الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه في وصفِ المُجَبَّنات [الوافر]:
ثوَتْ في النارِ وهْيَ من الجِنانِ
…
فجاءت وردةً مثلَ الدِّهانِ
مُجبَّنةٌ محبَّبةٌ إلينا
…
يُشجِّعُ ذكْرُها قلبَ الجَبانِ
لفَرْطِ لُدونةٍ فيها ولِينٍ
…
تكادُ تذوبُ من لَمْس البَنانِ
تَناوَلَ نفْسَها الأفواهُ طَوْعًا
…
وإن هيَ لم تَناوَلْها اليدانِ
لها صَخَبٌ إذا قُلِيَتْ وقلبي
…
لهُ صَخَبٌ عليها غيرُ وانِ
هي الثَّمرُ الجَنيُّ وإن تبَدَّتْ
…
لنا وَرَقًا على شجرِ الأمانِ
وحُبلى كم بَقَرْتُ البطنَ منها
…
وما إنْ لي عليها من حنانِ
ظلَمْتُ فعِبتُها من غيرِ جُرْمٍ
…
بكثرةِ جُبنِها فكوَتْ لساني
وتُخفي باطنًا كالقُطنِ لونًا
…
وتُبدي ظاهرًا كالأُرجُوانِ
غَبَنْتُ مؤاكلي فيها اقتسامًا
…
فواحدةٌ لهُ وليَ اثنتانِ
دَعاني حينَ أحضَرني إليها
…
فما أدري أبِاسْمي أم كَنَاني
670 - أحمدُ بن محمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد الأُمَويّ
.
كان من أهل العلم، حيًّا سنة سبع وثمانينَ وأربع مئة.
671 -
أحمدُ (1) بن محمد بن عبد الرّحمن بن أحمدَ بن يحيى بن خليل بن ماسُوَيهِ بن حَمْدين الأنصاريّ، ابنُ الحَدّاد، أصلُه من ناحيةِ بَلَنْسِية.
له رحلةٌ إلى المشرِق سنةَ ثِنتينِ وخمسينَ وأربع مئة أدَّى فيها فريضةَ الحجّ وتجوَّلَ في بلاد المشرِق الأقصىَ طالبًا للعلم بالمَوصِل وبغدادَ وواسِطَ وبلادِ فارسَ وخُراسانَ وغيرِها، وعاد إلى مِصرَ سنة سبع وستينَ، وقَفَلَ إلى بلدِه وأقام به إلى أن تغَلَّبَ الرُّوم على طُلَيْطُلةَ يومَ الأربعاء لعَشْرٍ خَلَوْنَ من محرَّمِ ثمانٍ وسبعينَ
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (73)، والذهبي في تاريخ الإِسلام 10/ 419، وابن فرحون في الديباج 1/ 223.
وأربع مئة، فخرَجَ إلى دانِيَةَ وطلَبَ الجهادَ معَ الأمير يوسُفَ بن تاشَفين اللَّمْتُوني، فوَصَلَ سَبْتةَ وهو قد فَصلَ إلى بَطَلْيَوْس فيئس من لَحاقِه وعَدَلَ إلى طَنْجة ولقِيَ بها القاضيَ أبا الأصبَغ عيسى بن سَهْل وناظَرَه في مسائلَ من العلم عويصةً دَلّت على تبحُّرِه في العلم واتّساع باعِه فيه وأدَّتْه إلى وَضْعِ رسالةٍ سَمّاها:"رسالةَ الامتحانَ لمَن برَّزَ في عِلم الشريعةِ والقرآن"، خاطَبَ بها أبا الأصبَغ بنَ سَهْل المذكورَ وطلَبَ منه الجوابَ عن تلك المسائل التي وقَعَتْ بينَهما المناظرةُ فيها.
672 -
أحمدُ (1) بن محمد بن عبد الرّحمن بن حاطِب بن زُهْر، باجِيٌّ، باجةَ الأندَلُس، أبو العبّاس.
