الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيعة عموما شديد التداخل، وذلك يعود إلى أسباب كثيرة وقديمة لا مجال هنا لاستعراضها «1» مع تلك النصوص.
رأي الزيدية في الإمامة
والذي نود أن نعرض له هنا: الإشارة إلى رأي الزيدية في الإمامة وبعض المسائل الهامة المتصلة بها، في سبيل توضيح بعض الجوانب في عقيدة الحاكم، وبيان مدى اعتداله في آرائه وأحكامه:
يرى الزيدية أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم زيد بن علي، ثم من سار بسيرتهم من أولاد فاطمة عليها السلام لا فرق في ذلك بين أولاد الحسن وأولاد الحسين، ولكنهم لم يجوزوا ثبوت إمامة في غيرهم «2» والطريق إلى الإمامة عندهم (النص) في الأئمة الثلاثة الأول، والدعوة والخروج في الباقي «3» ولذلك فإنهم لم يعتقدوا إمامة علي زين العابدين لأنه لم يشهر سيفه في منابذة الظلمة. وهم بذلك يختلفون عن الشيعة الامامية الذين نصوا على إمامة علي زين العابدين
(1) ليس منها على كل حال قلة اعتداد المعتزلة بالأخبار المأثورة كما يرى آدم متز (الحضارة الإسلامية 1/ 106 ط 3) ولا المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ونحو ذلك كما زعم غيره (المعتزلة لزهدي جار الله صفحة 206) والأمر ليس بمثل هذه البساطة على كل حال. ونرجو أن نفرد هذا الموضوع ببحث مستقل إن شاء الله تعالى.
(2)
راجع الملل والنحل للشهرستاني 1/ 207 - 208 بهامش الفصل، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، ص 757.
(3)
انظر شرح الأصول الخمسة، صفحة 754 وشرح عيون المسائل 1/ 22 - 23.
وجعلوا الامامة بعده في جعفر الصادق إلى اثني عشر إماما «1» ويختلفون كذلك عن المعتزلة الذين جعلوا الطريق إلى الامامة «العقد والاختيار» ونصوا على أن الامام بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي «ثم من اختارته الأمة وعقدت له ممن تخلّق بأخلاقهم وسار بسيرتهم» قال معلق شرح الأصول: «ولهذا تراهم يعتقدون إمامة عمر بن عبد العزيز لما سلك طريقهم» «2» .
وهناك نقطتان رئيسيتان في موضوع الإمامة عند الزيدية: الأولى: أنهم جوزوا خروج إمامين في قطرين يجمع كل منهما خصال الإمامة ويكون واجب الطاعة.
والثانية: أنهم جوزوا إمامة المفضول مع وجود الأفضل «3» وهذا فيما يبدو أثر من آثار إنكارهم وجود النص على الإمام في غير الأئمة الثلاثة، وورع من الإمام زيد رضي الله عنه في الشيخين، وموقف عملي سبق إليه
(1) انظر غاية الاختصار لابن حمزة الحسيني صفحة 83 ويقول الإمام زيد رضي الله عنه: «إن الإمام منا أهل البيت المفترض الطاعة على المسلمين:
الذي شهر سيفه ودعا إلى كتاب ربه وسنة نبيه، وجرت بذلك أحكامه، وعرف بذلك قيامه، فذلك الذي لا تسع جهالته. فأما عبد جالس في بيته مرخى عليه ستره. تجرى عليه أحكام أهل الظلمة لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر فلن يكون إماما» راجع سيرة الإمام الهادي ورقة 22 مخطوطة الدار.
(2)
شرح الأصول الخمسة ص 758 ومعلقه أحد تلامذة القاضي، وممن يذهب مذهب الزيدية.
(3)
انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 207 - 208.
