الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤلّفاتُه وَآثارُه:
قد يُعتبر ابنُ عبد الملك مُقِلًّا في التأليف بالنسبة إلى بعض مُعاصريه، وبالنظر إلى قراءاته الهائلة ومشاركته الواسعة، وقد ألّف كتابَيْن كبيرين هما: الذّيل والتكملة لكتابَي الموصُول والصِّلة، والجَمْع بين كتابَي الموصُول والصِّلة، والجَمْع بين كتابَي ابن القَطّان وابن المَوّاق على كتابِ الأحكام، وهما مؤلَّفانِ استَبدّا بجُلِّ وقته وأنفق فيهما معظمَ حياته، وذلك بحكم مادّتِهما التي تتطلّبُ الاستقصاءَ وطبيعةِ منهجهِما الذي يقتضي ضروبًا عسيرةً من الترتيبِ والتنسيق.
أ - الذّيل والتكملة:
ويبدو كلُّ هذا جليًّا على الخصوص في كتاب "الذّيل والتكملة"، ولعلّ هذا ما عَناه ابنُ الزُّبير حين قال متحدِّثًا عن هذا الكتاب -وكأنه يُبرِّر قلةَ مؤلّفاتِ ابن عبد الملك-:"وعلى هذا الكتاب عَكَف عمُرَه، ولم يتمَّ له مَرامُه منه إلى أن لحِقته وفاتُه؛ لأنه ألزَمَ نفسَه فيه ما يعتاصُ الوفاءُ به من استيفاءِ ما لم يلتزمْه ابنُ بَشْكوال ولا الحُمَيْديّ ولا ابنُ الفَرَضيّ ومَن سلك مسلكَهم". ولا ننسى أنّ ابنَ عبد الملك عاش في فترة انتقاليّة كانت محُوطةً بالمكاره والمخاوف، وأنه مات في الأخير غريبًا عن بلده نائيًا عن أهله وولده.
ومعَ ذلك، فقد أشار في كتابه "الذّيل والتكملة" إلى مؤلَّفاتٍ ومقالات له لم تصلْ إلينا مع الأسف وسنَسرُدُها فيما بعدُ.
لم يُشر ابنُ عبد الملك إلى تجزئة كتابِه فيما وَصَلَ إلينا من مقدّمته، وربّما أشار إلى شيءٍ من هذا في آخِر المقدّمة الذي بقي بياضًا في النُّسخة التي انتهت إلينا، وقد ذكَرَ كلٌّ من السَّخاوي في "الإعلان بالتوبيخ" والسُّيوطي في مقدّمة "بُغية الوُعاة" أنّ "الذّيلَ والتكملة" يقعُ في تسع مجلّدات، وقد تكونُ هذه هي تجزئةَ الأصل الذي تركه المؤلّف، ويبدو أنّ بعضَ النُّسخ المتأخِّرة خالفت هذه
التجزئة، كما تدُلّ على ذلك الأجزاءُ أو الأسفار التي بين أيدينا، وقد يُفهَم من قول ابن الزُّبير:"ولم يتمَّ له مَرامُه منه إلى أنْ لحِقَته وفاتُه" أنّ ابن عبد الملك توفِّي وهو لم يفرُغْ بعدُ من كتابه، ولعله إنّما يشيرُ إلى ما بقي عليه فيه من تنقيح وتتميم كما يدُلُّ على ذلك البَيَاضاتُ التي نجدُها فيه (1).
وعلى كلِّ حال فقد أخرَج ابنُ عبد الملك كتابَه في حياته، وممّن رواه عنه: ولدُه أبو عبد الله محمد، والقاسمُ التُّجيبيُّ السَّبتي، وجماعة من أصحابِه ذكَرَهم ابنُ مرزوق ولم يُسمِّهم.
ونحسَبُ أنّ روايةَ أبي عبد الله محمد ولد المؤلِّف عُرِفت في الأندَلُس بعد هجرته إليها، ولعلّ النسخةَ التي نقَلَ عنها ابنُ الخطيب في "الإحاطة" والنُّباهيُّ في "المرقبة" كانت من رواية ابن عبد الملك الابن، فهو من شيوخِهما.
وأمّا روايةُ القاسم بن يوسُف التجيبيِّ فلعلّها أن تكونَ أوثقَ روايات "الذّيل والتكملة"؛ لِما تمتازُ به من التعليقات المفيدة والتحقيقات الجيِّدة والتذييلات النافعة كما يدُلُّ على ذلك سِفْرانِ وَصلا إلينا من الكتاب بهذه الرواية، أحَدُهما: الخامس، وهو في دار الكتب المصرية، والآخَر: السادس، وهو في المكتبة الوطنيّة بباريس، وأصلُهما معًا من نسجة تامّة كانت في مُلك ابن مرزوق الجَدّ.
