الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
287 - أحمدُ بن عبد الرّحمن بن عُمرَ الخَزْرَجي، قُرْطُبيٌّ، أبو القاسم
.
له إجازةٌ من أبي محمد بن عليٍّ الرُّشَاطي (1).
288 -
أحمدُ (2) بن عبد الرّحمن بن عيسَى بن إدريسَ التُّجيبيُّ، مُرْسِيٌّ، أبو جعفرٍ وأبو العبّاس.
تفَقَّه علي أبيه، و (3) أبي محمد بن أبي جعفر، ورَوى عن أبي الحَسَن بن مُفرِّج الصِّقِلِّي، وأجاز له أبو الحَسَن العَبْسيُّ، وأبو داودَ الهِشَامي.
ورَحلَ إلى المشرق فحَجَّ، وأخَذَ بمكّةَ شرَّفها اللهُ على (4) أبوَيْ عبد الله: الحُسَين بن عليٍّ الطّبَري وابن [. . . .](5) النَّحْويِّ وغييرهما، وقَفَلَ إلى بلدِه مُرْسِيَةَ فأسمعَ بها الحديثَ ودرَّس الفقه، رَوى عنه أبوا القاسم المُحمَّدان: ابنُه وابنُ عليِّ ابن البُرَاق، وأبو بكر (6) ابن هَرُودس، وأبو الخَطّاب أحمدُ بن محمد بن واجِب، وأبو ذرٍّ مُصعَبٌ، وآباءُ عبد الله: ابن الأَنْدَرْشيِّ وابن محمدٍ الشارِّيُّ وابن يوسُفَ بن عَيّاد (7)، وأبو عُمرَ يوسُفُ بن عَيّاد، وأبوا محمد: ابن يوسُفَ وغَلْبون.
وكان فقيهًا حافظًا للمسائل، مدرِّسًا، مُشاوَرًا، بصيرًا بالفَتوى في النّوازل، متقدِّمًا في معرِفة الأحكام والشّروط، مُشاركًا في علوم القرآنِ والآثارِ، ذا حظٍّ من الأدب، قديمَ النجابة، قرَأَ على أبيه "الموطَّأَ" روايةَ أبي مُصعَب من حِفظِه
(1) سقطت هذه الترجمة من م.
(2)
ترجمه التجيبي في زاد المسافر (152)، وابن الأبار في التكملة (188)، والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي (33)، والذهبي في تاريخ الإسلام 12/ 290، وابن فرحون في الديباج 1/ 207.
(3)
"أبيه" سقطت من ق، وهي في م ويعضدها ما في التكملة والمعجم وغيرهما.
(4)
في م: "عن".
(5)
بياض في النسختين.
(6)
بعد هذا بياض في النسختين.
(7)
في ق: "عباد".
وهو لم يُكمِلْ ثلاثَ عشْرةَ سنة، ووَلِيَ الأحكامَ ببلدِه سنينَ عدّةً بعدَ أن وَلِي قضاءَ شاطِبة، ثم صُرِفَ محمودَ السيرة معروفَ التواضُع والنَّزَاهة (1)، ثم قُلِّد القضاءَ ببلدِه، واستمرَّت ولايتُه مشكورَ الطريقة مَرْضيَّ الأحوال إلى أن توفِّي بها يومَ الاثنين ثانيَ أيام النَّحْرِ أو ثالثَها سنةَ ثلاث (2) وستينَ وخمس مئة، ودُفنَ بعدَ ظُهر يوم الثلاثاءِ تاليه. مولدُه سنةَ ثمانٍ وثمانينَ وأربع مئة، ووَهِمَ ابنُ سُفيانَ في وفاتِه.
289 -
أحمدُ (3) بن عبد الرّحمن بن فِهْرٍ السُّلَميُ، مَرَويٌّ، أبو عُمر.
كان فقيهًا حافظًا، واستُقضيَ فعُرِف بالعدالة وإقامةِ الحقِّ والجزالة.
290 -
أحمدُ (4) بن عبد الرّحمن بن محمد بن أحمدَ بن أصبَغَ بن جُمْهُور (5) الجُذَاميُّ، إشبيلي، أبو جعفر، أخو أبي عبد الله.
رَوى عنه أبو الحَسَن عبدُ ربِّه، وأبو محمد طلحةُ. وكان نَزِهَ النفْس، معتدِلَ الأحوال، وقُورًا، حسَنَ الهَدْي نبيلًا، ذا حظٍّ وافر من عِلم الأدبِ والمعرِفةِ بعِلم العَروض والتعديل، وقصيدتُه في معرفة المتوسِّط من المنازلِ وقتَ الفجرِ من أجوَد ما نُظِمَ في معناها (6) وأصدَقِها شهادةً ببراعةِ مُنشِئها، أخَذَها عنه كثيرٌ من
(1) في ق: "والنباهة"، وما هنا من م ويعضده ما في التكملة.
(2)
من هنا إلى قوله: "ثمان" سقط من م.
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (121)، وابن فرحون في الديباج 1/ 208.
(4)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (294) فقال: "أحمد بن عبد الرحمن بن جمهور الجذامي، من أهل إشبيلية، يكنى أبا جعفر".
(5)
في ق: "جهور"، وما أثبتناه من م والتكملة.
(6)
من القصائد التي صنعت في ترحيل النيرين قصيدة الهاشمي التي اشتهرت عند من له عناية بالنجوم، وقد اختصرها أحد حذاق الدمشقيين، وشرحها أبو عبد الله محمد بن هشام السبتي اللغوي المعروف (انظر ألف باء 1/ 94، والسفر السادس من هذا الكتاب، الترجمة 162)، ويوجد من هذا الشرح نسخة في الخزانة الحسنية برقم (432).
الناس، وكان أبو الحُسَين محمدُ بن محمد بن زَرْقُون يَستحسنُها وَيستجيدُ نَظْمَها، وهي [الطويل]:
رأيتُ أُناسًا قَرَّبوا بالمنازلِ
…
قوانينَ عِلم الفجرِ للمتناوِلِ
فقالوا مقالًا لا حقيقةَ عندَهُ
…
فلم يَحْلُ منه السامعون (1) بطائلِ
يُرِيكَ عِيانُ الأمرِ غيرَ الذي أرَوْا
…
فيصبحُ ذو عِلم بها مثلَ جاهلِ
فكم أطْلعوا من منزلٍ غيرَ طالعِ
…
وكم أغربوا من منزلٍ غيرَ آفلِ
وكم وَسَّطوا ما لا يُرى متوسِّطًا
…
وللفجرِ تِبيانٌ جَلِيُّ الدّلائلِ
فدونَكَ منها ما توسَّط دونَ ما
…
له في خلالِ (2) الأُفْقِ وَطْأةُ نازلِ
على مذهبِ الأرصادِ والنظَرِ الذي
…
أثارَتْهُ آراءُ الرجالِ الأفاضلِ
تتبَّعتُ منها النيِّراتِ ولم أكُنْ
…
لآخُذَ منقوصًا بحضرةِ كاملِ
فقيّدتُ ذا الإشراقِ من كلِّ منزلٍ
…
وأهمَلْتُ رَسْمَ الخامل المتضائلِ
ومهما تَساوَى النُّورُ فيها فواحدًا
…
قنَصْتُ فلم تُفلتْه كِفَّةُ حابلِ
ويبْدو لكَ المأخوذُ منها حقيقةً
…
بما قُلتُه في طالعاتِ المنازلِ
وما قلتُه من قبلُ في غارباتِها
…
فذلك يبدو جَهرةً للمُزاولِ
ولا بدَّ من عِلم بعَرْضِ مدينةٍ
…
أُقيمَ بها حُسبانُها غيرَ مائلِ
ثلاثونَ جُزءًا قَدْرُه ثم سبعةٌ
…
ونصفٌ حسابًا ثابتًا غيرَ حائلِ
فها أنا أُبدي الحقَّ حيثُ علِمتُه
…
وأستعصمُ الرحمنَ من كلِّ باطلِ
إذا مرَّ يومٌ من أغشَّتْ توسَّط (3) الرِّ
…
شاءُ ونورُ الفجر ضافي الغلائلِ
(1) في ق: "السابقون".
(2)
في ق: "حلال".
(3)
في ق: "توسطت".
