الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالسَّهلِ اليَسير، وقد بُذل فيه جهدٌ مُضاعف حتى استوى على هذه الصورةِ التي نُشر عليها، والتي نأملُ أن تكونَ أقربَ ما يمكن من الأصل الذي كتبه المؤلّف.
إنَّ هذه المجلدات التي وصلتْ إلينا تبيِّن أنَّ ما توفَّر من الكتاب الآن هو:
السِّفر الأول، وقام تحقيقُه على نسختَيْن.
قطعة من السِّفر الرابع، وقام تحقيقها على نسخةٍ فريدة.
السِّفر الخامس، وقام تحقيقُه على ثلاثِ نُسَخ.
السِّفر السادس، وقام تحقيقُه على نسختين.
السِّفر الثامن، وقام تحقيقُه على نسخةٍ فريدة.
والأملُ معقود على الوقوفِ على نُسَخ أخرى تسدُّ بعضَ النقص في هذا الكتاب المهمّ.
ثانيًا: تحقيق الكتاب:
يهدفُ علم تحقيق النصوص إلى تقديم نَصٍّ صحيح مطابق لما كتبَهُ مؤلفُه وارتضاه في آخر حياته، وتوثيقه نسبةً ومادةً، والعنايةِ بضبطِهِ وتوضيحِ دِلالاته التي قصدَها مؤلفُه.
وحين بدأ العربُ يُعْنَون بتحقيق المخطوطات العربية ونَشْرها ظهرَ رأيان في الطريقة التي يتعيَّن اتِّباعُها عِندَ نشر التُّراث العربي، الأول: يرى الاقتصارَ على إخراج النص مُصَححًا مُجَردًا من كل تَعْليق، والثاني: يرى أنَّ الواجبَ يقضي توضيح النص بالتعليق على كُلِّ صغير وكبير توضح النَّص حتى يكونَ كالشرح لذلك النص.
وقد نُشِرَ الكثيرُ من النُّصوص خالية من التَّعليقات، أو تكادُ، تتفاوت في صحتها بحسبِ جَوْدة النُّسَخ المُعْتَمدة في النَّشْرِ من جهة، ومَدَى معرفةِ
القائم على نشرها (المحقق أو المصحح) بموضوعِ النَّص وقُدرته على قراءَةِ النص قراءةً صحيحةً وفَهْمه فَهْمًا قويمًا يبعدُه عن كَثْرة الخطأ والتَّصحيف والتَّحريف. ومَن يُطالع الطبعات المتقنة التي أخرجتها مطبعة بُولاق -مثلًا- يعلمُ أنَّ كبار المحققين لم يكونوا قادرين على إخراج نصوص أتقن ولا أصح من بعض تلك الطبعات. كما ظهرت في الوَقْت نفسه كتبٌ محققةٌ اقتصر فيها محققوها على ما هو ضروري من التَّعليقات.
ومما يؤسف عليه أن تظهرَ في العقودِ الأخيرة من المئة الماضِية عشرات النُّصوص وقد بالغَ محققوها بتعليقات لا مُسَوِّغ لها كأن المحقق يريد تفخيم النص الذي يحققه، أو تَوْبَلة الكتاب بها، تاركًا خلفه الصَّعْب المُبْهَم الذي هو بالتَّعليق خليق، فظهرَ من الكُتب ما هو محرف النَّص أو ناقصه، لكنه في الوَقْت نفسه مليء بتلك التَّعليقات التي لم تخدم النص، فظنَّ بعضُهم أنَّ هذا هو التحقيق الدَّقيق.
لقد بَيَّنتُ فيما تقدم أنَّ التَّعليق الذي لا بد منه هو ذاك الذي يتوصَّل به المحقق إلى ضَبْط النص من حيث تنظيم مادة النص بما يُظهر معانيه ويوضح دلالاته، وتقييده بالحركات الضرورية التي تؤدي إلى قراءةٍ صحيحة وما يستلزمه كل ذلك من رجوع إلى الكُتب المعنية بهذا الفن، وتثبيت الاختلافات المهمة بين النُّسخ والترجيح بينها وما يحتاجه من تعليق يُعَلَّل به ذاك الترجيح، والإشارة إلى الموارد التي اعتمدها مؤلف النص بعد الرجوع إليها سواء أكان قد صَرَّح بها أم أغفل التصريح وتأكد للمحقق اعتماده عليها، والعناية بإثبات الاختلافات الجوهرية بين تلك الموارد والأصول وبين النص الذي ذكره المؤلف مقتبسًا منها، ثم متابعة النقول التي اقتبسها منه المؤلفون الذين جاءوا بعده وتثبيت مواضعها ولا سيما فيما يتصل بالنَّاقلين المُتْقنين، كلُّ ذلك من أجل خدمة النص وتوثيقه وتصحيح نسبته.
على أنَّ هناك من التعليقات ما يمكن أن يقدِّمَ خدمةً إلى القارئ والباحث والمستفيد، فيُيَسِّر له مزيدَ استفادةٍ من النص، باعتبار أنَّ المحققَ الذي سَبَرَ غَوْر
النص من طول معاناته له وللنصوص التي تدور حوله أقدر على فَهْم هذا النص من أيِّ باحثٍ آخر وإن كان متخصصًا، فيُعلِّق على النص بما يُجَلِّيه وييسره، من نحو شرحٍ لمصطلح أو لفظٍ غريب، أو تعريفٍ بمبهمٍ مَغْمورٍ، أو كلام على الأحاديث وتخريجها، أو بيان الأوهام التي قد يقع فيها مؤلف النص المُحَقَّق، أو تخريج للتراجم ونحوها. وهذا كله بلا شك لا علاقة له بضبط النص وتحقيقه، ومن ثم يمكن للمحقق أن يهمل أي أمرٍ من هذه الأمور، أو يُعطي له مزيدَ عناية بحسب ما يَرَاهُ مُناسبًا لقارئ الكتاب، وطبيعة الكتاب نَفْسه، من غير أن يُعَدَّ ذلك من باب الإهمال أو التقصير.
ولكن صار الكثير من المُتعانين لهذا العلم في عَمْرنا يخلطُ بين "التحقيق" و"التَّعليق"، مما خلقَ بلبلةً كبيرةً في طرائقِ المُحققين واختلافًا بَيِّنًا في منهاجهم بسبب عدم اتضاحِ المَفْهُومينِ عند الكثرة منهم، وخَلْطهم بين التعليق الذي يهدفُ إلى ضَبْطَ النص وَتقْييده وبين التَّعليق الذي قد يفيد القارئ والباحثَ ويعينُه على مزيد استفادةٍ منه.
إن التعليق على النص ينبغي أن تراعى فيه طبيعة موضوع الكتاب ونوعية المستفيدين منه، ومن ثم فهو يختلفُ من كتاب إلى آخر. وتحقيق كتب التراجم قد لا يختلف في إطاره العام عن مناهج تحقيق المخطوطات في العلوم الأخرى، ولكنه بلا شك له بعض خصوصية تميزه عن غيره، ومنها تنظيم مادة النص، فالمؤلفون والنساخ لم يكونوا يعنون في الأغلب الأعم بتنظيم مادة النص، كما هو متعارف عليه في عصرنا من حيث بداية الفقرات ووضع النقط عند انتهاء المعاني، ووضع الفواصل التي تظهرها وتميزها والتي أصبحت من ضروريات الكتابة الحديثة في هذا العصر، بل يسردون الكلام سردًا ويوردونه متتاليًا، فيتعينَّ على محقق الكتاب عندئذ إعادة تنظيم المادة بما يفيد فهم النص فهمًا جيدًا ويوضح
معانيه ويظهر النقول والتعقيبات بصورة واضحة وذلك عن طريق تقسيمه إلى فقرات وجمل.
ولعل من أكثر الأمور أهمية في تنظيم النَّص تعيين بداية الفقرة، حيث إن بداية الفقرة تقدم انطباعًا بأن المادة التي تتضمنها تكوِّن وحدة مستقلة ذات فكرة واحدة، ومرتبطة في الوقت نفسه بالسياق العام لمجموع النص.
ففي التراجم مثلًا يمكن تقسيم الترجمة إلى عدة مجاميع مستقلة، تكوِّن بداية للفقرات، وهي في الوقت نفسه العناصر الرئيسة المكونة للترجمة عند مُؤَلِّف مُعَيَّن.
وعلى الرغم من أن المادة المتوفرة في ترجمة ما عند مُؤَلِّف مُعَيَّن تختلف حسب منهج ذلك المؤلف من جهة، وحسب طبيعة المترجم له، ومكانته العلمية، أو الأدبية، أو السياسية من جهة أخرى، فإن المحقق يستطيع بعد دراسة النص أن يضع لنفسه منهجًا موحّدًا في تنظيم النص استنادًا إلى ذلك.
ولو ضربنا مثلًا لتنظيم تراجم العلماء لاستطعنا من غير شك أن نترسّم الوحدات الرئيسة الآتية:
أ - اسم المترجم ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته.
ب - مولده أو ما يدل على عمره.
جـ - نشأته ودراساته وأخذه عن الشيوخ.
د - إنتا جه (مؤلفاته) وتلامذته.
هـ - منزلته العلمية وآراء العلماء فيه.
و- تحديد تاريخ وفاته.
ز - بعض الأمور المتصلة به.
وقد تتوفر هذه الأمور جميعها في الترجمة الواحدة، وقد توجد طائفة منها، أو لا يتوفر منها إلا القليل حسب الموازين التي ذكرناها قبل قليل.
ومما لا شك فيه أن النقل عن كل مورد من الموارد التي اعتمدها مؤلف النص يكون وحدة قائمة بذاتها، فيتعين على المحقق حينئذٍ أن يبدأ النقل بفقرة مستقلة يُنهيها عند الانتهاء من النقل.
وهنا تَكْمُن الصعوبةُ وتظهرُ براعةُ المحقق، وذلك لعدم وجود أسلوب واضح عند مؤلِّفي النصوص العربية في ذكر المصادر، فكان بعضهم يشيرُ إليها والآخرُ يغفلُ عنها.