رَوى الحديثَ عن أبي عُمر مَيْمون بن ياسين اللَّمْتُونيّ، وأخَذَ العربيّةَ والآدابَ عن أبي بكرٍ عاصم بن أيوبَ البَطَلْيَوْسي، وأبي الحَسن بن أفلحَ القَلَبَّق (2)، وأبي حَفْص بن خَطّابٍ المارِديّ، وأبي عبد الله بن أبي العافيةِ خِيَرةَ، وأبي عبد الملِك مَرْوانَ بن الجعديلة.
رَوى عنه أبو بكر بن خَيْر، وأبو الحَسَن عَقِيلُ بن العَقْل، وأبو حَفْص (3) ابن عُكَيْس، وأبو عبد الله بن مالكٍ المارْتُليّ.
كان من جِلّة النُّحاة وحُذّاقِهم، ذا حَظّ صالح من روايةِ الحديث، حافظًا للفقه، زاهدًا وَرِعًا فاضلًا، تصَدَّرَ لتعليم العربيّة واللُّغات عُمرَه كلَّه، وأسمَعَ الحديثَ أحيانًا إلى أن توفِّي قريبًا من نصفِ ليلةِ الأربعاء مُنسلَخ جُمادى الأُخرى سنةَ ثِنتينِ وأربعينَ وخمس مئة ابنَ نحوِ ثمانينَ سنةً ودُفن يومَ الأربعاءِ خارجَ بابِ مدينة بَلَدِهِ باجَة.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (148)، والذهبي في تاريخ الإِسلام 11/ 802، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 371.
(2)
اسم لاتيني الأصل يعني: السلحفاة.
(3)
بعد هذا بياض في النسختين، واسم أبي حفص هذا عمر بن عبد الرحيم بن عمر، كما في ترجمة والده عبد الرحيم من التكملة لابن الأبار (2388).
673 -
أحمدُ (1) بن محمد بن عبد الرحمن بن العاص بن سَهْل الأنصاريُّ، لارِديٌّ سكَنَ شاطِبةَ، أبو الحَكَم.
رَوى عن أبي محمد بن عليّ الرُّشَاطي.
رَوى عنه أبو عُمر يوسُفُ بن عَيّاد وهُو في عِدادِ أصحابِه، وتوفِّي بشاطِبة سنةَ ثِنتينِ وخمسينَ وخمس مئة أو نحوِها.
674 -
أحمدُ (2) بن محمد بن عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن عليٍّ القُضَاعيُّ ثُم البَلَويّ، إشبِيليٌّ قُرْطُبيُّ السَّلَف، كانوا يُعرَفونَ فيها ببني عليّ، أبو القاسم البَلَويّ.
أكثَرَ عن أخيه للأبِ أبي الحَسَن البَلَوي (3)، وروى عن خالِه الحاجِّ أبي العبّاس ابن (4) القَرْمَادي. وتلا بالسَّبع على أبي الحُسَين (5) بن عَظِيمةَ، وبحرفِ نافع على أبي العبّاس بن محمد بن مِقْدام. وسمع على أبي إسحاقَ ابن الشَّرَفيّ، وأبوَيْ جعفر: ابن عبد الرّحمن بن مَضاءٍ وابن محمد بن يحيى، وأبي الحَجّاج بن حُسَين بن عُمَر، وأبي الحَكَم يوسُفَ بن أحمدَ بن عياد المليانيّ، وأبي عبد الله بن عبد العزيز بن عَيّاش، ورأى أبا عبد الله بنَ سعيد بن زَرْقُونَ، وحَضَرَ مجلسَ سَماع أبي محمد بن أحمد بن جُمْهُور، وأجازوا له ما كان عندَهم.
