الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك الصلة بين ما تعملون وما تنحتون حيث تخالف بين المرادين بهما، فتريد بما تنحتون: الأعيان التي هي الاصنام، وبما تعملون: المعاني التي هي الاعمال، وفي ذلك فك النظم وتبتيره، كما إذا جعلتها مصدرية!». «1»
وقبل أن نمضي في استعراض المزيد من الشواهد الأخرى، نورد فيما يلي بعض الملاحظات العابرة على هذين الشاهدين، بعد مقارنتهما بما قدمناه فيهما من كلام الحاكم رحمه الله.
1) وأول ما يلاحظه القارئ أن النقلة في أسلوب الرجلين بعيدة جدا، ففي حين يذكّرنا الحاكم بإشراق عبارته، وصدقه فيما يرى وينقل، بأسلوب القرنين الأول والثاني، يردنا الزمخشري بأسلوبه الملتوي ومحاولته الدائبة في التعالي إلى أظلم عصور الانحطاط.
2) أكثر الوجوه التي ذكرها الزمخشري في تأويل هذه الآيات موجود عند الحاكم، وكذلك بعض تصوير الاعتراضات، وقد مضى الحاكم على إضافة كل رأي إلى قائله، ولا شك أن الزمخشري قد انتفع بهذه الآراء- من أي طريق- ولكنه درج على الترفع عن النقل عن أي مخلوق!
3) وجه التأويل الذي اختاره في الآية الأولى، والذي يمكن أن يظهر عليه الناظر في الوجوه التي ذكرها الحاكم- مع ما أورده من سبب النزول- يبعد أن يكون غرضا تأتي الآية من أجله على هذا الأسلوب!
ولا نتعجل الحكم على الزمخشري قبل عرض المزيد من المقارنات:
ب) من الشواهد الموجزة التي أشرنا إليها في هذه الرسالة:
«2»
(1) الكشاف: 4/ 39 - 40.
(2)
حرصنا على هذا النوع من الشواهد، مع سابقه، تحقيقا للموضوعية، وقد اخترنا هذه الشواهد في السابق لأغراض أخرى.
1) قوله تعالى: (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)«1» .
قال الحاكم: «اللغة: المدهن: الذي يجري في الباطن على خلاف الظاهر، كالدهن في سهولة ذلك والإسراع فيه. أدهن يدهن إدهانا، وداهنه مداهنة، مثل نافقه منافقة.
«النزول: قيل نزل قوله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) في الاستسقاء، عن ابن عباس- وقيل: بل هو في عبد كذب بالقرآن، قال الحسن: خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به- وعن ابن عباس: مطر الناس على عهد رسول الله فقال: أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر، قال بعضهم: هذه رحمة وضعها الله تعالى.
وقال بعضهم: صدق نوء كذا فنزلت الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ .. ) إلى قوله (تُكَذِّبُونَ)
…
«المعنى: (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) قيل القرآن، وقيل الإعادة، وقيل حديث النبوة. (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قيل مكذبون، عن ابن عباس، وقيل كافرون، عن مقاتل. وقيل المدهن: الذي لا يفعل ما يجب عليه ويدفعه بالعلل. وقيل المدهن: المنافق. وقيل: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم، عن مجاهد. (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قيل: تجعلون
حظكم من الخير، الذي هو رزقكم أنكم تكذبون به. وقيل: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، عن ابن عباس وأبي علي. وقيل حظكم من
(1) التهذيب، ورقة 84.
القرآن الذي رزقكم الله التكذيب به، عن الحسن. وقيل: أراد بالرزق الشكر، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون، وقيل إنه لغة أزد شنوءه. وقيل: تكفرون بالمنعم، وترون النعم من النجوم».