وإن مَرَّ عُشرٌ منه فالنَّطحُ مِثلُه
…
على رأيِه مستمسِكٌ غيرُ زائلِ
وفي اثنينِ مرّا بعد عشرينَ لم يزَلْ
…
لديه البطينُ حافظًا للوسائلِ
ومهما انقضت (1) منه ثلاثونَ ليلةً
…
تُرى للثُّرَيّا نهضةُ المتَثاقلِ
وإمّا تقَضَّتْ تسعةٌ من شتنْبَرٍ
…
فللدَّبَرانِ السَّبْقُ يومَ التفاضُلِ
وإن بقِيَتْ منه ثمانيةٌ جَلَتْ
…
له هَقْعةٌ سيفًا غدا جدُّ ناصِلِ (2)
فإن مَرَّ من أكتوبرٍ ستٌّ انبَرَتْ
…
له هَنْعَةٌ (3) تَرمي بسهمِ المناضِلِ (4)
وفي سبعةٍ من بعد عَشْرٍ مضَتْ لهُ
…
تَرى لذراع اللَّيثِ إقدامَ باسلِ
وإن بقِيَتْ منه ثلاثٌ فنثرةٌ
…
تُساورُهُ في خُفْيةٍ كالمخاتلِ
فإن مَرَّ تسعٌ من نُوَنْبِرٍ انبرَى
…
له الطَّرْفُ يُوصي حِلفَهُ بالتواصُلِ
وإن مَرَّ منه ستَّ عشْرةَ ليلةً
…
فللجبهةِ التصميمُ حين التخاذُلِ
وفي مُنقضي أيامِه شمّرَ الدُّجى
…
لزَبْرتِها (5) ذيلَ الوَنَى والتواكلِ
وأمّا ثمانٍ من دجَنْبِرٍ انقَضَتْ
…
فصَرْفتُها تُبدي الأسى إثْرَ راحلِ
وفي تسعةٍ تمَضي له إثْرَ تسعةٍ
…
تُديمُ بها العوّاءُ عضَّ الأناملِ
وفي تسعةٍ من بعدِ عشرينَ تنقَضي
…
يظلُّ السِّمَاكُ ساميًا غيرَ سافلِ
فإنْ عشْرٌ انقَضَتْ (6) ليَنْيِرٍ اغتَدَى
…
بها الغُفرُ مُرتاحًا لإلفٍ مُواصِلِ
(1) في ق: "مضت".
(2)
في ق: "فاصل".
(3)
في م: "هيعة". والهنعة: نجمان في الجوزاء.
(4)
في ق: "المنابل".
(5)
في ق: لزهرتها.
(6)
في م: "انفضَّتْ".
وإن مَرَّ عشْرٌ ثُم عَشْرٌ وواحدٌ
…
له فالزَّباني رأيُها غيرُ فائلِ
وإمّا خَلَتْ سبعٌ وسبعٌ بإثرِها
…
لفِبرْيرَ فالإكليلُ جَمُّ البلابلِ
وفي اثنينِ مَرَّا بعدَ عشرينَ أضرَمَتْ
…
على القلبِ نارَ الشّوقِ إثْرَ الرواحلِ
وفي عَشْرٍ انقَضَتْ (1) لمَرْسٍ وتسعةٍ
…
تَرى شولةً سَبّاحةً في الجداولِ
فإنْ مَرَّ من إبْرِيلَ عشْرٌ وأربعٌ
…
فأحبِبْ بنَهْرٍ للنعائم سائلِ
فإنْ مَرَّ يومانِ لمايُةٍ انتَحَى
…
لبَلدتِها رامٍ حديدُ المعابلِ
وإنْ بقِيَتْ منه ثلاثةٌ ارهَفَتْ
…
لذابحِها أشفارَه كفُّ صاقلِ
فإنْ رحَلتْ ستٌّ ليُوْنْيُهْ فإنّما
…
تَرى بَلَعًا في إثْرِها مثلَ ثاكلِ
وإن مَرَّ عشْرٌ ثم سبعٌ فقد أتّى
…
لسعدِ السُّعودِ الفَلْج يومَ التصاولِ
وفي أوّلٍ من يُوْلْيُهَ السَّعدُ حَلَّهُ
…
لأخبِيَةٍ يُعزَى فهل من مُطاولِ
ألا إنَّ للفَرْغ المقدَّم عزْمةً
…
لسبعِ مضَتْ منه كحدِّ المناصلِ
ومهما انقَضَتْ عشرونَ منهُ فإنّما
…
مؤخَّرُها يُبدي ضراعةَ آملِ
فهذي ثمانٍ (2) ثُم عشرونَ قد أتّى
…
عليها نظامٌ محكَم للمُحاولِ
وما خِلْتُني أبقَيْتُ فيما نظمتُهُ
…
وأحكَمْتُ مَبْناهُ مقالًا لقائلِ.
فإن تُلفِ عَزْمًا بَتَّ أسبابَه الوَنَى
…
فكنْ للذي بَتَّ الوَنَى خيرَ واصلِ
وله تواليفُ فيما كان ينتحلُه من العلوم دالّةٌ على نُبلِه وجَوْدةِ إدراكِه وقَفْتُ على بعضِها.
وتوفِّي لخمسٍ بقِينَ من محرَّمِ سبعٍ وعشرينَ وست مئة.
(1) في م: "انفضّت".
(2)
سقطت من م.
291 -
أحمدُ (1) بن عبد الرّحمن بن محمد بن سعيدِ بن حُرَيْث بن عاصِم بن مَضَاءِ بن مُهنَّد بن عُمَيْرٍ اللَّخْميُّ.
وكذا نَسَبُه في معجَم شيوخِه الذي جمَعَه له أبو الخَطّاب عُمرُ بن حَسَن بن الجُمَيِّل (2) وطالَعَه به فوافَقَه عليه إلّا في ذكْرِه مهنَّدَ بن عُمَيْر، فإنه أنكرَهُما وقال: لا أعرفُهما، فقال له أبو الخَطّاب: يا سيّدي هما جَدّاك ذكَرَهما فُلان، يُشيرُ إلى بعض المؤرِّخينَ، فتوقَّفَ الشّيخ.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وهُو مع ذلك فيما يَظهَرُ لي نسَبٌ مُنقطع لبُعد زمانِ أحمدَ من زمانِ حُرَيث، فقد ذكَرَ الحُكَيِّمُ عبدُ الله بن عُبَيد الله -وتوفي منتصَفَ رمضانِ أحدٍ وأربعين (3) - في كتابِه الذي ذكَرَ فيه الخُلفاءَ ومَن تناسَلَ منهم بالأندَلُس ومن سائر قُرَيْش ومَواليهم وأهلِ الخدمة والتصرُّف لهم ومشاهيرِ
(1) ترجمه الضبي في بغية الملتمس (465)، والمنذري في التكملة 1/الترجمة 338، وابن الأبّار في التكملة (233)، والذهبي في تاريخ الإسلام 12/ 971، وذكر وفاته في سير أعلام النبلاء 21/ 272، وابن فرحون في الديباج 1/ 208، وابن الجزري في غاية النهاية 1/ 67، وابن القاضي في جذوة الاقتباس (71)، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 323 نقلًا عن ابن الزبير وهذا الكتاب.
(2)
هو مؤلف "المطرب" و"النبراس" وهما مطبوعان مشهوران، وأول شيخ لدار الحديث الكاملية بالقاهرة، ترجم له الجم الغفير، وتوفي سنة 633 هـ (إكمال الإكمال 2/ 60، وتاريخ ابن الدبيثي 4/ 321، وتاريخ ابن النجار، الورقة 97 من مجلد باريس، ومرآة الزمان 8/ 698، والتكملة الأبارية (2649) وفيه بقية مصادر ترجمته).
(3)
ترجم له ابن الأبار في التكملة (1971) فقال: "عبد الله بن عبيد الله الأزدي يقال له: الحُكيِّم، بضم الحاء وتشديد الياء. كان ذا حظ من علم اللغة وحفظ للأخبار والأشعار، وكان يقرض الشعر الحسن، ويتعصب للقحطانية. وتوفي منتصف رمضان سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة". وهو مترجم أيضًا في طبقات الزبيدي (327)، وكتابه المذكور ينفرد المؤلف بالنقل عنه في هذا السفر وانظر السفر الخامس (الترجمة 502 و 1114 و 1245). ولم يذكره أحد غير المؤلف فيما وقفت عليه، ولذلك لم يشر إليه بويجس في كتابه عن المؤرخين والجغرافيين الأندلسيين، وللدكتور محمد بن شريفة فيه مقالة منشورهة في مجلة الأكاديمية المغربية بعنوان "حول مؤرخ أندلسي مجهول".
العرب الداخِلينَ إلى الأندَلُس من المشرِق من غيرِ قُرَيش ومَواليهم ومشاهيرِ قبائل البَرْبرِ الذين احتَلُّوا الأندَلُس، ورَفَعَه للناصِر أبي المُطرِّف عبد الرّحمن بن محمد سنةَ ثلاثينَ وثلاث مئة، فذكَرَ أن بجَيّانَ مِن لَخْم بيتَ مُهنَّد بن عُمَيْر، قال: وهم هناك جماعةٌ أهلُ فَضْل ودِين، ولهم فُرسانٌ شُجْعان بَلَديُّون، منهم: عبدُ الرّحمن بن وافِد بن عبد الرّحمن بن يحيى بن حَرْب بن يحيى بن مُهنَّد القَسّام بَلَديّون، ومنهم النَّجاشيُّ بن حُرَيْث بن عاصِم بن مَضاءِ بن مُهنَّد، فاقتضَى هذا أنّ النَّجاشيَّ أخا سعيدٍ أبي جَدِّ أحمدَ المترجَم به، وعبدَ الرحمن بن يحيى جَدُّ عبد الرحمن ابن وافِد المذكورَيْنِ في قُعْدُدِه إلى مُهنَّد، ومَولدُ أحمدَ هذا فيما صَحَّ سنةَ ثلاثَ عشْرةَ وخمس مئة، فبيْنَ مَولِده ووفاةِ الحُكَيِّم مئة سنة وثلاثٌ وسبعون (1) سنة، ومن البعيد اللاحق بالمُحال عادةً أن يكونَ بينَه وبينَ حُرَيْث ثلاثةُ آباء، هذا على تقدير كونِ النَّجَاشيِّ معاصرًا الحُكَيِّم، وذلك من أبعدِ التقديراتِ، فإنْ قدَّرْناه أقدَمَ منه، وهو الأظهرُ، قطَعْنا بإحالةِ اتّصالِ ذلك النسَب، واللهُ أعلم. وقد ذكَرَ أبو [بكر] (2) محمد بن أحمد (3) الرازي (4) وفاتَه في "استيعابه" الذي جَمَعَه للنّاصِر أيضًا: مضاءُ بن مُهنَّد بن عُمَيْر، وذكَرَ أنه كان رئيسَ جَيّان وَأحدَ عبادِ الله الصالحين.