وأجاز له من أهل الأندَلُس: أبو القاسم ابنُ بَشْكُوال وعبدُ الرّحمن بن محمد الشَّرّاط، ومن أهل المشرِق: أبو الطاهر الخُشُوعيُّ وطائفةٌ كبيرةٌ معَه.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (171).
(2)
له ترجمة في اختصار القدح المعلى 120 - 122.
(3)
اسمه علي، وستأتي ترجمته في السفر الخامس من هذا الكتاب (الترجمة 611).
(4)
بعد هذا بياض في النسختين، وهو أبو العباس أحمد بن عمر القرمادي الذي تقدمت ترجمته في موضعها من هذا السفر.
(5)
بعد هذا بياض في النسختين، وأبو الحسين بن عظيمة اسمه محمد بن عياش بن محمد بن عبد الرحمن ابن الطفيل بن عظيمة العبدري الإشبيلي وهو مترجم في التكملة (1566).
وكان فيما أرى آخرَ الرُّواة عن أبي عبد الله بن زَرْقون، وأبوَي القاسم المذكورَيْن. سَمِعتُه رحمه الله يقول: أدخَلَ عليّ أخي وكبيري أبو الحَسَن رحمه الله إلى منزِل أبي وأنا في المَهْد ابنَ أربعينَ يومًا الراوِيةَ أبا القاسمِ ابنَ بَشْكُوال وأراهُ إيّايَ واستجازَه لي، فدَعَا لي بخيرٍ وكتَبَ لي حينئذٍ الإجازةَ وضَعَها بيدِه على صَدْري وانصَرفَ رحمه الله.
رَوى عنه من شيوخِنا: أبو الحَسَن بنُ محمد الرُّعَيْنيُّ وجماعةٌ من أصحابِنا ومَن يتنزَّلُ منزلةَ شيوخِنا، وقرأتُ عليه كثيرًا من الحديثِ والآداب، وتَلَوْتُ عليه بعضَ القرآن برواية وَرْش، وتدرَّبتُ بينَ يدَيْه في علم العَروض وصَنْعة الحساب وعَملِ الفرائض، وأجاز لي إجازةً عامّة غيرَ مرّة. وكان عَدَدِيّا مُهندسًا فَرَضيًّا عَدْلًا مَرْضيًّا شديدَ الشَّغَف بالعلم حريصًا عليه لا يأنَفُ عن استفادتِه من الصَّغيرِ والكبير، ولقد ذاكَرَني بمسائلَ وأنا ابنُ ستَّ عشْرةَ سنةً أو نحوَها فذكَرْتُ له ما عندي فيها ثم بعدَ حين وقَفْتُ عليها مُقيَّدةً بخطِّه وقد ختَمَها بقولِه: أفادَنيها الطالبُ الأنجَبُ الأُنْبَل أبو عبد الله بنُ عبد الملِك حفِظَه الله. وكان عاقِدًا للشّروط، مُمتِعَ المجالَسة طيِّبَ النفْس (1)، رقيقَ القلب سَريعَ الدَّمعة، أديبًا بارِعًا صاحبَ منظوم ومنثور، سَهْلَ الارتجالِ في النَّوعَيْن، كتَبَ بخطِّه الكثيرَ، وكان يَنْحو به طريقةَ شيخِه أبي عبد الله ابن عَيّاش المذكور وإن كان يَضعُفُ عنها، وعُني طويلًا بخدمةِ العلم، وكان من قُدَماءِ النُّجَباءِ فيه، وكتَبَ زمَنَ شَبِيبتِه عن غيرِ واحد من وُلاةِ بلاد الأندَلُس من آلِ عبد المؤمن بإشبيلِيَةَ وغيرِها، كأبي زيدٍ وأبي موسى عيسى المعروفِ بالعابد، ابنا (2) عبد المؤمن، وأبي عِمرانَ بن أبي موسى المذكور، وأبوَيْ إسحاق: ابن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن وابن أبي يوسُف يعقوبَ المنصور بن أبي يعقوبَ المذكور، وأبي الرَّبيع بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن، وأبي عبد الرّحمن (3)
(1) قوله: "طيب النفس" سقطت من ق.