وقد جاء في آخِر السِّفر الخامس المذكور ما نصُّه: "نَجَز السِّفرُ الخامس من كتاب الذّيل والتكملة لكتابَي الموصُول والصّلة من تصنيف شيخِنا القاضي النّبيل أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك رحمه الله، يتلوه في السادس إن شاء اللهُ: محمدُ بن أحمدَ بن عبد الملك بن موسى بن موسى بن عبد الملك بن وليد بن محمد بن وليد بن مروانَ بن عبد الملك بن أبي جمرة".
(1) يستعمل ابن عبد الملك في بعض المشكلات المعلقة بعض العبارات مثل "اجعله من مباحثك" أو "ابحث عنه" أو "ولعل الله يطلع على الجلاء في ذلك". انظر الذيل 1/الترجمة 63،724 و 5/الترجمة 170 و 8/ 160.
وجاء في ظهر الورقة الأولى من السِّفر السادس المذكور ما نصه: "السِّفرُ السادس من كتاب الذّيل والتكملة لكتابَي الموصُول والصلة تصنيف قاضي الجماعة العلّامة النَّسّابة الناقد أبي عبد الله محمد ابن الفقيه المقريء أبي عبد الله محمد بن عبد الملك الأنصاريِّ ثم الأوْسيّ المَرّاكُشي، روايةَ: القاسم بن يوسُف ابن محمد بن عليّ بن القاسم التُّجيبي".
وكُتب تحتَ هذا مباشرةً بخطٍّ مغاير -وهو خطُّ ابن مرزوق- ما نصُّه: "ورواية لصاحبِه ومسترجعِه ممن صار إليه بعداء ومنصب بالثمن محمد بن أحمدَ بن محمد بن مرزوق التِّلِمسانيّ عن أبي عبد الله ولدِ مصنِّفهِ وجماعة من أصحابه عنه، وله المِنة".
وجاء في الورقة الأخيرة من هذا السِّفر ما نصه: "نَجَزَ السِّفرُ السادس من كتاب الذّيل والتكملة لكتابَي الموصول والصِّلة تصنيفَ شيخِنا القاضي الناقد أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأوْسيِّ المَرّاكُشيّ رحمه الله تعالى، يتلوه في أول السابع إن شاء اللهُ تعالى: محمدُ بن عليّ بن ياسر الأنصاريُّ جَيّانيٌّ استوطن حَلَبَ أبو بكر سِراجُ الدِّين. والحمدُ لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى وحسبُنا الله ونعم الوكيل".
وهذا الذي كُتِب في طالعة هذين السِّفرين وخاتمتِهما هو من إنشاء القاسم التُّجيبيّ، وكذلك التعليقاتُ والتذييلاتُ الموجودة فيهما، وله تعليقاتٌ وتذييلات في بقيّة الأسفار المفقودة من هذه النُّسخة التي رواها عن ابن عبد الملك وقام بخدمتها وتوثيقِها خيرَ قيام. ونقولُ هذا لأنّ هذه النسخةَ انتهت كما ذكَرْنا إلى ابن مرزوق الكبير، وقد وجَدْنا له نُقولًا عن السِّفر الأول والسِّفر الثامن من هذه النسخة، وذلك في كتابه "المسنَد الصّحيح الحَسَن"(1) وساق مع هذه النقول تعقيباتِ التُّجيبيِّ عليها، ولو وصَلَتْ إلينا هذه النسخةُ تامّة لأغنت عن كلِّ تحقيق وتعليق.
(1) المسند الصحيح الحسن: 341 - 343، 456 - 461، 462.
والنصوصُ التي ذكرناها آنفًا صريحةٌ في أن التُّجيبيَّ يروي عن ابن عبد الملك ويعتبرُه شيخَه، ومن الغريب أنه لم يُشرْ إليه في "برنامَجه"، ولم يُجْرِ ذكْرَ "الذَّيل والتكملة" في هذا البرنامَج، وقد وجدناه يقول في آخِره:"وقد قرأت وسمعتُ غيرَ ما ذُكر على غير من ذُكر واقتصَرتُ على هذا القدَرْ مخافةَ الإطالةِ والإكثار، حسبما أعان عليه الوقتُ ولرغبة الأصحاب في الاختصار"(1)، أو لعلّ التُّجيبيَّ روى "الذّيل والتكملة" بعد أنْ فرَغَ من تأليفِ برنامِجَه.