وأحمدُ المترجَمُ به: قُرْطُبيٌّ جَيّانيُّ الأصل قديمًا ثم شرانية (5)، أبو جعفرٍ وأبو العبّاس وأبو القاسم والأخيرةُ قليلة، أكثَرَ عن أبوَي الحَسَن: عامر زَوْج
(1) في ق: "وستون"، وما أثبتناه من م وهو الموافق للحساب.
(2)
فراغ في النسختين، والكنية مستفادة من ترجمته.
(3)
هكذا في النسختين، وهو مقلوب، صوابه:"أحمد بن محمد"، وهو مترجم في طبقات الزبيدي (302)، وتاريخ ابن الفرضي (135)، وجذوة المقتبس (175)، وبغية الملتمس (330)، ومعجم البلدان 4/ 325، ومعجم الأدباء 1/ 472، وإنباه الرواة 1/ 136، وتاريخ الإسلام 7/ 797، 798 حيث تكرر عليه، والوافي بالوفيات 8/ 131، وبغية الوعاة 1/ 385.
(4)
بعد هذا في م: "صاحب الاستيعاب اسمه أبو بكر أحمد بن يحيى بن موسى بن بشير بن جَنّاد بن لقيط الكناني الرازي"، فكأن حاشية كُتبت على الأصل المنتسخ منه أدمجها الناسخ في النص.
(5)
من قرى شريش (المغرب 1/ 307).
عمّتِه وشُرَيْح، وتلا بقراءتَي الحرميَّيْنِ عليه، وأبوَيْ بكر: ابن عبد الله ابن العَرَبي وابن محمد بن المُرْخي، وأبي جعفر بن عبد الرحمن البِطْرَوجي، وأبي الطاهِر محمد بن يوسُفَ الأَشْتَرْكُونيِّ، ولازَمَه مدّةً، وآباءِ عبد الله: جعفر حَفيدِ مكِّي، وابن محمد ابن المُناصِف، وابن مَسْعود بن أبي الخِصَال، وأبي عُمرَ أحمدَ بن صالح، وأبي القاسم عبد الرّحمن بن أحمدَ بن رضا، وتلا بالسَّبع عليه. وسَمع أبا بكر عبدَ العزيز بن مُدِير، وأبا الحَجّاج (1) الأُنْديَّ، وأبا عبد الله بن موسى بن وَضّاح، وآباءَ محمد: ابن عليٍّ الرُّشَاطيَّ وابنَ (2) المُرسِيِّ وعبدَ الحق بن عَطِيّة، وأبوَيْ مَرْوانَ: عبدَ الرحمن بن محمد بن قُزْمان وابنَ مسَرَّة، وصحِبَ أبا عبد الله بنَ أحمد ابن الحَمْزي، ولقِيَ بسَبْتةَ أبا الفَضْل عِيَاضًا، وكلُّهم أجاز له. وتلا بحرفِ نافع على أبي الحَسَن عبد الجليل بن عبد العزيز، ورَوى عن أبي جعفر بن محمد ابن المُرْخِي، وأبي الحَسَن عبد الرحيم (3) الحِجَاري، وأبي عبد الله بن عبد الرّحمن بن مَعْمَر، وأبي العبّاس بن خَصِيب. وتأدَّبَ في العربيّة بأبي بكر بن سُليمان بن سَمَجُون، وأبي القاسم عبد الرّحمن ابن (4) الرَّمّاك، ودرَسَ عنده "كتابَ سِيبَوَيْه"، وأخَذَ عن الشريفِ أبي محمدٍ عبد العزيز بن الحَسَن كلامَه نظمًا ونثرًا ولم يُذكَرْ أنّ أحدًا من هؤلاءِ أجاز له. وكتَبَ إليه مجُيزًا ولم يلقَهُ: أبو بكر بنُ عبد الغنيّ بن فَنْدِلةَ، وأبو الحَسَن بن عبد الله بن مَوْهَب، وأبو مَرْوانَ بن عبد العزيز الباجِي.
هؤلاء شيوخُه الذين تحقَّقْنا وجوهَ تحمُّلِه عنهم، ومنهم -ولا نعرف الآن كيفيّةَ روايتِه عنهم-: أبو الحَسَن عبدُ الرّحمن (5) بن بَقِيّ، وأبو العبّاس بن ثَعْبان،
(1) بعد هذا فراغ في النسختين.
(2)
كذلك.
(3)
من قوله: "بن عبد العزيز" إلى هنا سقط من ق.
(4)
بعد هذا بياض في النسختين.
(5)
بعد هذا بياض في النسختين.
وأبو القاسم ابن بَشْكُوال، فهؤلاءِ شيوخُه (1). وحَمَّلَه أبو يعقوبَ يوسُفُ بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادَليُّ المَرّاكُشِيُّ ابنُ الزّيّات (2) الروايةَ عن أبي بحرٍ سُفيانَ بن العاص، وأبي الحَسَن يونُس بن محمد بن مُغيث، ويَبعُدُ عندي ذلك لإغفالِ أبي جعفرٍ هذا عَدَّهما في شيوخِه، فقد كانت روايتُه تعلو عنهما ولا سيّما عن أبي بحرٍ منهما.
رَوى عنه آباءُ بكر: غالبُ ابنُ الشَّرّاط، والمحَمَّدون: ابنُ عبد الله القُرْطُبيّ وابنُ عبد النُّور وابن محمد بن محُرِز، وأبو جعفر بن محمد أبو حُجّة، وأبو الحَجّاج: ابن حُسَين بن عُمر وابن عبد الصَّمد ابن نَمَويّ، وآباءُ الحَسَن: ابن عبد الله بن قُطْرال، وكتَبَ عنه بعضَ مدّةِ استقضائه، وابن عبد الصّمد ابن الجَنّان، وابنا (3) المحمّدَيْن البَلَويُّ والشارِّي، وابن منصور وابن نَجَبة، وأبوا الحُسَين: عُبَيد الله المدائري (4) ومحمدُ بن محمد بن سعيد بن زَرْقُون، وأبوا الخَطّاب: عُمرُ بن حَسَن بن الجُميِّل ومحمد بن أحمد بن خليل واختَصَّا بهِ، وأبو زكريّا هلال بن عَطِيّة، وبنو (5) حَوْطِ الله: أبو سُليمانَ وأخوه أبو محمد وأبو عُمرَ محمدُ بن أبي محمد، وآباءُ عبد الله: ابن عبد الله الأَزْديُّ مُقيمُ سَبْتةَ وابنُ عبد الحقِّ التِّلِمْسيني وابنُ (6) الصُّميل، وأبو العبّاس: المَوْرُوريُّ وابنُ محمد البُطَيْط (7)، وأبوا علي: الحَسَن بن حَجَّاج وعُمرُ بن محمد ابن الشَّلَوبِين، وآباءُ القاسم: الأحمَدانِ: ابن أحمد البَلَويُّ شيخُنا وابن يَزيدَ بن بَقِيّ، والمحمّدانِ:
(1) بعد هذا بياض في النسختين، فكأنه أراد أن يكتب شيئًا فترك فراغًا ولم يعد إليه.
(2)
هو صاحب كتاب "التشوف" المطبوع، والمتوفى سنة 627 هـ (الأعلام للزركلي 8/ 257).
(3)
في م: "وابن".
(4)
في ق: "الدايري".
(5)
في ق: "وابن".
(6)
بعد هذا بياض في النسختين.
(7)
في ق: "البطبط".
ابن عبد الواحد بن محمد المَلّاحي وابن محمد بن عبد الرحمن ابن الحاجِّ، وعبدُ الرحيم بن إبراهيمَ ابن الفَرَس، وأبو محمد بن الحَسَن القُرْطُبي، وأبو الوليد محمد بن أحمدَ ابن الحاجِّ، وغيرُهم.
قال لي شيخُنا أبو القاسم البَلَوي: سمعتُ عليه في جماعةٍ كبيرة "المُشرِق" أحدَ تصانيفِه، بقراءة أبي محمد بن حَوْطِ الله في إشبيليَةَ، فلمّا فَرَغَ من قراءتِه استجازَه لنفسِه وللحاضرينَ فأجابَ إلى ذلك وأجاز لنا. وسأله أبو الخَطّاب أحمد بن محمد (1) بن واجِب في صَدْرِ محرَّمِ ثنتينِ وتسعينَ وخمس مئة الإجازةَ العامّة في كلِّ ما يصحُّ إسنادُه إليه على اختلافِ أنواعِه لجميع مَن أراد الرِّوايةَ عنه من طلَبة العلم الموجودينَ من (2) حينئَذٍ، فأسعَفَ بذلك وأجارْ لهم، فرَوى عنه بهذه الإجازة جماعةٌ منهم: شيخانا: أبو إسحاقَ بن أحمد بن القَشّاش وأبو عليٍّ الحَسَن بن عليٍّ الماقري، وأبو القاسم القاسمُ بن محمد بن الطَّيْلَسان رحمهم الله، وسواهم.