جدّه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ فحين سئل الإمام زيد ممن رأيه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، من قبل الخارجين معه بالكوفة حين اشتد القتال مع عامل هشام بن عبد الملك، أثنى عليهما خيرا وقال:
أثنى عليهما جدّي وقال فيهما حسنا، وإنما خروجي على بني أمية الذين قاتلوا جدي عليا وقتلوا جدي حسينا، فانفضوا عنه ورفضوه لهذا القول فسموا رافضة، وقاتل بمن بقي معه منهم، الذين دعوا بالزيدية، حتى أتى القتل عليهم جميعا «1» وبالرغم من أن بعض فرق الزيدية بعد قد ادعت النص، وخاض منهم من خاض في الشيخين رضي الله عنهما، وشوّهوا آراء الامام زيد- وبقوا مع ذلك ينتسبون إلى الزيدية أو ينسبون إليهم «2» - فإن
(1) راجع التبصير في الدين للاسفراييني صفحة 34. وقال الحاكم إن الإمام زيد لما خرج جاءه قوم وسألوه عما يذهب إليه فكان يقول: أبرأ من المارقة الذين كفروا أمير المؤمنين، والرافضة الذين رفضوا أبا بكر وعمر، فتبعه بعضهم وتركه بعضهم، فمن تبعه سموا زيدية ومن خالفه سميت رافضة.
(شرح العيون 1/ 22). والعجيب بعد ذلك أن يعد الملطي الزيدية إحدى فرق الإمامية (التنبيه والرد ص: 25، 38) وأن يعدها البغدادي إحدى فرق الروافض (الفرق بين الفرق ص 29) وأن يقول الأسفراييني إن الروافض يجمعهم ثلاث فرق: الزيدية، والامامية، والكيسانية. (التبصير ص 32)!!
(2)
راجع الفرق للبغدادي صفحة 30 وفرق الشيعة للنوبختي صفحة 21 وقال الشهرستاني: «ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت في الصحابة طعن الامامية» - الملل والنحل بهامش ابن حزم 1/ 211 - وفي مسألة النص يقول الحاكم رحمه الله: «فأما ادعاء النص فهو أمر حادث لم يقل به أحد من الصحابة والتابعين، وإنما أظهر هشام وجوب الامام على-
مصنفنا الحاكم رحمه الله لم يتجاوز آراء الامام زيد، فأفاض في احترام الشيخين والثناء عليهما «1» وأنكر أن يعدّ من الزيدية أصلا من يقول بالرجعة
- ما تقوله الامامية، وعلى الصفة التي يقولونها، وكان متهما في دينه، ولا سلف لهم في ذلك!» شرح عيون المسائل مجلد 1/ ورقة 51، وانظر نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام للأستاذ الدكتور علي سامي النشار 2/ 178 - 179.
(1)
انظر تعريفنا القادم بكتابه (جلاء الأبصار) وانظر شرح العيون 1/ 51، وقد جرت عادته بالترضي عن الشيخين حيث ورد ذكرهما في تفسيره، وقد أفاض في هذا التفسير في الثناء على الصحابة جميعا رضوان الله عليهم، وبخاصة على الخلفاء الراشدين، في أحكامه التي يستنبطها من الآيات، وبمناسبة الكثير من أسباب النزول.
وقد حكم على الرافضة والمارقة الذين وقعوا في الصحابة واتهموهم بالنفاق، بأنهم كفرة فجرة- انظر ما وقف عليه من الأحكام الكثيرة في تفسيره لقوله تعالى:(للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) في سورة الحشر/ ورقة 92/.
وقال في قوله تعالى: «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ» من سورة الحديد، إنها نزلت في أبي بكر فيما رواه الكلبي، قال الحاكم:
وقال في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ- الشَّجَرَةِ
أو بأي رأي ثنوي آخر «1» .
ونجده في كتابه «التأثير والمؤثر» يعقد فصلا خاصا لموضوع الامامة، تحت عنوان:«فصل في الامام» يبين فيه عن رأيه في
) «إنها تدل على أنهم جميعا كانوا من أهل الرضا، لذلك أطلق المدح والرضا. وتدل على أن ظاهرهم كان كباطنهم بخلاف ما تقوله الرافضة المارقة إن أكثرهم كانوا منافقين، عن جابر: بايعنا رسول الله على أن لا نفر وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وبايع عثمان بإحدى يديه على الأخرى، وقال الناس: هنيئا لأبي عبد الله» - التهذيب في تفسير سورة الفتح ورقة 58/ ظ.
وقال في قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) إن أكثر المفسرين علي أن الداعي أبو بكر وعمر، والمدعو إليهم فارس والروم وهوازن وثقيف، لأنهم كانوا بهذه الصفة.