نستطيع القول بأن أهلَ العلم تداولوا كتابَ "الذَّيل والتكملة" بعدَ وفاة مؤلِّفه مباشرة، والأدلة تشهَدُ على أنه عُرف وقرئ بمَرّاكُش وفاسَ وسَبْتة وتلِمسان وتونُس وغَرناطة منذ مطلع القرن الثامن، واستُعمل بالمشرق في القرن التاسع، وقد أشار السَّخاويُّ إلى وقوفِه عليه وقراءته الأجزاء الخمسةَ الأولَ منه، كما عدَّه السُّيوطيُّ من مصادرِه في مقدّمة "بغية الوعاة" ونقَلَ عنه كثيرًا.
وظلّ "الذّيلُ والتكملة" يُستعمَل ويُستنسَخ، فقد نقَلَ عنه من المتأخِّرين ابن غازي في "الرَّوض الهَتُون" و"شفاءِ العليل" مرّات، وابنُ القاضي المِكْناسيُّ مرارًا في "جذوة الاقتباس"، وأحمد بابا السّوداني وعبدُ الرّحمن الفاسيُّ في كتابه "استنزال السَّكينة"، ولا نعرفُ ماَلَ النسخة التي نقَلَ عنها هذا العالِم المتوفَّى في أواخِر القرن الحاديَ عشَرَ للهجرة.
والجزءانِ الموجودانِ بالمتحف البريطاني هما من نسخةٍ حديثة نسبيًا، وناسخُ هذه النسخة التي لا نَعرِف مصيرَ الأجزاء الأخرى منها هو عبد الله بن عُمر بن عثمان التدغي.
وثمّةَ نسخةٌ أخرى كانت حديثةَ التداول ومنها السِّفر الأول المحفوظُ بالخزانة الحَسَنيّة، إذ نقرأ في ظهر الورقة الأولى منه المُلكيّة الآتية:
(1) برنامج التجيبي: 290.
"مُلكٌ لله بيد عبدِه محمد بن عبد القادر بن المعطي الشَّرقي القادرِي، تملَّكه بالشّراء من محروسةِ فاسَ سنة 1241 هـ". وكان هذا المخطوطُ في مكتبة ابن زَيْدان وقد اطّلع عليه واستعمَله حينئذٍ بعضُ المستعرِبين ومنهم كولان ودجياكومو وعلوش، ثم آلَ إلى الخزانة الحَسَنية ضمن المكتبةِ المذكورة.
وقد يكونُ فيما سردناه ما يبعَثُ الأملَ في ظهور الأجزاء المفقودة من هذا الكتاب الجليل، وما ذلك على الله بعزيز.
وقد نقَلَ عن "الذّيل والتكملة" جماعةٌ من المؤلّفين، منهم:
1 -
ابن عِذاري: وقد سبقت الإشارةُ إلى النصُوص والأخبار التي صرَّح فيها بالنقل عن "الذّيل والتكملة".
2 -
ابنُ مرزوق: نقَلَ فِقراتٍ كاملة من السِّفرَيْن الأول والثامن، معَ تذييلاتٍ للقاسم التُّجيبيِّ الذي رَوى "الذّيلَ والتكملة" كما سبَقت الإشارةُ إلى ذلك.
3 -
ابنُ الخَطيب في "الإحاطة" فقد ذكَرَه عشَراتِ المرّات ونقَل من "الذّيل والتكملة" فقراتٍ بنصِّ المؤلف أو بتصرف.
4 -
السيُّوطي في "بُغية الوُعاة": استَخرجَ من "الذّيل والتكملة" الأندلسيِّينَ الذين يندرجونَ في طبقات النُحاة واللّغويِّين، وقد تتبّعنا المواضعَ التي نقَلَ فيها عن ابن عبد الملك وذكرَهُ بالاسم، فوجدناها تزيدُ على المئة، وهو ينقل عنه بتصرّف في الغالب ويلخِّص كلامَه.
5 -
ابن القاضي في "جذوة الاقتباس":وهو يختم تراجم متعدِّدةً من كتابه بهذه العبارة: "ذكَرَه ابنُ عبد الملك ولا نستبعدُ وقوفَه على "الذّيل والتكملة" ونقله عنه في "جذوة الاقتباس" و"دُرة الحِجَال".
6 -
ابنُ غازي: فقد وقَفَ على "الذّيل والتكملة" ونقَلَ منه في كتابه "الرَّوض الهَتُون"، قال في خلال سَرْدِه علماءَ مِكناس: "ومنهم الزّغابشةُ، وقد