وكان مُقرئًا مجوِّدًا، محدِّثًا مُكثِرًا قديم السماع، واسمع الرواية عاليَها، ضابطًا لما يحدِّث به، ثقةً فيما يأثره، نشأ مُنقطعًا إلى طلب العلم، وعُني أشدَّ العناية بلقاءِ الشّيوخ والأخْذِ عنهم، فكان أحَدَ من خُتِمت بهم المئة السادسةُ من أفراد العلماءِ وأكابِرِهم، ذاكرًا لمسائل الفقه، عارفًا بأصولِه متقدِّمًا في علم الكلام ماهرًا في كثير من علوم الأوائل كالطبِّ والحساب والهندسة، ثاقبَ الذِّهن متوقِّد الذكاء، وغير ذلك: متينَ الدِّين، طاهرَ العِرض، حافظًا للُّغات بَصيرًا بالنَّحو مختارًا فيه، مجتهدًا في أحكام العربيّة منفرِدًا فيها بآراءٍ ومذاهبَ شَذَّ بها عن مألوفِ أهلها (3)، وصنَّفَ فيما كان يعتقدُه منها كتابَه "المُشرِق"
(1) في ق: "أحمد"، وهو غلط، وسيترجم له المؤلف.
(2)
"من": ليست في م.
(3)
ذهب الدكتور أحمد مكي الأنصاري في رسالته: أبو زكرياء الفراء ومذهبه في النحو واللغة (434 - 423) إلى أن ابن مضاء مسبوق في بعض آرائه بالفراء.
المذكورَ و"تنزيهَ القرآن عن ما لا يليقُ بالبيان"(1). وقد ناقَضَه في هذا التأليف أبو الحَسَن بن محمد بن خَرُوف (2) ورَدَّ عليه بكتابٍ سماه: "تنزيهَ أئمّة النَّحو عن ما نُسِبَ إليهم من الخطإ والسَّهْو"، وكان بارعًا في فنِّ التصريف من العربيّة، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مجُيدًا متحقِّقًا في معقول ومنقول، غيرَ أنه أُصيبَ بفَقْدِ أصول أسمِعتِه عند استيلاءِ الروم -دمَّرَهم اللهُ- على المَرِية [. . . .](3). وكان طيِّب النفْس، كريمَ الأخلاق، حَسنَ اللقاء، جميلَ العِشْرة لم يَنْطوِ قطُّ على إحْنةٍ لمسلم، عفيفَ اللِّسان صادقَ اللَّهجة، نزيهَ الهمّة كاملَ المروءة.
وأدركه عندَ استحكام شَبيبَته بَغْيُ أحدِ حسَدَتِه من بني عَصْره وأهل مِصرِه اضْطَرّه إلى التحوُّل عن وطنِه قُرْطُبة والاضطراب في الأرض حتى لحِقَ بجبل تين مَلَل (4) أحدِ الجبال الشامخة الغربيّة من مَرّاكُش، فاستَقرَّ به مدرِّسًا العلمَ ناشرًا ما لديه من المعارف، وذلك في عَشْرِ الأربعينَ وخمس مئة -ودولةُ عبد المؤمن وطائفتِه حينَئذٍ في إقبالها ورَوْنقِها وجِدَتِها- فأخَذَ عنه هناك أهلُ ذلك الموضع وغيرُهم، وأقرَأَ أبناءَ عبد المؤمن مدّةً وانتُفعَ به حتى اشتُهر وعُلِم قَدْرُه وفضلُه وعُرِفَ منصبُه وعَظُم صيتُه، وتَعرَّفَ مكانَه من العلم وجَلالتَه
(1) لم يذكر المترجمون الأقدمون لابن مضاء ومنهم المؤلف -الذي تعتبر ترجمته هنا لابن مضاء أوسع ترجمة له- كتابًا لابن مضاء زائدًا على كتابيه: "المشرق"، و"تنزيه القرآن"، ومن هنا يذهب الدكتور محمد بن شريفة إلى أن الكتاب الذي حققه الدكتور شوقي ضيف ونشره بعنوان:"الرد على النحويين" ليس إلا كتاب "المشرق" كما قد يدل على ذلك وصف ابن الأبّار وابن عبد الملك له، وقد تكون عبارة صاحب جذوة الاقتباس أكثر دلالة على هذا وهي قوله:"وألّف كتاب المشرق في النحو والرد على النحويين في جزء متوسط" وواضح أن قوله: "والرد على النحويين" عطف على قوله: "في النحو"، ويبدو أن هذه العبارة التي نقلها ابن القاضي من صلة الصلة لابن الزبير هي التي نقلها السيوطي من ابن الزبير نفسه وتصرف فيها فقال:"صنف المشرق في النحو، الرد على النحويين، تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان".
(2)
انظر ترجمة ابن خزوف النحوي الملقب بالدريدنه في السفر الخامس من هذا الكتاب (الترجمة 635).
(3)
بياض في النسختين، ولعل المؤلف أراد أن يذكر السنة التي استولى فيها الروم على المرية.
(4)
كذا في النسختين، وترسم أيضًا "تنمل" انظر الاستبصار (208).
أبو يعقوبَ بن عبد المؤمن، وتقَرَّرَ لديه ما هو عليه من التفنُن في المعارِف وحُسن المشاركة في العلوم على تفاريقِها، فاستَدعاهُ واستَدناهُ ونوَّه به ما شاء وأحْظاه، وكان هو وإخوتُه عاملينَ على إيثارِه متنافسينَ في إعظامِه وإكبارِه، وتوَجَّه معَ أبي الحَسَنُ منهم إلى فاسَ كاتبًا عنه سنةَ [
…
] (1) وخمسينَ وخمس مئة، ثم توجَّه إلى قُرْطُبةَ سنةَ ثلاث وستينَ معَ أخيه أبي إسحاقَ (2) كالشّيخ له، والناظرُ في مسائل طلبةِ الحضر وقاضيها حينَئذ أبو محمد بنُ مُغيث ابن الصّفّار (3)، وبها من رُؤساءِ الطلبة أبو محمّد بن يَغْمور، فجَرَت بينَهم مُناقَضاتٌ أثمرت وَحشة بين أبي جعفرٍ وأبوَيْ محمد، غيرَ أنّ أبا جعفرٍ لم يَشغَلْ بالَه بأمرِهما ولا أخطَرَ بفِكرِه الإلمامَ بذكْرِهما وإن كانَ خواصُّه كثيرًا ما يَعرِضُونَ إليه بثَلْبِهما لديه فيُعرِضُ عنهم ولا يسمعُ منهم، إلى أن تحرّك السيِّد أبو إسحاقَ معَ وفدِ قُرطُبة إلى زيارةِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن بإشبيلِيَةَ واستَصحبَ أبا جعفرٍ مُكرَّمًا مبرورًا على جاري عادتِه، وفي تلك المدّة كتَبَ أحدُ المتشبّعينَ بالعلم ممّن كان له تردُّدٌ على أبي جعفر وتشيُّع في جانبِه، وُيعرف بالأرجوني، وكان ممن يُسخَرُ به لجهلِه وهَزْلِه، كتابًا إلى أبي جعفرٍ أودَعَه ضُروباً من الإزراءِ على أبي محمد ابن الصّفّار والتهكُّم به وتمثَّل فيه بهذا الشعر [الرجز]:
* هذا أوانُ الشِّدِّ فاشتدِّي زِيمْ *
يُحَرِّضُ فيه على مطالبة أبي محمد ابن الصّفّار، فكان من سوءِ الاتّفاق أن وقَعَتِ الرُّقعةُ بذلك إلى يدِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن، وكان رجُلَ جِدٍّ وتصميم في البُعد عن الهَزْل، فأكبَرَ أمرَها وأنِفَ لأبي جعفرٍ منَ انحطاطِه إلى مُشافهةِ
(1) بياض في النسختين، وفي البيان المغرب 3/ 59 أن أبا الحسن المذكور مات كمداً لصرف الخلافة عنه بعد وفاة والده عبد المؤمن سنة 558 هـ.
(2)
انظر أخبار ولايته قرطبة في البيان المغرب 3/ 68، 82 - 83.
(3)
هو عبد الله بن مغيث بن يونس، أبو محمد ابن الصفار المتوفى سنة 576 هـ، مترجم في التكملة الأبارية (2112)، وفيه أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة بلده ثمان عشرة سنة.