قال الزمخشري: (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) يعني القرآن (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أي متهاونون به، كمن يدهن في الأمر، أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به! (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) على حذف المضاف، يعني: وتجعلون شكر رزقكم التكذيب، أي: وضعتم التكذيب موضع الشكر. وقرأ علي رضي الله عنه: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون. وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم! والمعنى: وتجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به. وقيل نزلت في الأنواء ونسبتهم الرزق إليها. والرزق: المطر يعني: وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حين تنسبونه إلى النجوم. وقرئ: تكذبون! وهو قولهم في القرآن: شعر وسحر وافتراء. وفي المطر: وهو من الأنواء ولأن كل مكذب بالحق كاذب!!». «1»
والذي نشير إليه هنا قبل الانتقال إلى الشاهد الثاني، أن الحاكم فيما يبدو أهمل قراءة علي رضي الله عنه لأنها عنده تفسير وليست بقراءة، وهي التي ذكر أن النبي فسر بها الآية، وإن كان الزمخشري قد جعلها كذلك قراءة للنبي!! ولا ندري ماذا يعني بهذا القول؟ وما هو حد «القراءة» عنده على هذا الاعتبار. ولعل براعته في الإفادة من الآراء والأخبار قد
(1) الكشاف 4/ 374 وانظر فيه تفسير الآيات التالية.
خافته هذه المرة. على أن أسلوبه في شرح الموطن الواحد ب «يعني» و «أي» و «المعنى»
…
قد يوحي بأنه يشرح رأيا مبسوطا أمامه بعبارات أخرى!
2) قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)«1»
«قال الحاكم: القراءة: قراءة العامة «يعش» بضم الشين، يعني يعرض. وعن ابن عباس بفتح الشين، يعني: يعم، يقال: عشي يعشى، إذا عمي، ورجل أعشى، وامرأة عشواء. وقرأ عاصم في بعض الروايات: يفيّض، بالياء، رجع بالكناية إلى اسم الرحمن.
والباقون بالنون.
اللغة: العشو: أصله النظر ببصر ضعيف، كذا قاله الخليل، يقال:
عشا يعشو عشوا، إذا ضعف بصره وأظلمت عينه، ونظر نظرا ضعيفا كأن عليها غشاوة، فإذا ذهب بصره يقال: عشي يعشى عشى، مثل:
عمي يعمى عمى. قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
…
تجد خير نار عندها خير موقد
قال أبو الهيثم: يقال: عشا إلى النار: قصد، وعشا عنها: أعرض.
ونظيره مال عنه ومال إليه، وأنكر القتيبي: عشوت عن الشيء:
(1) الآية 36 سورة الزخرف (الحاكم ورقة 39/ و. انظر فيما تقدم ص 296).
أعرضت. قال: وإنما الصواب: تعاشيت. والصحيح الأول لإجماع أهل اللغة والتفسير.
والقيض: المثل، وهما قيضان: أي كل واحد منهما عوض عن الآخر، ومنه المقايضة في البيع، وقيّض الله الشيء: أتاحه وسببه، يقال: هذا قيض لهذا وقياض، أي: مسبب، وقوله (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) منه، كأنه جعل الشيطان له عوضا مما تركه من ذكر الله.
المعنى: لما تقدم ما أعد الله للمتقين، وعدا لهم «1» ، عقبه بذكر الوعيد والعقاب فقال سبحانه:(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ): يعرض، عن قتادة والسدي. وقيل: يعم، عن ابن زيد وأبي علي، قال أبو علي:
هذا توسع، شبههم بالأعمى لما لم يبصروا الحق. وقيل: العشو: السير في الظلمة، فلما كان الذاهب عن ذكر الله يتردد في الضلالة؛ خرج الكلام في ذهابه على السائر في الظلمة عن ذكر الله تعالى، عن أبي مسلم.- واختلفوا في «الذكر» قيل: الآيات والأدلة. وقيل القرآن- (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) قيل: من أعرض عن ذكر الله تعالى يخلي بينه وبين الشيطان فيصير قرينه عوضا عن ذكر الله، عن الحسن وأبي مسلم. وإنما جاز التخلية لما علم أنه لا يفلح وإن لم يكن الشيطان له قرينا. وقيل:
يقرنه في الآخرة ليذهب به إلى النار، عن قتادة، كما أن المؤمن يصير قرينه ملك يذهب به إلى الجنة
…
».
قال الزمخشري: «قرئ: ومن يعش، بضم الشين وفتحها.
(1) انظر الآيات السابقة من السورة.