ثم قال: «فوجب أن يكون نصا على إمامتهما. قلنا: نص على الوصف لأنه لم يبين من الداعي، فلما اختاروه علمنا بالآية وجوب طاعته، ودل ذلك على صحة الاختيار، وكون الامامة على هذا الترتيب، هكذا ذكره مشايخ أهل العدل. وتدل الآية على وجوب طاعته فيما دعا إليه ووعيد من تخلف عنه» التهذيب ورقة 58/ ظ. وانظر الورقة: 27، 28 في تفسيره لسورة (فصلت) ومواضع أخرى.
(1)
راجع شرح العيون 1/ 22، ولا بد- على كل حال- من إعادة النظر في تاريخ الزيدية وآرائهم في الدين والامامة على ضوء كتب الحاكم الذي عد الجارودية والأبترية- أصحاب سليمان بن جرير- من فرق الزيدية التاريخية ونص على أن الزيدية في عصره فرقتان: قاسمية ينتسبون إلى الامام أبي محمد القاسم ابن إبراهيم، وناصرية ينتسبون إلى الامام الناصر للحق الحسن بن علي عليهم السلام. (راجع شرح العيون 1/ 22 - 23).
هذا الموضوع الهام، قال: «الامامة رئاسة عامة. ولا يجب إقامته- أي الامام- عقلا وإنما هو من فروض الكفايات لإجماع الصحابة على ذلك، ولإقامة الحدود التي أوجبها الله تعالى، ولا يقوم بها كل أحد. وقد يجب نصب الرئيس إذا غلب على ظنهم أن الضرر لا يندفع إلا به، ولا يجب نصبه لمعرفة شكر نعمة الله تعالى، ولا يحتاج إليه ليعلم الدين من أصول التوحيد والعدل والشرائع، ولا حفظها، لأن كل ذلك محفوظ مع عدم الامام، وإنما يحتاج إليه لأمور شرعية، كإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وجباية الأموال ووضعها في مصارفها، ونصب القضاة والأمراء ونحو ذلك.
وتجب إقامته إذا أمكن. ولا بد للإمامة من طريق، ولم يوجد نص من الله تعالى ولا من رسوله على أحد فليس النص بطريق لها، وكذلك المعجز ليس طريق الامامة، وكذلك الخروج بالسيف أو الدعاء إلى النفس، وكذلك الوراثة، وإنما طريقها الاختيار.
«ولما كانت الامامة أمرا شرعيا كانت شرائطها مأخوذة من الشرع، فمن شرائطه- الإمام- العلم بالشرع حتى يمكنه تنفيذ الأحكام، والعلم بتدبير الحروب ونحوه ليمكنه القيام به ومنها الأمانة فيكون عدلا مؤتمنا على الأموال والفروج. ومنها أن يكون أفضل أو كالأفضل، ولا يجوز إمامة المفضول إلا لعذر، وعند الأعذار يجوز. ولا يجب أن يكون معصوما ولا أن يعلم جميع علوم الدين والدنيا كما لا يجب ذلك في القضاء
…
ولا يجب أن يكون أعلم أهل زمانه، ويجوز أن يحتاج إلى غيره في العلوم؛ ألا ترى أنه يرجع إلى أهل الصناعات في قيم وأروش الجنايات!
…
«والذي لأجله بويع المفضول وجوه: منها أن يكون أعلم بوجوه السياسة، أو يكون في الفاضل علة تقعده عن القيام بالامامة بأن يكون عبدا أو مريضا مرضا ينفر أو بخيلا أو جبانا، أو يكون المفضول أشد اشتهارا في العامة والخاصة، أو يكون انقياد الناس له أكثر، أو يكون- الفاضل- له عذره في حال العقد كغيبته وحضور المفضول في البلد الذي مات فيه الإمام أو يكون قريبا
…
«ويجب أن يكون الإمام واحدا، فإن بويع لاثنين فالأول هو الإمام، فإن لم نعلم السابق، قال أبو علي: نستعمل القرعة، وقال أبو هاشم: لا يجوز استعمال القرعة، ولكن يبطل العقدان ويستأنف العقد لأحدهما
…
» «1»
ولا يذكّرنا هذا النص الهام بآراء المعتزلة في الإمامة فحسب، بل يذكرنا كذلك بشيء من فلسفة الحكم في الإسلام، وفي أحدث النظم والقوانين الدستورية.
(1) التأثير والمؤثر للحاكم ورقة 105.