ذلك النَّذْل واستعمالِه مثلَه ومُسامحتِه إيّاه في مُكاتبتِه إيّاه (1) بمثل ما تضمّنتْه تلك الرُّقعة، فصَرَفَ أبا جعفرٍ عن حضور مجلسِه ووالَى الإعراضَ عنه مدّةً إلى أنِ اقتضَىِ رأيُ أبي يعقوبَ صَرفَ أخيه أبي زكريّا إلى بِجاية، فلمّا حان وقتُ وداعِه شَفعَ عندَه لأبي جعفر بقديم انقطاعِه إليهم وكبير حُرمتِه لديهم ورَغَّبَ في العفوِ عنه وتقديمِه قاضيًا ببِجاية، فأشْفَعَه (2) في ذلك كلِّه وانصَرفَ معَه أبو جعفرٍ مُوَفّى الحقِّ من البِرِّ والإكرام مجُرًى على معهودِه من التنويه والاحترام (3)، وأقام ببِجايةَ قاضيًا إلى أن توفِّي السيِّد أبو زكريّا (4)، فاستقْدَمَه أبو يعقوبَ إلى حضرتِه وأعاده إلى مكانِه ومنزلتِه، وبقِيَ من كبار حُضّارِ مجلسِه إلى أن توفِّي قاضي الجماعة أبو موسى عيسى بنُ عِمران (5) بمَرّاكُشَ يومَ [
…
] (6) لخمسٍ بقِينَ من شعبانِ ثمانٍ وسبعينَ وخمس مئة، فقُلِّد أبو جعفرٍ قضاءَ الجماعة ذلك اليوم (7)، وقد كان استُقضيَ قبلَ بِجايةَ بفاس، وبعدَ موت أبي زكريّا بتونُسَ، فتقَلَّده واستقَرّ قاضيًا إلى أن توفِّي أبو يعقوبَ بن عبد المؤمن في العَشْرِ الأُخر من شهر ربيع الأوّل سنةَ ثمانينَ وخمس مئة، وصار الأمرُ بعدَه إلى ابنِه أبي يوسُفَ يعقوبَ المنصور، فأقرَّه على قضاء الجماعة، إلى أن تحرَّك معَه إلى إفريقيَّةَ الحركةَ الثانية المنسوبةَ إلى قَفْصة، وفَصَلَ عن مَرّاكُشَ إليها لثلاثٍ خَلَوْنَ من شوالِ اثنينِ وثمانينَ، ولمّا دَخَلَ المنصورُ القَيْروانَ وجال فيه معتبِرًا بآثارِه وعمِل
(1) قوله: "في مكاتبته إياه"، ليست في م.
(2)
في م: "فأسعفه".
(3)
كان ذلك في غرة جمادى الأولى من سنة (561) كما في البيان المغرب 92 (قسم الموحدين).
(4)
كانت وفاته بالطاعون سنة (571)، كما في البيان المغرب 136.
(5)
ستأتي ترجمته في موضعها من السفر الثامن من هذا الكتاب (الترجمة 44).
(6)
بياض في النسختين، فكأنه أراد معرفة اسم اليوم من أيام الأسبوع، وإلا فإنه قال في ترجمته:"وتوفي بمراكش وهو يتولى قضاء الجماعة لخمس بقين من شعبانِ ثمان وسبعين وخمس مئة".
(7)
في المعجب (218) أن الذي ولي بعد أبي موسى المذكور حجاج بن إبراهيم التُّجيبي الأغماتي، ولما مات ولي بعده القضاء ابن مضاء.
على الإراحةِ فيه اعتَلَّ القاضي أبو جعفر، وكان للمنصور غَرَضٌ في إنهاضِ أبي عبد الله بن عليّ بن مَرْوانَ، المذكورِ بعدُ في موضعِه من هذا الكتاب إن شاء الله (1)، وإسنادِ (2) قضاء الجماعة إليه تَسَبُّبٌ لذلك بمرض أبي جعفر، وقَدمَ أبا عبد الله مكانه (3) وأقلَعَ من القَيْروان إلى تونُس فاستقَرَّ بها أبو جعفر، وفَصَلَ المنصورُ إلى حضرةِ (4) مَرّاكُش، ثمَّ أبَلَّ أبو جعفرٍ وخاطَبَ المنصورَ يستأذِنُه في القدوم على مَرّاكُش، فكتَبَ له بالتقديم على قضاءِ بِجاية فتولّاه بُرهةً ثم أخّر عنه، وتوجَّه إلى الأندَلُس للقاء المنصورِ بها فاستقَرَّ بإشبيلِيَةَ يُسمِعُ الحديث ويؤخَذُ عنه ضروبُ ما كان عندَه من العلوم.
وما ذكَرَه أبو الخَطّاب بن الجُميّل من أنّ أبا جعفرٍ كان المستعفيَ من القضاءِ معتِذراً بكَبر السنّ والضَّعف عن الوفاء بما يجبُ من القيام بالأحكام، وأن المنصورَ أسعَفَه في ذلك وأعفاه مُكرَّمًا مبروراً، فقولٌ لم يَنْبَنِ على تحقيق، وكذلك ما ذكَرَه الأستاذُ أبو محمد طَلْحةُ، من أنّ أبا القاسم بنَ بَقِي وَليَ خُطّةَ قضاءِ الجماعة لمّا [أسَنَّ أبو جعفر ابنُ مَضَاء، [غيرُ](5) صحيح أيضًا، وإنّما وَلِيَ أبو القاسم قضاءَ الجماعة لمّا] (6) صُرِف عنه أبو عبد الله بنُ مَروانَ بإشبيلِيةَ لسببٍ سيُذكَرُ في اسم ابن مَروان إن شاء [اللهُ] تعالى.
(1) ترجم له المؤلف في السفر الثامن من هذا الكتاب (الترجمة 128) وما بعدها. وقال: "ثم قدّمه المنصور من بني عبد المؤمن في حركته المشرقية الثانية وهي حركة قفصة إلى قضاء الجماعة بعد صرف أبي جعفر ابن مضاء عن الخطة حسبما ذكر في رسم أبي جعفر" وله ترجمة واسعة في الغصون اليانعة 29 - 35، والتكملة (1733)، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الإعلام 3/ 70 (نقلاً عن التكملة)، وانظر المعجب (269، 339، 391).
(2)
في ق: "بإسناد".
(3)
في الغصون اليانعة أن ابن مضاء هو الذي كان سببًا في ترشيح ابن مروان للقضاء، وفي المعجب أن ابن مضاء ظل يتولى القضاء إلى أن مات فولي بعده ابن مروان المذكور.
(4)
في م: "حضرته".
(5)
زيادة يقتضيها السياق، ومحلها بياض في الأصل.
(6)
ما بين الحاصرتين سقط من م، وهو قفز من الناسخ.
ولمّا قَدِمَ أبو جعفرٍ الأندَلُس تفَرَّغ لإفادةِ العلم صابرًا محتسِبًا ممكِّنًا طلّابَه منه إلى أن توفِّي عَفَا اللهُ عنه بإشبيلِيةَ قُبَيْلَ صلاة العصرِ من يوم الخميس لثمانٍ بَقِينَ من جُمادى الأ [ولى](1) سنةَ ثنتينِ وتسعينَ وخمس مئة، وصُلِّي عليه بجامع إشبيلِيَةَ عقِبَ صلاة الجمُعة من اليوم الثاني ليوم وفاتِه، ودُفِن إثْرَ الصلاة عليه بمقابرِ السادة خارجَ بابِ جَهْوَر أحدِ أبواب إشبيليَة، ومَوْلدُه بقُرطُبةَ ليلةَ عيدِ الفِطر من سنة إحدى عشْرةَ، وقيل: ثلاثَ عشْرةَ وخمس مئة، وهو أصحّ.
قرأتُ على شيخِنا أبي الحَسَنُ الرُّعَيْنيِّ رحمه الله، ونُقلتُه من خطِّه: قال لي صاحبُنا المقرئُ أبو القاسم: أنشَدَني أبو القاسم ابنُ بَقِيّ وأبو بكر بن غالبٍ، قالا: أنشَدَنا أبو العبّاس ابن مَضاءٍ لنفسِه وقدِ اشتاقَ إلى قُرْطُبةَ وطنِه وهو ببلادِ العُدْوة [البسيط]:
يا لَيْتَ شِعريْ وليتٌ غيرُ نافعةٍ
…
من الصَّبابة هلْ في العُمْر تنفيسُ؟
متى أرى ناظرًا في جَفْن قُرْطُبةٍ
…
وقد تغيّبَ عن عَيْنيَّ نَفِّيسُ؟ (2)
وقد أنبأني بهذينِ البيتينِ إجازةً إن لم يكنْ سَماعًا شيخُنا أبو القاسم البَلَويُّ عن قائِلهما (3).
292 -
أحمدُ (4) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الصَّقْرِ الأنصاريّ الخَزْرَجيّ، أبو العبّاس.
أصلُه من الثَّغْر الأعلى من سَرَقُسْطَة حيثُ منازلُ الأنصار هنالك، وانتقلَ جَدّ أبيه عبد الرّحمن بابنِه محمد صغيرًا منها لحدوثِ بعض الفِتَن بها إلى بَلَنْسِيَة،
(1) بياض في النسختين استفدناه من التكملة وغيرها.
(2)
انظر في بلد "نفيس": المغرب للبكري (160)، والاستبصار (208).
(3)
قوله: "عن قائلهما" سقطت من ق.
(4)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (201)، وتحفة القادم (كما في المقتضب 49)، والذهبي في تاريخ الإِسلام 12/ 401، والصفدي في الوافي 7/ 47، وابن الخطيب في الإحاطة 1/ 182، وابن فرحون في الديباج 1/ 211.
فوُلِدَ له بها ابنُه عبدُ الرّحمن (1) أبو أبي العبّاس هذا، ثم انتقلَ به أبوه إلى المَرِيّة فوُلِد بها (2) أبو العبّاس، ونقَلَه أبوه منها إلى سَبْتةَ ابنَ نحوِ سبعةِ أعوام وأقام فيها به مُدَيْدة، ثُم (3) تحوَّلَ إلى مدينة فاس فاستقَرَّ بها، ثُم استَوْطن أبو العبّاس مَرّاكُش بعدَ رحلتِه إلى الأندَلُس كما سيُذكَر بحَوْل الله تعالى.