وكان المؤلفون الذين يُعنون بذكر مصادرهم يستعملون عادة عبارات دالّة على بداية النقل مثل "قال" و"ذكر" و"وجدت بخط فلان" ونحوها. ويستعمل بعضُهم عبارات دالة على انتهاء النقل، نحو قولهم "انتهى"، أو "هذا آخر كلام فلان".
ولكن الصعوبة تظهر حينما لا يحدد المؤلف انتهاء النقل، فضلًا عن أن أكثر المؤلفين كانوا يذكرون المؤلف ولا يعينون الكتاب مما يخلق صعوبة في تعيين مواضع النقول.
ومن ذلك ضرورة تقييد النص بالحركات، لا سيما ما يلبس من الأسماء والكنى والأنساب والألقاب، وقد قال أبو إسحاق النَّجيرمي قبل مئين من السنين:"أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس لأنه شيء لا يدخله القياس، ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده شيء يدل عليه"(1)، ومن هنا بذل العلماء المسلمون جهودًا محمودة في تقييد من فيه أدنى اشتباه من أسماء الناس وكُناهم وألقابهم وأنسابهم وأسماء المواضع، باعتبار أن الأسماء شيء لا يدخله القياس، ليس هناك شيء قبلها يدل عليها ولا شيء بعدها يدل عليها، فليس لها إلا التقييد والضبط، سواء أكان التقييد والضبط بالقلم (يعني وضع الحركات فوق الحروف) أو التقييد والضبط بالحروف كما هو مشهور.
(1) المؤتلف والمختلف لعبد الغني الأزدي 1/ 49 (ط. دار الغرب).
وهذه الكتب هي المرجع الأمين والركن الركين التي يجب على كل محقق أن يعرفها ويطلع عليها ويقتنيها.
وتضم المكتبة العربية اليوم عددًا لا يُسْتهان به من الكتب المؤلفة في هذا الفن الجليل الخطير، حيث شمَّر العلماءُ عن سواعدهم منذ فترة مبكرة، وألَّفُوا فيه، منهم مثلًا:
حمزة الأصفهاني المتوفى سنة 360 هـ في كتابه "التنبيه على حدوث التصحيف والتحريف"، عرض فيه للخط العربي وصفته وتطوره، وما وقع فيه كبارُ العلماء وغيرهم من التصحيف الشنيع (1).
وأبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة 382 هـ في كتابه "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف"(2).
وأبو الحسن علي بن عمر الدّارقطني البغدادي المتوفى سنة 385 هـ في كتابه "المؤتلِف والمختلِف"(3)، وهو من الكتب الرئيسة التي أفاد منها الخطيبُ البغداديُّ في مؤلفاته كما أفاد منه كُتّابُ المشتبه الآخرون.
وأبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري المتوفى سنة 409 هـ في كتابيه: "المؤتلف والمختلف"(4) و"مشتبه النسبة"(5).
والخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ في كتابه "تلخيص المتشابه الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم"، وهو كتاب حافل (6).
(1) طبع بدمشق سنة 1968 م بتحقيق الدكتور أسعد طلس، يرحمه الله.
(2)
طبع بالقاهرة سنة 1963 م بتحقيق عبد العزيز أحمد.
(3)
نشرته دار الغرب في ستة مجلدات سنة 1986 م بتحقيق موفق عبد القادر.
(4)
نشرته دار الغرب الإسلامي ببيروت سنة 2007 م في مجلدين.
(5)
طبع بالهند سنة 1327 هـ بتحقيق محمد محيي الدين الجعفري.
(6)
منه نسخة بدار الكتب المصرية.
وممن كتب في المؤتلف والمختلف من أسماء القبائل الأديب المشهور محمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245 هـ في كتابه "مختلِف القبائل ومؤتلِفها"(1).
وألَّف أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي المتوفى سنة 370 هـ "المؤتلِف والمختلِف" في أسماء الشعراء وكُناهم وألقابهم وأنسابهم (2).
وأبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني الأندلسي المتوفى سنة 498 هـ في كتابه النافع "تقييد المُهْمَل وتمييز المُشْكل"، ضبط فيه كل ما يقع فيه اللبس من رجال صحيحي البخاري ومسلم، وعندي منه نسخة مصورة، وطبع بعد ذلك.
وفي القرن الخامس الهجري وُضِع أضخم كتاب في هذا الفن حتى ذلك العصر هو كتاب "الإكمال"(3) للأمير ابن ماكولا المقتول سنة 475 هـ، حيث جمع فيه معظم الكتب المتقدمة واستوعبها استيعابًا ذكيا فصار كتابه مُعَوِّضًا عن معظم تلك الكتب، وهو كتاب لا يستغني عنه المحقِّقون المَعْنيون بتحقيق الكتب التي تناولت عصره والعصور السابقة له.
وفي بداية القرن السابع الهجري ألف الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نُقْطَة البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 629 هـ كتابه الذي كمّل فيه كتاب ابن ماكولا وذيّل عليه وسماه "إكمال الإكمال"(4).
(1) طبعه وستنفلد الألماني سنة 1850 م.
(2)
طبع بالقاهرة سنة 1354 هـ.
(3)
حقق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني المكي ستة أجزاء منه كان آخرها سنة 1967 م وتوفي رحمه الله قبل إتمامه، ثم طبع كاملًا في بيروت.
(4)
منه نسخ بدار الكتب الظاهرية برقم 429 حديث، وفي دار الكتب المصرية برقم 10 مصطلح الحديث، وفي دار التحف البريطانية برقم 4586 شرقي. ثم نشرته جامعة أم القرى في ستة مجلدات سنة 1987 م باسم "تكملة الإكمال".
وذيّل على ابن نقطة محدث الإسكندرية وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سَلِيم بن فتوح الهَمْداني المتوفى سنة 673 هـ (1)، وكان من طلبة المستنصرية.
كما ذيّل على ابن نقطة أيضًا أبو حامد محمد بن علي المحمودي المعروف بابن الصابوني المتوفى سنة 680 هـ بكتابه النافع "تكملة إكمال الإكمال"(2).
وفي القرن الثامن الهجري ألف مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي كتابه العظيم المختصر "المشتبه في الرجال: أسمائهم وأنسابهم"(3) سنة 723 هـ.
وقد رتَّبَ الذهبي كتابه على حروف المعجم وجعل لكل حرف بابًا، واعتمد فيه أمهات الكتب المؤلفة في هذا الفن، مثل كتب: عبد الغني بن سعيد الأزدي، وابن ماكولا، وابن نقطة، وابن الصابوني، ومنصور بن سليم الإسكندراني وغيرهم، فضلًا عما أخذه من شيوخه ووقع له وتنبه إليه أثناء دراساته الواسعة وممارساته لعلم الرجال وعلم التراجم.
ولما كان موضوع الكتاب على غاية من الاتساع فإن مؤلفه بالغ في اختصاره واعتمد القلم في ضبط المشتبه إلا فيما يصعب ويشكل فكان يقيده بالحروف، وهو نادر ..
(1) منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم 81 مصطلح الحديث وجاء العنوان فيها ذيل على كتاب مشتبه الأسماء للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني"، والمعروف أن كتاب ابن نقطة يسمى "إكمال الإكمال"، ثم طبعته جامعة أم القرى في مجلدين سنة 1416 هـ.
(2)
حققه شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد يرحمه الله، ونشره المجمع العلمي العراقي سنة 1957 م.
(3)
حققه أولًا المستشرق الهولندي دي يونغ ونشره في ليدن سنة 1863 في 612 صفحة ثم أعادت طبعه مكتبة عيسى الحلبي سنة 1962 م بعناية علي البجاوي في جزأين معتمدًا نسخة أحمد الثالث (رقم 3028) مع وجود نسخ أحسن منها.
وكان الذهبيُّ يعلم جيدًا صعوبةَ الاعتماد على ضبط القلم، فنبه على ذلك في المقدمة بقوله:"فأتقنْ يا أخي نسختك واعتمدْ على الشّكل والنقط ولا بد، وإلا لم تصنع شيئًا".
وقد احتل كتابُ الذهبي هذا مكانًا رفيعًا بين الكتب المؤلفة في هذا الفن العسير، وهو في حقيقته يُغني عن كثير من الكتب الأخرى، لكنه يحتاج إلى تمَرُّس ودُربة للإفادة منه.
وفي القرن التاسع الهجري طالع عَلّامةُ الشام الحافظ ابنُ ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة 842 هـ كتاب "المشتبه" للذهبي، وضبط لنفسه نسخة نفيسة منه، ثم ألف كتابه العظيم "توضيح المشتبه"(1)، قيد فيه الأسماء والأنساب والكُنى والألقاب بالحروف لإيمانه بأن القلم لا يمكن اعتماده في مثل هذه الأمور، فأوضح بعض ما أهمله الذهبي، وشرح بعض ما رأى أنه شديد الاختصار، واستدرك على مؤرخ الإسلام استدراكاتٍ نفيسةً تدل على علم جمّ، ومعرفة وإتقان وبراعة تامة في هذا الفن، ولذلك يعد كتابه هذا -فيما أرى- من أنفس الكتب الموضوعة في هذا الفن على الإطلاق.
كما شرح كتاب الذهبي أيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب سماه "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"(2)، وهو كتاب قيّم، ولكن أنّى له أن يبلغ مرتبة توضيح ابن ناصر الدين؟!
(1) منه نسخة ناقصة في مكتبة سوهاج بالبلاد المصرية، وعنها نسخة مصورة بدار الكتب المصرية، وفي دار الكتب الظاهرية بدمشق نسخة كاملة منه، ثم نشرته مؤسسة الرسالة في عشرة مجلدات سنة 1993 م.
(2)
نشرته المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر بالقاهرة بعناية البجاوي أيضًا 1967 م.
وحاول تلميذ الذهبي تقيّ الدين محمد بن رافع السّلامي المتوفى سنة 774 هـ أن يستدرك على كتاب شيخه في المشتبه (1)، فعمل جزءًا جعله كالذيل عليه.
