الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَعْفَريّة عن فِكاكِ نفسِه وقد رأيتُ أخْذَها منه؟ فما رأيُك في ذلك؟ فقلتُ: وأيُّ رأي لي معَ رأيِكم وقد اتَّفقْتُم لا محالةَ عليه؟ فقال لي: وعلى ذلك فلا بدّ والله أن تقولَ فيه برأيِك حتى أرى إن كان مُوافِقًا لرأينا وأُنفِذُ بعد ذلك ما فيه الصّوابُ إن شاء الله، قال بلقينُ: فقلتُ له: والله لئنْ أخَذْتَ منه الثلاثينَ ألفًا وخلَّيْت سبيلَه لتقَعَنَّ معه بعدَ ذلك في فتنة تُنفقُ فيها أزيَدَ من مئتي ألفٍ ثم لا تدري ما عاقبةُ ذلك، فقال لي: صَدقْت، يموتُ والله، فشأنَك به، قال بلقينُ: وكانت هذه المُحاورةُ بينَنا برَطانةِ البَربر، قال بلقينُ: فعَطَفْتُ بفَرَسي على ابنِ عبّاس وضرَبْتُه بمِزْراق في محِجَمِه حتى بَرزَ مَن فيه وكبا لوجهِه وأجهَزَ الحاضرونَ عليه. ويقال: إنَّ باديسَ هو الذي بدَرَه بمِزْراقِه فاعتَوَرَه بلقينُ بزَرقاتٍ كثيرة كبَّتْه على وجهِه، وذلك بعدَ نحوِ اثنينِ وخمسينَ يومًا من أسْرِه، ومات وهُو ابنُ ثلاثينَ سنةً وأشهُر عشِيّةَ يوم السّبت لعَشْر بَقِين من ذي الحجة سنةَ تسع وعشرينَ وأربع مئة.
357 - أحمدُ بن عبّاس الحَرّانيُّ، أبو بكر
.
رَوى عن أبي عليٍّ سَعيد بن أحمدَ الهِلالي، رَوى عنه أبو الحَسَن لُبُّ بن علي.
358 -
أحمدُ (1) بن عَتِيق بن الحَسَن بن زياد بن جُرج، بَلَنْسِيٌّ، مرويُّ الأصل، أبو جعفرٍ وأبو العبّاس، الذّهَبيُّ.
تَلا بالسبع على أبي عبد الله بن جعفرِ بن حَمِيد، ورَوى عن أبي بكر بن بِيبَش، وأبي جعفر بن مَضاء، وأبوَي القاسم عبدَي الرحمن: ابن إسماعيلَ التونُسيِّ وابن محمد بن حُبَيْش، وكان دونَه سِنًّا وعلمًا. وتأدَّبَ بأبي محمد بن يحيى عَبْدون. وأجاز له أبو الطاهِر بن عَوْف، وأبو عبد الله بنُ عبد الرحمن بن محمد بن منصُور بن
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (246)، وابن سعيد في المغرب 2/ 321، والغصون اليانعة (36)، ورايات المبرزين (82)، والذهبي في تاريخ الإِسلام 13/ 31، والصفدي في الوافي 7/ 176، وابن فرحون في الديباج 1/ 217، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 334.
محمد بن الفَضْل بن منصُور بن أحمدَ بن يونُس بن عبد الرحمن بن اللَّيث بن عبد الرحمن بن المُغيث (1) بن عبد الرحمن بن العلاءِ بن الحَضْرَميِّ صاحبِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عاملِه على البحرَيْن، وأبو القاسم مَخْلوف بن جارة.
رَوى عنه ابنُه أبو بكر عَتِيقٌ، وأبو جعفر بن عليّ بن عَيْشُون، وأبو عبد الله بن الحَسَن ابن التُّجِيبي.