تَلا برواية وَرشِ أبي سعيد -ويقال: أبو عَمْرٍو وأبو القاسم- عثمانُ بن سَعيد المِصْريُّ عن أبي عبد الرحمن -ويقال: أبو رُؤَيْم، وأبو الحَسَنُ، وأبو عبد الله- نافعِ بن عبد الرحمن بن أبي نُعَيْم مَوْلى جَعْوَنة (4) بن شَعُوب اللَّيْثيّ حَليفِ حمزةَ بن عبد المطَّلب، ويقال: حليفُ العبّاس بن عبد المطَّلب، ويقال: حليفُ بني هاشم، تَلا بها على أبيه وأكثَرَ عنه وأجازَ له، وبها أيضًا على أبي عبد الله بن حُسَين الطُّلَيْطُلي المُقْرئ، قال: وهو أوّلُ من قرأتُ عليه، وبقراءةِ نافع على أبي عليٍّ الحَسَنُ بن عبد الله المَرَوي (5) وأبي عبد الله بن عبد الله، وبقراءةِ أبي عَمْرٍو على أبي عبد الله بن أحمد، وبالسَّبع على أبي العبّاس بن فِيرُّه بن مُفَضَّل اليَحصُبيّ وأبي القاسم عثمانَ بن إدريس، وأخَذَ عنه جُملةً صالحةً من مصنَّفاتِ أبي عَمْرٍو الدّانِي، وتَلا على أبي العبّاس بن عبد الله بن الغِربال ولم يعيِّنْ مَتْلوَّه، وكلُّهم بعدَ المَرَويِّ طُلَيطُليّ.
رَوى عن أبي إسحاقَ بن أبي الفَضْل بن صَواب، وأبي بَحرٍ سُفيان بن العاص، وآباءِ بكر: عبد الله بن طَلْحةَ اليابُريِّ، وغالب بن عَطِيّة، وابن أغلَبَ وأكثَرَ عنه، وابن العَرَبي، ويحيى بن عبد الله التُّجِيبي، وأبوَيْ جعفر: ابن الباذِش وتدبَّجَ معَه، ومحمد بن حَكَم بن باقٍ وأكثَرَ عنه، وأبوَي الحَجّاج: ابن عبد العزيز
(1) ترجمته في جذوة الاقتباس (262).
(2)
من قوله: "ابنه عبد الرحمن" إلى هنا سقط من م.
(3)
من هنا إلى قوله "مراكش" سقط من ق.
(4)
ويضبط أيضًا بضم العين وسكون الواو (إكمال الإكمال 2/ 48).
(5)
نسبة إلى "المرية" على غير قياس، فالمحفوظ في النسبة إلى المرية: مَرِيي.
ابن عُدَيْس وابن موسى الكفيف، وأبوَي الحَسَنُ: عبد العزيز بن شَفِيع، وحضَرَ إقراءه القرآن وسمع عليه جُملةً، وعَبّادِ بن سِرحانَ وأكثَرَ عنه، وابن محمد بن دُرِّي وحضَرَ عنده، وأبوَي الرَّبيع: ابن سَبعْ وابن عبد الله بن البيغي، وآباءِ عبد الله: ابن أحمدَ بن وَضّاح وابن حَسُّون، وبَني أعبُدِ الرّحمن: ابن المحتسِب وابن مَعْمَر النُّمَيْري وأجاز هو له وابن عبد العزيز اليَعْمُريِّ وابن عُمرَ الزُّبَيْدي وابن عيسى التَّمِيميِّ وابن يحيى الأزْدي وأكثَرَ عنه، وأبي (1) عامر أحمد بن الفَرَج، وأبي عُمرَ مَيْمونِ بن ياسين اللَّمْتُونيِّ، وأبي عِمرانَ بن أبي الرَّبيع القشوبريِّ (2)، وأبي الفَضل عِياض ولازَمَه، وأبوَي القاسم الخَلَفَيْن: ابن بَشْكُوال وابن يوسُف ابن الأبْرش، وآباءِ محمد: ابن أحمدَ الوَحِيدي بمالَقةَ وابن عليٍّ سِبط أبي عُمرَ بن عبد البَرِّ بأغْمات وريكة وعبدِ الحقِّ بن عَطِيّةَ بغَرناطة وعبد المَجِيد بن عَبْدونَ بمَرّاكُش، أخَذَ عنهم قراءةً وسَماعًا، وجالَسَ أبا عبد الله بنَ أبي الرّبيع البُونتِي كثيرًا وأجازوا له، وسَمع أبا عبد الله بن أحمدَ الجَيّانيَّ البغداديَّ وناوَلَه، ومالكَ بن وُهَيبْ ولازَمَه بمَرّاكُش، وأبا القاسم محمّدَ بن هشام بن أبي جَمْرةَ واختَصّ به، ولم يَذكُرْ أنّهم أجازوا له، ولقِيَ أبا الأصبَغ عبدَ العزيز بن عيسى بن عُبادةَ الجَيّانيَّ، وأبا الحَسَنُ بنَ محمد بن كُرز (3) قديمًا وحضَرَ مجلسَه، وأبا عبد الله بنَ داود العَكِّي، وأبا علي منصورَ بن الخَيْر، وأبوَيْ حمد: جابرَ بن المعتمِد بن عَبّاد وابنَ محمد النَّفْزِيَّ المُرْسِيَّ وناوَلَه، وأبا الوليد هشامَ بن أحمد بن بَقْوِي، وأجازوا له، وأجاز له أبو الحَسَنُ ابنُ الباذِش ولم يَذكُر لُقْياهُ إياه.
(1) في النسختين: "وآباء"، ولا يصح، فهو واحد، وهو أحمد بن الفرج بن الفرج التجيبي القونكي الآتية ترجمته في موضعها من هذا السفر، وهو مترجم في التكملة (137)، وقد سمع منه كتابه في العروض الذي سماه "المجمل".
(2)
هكذا في النسختين، ولم نقف على هذه النسبة.
(3)
في ق: "كوز" محرف، وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن كرز الأنصاري الغرناطي المقرئ المتوفى سنة 511 هـ، وهو مترجم في الصلة البشكوالية (911)، وبغية الملتمس (1208)، وتاريخ الإِسلام 11/ 167، ومعرفة القراء 1/ 481، وغاية النهاية 1/ 523.
وله شيوخٌ غيرُ هؤلاءِ لا أتحقَّقُ الآنَ كيفيّةَ تحمُّلِه عنهم، منهم: أبو عبد الله ابنُ الرُّيُوطي، وأبو العبّاس بن عثمانَ بن مكحول.
رَوى عنه ابنُه أبو عبد الله، وأبو خالدٍ يَزيدُ بن رِفاعةَ، وأبو محمد بن محمّد بن عليِّ بن وَهْب القُضاعيُّ.
وكان محدِّثًا مُكْثِرًا ثقةً ضابطًا مُقرئًا مجوّدًا حافظًا للفقه ذاكِرًا لمسائلِه عارفًا بأصولِه، متقدّمًا في علم الكلام، عاقدًا للشّروطِ بصيرًا بعلَلِها حاذقًا بالأحكام، كاتبًا بليغًا، شاعرًا محُسِنًا، ألقَ أهلِ عصرِه خطًّا وأجملَهم فيه منزِعًا، وكتَبَ من دواوين العلم ودفاترِه ما لا يُحصىَ كثْرةً وجَوْدةً وضبطًا (1).
وعُني به أبوه في صِغَره فأسمَعَه كثيرًا من الشيوخ وشارَكَه في بعضِهم، منهم: أبو بحر، وآباءُ بكر: ابنُ طلحةَ وابنُ العَرَبي وابنُ عَطِيّة، وأبو الحَجّاج بن عُدَيْس، وأبو الحَسَنُ بن شَفِيع، وأبو الرَّبيع ابن البيغي، وآباءُ عبد الله: ابن المحتسِب وابن عَمْرو وابن عيسى وابن يحيى، وأبو العبّاس بن مكحول، وأبو محمدٍ سِبطُ ابن عبد البَرّ وأبو الوليد بن بَقْوِي المذكورون.
عُنيَ هو بنفسِه واشتَدَّ كلَفُه بالعلم وحِرصُه عليه وتواضَعَ في التماسِه شَغَفًا به، فأخَذَه عن الكبير والصغير والنَّظير من كلِّ من قَدَّر عندَه فائدة، واستَكثَرَ من ذلك حتى اتّسعت روايتُه وجَلَّتْ معارفه.
وكتَبَ عن القاضي أبي عبد الله بن حَسُّونَ ابنِ البَزّاز أيامَ استقضائه المرّة (2) الأولى بمَرّاكُشَ سنةَ سبع وعشرينَ إلى أنْ صُرف، ولمّا خَبِرَه أبو القاسم بن أبي جَمْرة المذكورُ وتعَرَّفَ ما عندَه من العَفاف والتصاوُن والإدراكِ حظِيَ لديه وقَبَضَ عليه بكلتا يدَيْه واستَصحبَه، إذ وَليَ قضاءَ غَرناطة، فانتقلَ إليها بجُملتِه ونَوَّه به أبو القاسم كثيرًا واستَخْلَصَه، وكانت له فيه آمالٌ حالَ الموتُ بينَه وبينَ توفِيتها
(1) في م: "وجَوّد ضبطه".