هذه هي أشهر الكتب المُؤلَّفة في هذا الفن -وليس جميعها-، وهي سلاحُ المُحَقِّق الأول في ضبط الأسماء والأنساب والكُنى والألقاب المشتبهة، لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى دراية ودربة عند استعمالها، فلا ينبغي للمحقق عئد الرجوع إليها أن يجزم بصحة تقييد الاسم المشتبه إلا عند نصها عليه وتصريحها به، وإلا انعدمت الفائدة وما صارت تُرتجى منها العائدة.
وأسماء الأندلسيين والمغاربة تحتاج إلى مزيد عناية في الضبط، لما يخالطها من الأسماء الأعجمية الأصل التي اصطلح على لفظها أهل تلك البلاد ولا تتحصل معرفتها إلا عند القلة القليلة من الذين درسوا وتتبعوا ونظموا عملهم وقيدوا ما وجدوه في المخطوطات مقيدًا بخطوط المؤلفين أو النساخ المتقنين الثقات، والخبرة العميقة الشاملة بموضوع الكتاب.
وإن من نعم الله على هذا الكتاب أن مؤلفه كان من أكثر العلماء الأندلسيين والمغاربة عناية بتقييد الأسماء والأنساب والكنى والألقاب بالحروف، وتقييداته تُعد ثروة في هذا المجال مما لا يجاريه أحد فيها.
(1) نَشَرَهُ الفاضل الدكتور صلاح الدين المنجد ببيروت سنة 1974 م، على نسختين من إستنبول، وذكر أنه قابل "تبصير" ابن حجر بذيل ابن رافع فتبين له أن ابن حجر لم يطلع عليه مدللاً على نفاسة الكتاب. ومثل هذه الأحكام المتسرعة كثيرة عند هذا العالم الفاضل، فقد أخطأ في هذا الحكم خطأ كبيرًا؛ لأن ابن حجر قد اطلع عليه ونصَّ على ذلك تصريحًا في آخر كتابه فقال: "وقد ذيل عليه الحافظ تقي الدين ابن رافع تلميذه في هذا المختصر جزءًا قدر عشر أوراق غالبه لا يرد عليه، لأنه إما أن يكون قد ذكره أو يكون لا يشتبه إلا على بعد (التبصير 4/ 1512 - 1513).
ومع كل هذا فالضبط إنما يقوم على دعامتين رئيستين، أولاهما: حُسن قراءة المخطوطات، والإدمان عليها، ومعرفة خطوطها وكيفية رسم كل حرف عند ناسخ معين، وثانيهما: المعرفة التامة بموضوع الكتاب بحيث لا يقع المحقق عند الإشكال بما لا يستطيع له ترجيحًا أو إيجاد حل علمي مقبول.
وهاتان الدعامتان متوفرتان، بحمد الله وتوفيقه، بمحققيه الثلاثة الذين أفنوا أعمارهم في هذا الفن، وأنتجوا عشرات الكتب والموسوعات التراثية بأمانة وإتقان.
وكان الأستاذُ الدكتور محمد بن شريفة قد حقَّق السِّفرَيْن: الأولَ والثامن من الكتاب، وحقق الأستاذُ الدكتور إحسان عباس القطعةَ المتوفِّرة من السِّفر الرابع، ثم السّفرَيْن الخامسَ والسادس. وقد رغب إليَّ صديقي العزيزُ العلّامة الأستاذُ الدكتور محمد بن شريفة في الإسهام بإعادة نشرِ الكتاب على وفق نسقٍ واحد، بعد أن أعاد النظرَ فيه، وقَدّم لي مخطوطاتِ الكتاب، فأعدتُ المقابلةَ، وقيَّدت النصَّ بالحركات، وضبطتُ بعضَ الأسماء المشرقية، لا سيَّما العراقيّةَ منها، وأصلحتُ ما وقع في بعضها من تصحيفٍ وتحريفٍ لقلَّة معرفةِ النسَّاخ المغاربة ببعضِ أعلام المَشارقة وبُعد الشقَّة وانقطاع الأخبار في تلك الأعصُرِ المضطربة، وأفدتُ من "سلسلة التراجم الأندلسية" التي حققتُها على نُسَخٍ مُتقنة ونشرتْها دارُ الغرب الإسلامي في الإحالة على مزيدٍ من المصادر والمراجع، ومنها كُتبٌ لم تكن قد طُبعت حين قام العالِمانِ الفاضلان بنشر الكتاب، مثل "تاريخ الإسلام" للذهبي، و"سير أعلام النبلاء" له، و"المستملح" له أيضًا، والتكملة المنذرية، وصِلَتها للحسيني، والتكملة الأبّارية كاملة، وتاريخ ابن الدُّبيثي، وتاريخ ابن النجَّار، وغيرها من أمَّهاتِ المصادر التراجميّة.
كما ألحقتُ بهذه النَّشرة فهارسَ متنوِّعة، جُمهرتْ في مجلَّدٍ مستقلّ، وفائدةُ الفهارس تعظمُ في تَجمهرِها في موضعٍ واحد، فتزيد فوائدُها وتعمُّ عوائدها المُستفيدِين من هذا الكتابِ النفيس.
وقلَّما حَظِيَ كتابٌ بمثل ما حظي به هذا الكتابُ حين اجتمع على تحقيقِه ثلاثةٌ من المحقِّقين الذين أسهَمُوا في نشر التراثِ الأندلسيِّ والمغاربي، فنسأل اللهَ جلَّ في عُلاه أن يتقبَّل عملَنا هذا وأن ينفعَنا به يومَ لا يَنفعُ مالٌ ولا بنون، وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّد، كما صَلَّيتَ على إبراهيم، وبارِكْ على محمّد وعلى آلِ محمّد، كما باركْتَ على إبراهيمَ في العالمَين، إنّكَ حميدٌ مجيد. السّلامُ عليكَ أيّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه.
قال عبدُ الله، المؤمِّلُ رُحماه: محمّدُ بن محمّد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد، أمدَّه اللهُ بتوفيقِه، وجعَلهُ من طائفة الحقِّ وفريقه: الحمدُ لله الذي أعلى معالمَ العلم بأعلامِه، وأحلى مواردَ الفهم لأُولي أحلامه، ويسَّرَ كلًّا منهم به لما يُسِّرَ له من أقسامه، وألهمَهُ إلى التَّمَسُّكِ بأسباب سعادتِه فسَعدَ بإلهامِه، واتَّسَم بما به ارتَسَم من الانتظام في سلك حزبِه المُفلح فأفلحَ باتّسامِه وارتسامِه وانْتِظامه، وصرفَ إليه دواعيَ شغَفِه به وغرامه، ووقفَ عليه متواليَ اهتبالِه واهتمامِه، فمنهم من التمَسَهُ بمستقرِّه مُعمِلًا صِدقَ جَدِّه وتصميمَ اعتزامِه، فظَفِرَ من مبتغاه وإطفاءِ أُوارِه وإرواءِ أُوامِه، بتسديدِ مرامي مَرامِه، ومنهم من آثرَ في ابتغائه ظَعَنَه على مقامِه، وهجرَ ليحظَى بوضلِه ملاذَّ طعامِه وشرابِه ومنامِه، وعَمَرَ باقتباسِه آناءَ لياليه وأيامِه من شهورِ عُمُرِه وأعوامِه، اعتناءً من الله سبحانه بإبلاغِه من إتمامِه، وحفظًا له من لواحق انقراضِه وانصرامِه، وإجزالًا لحُظوظ أهلِه منه عندَ اقتسامِه، حتى يبلّغَه السَّلَفَ إلى الخَلَف فيتلقّاه منقولًا ومعقولًا مؤتمٌّ عن مُرتضاه لائتِمامِه. وأزكى صَلَواتِ الله وأذكى سلامِه، على سيّدنا محمّد نبيِّ الهُدى وإمامِه، وماحِقِ ضلال الكُفرِ وماحي ظلامِه، الذي أشادَ بفضلِ التعلُّم والتَّعليم في جلي مقالِه بعليِّ مقامِه، وعلى آلِه الأخيار وصَحبِه الأبرار المُوفينَ بذمامِه، المُقتفينَ آثارَه في نَقْضِه وإبرامِه، ما انهلَّ غيثٌ من غَمامِه، وافتَرَّ عن زَهرٍ مَبسِمُ كِمامِه.
أنها بعدُ، فإنّي قصَدتُ في هذا الكتاب إلى تَذييل "صلة" الراويةِ أبي القاسم ابن بَشْكُوال (1) تاريخَ الحافظ أبي الوليد ابن الفَرَضيِّ (2) رحمِهما اللهُ في علماءِ أهل الأندَلُس والطارئينَ (3) عليها من غيرهم، بذِكرِ مَن أتى بعدَه منهم، وتكميلِها بمن كان من حقّه أن يَذكُراه فأغفَلاه.
وقبل الشروع في إيرادِ ما قصَدتُ إليه من ذلك فلا بدَّ من ذكْرِ مقدّمة تُطلعُ على وجهِ العملِ الذي اعتمدتُه، وتُرشدُ إلى المسلَكِ الذي فيه سلكْتُه، سائلًا من الله سبحانَه، [إرشادًا إلى](4) الصواب في القول والعمل، وإنجادًا على ما يَعصِمُ من مُواقعةِ الخطإ والخطل، [لا مُعينَ غيرُه، ولا](5) مأمولَ إلّا خيرُه، فأقول: إنّ الحافظَ أبا الوليد رحمه الله رتَّبَ أبوابَ كتابه على توالي حروفِ المعجَم المعروفِ ببلاد المشرق، فعلَ أبي عبد الله البُخاري (6) وَأبي محمّد بن أبي حاتم (7) وأبي سعيد بن يونُس (8)
(1) توفي سنة 578 هـ، وكتابه "الصلة" هو الإصدار الخامس من "سلسلة التراجم الأندلسية"(دار الغرب الإسلامي، تونس 2010 م).
(2)
توفي ابن الفرضي سنة 403 هـ، وكتابه "تاريخ علماء الأندلس" هو الإصدار الأول من "سلسلة التراجم الأندلسية"(دار الغرب الإسلامي، تونس 2008 م).