(2)
كذا في النسختين، وهو على معنى القطع.
(3)
بعد هذا بياض في النسختين.
ابن أبي إسحاقَ بن عبد المؤمن، ثُم ترَكَ ذلك والتزَمَ كَتْبَ الشّروط، فكان من ذوي التبريز في عقودِها والنفوذِ فيما يتعلَّقُ بمعانيها.
وله تصانيفُ أدبيّة، وكتابُهُ في الترسيل المجموعُ من كُتِب أهل العَصْر ومَن قبلَهم من أحفَل الموضوعاتِ في فنِّه وسَمّاه:"تشبيبَ الإبريز" وضمَّنَه جُملةً وافرةً من نَظْمه ونثره، وكان جَمْعُه إياه باقتراح المشرَّف أبي عبد الله بن عبد الرحمن بن سُهَيْل ووَصَلَه عليه لمّا رَفَعَه إليه بمالٍ جَسيم وكُسًى فاخِرة، ومجموعاتُه الثلاثة في العَروض، كذلك، وهي: كبيرٌ وصَغير ومتوسِّط، وجعَلَها كلَّها معَ مختصَر في القوافي، مجموعةً في ديوانٍ واحد، قال في صَدْرِه: ورجَوْتُ ألا يَحتاجَ معَ تناهيه في البيان وإبداءِ شَرْحِه للعِيان إلى مُقرئ يَشرَحُه، إذْ لا أترُكُ للناظر فيه مُغلَقًا لا يفتَحُه، وجعَلْتُه تأليفَيْنِ مختصَرًا ومُطوَّلًا أبدأُ منهما بالمختصَر أولًا، فالمُختصَر يُجزي وَيكفي والمُطوَّلُ يُكملُ وَيشفي، أُسمِّي المختصَر بـ "المقطوف من تدقيق وَضْع الميزان لعلم العَروض والأوزان"، وأُسمِّي المطوَّلَ بـ "المعطوف من تحقيق العِيان للفَرْش والمثالِ في غاية البيان" يُنالُ بالأوّل فتحُ الباب ومَنْحُ اللُّباب ورَشْفُ الرُّضاب في الاقتضاب، وُيدرَكُ بالثاني تمكينُ الإبهام في الأفهام وتحقيقُ الإحكام للأحكام، فجَلَوْتُهما عَرُوسَيْن على مِنَصَّتَيْن ناويًا مِنَصَّتَيْن: جَلْوةَ الحسناء على مِنَصّة الإجزاء، وجَلْوَة البارِعةِ الجمال، على مِنَصّة الكمال. ولمّا فَرَغَ من هذا الثاني عقَّبَه بقولٍ مقتضَب في القوافي وافتَتَحَه بقولِه: كثيرًا ما قَفّى العَرُوضيُّون علمَ العَروض بعلم القوافي، فجعَلوهُما في الاتّصال والاقتران بمنزلةِ القَوادم معَ الخَوافي، فاقتدَيْتُ بهم في ذلك، وسلَكْتُ في هذا التأليف تلك المَسالك. وأتَى بعلم القوافي على غايةٍ من الاختصار. ولمّا أتمَّ غرَضَه من هذا الكتاب وَصَلَه بمُختصَر في العَروض سَمّاه "عُمدةَ الاقتصار وزُبْدةَ الاختصار"، وكان تأليفُه إيّاها الثلاثةَ برَسْم رئيس الطّلبة (1)
(1) رئيس الطلبة أو مزوارهم في عهد المعتضد هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العراقي. انظر البيان الغرب 3/ 370 - 371 وفي ص: 358 منه أنه كان من خواص المعتضد، وأحال المؤلف أثناء ترجمته لبعضهم في السفر الثامن على ترجمته بقوله:"وقد جرى له ذكر في رسم أبي محمد بن عبد الرحمن العراقي". وينبغي أن تكون هذه الترجمة في السفر السابع وهو مفقود.