(2)
في ق: "المدة".
إيّاه. ولمّا توفِّي أبو القاسم هذا واستُقضيَ بغَرناطةَ أبو الفضل عِياضٌ اشتَملَ عليه واستَكْتبَه وآثَرَه لصُحبة قديمة كانت بينَهما ومَواتَّ متأكِّدةِ وقراءتِه عليه قبلُ، إلى أن صُرف عنها سنةَ أربع وثلاثينَ بأبي عبد الله بن علي الأزْديِّ الجَيّانيِّ بن الحاجّ الأفطَس، فقَدَّمه إلى الأحكام والصلاة بوادي آشَ فأقام بها إلى أن توفِّي أبو عبد الله سنةَ ستٍّ وثلاثينَ فعاد إلى غَرْناطة.
وذكَرَ ابنُ الزُّبير أنه استُقضيَ بغَرناطة فحُمِدت سيرتُه وشُكِر عَدْلُه وشُهِرت نزاهتُه، ودام بها حتى ظُنَّ من أهلِها.
قال المصنِّفُ عَفا اللهُ عنه: تولّيهِ القضاءَ مستبِدّاً طويلًا لا أعرِفُه، إنّما كان مدّةً يسيرةً كما سأذكُرُه إن شاء الله، ولعلّه كان بحكم النّيابة أحيانًا عن مُستكتِبيه من القُضاة أو بعدَهم، فإنّ مُعظَمَ أخبارِه لخّصتُها من رَسْمِه في كتاب:"أنوارِ الأفكار فيمَن حلَّ جزيرةَ الأندَلُس من الزُّهّادِ والأبرار"، وهو كتاب ابتدَأَ تأليفَه أبو العباس هذا وتوفِّي دون إتمام غَرَضِه منه، فكمَّلَه وهذَّبَه ونقَّحَه ورتَّبه أبو عبد الله ابنُه (1)، ومعَ ذلك فلم يَذكُرْ فيه استنابتَه في القضاء بغَرناطةَ أصلًا، وإنّما ذكَرَ استقضاءه بها مدّةً لا تُشعِرُ بطُول. ولو كان الأمرانِ أو أحدُهما لَمّا أغفَلَه (2)، واللهُ أعلم.
ولأوّلِ وصُولِه إلى مَرّاكُشَ عَرَفَه أحدُ سُراةِ لَمْتُونةَ وتحقَّقَ ما عندَه من الانقباضِ وحُسن الهَدْي، وكان ذلك اللَّمْتُونيُّ حينَئذٍ عاملَ دكالة فرغِبَ منه أن ينقطعَ إلى صُحبتِه ويَخرُجَ معَه إلى عِمالتِه ذلك العامَ، وضمِنَ له أن يُعطيَه ألفَ دينارٍ ذهبًا مُرابِطيّة، فامتَنعَ من ذلك وقال: والله لو أعطيتَني مِلءَ الدّنيا على أن أخرُجَ عن طريقتي وأفارقَ دَيْدَني من خِدمة أهل العلم ومُداخَلة الفقهاءِ والانخراطِ في سِلكِهم ما رَضِيت، فعجِبَ اللَّمْتُونيُّ من عُلوّ همّتِه ورغِبَ في
(1) اسمه محمد، وله ترجمة عند المؤلف في السفر الثامن من هذا الكتاب (الترجمة 61)، وهي برمتها في الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 3/ 64 والتكملة (1544)، وذكره في الأندلسيين بينما عده ابن عبد الملك في الغرباء.
(2)
في م: "لم يغفله".
صُحبتِه على ما أرادَه، وكان من أماثلِ أهل طبقتِه وأعيانِ قومِه وكبارِ رؤسائهم، فصَحِبَه على الطريقةِ المحمودة والسبيل المشكور إلى أن فرّقَ الموتُ بينَهما، ووافَقَ ذلك عَوْدَ أبي عبد الله بن حَسُّون إلى قضاءِ مَرّاكُشَ ثانيةً فاستدعاهُ إلى الكتابة عنه لثقتِه به ولما تحقَّقه قبلُ من حالِه، فقدِمَ عليه واستعمَلَه إلى أن صُرِف.
واستقَرَّ أبو العبّاس بمَرّاكُشَ متولِّيَ أحكامِها والصلاة بمسجدِها إلى أنِ اختَلَّت أحوالُ اللَّمْتُونيِّين وآذنَتْ أيامُهم بالإدبار ودولتُهم بالانقراض فاستعفَى عن الأحكام فأُعفِي ورُغِّبَ في التزام خُطّةِ القضاءِ فامتَنعَ وبقِيَ على الإمامةٍ بالجامع (1) إلى أن تغلّب عبدُ المؤمن وحِزبُه على مَرّاكُش يومَ السبت لاثنتَيْ عشْرة ليلةً بقِيَتْ من شوّالِ أحدٍ وأربعينَ وخمس مئة على الوجهِ المشهور (2)، واستُبيحت دماءُ كلِّ من اشتَمَلت عليه من الذكورِ البالغينَ إلا من تستَّر بالاختفاءِ في سِرب أو غرفةٍ أو مخبَإٍ، وتمادَى القتلُ فيهم ثلاثةَ أيام، ثم نوديَ في سِكَكِها بالعَفْو عمّن أسأَرَتْه تلك الفَتْكةُ الشَّنعاء والبَطْشةُ الكبرى، فظَهَرَ منهم عددٌ ليس بالكثير يقال: إنّهم نحوُ سبعينَ رجلًا وبِيعوا بيعَ الأُسارى المشركين هم ونساؤهم وذَرارِيهِم وعُفِي عن بعضِهم، فكان أبو العبّاس هذا ممن شمِلَه احترامُ أبي محمدٍ عبد المؤمن وعَرَفَ جلالتَه وفَضْلَ علمِه فألحَقَه بجُملةِ طلَبةِ العلم الملازِمينَ حضورَ مجلسِه وبالَغَ من الإحسان إليه والتحفِّي به وقَدَّمَه إلى الأحكام لحضرتِه مَرّاكُش فأقام بها مُدةً، ثم وَلّاه قضاءَ غَرناطة ثمَّ صَرَفَه عنها إلى قضاءِ إشبيلِيَةَ صُحبةَ ابنِه وليِّ عهدِه أبي يعقوب.
ولمّا صار الأمرُ إلى أبي يعقوبَ ألزَمَه خُطّةَ (3) الخِزانة العالية، وكانت عندَهم من الخُططِ الجليلة التي لا يُعيَّنُ لتوليها إلا عِلْيةُ أهل العلم وأكابرُهم،
(1) عقد الفقيه العباس بن إبراهيم في كتابه: الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 2/ 385 ترجمة لأبي عبد الله ابن حسون هذا ولكنه لم يزد فيها شيئًا على ما هنا.
(2)
انظر خبر فتح مراكش هذا في البيان المغرب 3/ 23.
(3)
في م: "خدمة".
وكانت مواهبُ عبد المؤمن له جزيلةً وأُعْطِياتُه مترادِفة وصِلاتُه متَوالية، وربّما وصَلَه في المرّةِ الواحدة بخمس مئة دينارٍ ونحوها، فلا يَبِيتُ عندَه منها شيءٌ ولا يقتَني منها درهماً ولا يدَّخرُ منه قليلًا ولا كثيراً لِما نشَأَ عليه وألِفَه واعتاده مدّةَ حياةِ أبيه من الزُّهد في الدنيا والتخَلِّي عنها، إنّما كان يَصرِفُ ما يصيرُ إليه منه في المحاويج من مَعارفِه وأهلِه والضُّعفاءِ والمساكينِ من غيرِهم.
واستمَرَّ له هذا الحالُ معَ ابنِه أبي يعقوبَ الوالي بعدَه لِما تقَرَّر لديه من سَدادِ أحوالِه وتبيَّنَ عندَه من استقامةِ أمورِه، لم تختلفْ له حالٌ ولا تبدَّلتْ له سيرة، ولا اكتَسَبَ قطُّ شيئًا من عَرَض الدنيا ولا وَضَع مَدَرةً على أُخرى مقتنِعًا باليسير راضيًا بالدُّون من العَيْش، معَ الهمّة العَلِية والنفْس الأبِيّة، على هذا قَطَعَ عُمُرَه، وهذا كان دأْبَه إلى أن فارق الدنيا.
