الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير قبض!» «1»
وقال في «الشّفق» في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ): الشفق أصله الرقة، ومنه: أشفق على كذا فهو شفيق. وأشفق عليه: خاف هلاكه، وأشفق منه: خاف إذا رق بالخوف. وثوب شفق: رقيق.
والشّفق: البقية الضعيفة من أثر الشمس إذا غابت، سميت بذلك لرقتها، وبعضهم يقول: الشفق الحمرة، وهو قول الخليل والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي ومالك. ومنهم من يقول: البياض، وهو قول أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء، وقول ثعلب وجماعة من أهل اللغة. وقال الفراء سمعت بعض العرب يقول لثوب أحمر: كأنه الشفق! قال الشاعر:
أحمر اللون كحمر الشفق
وقال آخر:
قم يا غلام أعنّي، غير محتشم
…
على الزمان، بكأس حشوها شفق! «2»
ثالثا: الاعراب
وأما طريقته في هذه الفقرة من فقرات تفسيره، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
1 -
لم يعرض الحاكم بالطبع إلى إعراب جميع آيات القرآن، ولكن قلما تخلو واحدة من مجموعة الآيات التي يفسرها مع بعض من موطن أو أكثر يحتاج إلى إعراب، ولهذا فإن فقرة الإعراب تبدو للقارئ فقرة ثابتة في تفسير الحاكم لا تكاد تتخلف، اللهم إلا بمقدار ما تتخلف
(1) نفس المصدر 4/ ظ.
(2)
ورقة 139/ ظ. والشواهد تملأ كل صفحات الكتاب.
«القراءة» مثلا، وذلك في أحوال نادرة على وجه العموم.
2 -
المواطن التي عرض الحاكم لإعرابها في القرآن، هي في الواقع ما يشكل على طالب العلم الذي شدا طرفا من علم النحو، وإن كان لا ينكر أهمية هذا الإعراب باعتباره طريقا إلى التفسير وبيان معنى الآية، كما لا ينكر أنه قد يورد هنا في كثير من الأحيان أمورا دقيقة، وشيئا من فلسفة النحو، مما يطلبه آخرون.
3 -
استطرادات الحاكم في «الإعراب» كثيرة جدا، وبخاصة في الأجزاء الأولى من الكتاب، وموضوع هذه الاستطرادات في الغالب هو قواعد النحو ذاتها، فتراه مثلا يخرج من إعراب «إنّ» إلى ذكر أخواتها جميعا، وذكر المواضع التي تكسر فيها همزتها وجوبا! كل ذلك مع الأمثلة والشواهد. كما تراه مثلا بمناسبة إعراب واو بأنها واو القسم يخرج إلى الحديث عن حروف القسم والتمثيل لها جميعا. ويستطرد من إعرابه لاسم الاستفهام «كيف» وعن أي شيء يسأل به عنه، إلى ذكر سائر أدوات الاستفهام وعم يسأل بها، الخ
هذا عدا إسرافه الزائد في ذكر وجوه الإعراب في الكلمة الواحدة أو الحرف الواحد، مع أن سبيله إلى الترجيح واضحة في بعض الأحيان، وربما يكون قد أشار هو نفسه إليها في نفس الموضع أو في موضع آخر.
وما تزال عين القارئ تقع في كتاب الحاكم على عبارة «ويقال» ضمن فقراته «الإعرابية» يفرّع بها ويتساءل، وعلى عبارة:«قلنا» يجيب بها على هذا التساؤل! «1»
(1) أما عبارته الجدلية المفضلة في «المعنى» و «الاحكام» فهي:
«ومتى قيل
…
قلنا».
وقد تحملنا كثرة استطراداته تلك على الظن بأنه كان له هدف تعليمي في تفسيره من خلال إعراب القرآن، حيث يضع طالب العلم أمام نصوص العربية الخالدة وجها لوجه. ولا يبعد هذا الظن ما رجحناه من قبل من أنه قد وضع تفسيره المطول هذا بالعربية، قبل أن يكتب تفسيريه الآخرين بالفارسية، فلعله كان ينوي تلخيصهما عنه، وليست حاجة العرب- على كل حال- تقل كثيرا حاجة الفرس في القرن الخامس والقرون التالية إلى تذكّر قواعد اللغة وهم يقرءون التفسير، أو يقفون على وجوه الإعراب والتأويل. على أن العناية الزائدة بالإعراب في التفاسير المطولة كانت من طابع هذا العصر، كما أشرنا إلى ذلك في التمهيد لهذه الرسالة.
