحجج المنزلة في الكتب، والهدى: الدلائل والأول علوم الشرع، والثاني أدلة العقل، فعم الوعيد في كتمان جميعها.
(مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) قيل: في التوراة والانجيل من صفته صلى الله عليه وسلم من الأحكام، وقيل: في كل كتاب أنزله الله. وقيل:
أراد بالمنزل الأول ما في كتب المتقدمين، وبالثاني ما في القرآن.
(أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) يعني يبعدهم من رحمته (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قيل: الملائكة والمؤمنون، عن قتادة والربيع وأبي علي، وقيل: دواب الأرض وهوامها يقولون: منعنا القطر لمعاصي ابن آدم، عن مجاهد وعكرمة وإنما عبر عنهم بعبارة ما يعقل لأنه أضيف اليهم فعل ما يعقل فعبر عنهم بعبارتهم، كقوله:(رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). وقيل: كل شيء سوى الثقلين الجن والإنس، عن ابن عباس. وقيل: من آمن به، عن الأصم وأبي مسلم. وقيل إن أهل النار يلعنونهم أيضا حيث كتموهم الدين، فهو على العموم. وعن ابن مسعود: إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق، فإن لم يكن مستحق حقت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله. وروي عن ابن عباس أن لهم لعنتين لعنة الله ولعنة الخلائق، قال: وذلك إذا وضع الرّجل في قبره فيسأل: ما دينك ومن ربك؟ فيقول ما أدري!