ولم تكنْ همّتُه مصروفة إلا إلى العِلم وأسبابِه، فاقتنَى من الكتُبِ جُملةً وافرةً سوى ما نَسَخَ بخطِّه الرائق كما تقَدَّم، وامتُحِنَ فيها مرّاتٍ بضُروبٍ من الجَوائح كالغَرَق والنَّهْب بغَرْناطة، فقد كان استَصحَبَ إليها من مَرّاكُش خمسةَ أحمال، ولمّا فَصَلَ عنها ترَكَها معَ ما صار له منها مدّةَ مقامِه بها، فأتَى عليه النَّهْبُ في الكائنة على أهل غَرناطةَ عند قيامِهم على لَمْتُونةَ وتحصُّنِ لَمْتُونةَ بقَصَبتِها وما دارَ بينَهم من القتال إلى أن تغَلَّب أهلُ القَصَبة على أهلِ البلد وتمكَّنوا من البلد تمكُّنَ عَنْوة، واستَباحوهُ استباحةَ قَهْر، وفرّ معظمُ الناس عن منازلهِم، فكان ممّن فَرَّ عن منزلِه عِيالُ أبي العبّاس هذا وبعض ولَدِه الذين ترَكَهم بها حين توجَّه إلى مَرّاكُش، فنُهِبَ ما كان بدارِه من كتُب وغيرِها، وكذلك طرَأَ له بمَرّاكُشَ حين دخَلَها عبدُ المؤمن وطائفتُه، فقد كان جَمَعَ منها بمَرّاكُشَ عظيماً، وأُخبرَ أنه كان في حينِ حصارِ مَرّاكُش -والحالُ بها ضيِّقُ والسعرُ شديد- أنه كان يَخرُجُ بالدّرهم ليشتريَ به قُوتًا لنفسِه ولعيالِه، فربّما صادَفَ في طريقِه كتابًا بيدِ إنسان فيشتريهِ منه بذلك الدِّرهم وَيرجعُ دونَ قُوت، ويبقى هو وعِيالُه طاويًا إلى أن ييسِّرَ اللهُ في غيرِه.
وكان معَ تقدُّمِه وتبريزِه في المعارِف بَكيءَ اللِّسان قصيرَ باع الكلام لا يكادُ يؤلِّفُ بين كلمتَيْن لفَرْط حياءٍ كان قد غَلَبَ عليه حتى مَلَكَه، فإذا خَلا بنفسِه لإنشاءٍ أو تصنيف، أو فاوَضَ مَن عادتُه التبسُّطُ معَه والتأنُّسُ به، تفَجَّرت منه بُحورُ علم لا يُكدِّرُها الدِّلاء.
وله تصانيفُ مفيدةٌ تدُلُّ على إدراكِه وجَوْدةِ تحصيلِه وإشرافِه على فنونٍ من المعارِف، كشَرْحِه "الشِّهاب" فإنه أبدَعَ فيه ما شاء. ومن شعرِه في الطريقة الزُّهديّة التي لا يَنفُذُ فيها من الشِّعر إلا من قَوِيَتْ عارضتُه وتوفَّرت مادّتُه وعُلِمت في الإجادةِ رُتبتُه: قولُه [الطويل]:
إلهي لك المُلكُ العظيمُ حقيقةً
…
وما للورى مهما منَعتَ نَقيرُ
تجافَى بنو الدُّنيا مكاني فسَرَّني
…
وما قَدْرُ مخلوق جَدَاهُ حقيرُ
وقالوا: فقيرٌ، وهْو عندي جلالةٌ
…
نعَمْ صَدَقوا إنّي إليكَ فقيرُ
وقولُه [الكامل]:
أَرْضِ العدوَّ بظاهرٍ مُتصنَّع
…
إن كنتَ مَضْطَرًّا إلى إرضائهِ (1)
كم مِن فتًى أَلقَى بثغرٍ (2) باسمٍ
…
وجَوانحي تنقَدُّ من بَغْضائهِ (3)
وقولُه في وَداع القبرِ المكرَّم قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم[الكامل]:
حسبُ المحبِّ من الحبيب سلامُ
…
يُقْفَى به يومَ الوداع ذِمامُ
رُحنا ورَوْعُ البَيْن يُخرِسُ نُطقَنا
…
ومن الدُّموع إشارةٌ وكلامُ
يا أرضَ يثربَ لا عَداكِ غَمامُ
…
أنتِ المُنى لو تُسعِفُ الأيامُ
للقلبِ في تلك العِراصِ عَرامةٌ (4)
…
مضمونُها كَلَفٌ بها وغرامُ
(1) في تحفة القادم ونفح الطيب: "استرضائه".
(2)
في تحفة القادم ونفح الطيب: "بوجه".
(3)
البيتان في تحفة القادم (49) ونفح الطيب 4/ 319 (ط. إحسان).
(4)
في م: "غرامه".
قبرٌ تضمَّنَ أعظُمًا تعظيمُها
…
عنه يصحُّ الدِّينُ والإِسلامُ
وَرَدَتْ بها نفسُ المَشُوقِ مَناهلًا
…
كلُّ المناهلِ بعدَهنَّ حرامُ
وشعرُه في هذه المَناحي كثير، وكلُّه سلِسُ المَقادة دالٌّ على جَوْدة الطّبع.
وُلدَ بالمَرِيّة كما تقَدَّم في أحَدِ شهرَيْ ربيع سنةَ اثنتينِ وتسعينَ وأربع مئة، وتوفِّي بمَرّاكُشَ بين صَلاتي الظّهر والعصر من يوم الأحد لثمانٍ خَلَوْنَ من جُمادى الأُولى سنةَ تسع وستّينَ وخمس مئة، ودُفن يومَ الاثنينِ بعدَه عقِبَ صلاةِ الظهر، وصَلّى عليه القاضي أبو يوسُف حَجّاجُ بن يوسُف، وكانت جَنازتُه عظيمةَ الحَفْل كثيرةَ الجَمْع برَزَ لها الرِّجالُ والنساء ورَفَعوا نعْشَه على الأيدي رحمه الله، وبَلَغَ نبأُ وفاتِه جارَه وصديقَه أبا بكر بنَ طُفَيْلٍ وهُو بإشبيلِيَةَ صُحبةَ رِكابِ أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن، فكتَبَ إلى ابنيه يُعزِّيهما به وبعَثَ معَ الكتاب (1) قصيدةً رثاهُ بها وهي [الوافر]:
لأمرٍ ما تغيَّرتِ الدّهورُ
…
وأظلمتِ الكواكبُ والبدورُ
وطال على نجِيِّ الهمِّ ليلٌ
…
كأنّ النَّجمَ فيه لا يَغورُ
لِنبأةِ صارخ وطروقِ خطْبٍ
…
تكادُ له الجوانحُ تستطيرُ
مجُيري بل كبيري كان أوْدى
…
وما يبقَى الصّغيرُ ولا الكبيرُ (2)
فبانَ لوَجْدِه أسَفٌ وحُزنٌ
…
وبان لفَقْدِه كرَمٌ وخِيرُ
وضَنَّ الدهرُ أن يأتيْ بمثلٍ
…
لهُ والدهرُ وَلّادٌ حَصُورُ
وأنّى للزّمانِ به سَماحٌ
…
وأُمّ الدهرِ مِقلاةٌ نَزورُ
أبا العبّاس جادَتْك الغَوادي
…
ولاقَتْك الكرامةُ والحُبورُ
لقد فقَدَ الأيامَى واليَتامى
…
مكانَك والمحافلُ والصدورُ
(1) في م: "الكتب".
(2)
هذا البيت سقط من م.
وعُطّلتِ المدارسُ من مُفِيضٍ
…
علومَ الوَحي ليس له نظيرُ
تمثَّلَ قائلٌ فأجاد فيهِ
…
وقد يتقَدَّمُ المعنى الأخيرُ:
(لَعَمْرُك ما الرَّزِيّةُ فَقْدُ مالٍ
…
ولا شاةُ تموتُ ولا بعيرُ
ولكنَّ الرَّزيّةَ فقدُ قَرْمٍ
…
يموتُ بموتِه بَشرٌ كثيرُ)
حبيبٌ بانَ لا خبَرٌ يُوافي
…
بفَيْئتِهِ ولا يَأتي بشيرُ
إذا قَفَل الرِّفاقُ صدَدْتُ عنهمْ
…
لعِلمي أنّه فُقِد الخَبيرُ
وإنْ أهدَى السّلامَ أخو اشتياقٍ
…
إلى العَرَصاتِ شاقَتْني القُبورُ
فلا بَرحتْ قبورُ الغَربِ يُهدَى
…
إليها الرَّيُّ والعَذْبُ النَّميرُ
ولازَبَها معَ الرَّيْحانِ رَوْحٌ
…
ورُحمَى ما تطاولتِ العُصورُ
ولم يَتخلَّفْ رحمه الله لا دينارًا ولا درهمًا، ولا عَبْدًا ولا أَمَةً، ولا عَقارًا ولا ثيابًا إلا أشياءَ (1) لا قَدْرَ لقيمتِها (2)، لِما كان عليه من المواساةِ والصَّدَقة والإيثارِ نفَعَه الله.
293 -
أحمدُ بن عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الحقِّ الخَزْرَجي (3)، قُرْطُبيٌّ، أبو جعفر.
تَلا على ابن عمِّه أبي القاسم عبد الرّحمن بن الحَسَنُ بن سَعيد، ورَوى عن أبي العبّاس بن (4) المهدوي (5)، وأبي عَمْرٍو عثمانَ بن سعيد ابن الصَّيْرَفي، لقِيَه
(1) في م: "شيئاً".
(2)
في م: "لقيمته".
(3)
ترجمه ابن الجزري في غاية النهاية 1/ 66 وفيها أنه توفي سنة 511 هـ، وترجم ابن الأبار لحفيده محمد بن عبد الحق بن أحمد بن عبد الرحمن (1398).
(4)
بعد هذا بياض في النسختين.
(5)
في ق: "المهدي"، محرف، وهو أبو العباس أحمد بن عمار، أصله من المهدية من القيروان وقدم الأندلس، وهو مقرئ معروف، مترجم في الصلة البشكوالية (188)، وإنباه الرواة 1/ 91، وتاريخ الإسلام 9/ 598، والواقي بالوفيات 7/ 257، وغاية النهاية 1/ 92.