أيامَ المُعتضِد بالله أبي الحَسَن عليِّ ابن المأمونِ أبي العلى إدريسَ بن المنصُور أبي يوسُف، وكان قد شَرَعَ آخرَ عُمرِه في تأليفِ كتاب في منتقَى الأشعار على فنونِ الشِّعر سَمّاه "رَوْضَ الأديب والمَنْزَهَ العجيب" ضاهَى به "صَفْوةَ الأدب ونُخبة ديوانِ العرب" لأبي العبّاس ابن عبد السّلام الجُرَاوي، فَرَغَ منه نحوَ الثُّلث وعَجَزَ للكَبْرة عن إتمامِه، ويتَجزَّأُ كتابُ الجُرَاويِّ ممّا تحصَّل منه بمقدارِ الربع، أنشَدَني منه كثيرًا وكذلك أنشَدَني من شعرِه ما لا أُحصيه كثرةً، وشاهدتُ منَ ارتجالِه إيّاه وسُرعة بديهتِه ما [لا] أقْضي أبدًا منه العَجَب، وسَمِعتُه يقولُ غيرَ مرّة: لو شئتُ أنْ لا أتكلَّم في حاجةٍ تَعرِضُ لي معَ أحد وأحاورَه إلّا بكلام منظوم لَفعلتُ غيرَ متكلِّف ذلك، ومن إنشاءاتِه بدائعُ نَظَمَها في صِباه وهُو لم يُكمِل العشرينَ من عُمرِه، أغرَبَ بكُبْراها المقسومة بثلاثةٍ وعشرينَ مربَّعًا عَرْضًا وثمانية وعشرينَ طُولًا اشتملَتْ على نَظْم ونثر وموشَّحة وزَجَل، وخاطَبَ بها صديقَه أبا بكر بن مُفَضَّل بن مَهِيب (1)، وله خَواتمُ بديعةٌ، وكلُّ ذلك ممّا أجاد فيه.
وقَدِمَ مَرّاكُشَ في أيام الناصِر أبي عبد الله بن المنصُور أبي يوسُفَ أو قبلَه وانقَطعَ إلى أبي عبد الله بن عبد العزيز بن عَيّاش واختَصَّ به، فكان في كنَفِه إلى أنْ فَصَلَ عن مَرّاكُش إلى الأندَلُس ثم عاد إليها معَ وَفْد أهل إشبيلِيَةَ على المُعتضِد بالله أبي الحَسَن المذكورِ آنفًا، وذلك سنةَ أربعينَ وست مئة، وقام بين يدَيْه بقصيدةٍ فريدة وخُطبة بارِعة وأتبَعَهما بقصيدةٍ أخرى وخُطبةٍ بديعتَيْن، فالأُوْلَيانِ في التهنئة بصَيْرورةِ الأمر إليه بعدَ الرَّشيد، والثانيتانِ في تهنئتِه بعيدٍ وبغيرِ ذلك، ومن الأُولى: قولُه [البسيط]:
الحمدُ لله بُشرى بعدَها بِشَرُ
…
خليفةٌ ملكٌ (2) يُهدَى به البَشَرُ
(1) هو أبو بكر محمد بن مفضل بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد بن مهيب اللخمي، مترجم في التكملة الأبارية (1701).
(2)
في ق: "بشر".