وكان أعلمَ أهل زمانِه بالعلوم القديمة وبالتعاليم منها خصوصًا، ماهرًا في العربيّة، وافرَ الحظّ من الأدبِ، يَقرِضُ يسيرًا من الشِّعر فيُجيدُ فيه، متحقِّقًا بأصُول الفقه، ثاقبَ الذّهن، متوقِّدَ الخاطر، غَوّاصًا على دقائق المعاني، بارعَ الاستنباط، وَرَدَ مَرّاكُشَ مُستدعًى إليها من قِبَلِ المنصور أبي يوسُف، فحَظِي عندَه وجَلَّت منزلتُه ونال عندَه وعندَ ابنِه الناصِر أبي عبد الله بعدَه جاهًا عريضًا، وكان من أجلِّ من يحضُرُ مجلسَهما من أهل العلم، وقَدَّمه المنصورُ للشُّورى والفَتْوى في القضايا الشّرعية، فكانت الفتاوى في نوازلِ الأحكام تَصدُرُ عنه فتَبلُغُ القاضيَ الحافظَ أبا لعبّاس بن محمد بن عليِّ بن جَوْهر الحَصّار فيَنسُب كلَّ فتْوى إلى قائلِها من أهل المذهب المالكي، وكثُرَ ذلك منهما، فأُنهيَ إلى أبي جعفرٍ فقال: ما أعلمُ مَن قال بتلك الأقوال التي أُفتيْ بها، ولكنّي أُراعي أصُولَ المذهب فأُفتي بما تقتضيه وتدُلُّ عليه، فكان يُقضَى العَجَبُ من حِذْق أبي جعفرٍ وإدراكِه وجَوْدةِ استنباطِه، ومن حفظِ أبي العبّاس وإشرافِه على أقوالِ الفقهاء وحضورِ ذكْرِه إيّاها، وكان العَجَبُ من أبي جعفرٍ أكثر، وقد قُيّد عنه من أجوِبتِه على المسائل الفِقهيّة وغيرها الكثيرُ الحَسَن البديع.
ولمّا امتُحِن أبو عبد الله بنُ إبراهيمَ وأبو الوليد محمدُ بن أحمد بن رُشْد محِنتَهما المشهورةَ حسبَما سنُلمعُ بنُبذة منها في رَسْم أبي الوليد إن شاء الله، لَحِق
(1) بعد هذا في ق: "بن عبد الرحمن بن المغيث" ولا تصح، وتنظر ترجمة عبد الرحمن والده في إكمال ابن نقطة 4/ 442.
أبو جعفرٍ هذا بقاشْرُهْ (1) واختَفى بها حَذَرًا من إدخالِه معَهما في تلك المِحنة ولم يُعرَفْ بمكانِه حتى خَلَصا فظَهَرَ وفي ذلك يقول متبرِّمًا بحالِه [الطويل]:
أفي الحقِّ أن أُقْصىَ وما أنا مذنبٌ
…
وأُترَكَ تَجْفي اللَّحظَ عنّي النواظرُ
غريبًا عن الأوطانِ والأهل لا أرى
…
أنيسًا سوى ما تجتليهِ الخواطرُ
وُيقْصَدَ ظُلْمي ليس إلا لأنّني
…
أُحسُّ بتقصير الذي هو قاصرُ
فيا ربِّ مَبْغيّ عليه فقُمْ لهُ
…
بنَصْر فقد أوجَبْت أنك ناصرُ
وقلِّبْ لهُ قلبَ الخليفةِ علَّهُ
…
تُنظَّمُ أشتاتٌ له وأواصرُ
وفي أُنسِه بنفسِه وفَقْدِه في تلك الحال ملاءمة من أبناء (2) جنسِه يقول [الطويل]:
إذاكان أُنسُ الناس بالناسِ لم يكنْ
…
أَنيسي سوى نفْسي وما هُو مِن نَفْسي
أَيُونِسُني شيءٌ سواها وبعضُ ما
…
أُشاهدُ فيها عالَما الحسِّ والقُدسِ؟!
ثم إنّ المنصورَ استدعاه واستَخْلَصَه وبَسَطَ أملَه، ولم تزَلْ مكانتُه لديه تترَقَّى حتى بَلَغَ الغايةَ التي ليس وراءَها مطمَح، وتَلمَذَ له المنصورُ في بعض ما كان ينتحِلُه من العلوم النَظريّة، فَيذكُرُ أنه فَهِمَ يومًا من إلقائه عليه مسألةً منها حَسُنَ موقعُ فَهْمِه إيّاها منه وسُرَّ بتحصيلِها، فوَصَلَه بألفِ دينار من ضَربِه، ولم يزَلْ إحسانُه إليه متَواليًا عليه حتى أثْرَتْ حالُه وتأثّل أموالًا جَمّةً، وقال له يومًا: يا أبا جعفر، ما صَدَرَ عنّا من إنعام عليك فلْيكُنْ مستورًا لا يطّلعُ أحدٌ عليه، فإن ببابنا قومًا سَلَفَتْ لأسلافِهم خِدَمٌ لا يَبعُدُ أن تُدرِكَنا غفلةٌ عن مُعاهدتهم بما يؤمِّلونَه منّا، فإن بَلَغَهمُ الخبَرُ من إحسانِنا إلى مَن لم تتقدَّمْ لأوّليّته خدمةٌ لهذه الدولة أمكَنَ أن يؤثِّر ذلك في نفوسِهم فيكونَ داعيةً إلى تغيُّر بواطنِهم وسببًا في فساد ضمائرهم ومَنْشَأً لحَسدِك والبغي عليك.