(3)
في المخطوط: "الطارين"، لاجتماع تسهيل الهمزة مع الياء آخر الحروف.
(4)
ما بين الحاصرتين بياض في المخطوط استرجمناه.
(5)
كذلك.
(6)
يعني: في تاريخه الكبير الذي حققه العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني، وطبع بحيدرآباد الدكن 1358 - 1362 هـ.
(7)
عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي المتوفى سنة 327 هـ وكتابه "الجرح والتعديل" مطبوع في حيدرآباد الدكن 1952 - 1956 م بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني المكي.
(8)
هو الإمام المؤرخ المحدث أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري المتوفى سنة 347 هـ وكتابه في تاريخ أهل مصر يتكون من قسمين: أولهما في المصريين، وهو كبير، وثانيهما في الغرباء الواردين إلى مصر، وهو صغير، ولم يصل إلينا شيء من القسمين، لكن نقل العلماء على مدى العصور الكثير من النصوص عنهما، وقد قام الأستاذ الدكتور عبد المفتاح فتحي عبد المفتاح، من قسم التاريخ في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بجمع نصوصه، وطبع في مجلدين سنة 2000 م وهو عمل جيّد ومستوعب.
وأبي بكرٍ الخطيب (1) وأبي القاسم ابن عساكرَ (2) وسواهم من الأئمة في تواريخِهم، وأبي الحُسَين مُسلم بن الحَجّاج (3) وأبي محمدِ بن الجارُود (4) وغيرِهما في الكُنى، ومُصنّفي المؤتلف والمختلف: الدّارَقُطْنيِّ (5)، وعبد الغنيِّ (6)، وابن الفرضي (7)، وابن ماكُولا (8)، وابن نُقْطة (9)، وأبي بكر بن عُزَيْر (10) في "تفسيرِ غريب القرآن"(11)،
(1) توفي الخطيب سنة 463 هـ، وكتابه هو "تاريخ مدينة السلام"، نشر أول مرة بالقاهرة سنة 1931 م نشرة يكثر فيها السقط والتصحيف والتحريف، ثم أعاد تحقيقه الدكتور بشار عواد معروف على نسخ متعددة، ونشرته دار الغرب الإسلامي منذ سنة 2001 م في (17) مجلدًا، وطبع عدة مرات.
(2)
توفي أبو القاسم ابن عساكر سنة 571 هـ، وكتابه "تاريخ دمشق" عُنيتُ بتحقيق الكثير من مجلداته المحققة الفاضلة سكينة الشهابي، ونشرها مجمع اللغة العربية بدمشق، ثم طبع كاملاً طبعة رديئة في بيروت في سبعين مجلدًا.
(3)
هو صاحب الصحيح، وكتابه مطبوع.
(4)
عبد الله بن علي بن الجارود، أبو محمد النيسابوري الحافظ، نزيل مكة، والمتوفى بها سنة 307 هـ، ولا نعرف كتابه في "الكنى" هذا.
(5)
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي المتوفى سنة 385، وكتابه "المؤتلف والمختلف" نشرته دار الغرب الإسلامي سنة 1406 هـ بتحقيق الشيخ الدكتور موفق عبد القادر.
(6)
أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري المتوفى سنة 409 هـ، وكتابه "المؤتلف والمختلف" نشرته دار الغرب الإسلامي بتحقيق الأستاذين مثنى محمد حميد الشمري وقيس عبد إسماعيل التميمي ومراجعة الدكتور بشار عواد معروف، في مجلدين سنة 2007 م.
(7)
لم يصل إلينا، ولا نعرف له نسخة خطية إلى الآن.
(8)
هو الأمير العالم أبو نصر علي بن هبة الله المعروف بابن ماكولا المتوفى سنة 475 هـ وكتابه "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب" حقق منه العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي ستة مجلدات طبعت في حيدرآباد، وطبع السابع في بيروت.
(9)
هو الحافظ معين الدين محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة المتوفى سنة 629 هـ وكنابه في المؤتلف والمختلف هو ذيل على كتاب ابن ماكولا سَمّاه "إكمال الإكمال" وطبع في السعودية سنة 1417 هـ باسم "تكملة الإكمال" بتحقيق الدكتور عبد القيوم عبد رب النبي في ستة مجلدات.
(10)
أبو بكر محمد بن عزير السجستاني المتوفى في حدود سنة 330 هـ، وعزير آخره راء مهملة، ضبطه بعضهم بالزاي توهمًا، كما بيّنه الذهبي بتفصيل في ترجمته من تاريخ الإسلام 7/ 615 - 617.
(11)
طبع غير مرة.
وأبي عُبيد الهرَويِّ في غريَبي القرآنِ والحديث (1)، وأبي نصرٍ إسماعيلَ بن حَمّادٍ النَّيْسابُوري الجَوْهريِّ (2) في مصنّفِه:"تاج اللُّغة وصِحاح العربية"(3)، وتبعَه على ذلك الترتيبِ أبو القاسم ابنُ بَشْكُوال في صلتِه تاريخَه، وقد فَرَغَ من كتابَيْهما حرفُ الظاء (4). وخالَفَهم في ترتيبِ الحروف أبو عبد الله ابنُ الأبّار (5)، وهو أنبلُ تابعيه، وأبو العبّاس ابن فَرْتُون (6)، ومُصلحُ كتابِه ومكمّلُه أبو جعفر ابنُ الزّبير (7) فرَتَّبوا أبوابَ كتُبِهم على نَسَقِ الحروف المعروف ببلاد المغرب،
(1) أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي المؤدب اللغوي المتوفى سنة 401 هـ، وكتابه "الغريبين" في اللغة، لغة القرآن ولغة الحديث، نشره الدكتور محمود الطناحي يرحمه الله.
(2)
توفي سنة 393 هـ (تاريخ الإسلام 8/ 724).
(3)
طبع غير مرة.
(4)
في الأصل: "الطاء"، والصواب ما أثبتنا، وينظر تاريخ ابن الفرضي 1/ 286، وصلة ابن بشكوال 1/ 326 هامش (4).
(5)
تنظر مقدمة الدكتور بشار عواد معروف لكتابه "التكملة"(دار الغرب الإسلامي، تونس 2011 م) حيث نظم ترتيب الحروف على ما جرى عليه أهل الأندلس.
(6)
هو أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد بن فرتون السلمي الفاسي المتوفى سنة 660 هـ (تاريخ الإسلام 14/ 929)، وكتابه "الذيل على الصلة" لم يصل إلينا.
(7)
ستأتي ترجمة ابن الزبير في هذا السفر، وكتابه صلة الصلة يقع في مجلدين كما ذكر السيوطي في مقدمة البغية، ويوجد المجلد الثاني منه مخطوطًا في دار الكتب المصرية تحت رقم 850 تاريخ تيمور. وقد طبع قسم من المجلد الثاني في الرباط سنة 1938 م عن نسخة توجد اليوم بالخزانة العامة بالرباط كما طبع بتحقيق الدكتور عبد السلام الهراس والشيخ سعيد أعراب، ونشرته وزارة الأوقاف المغربية 1993 - 1995 م. وعبارة المؤلف هنا يشرحها قول ابن الزبير ملتمسًا العذر لشيخه:"كنت قد وقفت على كتاب الذيل لشيخنا الراوية أبي العباس ابن فرتون في أول لقائي إياه بسبتة سنة خمس وأربعين وست مئة، فألفيته كتابًا لم يتجرد الشيخ رحمه الله لتنقيحه، ولا فرغ لاختباره وتصحيحه، وقد استدركت عليه عددًا، وعذر شيخنا ما كان عليه من توالي الحال، قل ما يكل عليه انتحال، وقد كان تعين في باب ضعف الحال، وابتلي من الغلبة والفقر بما يطول ذكره. انتهى بالمعنى". جذوة الاقتباس (46). هذا وقد ذكر طاشكبري زاده في مفتاح السعادة 1/ 218 أن صلة الصلة لابن الزبير تقع في مجلدات.
وهو متّفقٌ مع التّرتيب المشرِقي إلى الزاي، وبعدَه عندَ أهل المغرِب والأندَلُس:
ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ وي.
وجعَلَ ابنُ الفَرَضي وابنُ بَشْكُوال الأسماءَ في الأبواب على طبقات المذكورين فيها، فقدَّما الأسبقَ في الوجودِ فالأسبق، وعقَّبا كلَّ اسم من أسماءِ الأندَلُسيِّين بمن وجَدوه من مُوافِقِه من الغُرباء -وهم في مصطلحهما الطّارئون على الأندلس من غيرها، سواءٌ كان أصلُهم منها أو من غيرها- إن وَجَدا له في الغُرباء سَمِيًّا، وجَعَلا الأسماءَ في كلِّ باب على حسَبِ الأكثرِ فالأكثر والأشهرِ فالأشهر، وختما كلَّ حرف بذكرِ مفاريدِ الأسماءِ الموجودة فيه بتقديم الأندَلُسيِّينَ وتأخير الغُرَباء إن وَجَداهم. وكذلك فعَلَ أبو عبد الله ابنُ الأبّار وأبو جعفر بنُ الزُّبير فيما وقَفْتُ عليهما (1) من تاريخيْهما؛ فأما أبو العبّاس ابنُ فَرتون فلم يعتبِر في كتابِه تطبيقًا، ولا سلَكَ من ذلك الترتيب طريقًا، بَيْدَ أنه قَدَّم الأندَلُسيِّينَ وأخّر الغُرَباءَ عمَلَ مَن تقدّمه أو عاصَرَه أو تأخّرَ عنه، والى بالأسماء كيف اتّفقَ له، إلّا أنه عَقَّبَ الأبوابَ بما اتّفقَ من مفاريدِها، وما أُراه كان يعقِلُ [أنّ مقصِدَهم](2) ومصطلحَهم في الغُرباء خارجٌ عن عُرف المحدِّثين والمؤ [رِّخين](3)، فإنّ نسبةَ الراوي إلى بلدٍ وُلدَ به ونشَأ وقرأ ورَوَى ورُو [يَ عنه][فيه](4) أو فارَقَه ثم عاد إليه نسبةٌ صادقةٌ بكلِّ اعتبارٍ من هذه الاعتبارات التي ذكَرْنا، وقد اشترَكَ في استعمالهِا المتقدِّمونَ والمتأخِّرون؛ فأمّا إن كان ناقلةً من بلد بعدَ مولِدِه فما بعدَه على تدريج الأحوال إلى غيره فإنّ المتقدِّمينَ راعَوْا (5) موضعَ استقرارِه، فهم إنّما ينسُبونَه إلى البلد الذي صار مُستقرَّه، ولذلك تجدُهم يقولون في أبي بكرٍ الصّدّيق
(1) كذا في المخطوط، وفوقها كلمة كذا.