نامَتْ رعيّتهُ في حِجْر إمرتِهِ
…
وفي رعايتِها من شأنِه السَّهرُ
وأشرَقَ الأُنسُ من بعدِ الرّشيدِ بهِ
…
كأنّما هو في ليل الأَسى قمرُ
فضائلُ الخُلفاءِ الرّاشدينَ لهُ
…
مجموعةٌ فيه مِن آياتِها الكُبَرُ
كأنّما نَحَلَ الصِّدِّيقُ شيمتَهُ
…
في الصِّدق فالخُبْرُ صدقٌ منه والخبَرُ
تأتي الفتوحاتُ في أيامِهِ نَسَقًا
…
كأنّما هو في أيامِهِ عُمرُ
ومن فضائلِ عثمانَ الحياءُ لهُ
…
على مُحَيّاهُ من أنوارِه أثرُ
لهُ الوَصِيُّ سَمِيًّا وهْو يُشبِهُ
…
في سَيْفِه فبِه يشقَى الأُلى كَفَروا
سيفٌ غدا في يدِ القهّارِ قائمُهُ
…
لا يَكهَمُ السيفُ أمضت حدَّهُ القُدَرُ
لا شكَّ في الحقِّ لكنْ شكَّ بعضُهمُ
…
أسيفُه في الوغَى أمضى أم القَدَرُ؟
يُغني اسمُه إن نَضَاه عن عساكرِهِ
…
فلا يبالي أقلَّ الجيشُ أم كَثُروا
كالشمس تُغني إذا ذَرَّت أشعتُها
…
عن المصابيحِ حيث النُّورُ مُنتشرُ
ومنها:
تُتلَى مدائحُه والمؤمنونَ بها
…
كأنّما هي إذْ تُتلَى لهم سُوَرُ
كأنّما هيَ إذْ تُجلَى محاسنُهُ
…
عرائسُ الحُسن قد راقَتْ لها صُوَرُ
لمّا رأيناهُ خِلْنا عند بهجتِه
…
أن الأئمةَ من آبائه حَضَروا
وأنّهمْ حين أحيَتْهمْ خلافتُهُ
…
إذْ أنشَرَ اللهُ مَوْتاهم به نُشِروا
ومنها:
وافاكُمُ وفدُ حمصَ المُستجيرُ بكمْ
…
وقد أُعِزُّوا بكمْ وَعْدًا وقد نُصِروا
صالَ العدوُّ عليهمْ في جِوارِهمُ
…
حتى لَقَلُّوا فمُذْ أُمِّرتُمُ أُمِروا
وأيقَنوا أنّ نَصرَ الله نَصْرُكمُ
…
فالفتحُ مرتقَبٌ والنصرُ منتظَرُ
إرادةُ الله تمُضي ما تريدُ إذا
…
أَمَرْتَ فالفَلَكُ الدوّارُ مؤتمِرُ
ومنها:
يُهني الشّريعةَ أن أصبحتَ كافلَها
…
فالرُّوحُ أنت لها والسمعُ والبَصرُ
بأمرِكمْ حاطَ سِربُ الدِّين ناصرُهُ
…
تُحيي العبادَ وتَحميهم وتنتصرُ
معنى الهُدى عصبةُ التوحيد ظاهرةً
…
وأنت لا شَكَّ معناها إذا اعتَبَروا
رمَى بك اللهُ أهلَ الكُفر تُسحِتُهمْ
…
وأنت معتضِدٌ بالله منتصرُ
فاللهُ رام وأنت السَّهمُ في يِدِهِ
…
والقوسُ طائفةُ التوحيد والوتَرُ
وهي طويلةٌ وإجادتُه فيها ما سَمِعتَ وسِنُّه حينَئذٍ خمسٌ وستونَ سنة، وكان معظمَ عُمُرِه محدودًا لم تُساعدْه الأيامُ بأملٍ إلا فَلَتاتِ قليلة، وأدْرَكَتْهُ آخرَ حياتِه فاقةٌ شديدة اضْطُرَّ من أجْلِها إلى الانتقال إلى حاحةَ من أعمال مَرّاكُش وبَواديها القريبة إليها على نحو أربع مَراحلَ منها لتعليم العربيّة بعضَ بَني أحدِ رؤساءِ البَرْبَر بها، فأقام عندَه نحوَ سبعةِ أشهر وعاد إلى مَرّاكُشَ ببعض ما