4 -
وغني عن البيان أن إعراب الآية عند الحاكم طريق وتمهيد لتفسيرها وبيان «معناها» في الفقرة التالية، ولكنه ربما قدم القول هنا في حل إشكال سوف يعترضه عند الكلام على «المعنى» لأن ظاهر المعنى مما لا يجوز عنده، أو مما لا يقول به أحد، قال في قوله تعالى:
(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)«1»
«الاعراب: يقال: ما حكم الاستثناء في قوله (إلا من ظلم)؟ قلنا:
فيه وجوه: أولها إلا من ظلم فيما فعل من صغيرة، فيكون الاستثناء في هذا متصلا، في معنى قول الحسن. وثانيها: لكنه من ظلم العباد فهذا
(1) الآيتان 10 - 11 سورة النمل، ورقة 23 وانظر كذلك الورقة 49 من تفسيره لسورة البقرة.
أمره، فيكون استثناء منقطعا. وثالثها: تقديره: لا يخاف لدي المرسلون إنما الخوف على من سواهم إلا من ظلم، فمن بدل حسنا بعد سوء. وقيل:
«إلا» معنى الواو، كقوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) تقديره: فلا على من ظلم ثم تاب. وقيل: «إلا» بمعنى «أما» يعني: أما من ظلم ثم بدل حسنا فلا خوف عليه أيضا».
5 -
أفاد الحاكم في موضوع «الإعراب» من مصادر خاصة بإعراب القرآن ومعانيه وكتب أخرى، فوق مصادره العامة التي تحدثنا عنها فيما تقدم، وما تزال أسماء الزجاج والفراء وأبي عبيدة والأخفش وابن السراج تتردد في أكثر هذه الفقرات، كما تتردد أسماء الكسائي وقطرب وسيبويه، إلى جانب الاحتجاج الدائب بمذهب الكوفيين والبصريين.
6 -
ونكتفي فيما يلى ببعض الشواهد الموجزة التي تولى فيها- رحمه الله حل بعض الإشكالات:
قال في قوله تعالى (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)«1» :
«ومتى قيل: كيف قال إنا رسول وهما اثنان؟ فجوابنا: فيه وجوه:
أحدها معناه: كل واحد رسول. وثانيها أنه مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كأنه قيل: ذو رسالة، قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحث عندهم
…
بسر ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة، عن الفراء. وذكر أن الرسول يكون في معنى
(1) الآية 16 سورة الشعراء، ورقة 3/ و.
الواحد والاثنين والجمع، يقولون: هؤلاء رسولي، وهذان رسولي، وهذا رسولي، وإلى هذا الوجه ذهب أبو عبيدة».
وقال في قوله تعالى: (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)«1» :
في قوله (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) قولان: قيل تقديره: وما أنتم بمعجزين، ولا من في السماء بمعجز. قال: وهو من غامض العربية للضمير الذي في الثاني، ونظيره قول حسّان:
فمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
أى: ومن يمدحه، فأضمر؛ عن الفراء وأبي زيد.
«وقيل: لا يعجزه أمرنا في الأرض ولا في السماء» .
وقال في قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها، وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها، وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)«2» ، قال: «الأعراب: الواو في قوله (وَالشَّمْسِ) ونظائرها واو القسم، ولذلك كسر ما بعدها. وما بعده معطوف عليه. وحروف القسم ثلاثة: الباء وهو الأصل، ثم الواو فرع عليه. ثم التاء فرع على الواو، فلا تدخل إلا على اسم الله تعالى، كقوله (تالله).
(قد أفلح) قال الخليل: اللام مضمر فيه، أي لقد أفلح، وقيل:
بل فيه تقديم وتأخير، تقديره: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَالشَّمْسِ وَضُحاها.
(1) الآية 31 سورة الشورى، ورقة 49/ و.
(2)
الآيات 1 - 10 سورة الشمس، ورقة 147/ و.