(2)
خرم في المخطوط مقدار كلمة أو كلمتين.
(3)
خرم في المخطوط مقدار كلمة.
(4)
خرم في المخطوط مقدار كلمة.
(5)
في المخطوط: ذاعوا، وهو تحريف.
وعُمرَ بن الخطّاب وعثمانَ بن عفّان ومن جرى مجراهم من الصّحابة الساكنينَ بالمدينة، رضي الله عنهم وأدام تشريفَها: إنهم مَدَنيُّون، معَ العلم بأنهم من مكَّةَ كرَّمها الله ومن غيرها. وكذلك يقولونَ فيمن استَوطَنَ بلدًا غيرَ بلده الذي وُلد به، فعلى هذا كان عملُ المتقدِّمينَ من أئمّة المحدِّثينَ وتبعَهم في ذلك المتأخّرون ما عدا أبا الوليد ابنَ الفَرَضي وتابعيه وهلُمّ جَرًّا.
وقد اضْطَرب عملُ أبي عبد الله ابن الأبّار في هذا اضطرابًا ينافي شهيرَ نُبْلِه ومعروفَ تيقُّظِه وتحفُّظِه من متعفقاتِ النقد وأسبابِه، فجرى في معظم كتابه على مُصطَلَح أبي الوليد ابن الفَرَضي ومَن تبِعَه، وخالَفَهم في بعضِه، فذَكَرَ في الأندَلُسيِّينَ جماعةً من النّاقلة إليها عملَ المتقدِّمينَ المفروغ من تقريره، تشبُّعًا واستكثارًا وإفراطًا في التعصُّبِ الذي كان الغالبَ عليه حتى غلا فيه، ويكفيكَ من مثلِ ذلك ما ختَمَ به رَسْمَ أبي عبد الله بن عيسى ابن المُناصف، رحمه الله بعدَ أنْ ذكَرَه في الأندَلُسيِّين، وذكَرَ من أحوالِه ما رأى أن يَذكُرَه به فقال: مولدُه بتونُس، وقيل: بالمَهْديّة، وهو أصحّ، ثمّ قال: وذكرُه في الغُرباء لا يَصلُحُ، ضنانةً بعلمِه على العُدوة (1). وحَسْبُك ما اشتملَ عليه هذا القولُ من الشِّهادةِ على قائلِه بما لا يَليقُ بأهل الإنصاف من العُلماء، واستحكامِ الحسَد المذموم، واحتقارِ طائفةٍ كبيرة من الجِلّة العدويِّين، وفضلُ الله سبحانَه رحمةٌ يختصُ بها من يشاءُ، وموهبة يُنيلُها من يختارُ، والله ذو الفضل العظيم.
وسأُعيدُ قولَه هذا في رسم أبي عبد الله بن عيسى المذكور، وما خَتَمَه به ابنُ الزُّبير إن شاء اللهُ تعالى (2)، وكم من شاهدٍ على أبي عبد الله ابن الأبّار بفاضح
(1) التكملة (1632).
(2)
ترجم المؤلف ابن المناصف في السفر الثامن من هذا الكتاب، وهو يشير إلى قوله هناك:"وقبّح الله الحسد المذموم، فقد حمل أبا عبد الله ابن الأبار على ذكره إياه في الأندلسيين تشبعًا لها ببعض ما ذكرناه به، وختم رسمه بما نصه: وذكره في الغرباء (لا يصح) ضنانة بعلمه على العُدوة، وكذلك ذكره ابن الزبير في الأندلسيين، ولم يذكر أين ولد لما لم يعلمه، وختم ذكره بما نصه: ومولده بالمهدية وإنما ذكرته في البلديين تبعًا للشيخ وغيره ولتأصله الأندلسي وعراقته".
ويلي هذا تعقيب للمؤلف على كلام ابن الزبير.
التَّشَبع في كتابِه، كذِكْرِه أبا المعالي الخُراسانيَّ ورواية أبي زيدٍ الفازازيِّ عنه، وقولِه: إنّه لا يدري أين لقِيَه (1)، وإذا كان لا يدري أينَ لقِيَه فما الذي يُسوِّغُ له إفرادَه برَسْمٍ في كتابِه؟ وسأُبَيّنُ أمرَه في موضعِه إن شاء اللهُ تعالى (2)، وكذلك ذكْرُه طائفةً كبيرةً ليست من شَرط كتابِه ولا كتابَي الشيخَيْنِ: أبي الوليد ابن الفَرَضي وأبي القاسم ابن بَشْكُوال؛ لأنهم لم يُرْسَموا بفنٍّ من فنون العلم، وإن ذُكروا بصلاح وخَيْرٍ واجتهادٍ في العبادة وانقطاعٍ إلى أعمال البِرّ، فلِذكْرِهم مجموعٌ آخرُ يشمَلُهم معَ من كان على مثل أحوالهم؛ وأَقبحُ من هذا كلِّه وأشنعُ ذكْرُه نساءً تُنزَّهُ الصحُفُ عن تسويدِها بذكْرِهنّ فيها معَ أهل العلم الذين هم خواصُّ عبادِ الله، اللهُمّ إلا من قصَدَ في تأليفه إلى ذكْرِ أهل البِطالة والمُجّانِ والقِيَان اللّواتي يكادُ الخوضُ في ذكْرِهنّ يكون وَصْمةً وجَزحة فيمن تعرَّض له. نستعيذُ بالله من أعمالِ القلم في ذكْرِ واحدةٍ منهنّ، ونرى الإعراضَ عنه دينًا، وليت شعري! إذْ ذَكَرَ هؤلاء النِّسوةَ اللائي هُنَّ بهذه الصفات، فما بالُه أغفَلَ أضعافَ أعدادِهنّ من الرجال الذين هم على مثْلِ حالِهنّ؟ إنها لَعثرةٌ لا تُقال، وزَلّة لا تُغتفَر،
(1) التكملة (1874).
(2)
حرّر المؤلف ترجمة أبي المعالي الخراساني في السفر الثامن من هذا الكتاب وفيما يلي نص كلامه في المحال عليه: "محمود بن أبي القاسم الفارسي، يُكنى أبا المعالي. حدث عنه أبو زيد الفازازي، ولا أدري أين لقيه. قال المصنف عفا الله عنه: هكذا ذكر ابن الأبار هذا الرسم في الغرباء من غير زيادة ولا نقص، ولا وجه لذكره فيهم لأنه لم يدخل الأندلس على ما سأذكره إن شاء الله. وإنما ذكره تشبعًا على مألوف عادته واستكثارًا بما لا يصح له، ولتقصيره مع ذلك في ذكره رأينا الإعلام ببعض أحواله فنقول: أبو المعالي هذا خراساني يلقب شمس الدين، ورد المغرب والناصر من بني عبد المؤمن بإفريقية ودخل تونس وهي أقصى أثره من بلاد المغرب، ومنها كرّ قافلًا إلى بلاده بعدما حظي عند الناصر وأجزل صلته، وهنالك روى عنه أبو العباس بن إسحاق، وأبو محمد عبد الله بن عبد الجليل بن علي بن عبد الجليل الأزدي القروي الحافظ، وأبو زيد الفازازي. وامتدحه بقصيدة فريدة رأينا إثباتها هنا تكميلًا للإفادة، وتنبيهًا على ما لأهل المغرب في الفضل من الحسنى والزيادة" ثم ساق القصيدة المذكورة.
وسيّئةٌ لا تكفيرَ لها، وكبيرةٌ يجبُ المَتابُ منها، والإقلاع بتوفيق الله عنها، واللهُ حسبُنا ونِعم الوكيل (1).
وإنّي لمّا تأمّلتُ وجوة هذه الأعمال، لاح لي فيها ضُروبٌ من الاختلال؛ أمّا ذكْرُ الغُرباءِ على النَّحو الذي ذكروهم فإنه لا يَطَّردُ لهم، إذ قد خلا منهم بعضُ الحروف رأسًا، وكثير من الأسماءِ التي اشتملت عليها، فرأيتُ إرجاءَ ذكْرِهم إلى آخرِ الكتاب، وإفرادَهم بالذِّكرِ بعد الفراغ من ذكرِ أهل الأندَلُس، فيكونُ ذلك أرفعَ لهم، وأدلَّ للناظر على مُلتمَسِهم، وأوضحَ لتمييزِهم وتحيُّزِهم عن سوادِهم (2) وأقربَ لخَزْلهِم عمّن عداهم، حتى لو اختار أحدٌ تجريدَهم عن الكتاب لذِكْر من دَخَلَ الأندَلُسَ من الأعلام لكان ذلك عليه يسيرًا، ولم يحتَجْ فيه إلى تكلّف ولا إعمالِ نظر، ولا تلفيقًا لمُبدَّد، ولا ضمًّا لمُفترِق، فإنه يُلفي مطلوبَه كلَّه مجموعًا في موضع واحد، ويَسقطُ بذلك تكرارُ التراجم المنبِّهة على الانتقال لذكْرِهم من ذكْرِ مشاركيهم في الاسم أو في التفرُّد، وكذلك تسقُطُ تراجمُ المَفاربد من آخر كلِّ حرفٍ يكونُ فيه مفاريدُ منهم.