أسدَى إليه ذلك الرئيسُ أيامَ مقامِه عنده، وكان نَزْرًا أجرَى منه ما أقام أوَدَه على تقتير مدة قصيرة فنَفِدَ، وأرى ذلك كان في سنة ثلاثٍ وخمسينَ أو نحوها، وبقِيَ في حالٍ ضعيفة يَرتزِقُ من عائدٍ إليه في عَقْدِ الشّروط لم يكنْ يَفي بأقلِّ مُؤْنة، حتى قَيَّض اللهُ له وصُولَ الواعِظ أبي عبد الله بن أبي بكر بن رُشَيْد البغداديِّ، المذكور في موضعِه من الغُرباء في هذا المجموع (1)، فتعرَّفَ به وتحقَّق فضلَه فصيَّرَه في كفالتِه وقام به أحسَنَ قيام جزَاهُ اللهُ أفضلَ جزائه، وكان ذلك من أقبح ما جرَتْ به الأقدارُ من مُوجِباتِ النَّقْد على صِنفِه وجيرانِه من المنتَمِينَ إلى العلم والمرتَسمِينَ به وغيرِهم من رُؤساءِ حضرةِ مَرّاكُش، فقد كان الجارُ الجُنُبُ لشيخِنا أبي الحَسَن الرُّعينيِّ رحمه الله لا يَفصِلُ بين دارَيْهما دارُ أحدٍ من خَلْق الله، وشيخُنا أبو الحَسَن
(1) انظر السفر الثامن من هذا الكتاب، ونقلها برمتها صاحب الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 3/ 152 - 159 وهو صاحب القصائد الوترية وهي مطبوعة، ولها تخميس مطبوع أيضًا. وانظر كذلك مقالة للأستاذ عبد الله كنون فيه منشورة بمجلة البحث العلمي المغربية.
هذا أوفَرُ أهل الحَضْرة مالًا وأعظمُهم جاهًا، وهو بَلَدِيُّه، وقد انتَفعَ به كثيرًا في طريقتِه التي بها رَأَسَ وبالاستعمالِ فيها شُهِر، وهي الكتابةُ عن السلاطين (1)، فلم تَجْرِ له على يدِه قَطُّ منفَعةٌ ولا نالَ من قِبَلِه ولا بسببِه فائدة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وكان رحمه الله كثيرًا ما يقولُ وسمِعتُه غيرَ مرّة منه: إنّ من أكبرِ أمنياتي على الله أن أُعمَّرَ عُمرَ أبي، ويقول: إنّ أباه توفِّي ابنَ اثنينِ وثمانينَ عامًا، فلمّا كان منتصفُ جُمادى الأُخرى من عام وفاتِه أقبَلَ إلى دُكّانِه الذي كان يتَصدَّى فيه لعَقْد الشروط فصَعِدَ إليه وقعَدَ منه بموضعِه المعلوم له، واستَعْبَرَ طويلًا وأنا حاضرٌ، ثم قال: اليومَ بلغتُ من السِّنِّ ما كنتُ أتمنّى على الله أن يُعمِّرَنيهُ، فأنا اليومَ ابنُ ثنتينِ وثمانينَ سنة، ثم عاشَ بعد ذلك شهرَيْنِ وعشرينَ يومًا. وكان مولدُه فيما أخبَرَني به غيرَ مرّة ونقَلتُه من خطِّه في السدُّسُ الأوّل من ليلة يوم الأحد لأربعَ عشْرةَ ليلةً بقِيَتْ من جُمادى الآخِرة عامَ خمسة وسبعينَ وخمس مئة، وتوفِّي رحمه الله بمَراكُش ودُفن بجَبّانةِ الشّيوخ لأربع أو خمسٍ خَلَوْنَ من رمضانِ سبع وخمسينَ وست مئة.
حدَّثني الشّيخُ المُسِنُّ الأديبُ أبو القاسم البَلَويّ رحمه الله إجازةً إنْ لم يكنْ سَماعًا، قال: حدّثنا الراويةُ أبو القاسم ابنُ بَشْكُوال إجازةً قال: أخبَرَنا الشّيخُ أبو محمد بن عَتّاب قراءةً منّي عليه غيرَ مرّة، قال: حدّثنا الحافظُ أبو عُمرَ عثمانُ بن أبي بكر بن حَمُّود الصَّدَفُّي السَّفَاقُسِيُّ إجازةً، قال: حدّثنا أحمدُ بن عبد الله الناقد بأصبَهانَ، قال (2): حدّثنا محمدُ بن أحمد أبو بكرٍ المُفيدُ، قال: حدّثنا أحمدُ بن عبد الرّحمن السَّقَطيُّ، قال: حدّثنا يزيدُ بن هارونَ، قال: أخبَرَنا عاصمٌ الأحوَل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الموتُ كَفّارةٌ لكلِّ
(1) في ق: "السلطان".
(2)
حلية الأولياء 3/ 121.
مُسلم"، قال أبو عَمْرٍو السَّفاقُسِيُّ: هذا حديثٌ عالٍ على شَرْط البخاريِّ ومُسلم رحمَهما الله (1).
675 -
أحمدُ (2) بن محمد بن عبد الرّحمن بن مَسْعود القُرَشيُّ، من أهل شَنْتَ مَرِيّةَ، استَوطنَ مدينة فاس، أبو العبّاس.
رَوى عن أبي داودَ بن يحيى المَعافِريّ، رَوى عنه أبو حَفْص (3) بن عُكَيْس، وكان مُقرئًا مجوِّدًا متصدِّرًا لذلك ببلدِهِ وبفاس.
676 -
أحمدُ (4) بن محمد بن عبد الرّحمن الأنصاريُّ، أبو العبّاس الشارِقيُّ من ناحية بَلَنْسِية.
له رحلةٌ رَوى فيها بمكّة شرَّفَها الله عن كريمةَ المَرْوَزِيّة وحَجَّ وسمع من عبد الجَليل السَّاوي ووَصَفَه بالمشاركة في معرفة الأصُول على مذهبِ أهل العراق وطريق الحِجَاج والنظَر، وأنه جالَسَه وسمعَ كلامَه واغتنمَ دعاءه، ودخَلَ الشارِقيُّ هذا العراقَ وبلدَ فارسَ والأهوازَ ومِصر، وقَفَلَ إلى المغرِب وسكَنَ سَبْتةَ ومدينةَ فاس وغيرَهما، وكان فقيهًا واعظَا فاضلًا كثيرَ الذِّكْر والعمل والبُكاء، وألّفَ كتابًا مختصَرًا نبيلًا مُفِيدًا في أحكام الصّلاة. وتوفِّي قريبًا من سنة خمس مئة.
(1) هذا كلام لا يسوى سماعه، فإذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 218، وهو في شعب الإيمان للبيهقي من هذا الوجه (9886)، والحديث عن زيد بن هارون شاذ كما قال الخطيب البغدادي (تاريخ مدينة السلام 2/ 205)، وقال الخطيب:"ولا أعلم أحدًا من البغداديين ولا غيرهم عرف أحمد بن عبد الرحمن السقطي هذا، ولا روى عنه سوى المفيد".
(2)
ترجمه ابن القاضي في جذوة الاقتباس (70).
(3)
بعد هذا فراغ في النسختين واسم أبي حفص بن عكيس: عمر بن عبد الرحيم بن عمر، كما تقدم قبل قليل.
(4)
ترجمه ابن بشكوال في الصلة (159)، وابن الأبار في التكملة (83)، والذهبي في تاريخ الإِسلام 10/ 840، وابن فرحون في الديباج 1/ 224، وابن القاضي في جذوة الاقتباس 1/ 137.