وأمّا ذكْرُهم على الطبقات فإنه لا يتَأتّى اطّرادُه أيضًا إلّا بشرطِ العلم بوفاة الرجال المذكورينَ وتحقُّق متأخِّرِها من متقدِّمِها، وهو متعذِّر؛ ولذلك نجدُهم يَذكُرونَ الرجلَ بين الرجُلينِ وهو أقدمُ موتًا من المذكورِ قبلَه، مجُاورًا له أو متقدِّمًا
(1) عقد المؤلف في آخر السفر الثامن من هذا الكتاب بابًا عنونه بعد البسملة والتصلية بقوله: "هذا ذكر النساء، أوردتهنّ مرتبات على الحروف منوعات إلى أندلسيات وغرائب كما فعلنا في الرجال". وأورد فيه (54) ترجمة أندلسية و (3) تراجم غرائب وفي آخر الكتاب بتر. وبمقارنة تراجم النساء عند ابن عبد الملك بتراجمهن عند ابن الأبار تبين لنا أن المؤلف اقتصر على ما ذُكرن بقراءة أوكتابة أو رواية أو غير ذلك مما هو من شرط كتابه ولم يصنع صنيع ابن الأبار في التعميم الذي انتقده هنا. ومع ذلك فنحن نحس في هذا النقد شيئًا من التهويل المبالغ فيه والتحرج الذي لا معنى له.
(2)
السواد: معظم الناس.
عليه برَجُلٍ أو رجُلينِ فصاعدًا، أو تتأخَّرُ وفاتُه عنه على تلك النسبة، وذلك موجودٌ في كتُبِهم بأيسرِ تأمل، وإنّما جَرّ عليهم هذا الخللَ تعيينَ أوقات الوفاة في كلِّ مذكورٍ عندَهم، فإذا عَثَرَ عليها سواهم من غير كتُبهم تبيَّن ذلك، ومن مِثلِه لمن يَستعجلُ الوقوفَ عليه أنّ ابنَ بَشْكُوال ذكَرَ أبا عامر محمدَ بن سَعْدون بن مُرَجّى بن سَعْدون بن مُرَجّى العَبْدَريَّ (1) ولم يذكُرْ له وفاةً لمّا لم يَعرِفْ وقتَها، بين أبي عبد الله محمد بن المُفَرِّج إبراهيم [المُقرئ](2) البَطَلْيَوسي، وذكَرَ أنّ وفاتَه سنةَ أربع وتسعينَ وأربع مئة، وأبي عبد الله محمد بن فَرَج مَوْلى محمد بن يحيى البَكْريِّ ابن الطّلاع (3)، وذكَرَ أنّ وفاتَه بُكرَ (4) يوم الخميس لثلاثَ عشْرةَ ليلةً خَلَت من رجب الفَرْد سنة سبع وتسعينَ وأربع مئة، فاقتضَى وضعُ أبي عبد الله ابن سعدونَ بينَهما أن يكونَ زمانُ وفاتِه بين زمانِ وفاتَيْهما، وقد طَلَعَ نَجيثُ البحث (5) عن وفاته على أنها كانت في ربيع الآخِر سنة أربع وعشرينَ وخمس مئة بعد وفاةِ أبي عبد الله ابن فَرَج بسبع وعشرينَ سنةَ غيرَ شهرَيْنِ وأيام.
وممّا وجدتُ: [أنَّ] أبا عبد الله ابنَ الأبّار يعتبِرُ في التّطبيق زمنَ رواية الراوي عن شيوخِه معَ وفاة مَن قبلَه ومَن بعدَه فيُوسّطُه بينَهما، فيَجعَلُ الراوي سنة عشرينَ وخمس مئة مثلاً بينَ مَن توفِّي سنة تسعَ عشْرةَ ومَن توفِّي سنة إحدى وعشرين، ولعلَّ الراويَ سنة عشرينَ كان طفلًا صغيرًا أو ابنَ خمسَ عشْرةَ أو عشرين ثم يُعَمَّرُ بعد ما شاء اللهُ ويبلُغُ الثمانينَ أو التسعينَ وخمس مئة أو ست مئة، وكيف يَسُوغُ الحُكمُ بأنه من تلك الطبقة على مراعاةِ ترتيب الوَفَيات؟ فاعلم ذلك.
(1) الصلة (1238).
(2)
ما بين الحاصرتين محله بياض في الأصل وأكملناه من ترجمته المذكورة في الصلة (1237).
(3)
الصلة (1239).
(4)
في الصلة: "ضحوة".
(5)
في المخطوط: "بخت" وطلع نجيث البحث: ظهر ما كان خافيًا، وفي أمثال العرب: بدا نجيث القوم، أي ظهر سرهم الذي كانوا يخفونه.
وممّا أخَلّ به من ذلك، أي: إخلالِ التَّكرار وقلبِ النَّسَب، أنه ذكَرَ محمّدَ بن أحمدَ بن محمد بن سعيد ابن مُطَرِّف التُّجيبيَّ، من أهل قلعة أيّوبَ ونزَلَ مدينةَ فاسَ، يُعرَفُ بالبَيْراقي، ويُكْنَى أبا عبد الله، رَوَى عن أبي محمد ابن عَتّاب، وكان من أهل العلم والفضل صاحبَ دفاترَ ودواوينَ نفيسة، حَدَّث عنه ابنُه أبو حَفْص عمرُ بن محمد، وتوفِّي بعد الأربعينَ وخمس مئة، عن بعضِ أصحابنا. انتهى الرَّسْم (1). ثم قال بعدَ مئة وتسعةٍ وستينَ اسمًا (2) وإثْرَ من توفِّي بعدَ أربع وثمانينَ ما نصه: محمدُ بن أحمدَ بن محمد بن مُطرِّف بن سعيد التُّجيبيُّ، يُكْنَى أبا عبد الله؛ رَوَى عن ابن عَتّاب، حَدَّث عنه ابنُه عمرُ بن محمد. انتهى الرَّسْم (3). وهذا المذكورُ هو المذكورُ قبلُ لا مَحالةَ.
وأيضًا، فإنّا إذا التمَسْنا في كتُبِهم ذكْرَ الرجُل لم نقطَعْ بأنهم ذكَروه إلّا بعدَ تصفُّح المُسَمَّيْنَ الذين شارَكهم في التّسمية، ولا سيّما في الأسماءِ المفاريدِ أو الأسماءِ التي تقِلُّ التّسميةُ بها. ثم قد تتصفّحُ تراجمَ الحرف كلَّها فلا تجدُ لمطلوبِك أو لسَمِيِّه ذكرًا، فتكون قد قطَعتَ وقتًا في التماسِ مطلَبٍ لم تَنلْه، وربما عرَضَ ذلك لك في أسماءٍ كثيرة في الوقت الواحد وفي حروفٍ متعدِّدة كالتماسِك تعرُّفَ رجالِ سَنَد مُخْتلفي الأسماء، فذلك داع إلى تصفُّحِ مواضعَ تتعدَّدُ بتعدُّد رجال ذلك السَّند.
ثم إنّ من المتقرّرِ أنّ الطبقاتِ لا يحيطُ بإدراكِها إلّا الحُفّاظُ الحاضرو الذِّكْر، الذين طالت مُزاولتُهم للصناعة، ويتَعذّرُ إدراكُها عمّن عداهم فيُضطرُّ إلى تتبُّع التراجم ترجمةً ترجمةً وحرفًا حرفًا، وبالحرِيِّ أن يجدَ مطلوبَه إن كان مذكورًا، وإن لم يجِدْه كانت خَيْبتُه من نَيْل مطلوبِه كخيبة الأوّل؛ وقد كان من الإتقان في
(1) التكملة 2/الترجمة 1316.
(2)
بل بعد (172) اسمًا.
(3)
التكملة 2/الترجمة 1488.
العمل، إذ بنَوا كُتبَهم على ترتيبِ الطبقات، أن يعمَدوا إلى أقدمِ مَن يُسَمَّى باسم أوّله حرفُ الباب موتًا فيُصَدِّرونَ به وُيتْبِعونَه مشاركيه في الاسم كما يفعلونَ في المفاريد، ثم يفعلونَ ذلك في الأسماءِ اسمًا اسمًا، فلم يفعلوا ذلك، بل تجدُ أوّلَ مذكورٍ في الترجمةِ السابقة متأخِّرَ الوفاة عن أوّل مذكورٍ في الترجمة الثانية، بل في الثالثة فصاعدًا، وذلك موجودٌ كثيرٌ لمن التمَسَه في كتُبِهم، وقد يُغتفَرُ لهم ذلك فيمن قدَّموه تَهمُّمًا أو تَبرُّكًا بسَمِيِّه، كأحمدَ في باب الهمزة، وعبد الله والمعبَّدينَ مطلقًا في باب العين، والمحمَّدينَ في باب الميم.
وأيضًا، إذا قطَعنا بأنّ الاسمَ الذي نريدُ تعرُّفَه مذكورٌ عندَهم لتصَفُّح تقدُّم أو لوجهٍ ما، لم نعلم أهو من المفاريدِ أم له سَمِيّ، وهل تقدَّمت ترجمتُه أو تأخَّرت، فلا بدَّ من تتبُّع التراجم المشترِكة أو الأسماءِ المفاريدِ كلها، فيطولُ العناء (1)، وإن أَجْدَى فبعدَ مشقّةٍ غالبًا. فآثَرْتُ ترتيبَ كتابي هذا بأنْ وضَعْتُ أبوابَه على ترتيبِ حروف المعجَم المَشْرِقي لصحّةِ اعتبارِه. وقد نظَمَ فيه غيرُ واحد، منهم: أبو الحَجّاج بن موسى المذكورُ في موضعِه من الغُرباءِ (2) آخرَ الكتاب إن شاء الله، وسآتي (3) بما نظَمَه في ذلك معَ ما نظَمْتُ فيه هنالك إن شاء الله (4) أوائلَ كلِمِها جميعَ الحروف، فقلت [طويل]:
(1) في المخطوط: "العناد"، محرفة.
(2)
في المخطوط: "العرب" محرف.
(3)
في المخطوط: وسيأتي.
(4)
ترجمة أبي الحجاج بن موسى المذكور ستأتي في السفر الثامن من هذا الكتاب وأبياته في ترتيب حروف المعجم هي:
أحبب ببدر تائه ثناني
…
جماله حليف خبل دان
ذكراه راحي زهره سباني
…
شرد صبري ضامر طواني
ظبي على غراته فتان
…
قلبي كواه ليته مداني
ألِمَّ برَوْضي تَجْنِ ثَمَّ جَنَى حَيًا
…
خلا دَرِّ ذي رَيٍّ زكا سَقْيُه شِرْبا
صَفَا ضِمنَ طَلٍّ ظَلَّ عدَّ غنًى فَشَا
…
قِرَى كِلْ لهُ من نَهْي وَدْقٍ همَى سُحْبا (1)
وبدأتُ، في حرف الهمزة، بمن اسمُه أحمد، وفي حرف الميم بمن اسمُه محمد، تبرُّكًا بموافقة اسمَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد تقَدَّم البخاريُّ إلى تصديرِ تاريخِه الكبير بذكْرِ من اسمُه محمد (2) لمّا ذَكَر أوّلَه سيِّدَ البشَر نبيّنا المصطفى صَلَواتُ الله وسلامُه عليه، إذ كان أشهرَ أسمائه، وجَعلَ -بعد الفراغ من ذكْرِ مَن اسمُه محمدٌ- حرفَ الهمزة، مبتدئًا فيه بمن اسمُه أحمد (3)، فسَعِد بتوالي الاسمَيْنِ المباركَيْنِ في صدرِ كتابِه من غير فَصْلٍ بينَهما، وجعَلَ سائرَ المُسَمَّيْنَ باسم أوله ميمٌ في باب الميم.
وجعَلَ أبو بكرٍ الخطيبُ أوّلَ المذكورينَ في تاريخه بعدَ الصّحابة وأكابرِ التابعينَ المذكورين في صَدْرِه من اسمُه محمد (4)، فإنْ كان قصْدُه موافقةَ البخاريِّ فيما فعَلَ فللبخاريِّ مُستنَدٌ قويٌّ وسببٌ واضحٌ كما تقَدَّم ليس للخطيب، وإن كان قصدُه التبرُّكَ مجُرَّدًا، بتقديم اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد كان يكفيه من ذلك تقديمُ
(1) أعاد المؤلف هذين البيتين في السفر الثامن وعقب عليهما بقوله: وعذر التكلف في مثلهما لا يخفى على منصف! قلنا: وقد أصابهما في كلا الموضعين تحريف شديد.
(2)
انظر التاريخ الكبير 1/ 1/ 11.
(3)
باب الهمزة في المطبوع 1/ 1/ 271 مبدوء بإبراهيم ثم إسماعيل ثم إسحاق ثم أيوب ثم أشعث ثم إياس ثم أسود ثم أبان ثم أزهر وبه ينتهي الجزء الأول من القسم الأول، ولا يأتي الأحمدون إلّا في أول الجزء الثاني من القسم الأول، ويفهم من كلام المؤلف أنه وقف على نسخة من تاريخ البخاري يقع الأحمدون في أول حرف الهمزة منها.
(4)
ينظر المجلد الثاني من تاريخ مدينة السلام.
من اسمُه أحمد، كما فعَل أبو القاسم ابنُ عساكرَ في تاريخ الشام لمّا ذكَرَ أوّله النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فجعَلَ أوّلَه من اسمُه أحمد، وجعَلَ أوَّلهم أحَقَّهم بالتقديم سيّدَنا المصطفى نبيَّنا صَلَواتُ الله وسلامُه عليه كما فعَلَ غيرُه ممّن لم يذكُر النبيَّ صلى الله عليه وسلم من أئمةِ المؤرِّخين، كابن أبي حاتم وغيرِه.
وقدَّمتُ في باب العَيْن مَن اسمُه عبدُ الله وعبدُ الرحمن؛ لأنهما أحبُّ الأسماءِ إلى الله، ووَسَّطْتُ بينَهما مَن اسمُه عُبَيدُ الله لشَرَفِ الإضافة، وأتلَيْتُ مَن اسمُه عبدُ الرحمن مَن اسمُه عبدُ الرحيم لاشتراكِهما في الاشتقاق من الرّحمة ولتلازُمِهما في تسمية التبرُّك وآي من كتاب الله العزيز:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]، {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصت:1 - 2]، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22]، وأتبَعْتُ ذلك سائرَ المعبَّدين، معتبِرًا في تَرتيبِهم حروفَ أوائل أسماء الله على حسَبِ ما أُلفيه منها، وما لم أُلفِهِ منها تخطّيتُه إلى أوّل ما أُلفِيه بعدَه منها، وذكَرْتُ سائرَ الأسماءِ في سائرِ الأبواب والتَّراجم على تَرتيب الحروفِ المذكورة. واعتبرتُ ثوانيَ الأسماءِ وثوالثَها فصاعدًا ما حَصَلَ الاشتراكُ بينَهما، فبدأتُ في بابِ الهمزة، بعدَ ذكْرِ مَن اسمُه أحمد، بذكْرِ مَن اسمُه آدم، إذْ كان ثانيَ الهمزة فيه ألفًا، مُسامحةً في هذه الألف واكتفاءً بصورتها، وعَضَّدَ هذا الاعتبارَ أنّ أصلَها همزة، وإن لم أراع ذلك في مثلِه، ولكنّي لاحظتُ صورةَ الحرفِ في الهجاء لا أصله كمؤمَّل أذكُرُه فيمن بعدَ الميم منَ اسمِه واوٌ كان كانت سورة للهمزة، فما ثانيه باءٌ كأَبَانٍ وإبراهيمَ وأبو بكر وأبو العافية، اسمين، فأتيْتُ بها على هذا النَّسَق، لَّما كانت هذه الأسماءُ كلُّها مشتركة في كَوْن الباء ثانيةً فيها، وتقَدَّم ثالثُ أَبَانٍ على ثالث إبراهيم، وثالثُ إبراهيمَ على ثالثِ أبو، تقدَّم ثالثُ أبو على ثالثِ أبي.
ولمّا تقَدَّمت باءُ بكرٍ على عينِ العافية اقتضَى تقديمُ أبو بكر على أبو العافية، ولا عبرةَ بأداةِ التعريف. وهنا ذكرتُ الكُنَى التي هي أسماءٌ لها كُنًى، وأضَفْتُ إليها الكُنَى التي لعلّها أسماءٌ جُهِلت كناها أو كُنًى جُهلَتْ أسماؤها؛ لأنّ كلا النّوعينِ شُهرة عَرَّفتْ من أُجريتْ عليه كما عَرَّف غيرَهم أسماؤُهم، فهي أسماؤهم أو كأسمائهم، حتى يتبيَّنَ أمرُها بالعثورِ على ما خَفِيَ من أمرِها، فيكونَ العملُ بحسَبِه، وليجتمعَ المذكورونَ بالكُنى في موضع واحدٍ، خلافًا لعملِهم حيث عَقَّبوا بعضَ التراجم بالكُنَى المُوافقة لها، وذلك لا يَطّردُ في كلِّ ترجمة، فرأيتُ ذكْرَها هكذا أجرَى على الصّواب كما فعلتُه في ذكْرِ الغُرباء، فاعلَمْ ذلك واللهُ الموفِّق.
ولمّا فرَغْتُ من ذكْرِ الأسماء التي ثانيها باءٌ من هذا الباب لم أجدْ بعدَها مَن ثانيه حرفٌ من الحروف التي تلي الباءَ في الترتيبِ المذكور إلى الخاء، فتَخطّيتُها إليها، وألفَيْتُ فيها أخْطَلَ وأخْيَل، فذكرتُهما على هذا الترتيبِ لتقَدُّم ثالثِ أخْطلَ على ثالثِ أخْيل، فمَن اسمُه إدريسُ لكونِ الدال تلي الخاء، فمَن اسمُه أزفعُ لكون الراءِ بعد الدال، ولم أجدْ مَن ثاني اسمُه ذال، فمَن اسمُه أزْهرُ، لأنّ الزايَ تلي الراء، فمَن ثاني حروفِه سين، فألفَيْتُ من ذلك أسامةَ وأسْباطًا وإسحاقَ وأسدًا وإسماعيلَ وأسود، وهي كلُّها مشترِكةٌ في كونِ ثانيها سينًا، فذكرتُها على تلك الطريقة أيضًا لتقَدُّم ثالثِ أُسامةَ على ثالثِ أسباط، وتقَدُّم ثالثِ أسباط على ثالث إسحاق، وتقدُّم ثالثِ إسحاقَ على ثالثِ أسَد، وتقدُّم ثالثِ أسدٍ على ثالثِ إسماعيل، وتقدُّم ثالثِ إسماعيلَ على ثالثِ أسود، وطَرَّدتُ قانونَ هذا العمل إلى اَخِر مَنْ أوّلُ اسمه همزة، فانتقلتُ إلى ذكْرِ مَن أوّلُ اسمِه باء، ثم مَن أوّلُ اسمِه تاء، كذلك إلى آخِر الحروف.
واعتبرتُ هذه المقاصدَ كلَّها في الآباءِ ما عَلَوا، وفي الكُنى إن كان هناك اشتراك، ولا فارق، كأنْ يكونا أخوَيْنِ مثلَ المحمّدَيْنِ ابنَيْ إسماعيلَ بن عُفَيْر،
قذَمتُ المُكَنَّى منهما بأبي العبّاس على المُكَنَّى منهما بأبي الوليد (1) لتقَدُّم العينِ في كُنية أبي العبّاس على الواو في كُنية أبي الوليد، أو يكونا ابنَيْ عمٍّ كالأحمَدَيْن: أبي الخطّاب وأبي الحَسَن ابنَي المحمّدَين ابنَيْ عُمرَ بن واجِب، قدَّمتُ أبا الخطّاب منهما وإن كان أوّلُ كُنْيتِه الخاء على أبي الحَسَن، وإن كان أوّلُ كُنْيته الحاءَ؛ لأنّ أبا الخطّاب ابنُ أبي الحَسَن، وأبا الحَسَن ابنُ أبي عبد الله، فاعتبرتُ الترتيبَ في كُنْية أبوَيْهما كما لو كانتا اسمَيْنِ لهما. وأجدى فائدةٍ تحصُلُ عن هذا الترتيب الأمنُ من قلْبِ الأنسابِ الذي وقَعَ فيه كثيرٌ من المؤرِّخين، وسأنبّهُ على بعض ما يَجري لهم من ذلك إن شاء الله.
وكذلك الترتيبِ سلكتُ في ذكْرِ مشيخة الرجل عند إيرادِهم في رَسْمِه، وقد أعدِلُ عن ذلك في بعض المواضع خوفَ التباسٍ أو إرادةَ اختصار، كأنْ يَرويَ عن أبيه أو جَدِّه، أو أخيه أو عمِّه، أو خالِه أو صِهْره، أو مَن هو منهُ بسببٍ على الجملة، فأُقدِّمُ ذكْرَ المَرْويِّ عنه، ثم إنْ وافقَه غيرُه من أشياخ المترجَم به ذكَزتُه معَه بحُكم الانجرار، وإن لم يُشاركْه غيرُه في اسم ولا كُنْية ذكَرْتُ مَن عَداه على الترتيب المعهود، وكذلك أفعَلُ في الرُّواة عنه.
وقدَّمتُ في كلِّ ترجمة الأطولَ فالأطولَ نَسَبًا، مُنتهيًا إلى أقصرِهم، بل حتى يكونَ آخِرُ المذكورينَ فيها مَن لم يُذكَرْ إلا باسمِه فقط، ومتى توافَقَ اسمانِ فصاعدًا في نسَبٍ أو غيره التمَسْتُ لتقديم أحد المذكورَيْنِ أو المذكورِينَ وجهًا يقتضي تقديمَه على غيره: إمّا من نسَبٍ إلى القبيلة أو البلد، أو لقبٍ يُعرَفُ به، أو لغير ذلك؛ كان كان بعضهُم منسوبًا إلى قبيلة قدَّمتُه على المنسوبِ إلى البلد، وقدَّمتُ المنسوبَ إلى البلد على المنسوب إلى حِرفة، وراعَيْتُ في هذا كلِّه أيضا مبدأَ حرفِ تلك النِّسَب.
(1) كأنه سها عما التزم به هنا فعكس عند التطبيق بتقديم أبي الوليد على أبي العباس.
وأُقدِّمُ المُكَنَّى على غيرِ المُكَنَّى رَعْيًا لأسبابِ التقريب على الطالبِ مطلوبَه في هذا الكتاب في أقصرِ زمان. ولمّا كان ذكْرُ المُكَنَّيْنَ في رسوم المذكورينَ في هذا الكتاب بكونِهم رُواةً أو مرويًّا عنهم، وخِيفتِ الإطالةُ بذكر أسمائها معَها، أو عُلِم تشوُّفُ المُطالع إلى اسم تلك الكُنية، أو ظُنَّ عند ذكْرِ الكُنْية أنها اسمٌ أو أنّ المَكْنيَّ بها غيرُ مسمًّى، أو كانت كُنيةً تقلُّ لذلك الاسم أو تقِلُّ التّكنيةُ بها مطلقًا، إلى غير ذلك -رأيتُ أن أُلحِقَ آخرَ الكتاب إن شاء اللهُ بابًا في أسماء الكُنَى الجاريةِ أثناءَه.
ولما كان القصدُ بهذا الكتاب وَجْة الله تعالى رجَوْتُ له الشِّياعَ وسَيْرَ الرُّكبان إلى مصوَّرِ البسيطة مَشرِقِه وغَرْبِه، وعموم نَفْع أهل العلم في جميع الآفاق بما اشتَملَ عليه.
ولمّا كان ممّا تضمَّنه نسبةُ المذكورينَ فيه إلى بُلدانِ الأندَلُس الشهيرة، وقراها الخاملة، أمكَنَ إمكانًا قريبًا وُقوعُه إلى مَن ربما تغيبُ عنه معرفةُ تلك الأماكن أو يتشوَّفُ إلى معرفتِها أو تقييدِها وضبطِها، فإذا لم يجدُ سبيلًا إلى علمِها أدّاهُ ذلك إلى تحريفها عند النُّطق بها أو تصحيفِها والإخلال حالَ النَّقْل وجَهْلِ حدودِها، ولا سيَّما عند أهل البلادِ الشاسعة عنها بل غير المُصاقِبة لها، فكان ممّا ينبغي الإجادةُ بذكْرِها وتعيينُ محالِّها، وذلك لا يخلو من أربعةِ أنحاء، أحدُها: تحديدُها في كلِّ موضع تُذكَرُ فيه، ولا خَفاءَ بما في هذا العمل من التطويل المُستَثْقَل، والثاني: تحديدُها في أوّل موضع تُذكَرُ فيه ثم يُحالُ في تعرُّفِها على ذلك الموضع، وهذا نحوُ الأوّل في الطُّول وأشَدّ، والثالث: تحديدُها في أوّل موضع تُذكَرُ فيه والاكتفاءُ به عن إعادتِه فيما بعدَه، وذلك لا يفيدُ فيما بعدُ إلا لمن تقدَّمتْ له مطالعةُ ذلك الموضع وأحضره في ذكْرِه وإلّا أحْوَجَه إلى تصفُّح ما قبلَ الموضع الذي لم تُذكَرْ فيه، ويمكنُ أن لا يجدَه إلا بعدَ استيفاءِ جميع الكتاب أو مُعظَمِه بالمطالعة بحسَب بُعد الموضع الذي ذُكِرتْ فيه عن الموضع الذي
لم تُذكَرْ فيه أو قُرْبِه فتَعْظُم المشَقّة وتَبْعُد الشُّقّة، والرابع: ذِكرُها محدودةً باختصار كافٍ في تعريفِ أحوازِها من جزيرة الأندَلُس مُقيَّدةً، وذكْرُ ما وقَعَت إليه النِّسبةُ في هذا الكتاب من غير بلاد الأندَلُس شرقًا وغربًا مُرتَّبةً بحسَب الموجودِ منها على حروفِ المعجم، فرأيتُ ذكْرَ ذلك على هذا النّحو الرابع، وهو الذي اخترتُه وانتهى إليه رأي في بابٍ آخَرَ إن شاء الله.
وجمَعتُ هذا الكتابَ ممّا افترَقَ فيما لا أُحصيه عدَدًا من برامجِ رواياتِ الشيوخ الجِلّة أئمةِ هذا الشأنِ كلِّها وافيةً بالشروط المُعتبرة في توثُّق النَّقل منها، إذْ مُعظمُها بخطوطِ جامعيها، وسائرُها بخطوطِ المعتمَد عليهم من رجال هذا الفنِّ ومُقابلتِهم وتصحيحِهم، إلى ما نَقلتُه من مُقيّدات ذوي العناية بهذه الطريقة من موالدَ ووَفَيات، ورَفْع أنساب، وتبيين أحوالِ الرُّواة، وشبْهِ ذلك من الفوائد، معَ ما تلقَّيتُه من مشايخي الذين أخذتُ عنهم شَفاهًا وما التقَطتُه من طبقاتِ القراءات والأسْمِعة على الشّيوخ أو منهم، والتواريخ على تفاريقِ مقاصدِها، وكلُّ ذلك مما انسَحَبتْ عليه روايَتي بين سَماع وقراءة، ومُناولةٍ وإجازة، وغير ذلك من ضروب التحمّل.
وقد جَرى عملُ الأشياخ على تقديم إسنادِهم إلى مَنْ تقَدَّمهم من المُؤرِّخينَ لينسبُوا إليهم ما يَنقُلون عنهم إلى كتُبِهم هذه، ثم يُعقِّبونَ ذكْرَ من يَذكرونَ من الرُّواة أو بعضِهم بتعيين مَن ذكَرَه، وذلك رأيٌ رشيد وعمَلٌ صالحٌ سديدٌ أجَلُّ مُثْمَراتِه تبرُّؤُ الناقل من عُهْدةِ ما نَقَل، والإحالةُ به على ذاكرِه الأوّل، تقويةً للاحتجاج به، وتصحيحًا للاستنادِ إليه؛ لكنّي وجدتُهم لا يقومونَ بمقتضَى ذلك العملِ على التمام، فإنّهم يأتونَ بمن يريدونَ ذكْرَه فيرفَعونَ في نسَبِه، ويَذكُرونَ كُنْيتَه وشُهرتَه إن كانتا له، وَيعْزُونَه إلى قبيلتِه أو بلدِه أو إليهما، ويُعرِّفونَ من أمرِه ما يَستحسِنونَ إيرادَه، ثُم يُعقِّبونَ ذلك بقولهِم: وذكَرَه فلانٌ وقال: كان من أمرِه كَيْتَ وكَيْت، فكلُّ ما بَدَأوا به ذكْرَه إنّما هو من قِبَلِهم غيرَ مَعْزُوٍّ إلى
أحدٍ ممن قَدَّموا ذكْرَه في صدورِ كتُبِهم، وهذا العملُ منهم ليس في القليل مما يذكرونَه ولا في النُّدْرة، بل يكادُ يكونُ معظَمُ من يَذكرونَ على هذا الأسلوب، فصارتِ العُهْدةُ فيه عليهم فيما لم ينسُبوه إلى غييرهم، وأيضًا، فإنّ الذي ينقُلونَه عن غيرهم إنما ينقُلونَه على الاختيار والانتخاب، لا على التّوالي والاستيعاب، فعزَوْتُ تلك الأقوالَ بعد اقتضائها إلى قائليها مُستوفاةً مُسامحةً، ولو فرَضْنا استيفاءَ تلك الأقوال كما وقَعَ في بعضِها ممّا اختُصر (1) أو لا يمكنُ اختصارُه، لكانت عُهْدةُ نَقْلِها عليهم، إذ لو رام أحدٌ من (2).
(1) في المخطوط: خصر.
(2)
بقية المقدمة بياض في الأصل، وفي الحاشية ما يلي: هنا انتهى الموجود من صدر هذا الكتاب.