(1) هكذا ضبطها ياقوت في "قاشره" من معجم البلدان، ويقال فيها:"قاشتره" أيضًا.
(2)
في ق: "أهل".
مولدُه سنةَ أربع وخمسينَ وخمس مئة وتوفِّي بتِلِمْسانَ صُحبةَ الناصِر أبي عبد الله إلى إفريقيّةَ سنةَ إحدى وست مئة.
وفي الرُّواةِ عن أبوَي (1) الحَسَن ابن هُذَيْل سنةَ ثلاثٍ وستين، وعن أبي الحَسَن بن النّعمة ووَصَفَه بالمُقرئِ النَّجيب سنةَ سبع وستينَ: أبو جعفرٍ أحمدُ بن عَتِيق بن الحَسَن الكُتَاميُّ، ويغلِبُ على الظنّ أنه الذّهَبيُّ هذا، فإن يكنْ إيّاه فهو من أصدقِ الدّلائل على قِدَم نَجابتِه، واللهُ أعلم.
359 -
أحمدُ بن عَتِيق بن عليِّ بن خَلَف بن أحمدَ بن عُمر بن سَعيد بن محمد بن الأيمَن بن يحيى بن سعيد بن الأيمَن بن عَمْرِو بن يحيى بن وليد بن محمد بن عُبَيد بن عُمر (2)، وعُمرُ هذا من وَلَد أبي المُطرِّف عبد الرحمن الداخِل إلى الأندَلُس ابن مُعاويةَ بن هشام بن عبد الملِك بن مَروانَ، الأُمَويُّ، مالَقيٌّ، سَرَقُسْطيُّ الأصل ثُم مُرباطِريُّه، أبو القاسم، ابنُ قَنْتَرال بقافٍ مفتوحة ونونٍ ساكنة وتاءٍ معْلُوّة مفتوحة وراءٍ وألفٍ ولام.
رَوى عن أبيه، وأبي القاسم محمد بن عبد الواحد المَلّاحي. وكان من جِلّة أهل العلم ونبهائهم، معروفاً بحُسن التصرُّف في الطّب والاعتناءِ بعلوم الأوائل حتى غلَبَت عليه، واستُقْضيَ بشَرِيش فاستُحسِنت سِيرتُه واختَصَّ بأبي العلاء إدريسَ المتلقّب بالمأمونِ ابن أبي يوسُفَ (3) المنصور، وكان أثيرَ المحَلِّ عندَه كثيرَ الحُظْوة لديه، ومن قَبْلِها أُتِيَ عليه حينَ وجَّهَه من الأندَلُس إلى قبائل العُدوة فتكلَّم معَ وُلاتها وجِلّة شيوخِها إذْ كتبَوا إليه بَيْعتَهم (4) ليتوثَّقَ له منهم، فحَسُنَ منابُهُ في ذلك وأنْجَحَت سِفارتُه فتأكَّدت لديه أثَرتُه حتى كان فوقَ أكابرِ وُزرائه، ثُم لمّا فَصَلَ أبو العلاءِ عن الأندَلُس قاصداً العُدْوةَ صَحِبَه إلى سَلَا ثم
(1) هكذا في النسختين، وقد ذكر بعد كنية ابن النعمة.
(2)
ينظر عمود نسبه هذا في ترجمة والده عتيق في برنامج الرعيني (76).
(3)
في ق: "سفيان"، وهو خطأ بيّن.
(4)
ينظر خبر هذه البيعة في البيان. المغرب 26 (القسم الخاص بالموحدين).
بَدَتْ له مَخايلُ الهَرَج الذي وقَعَ بعدُ بالعُدوة فاستَأْذَنه في العَوْد إلى الأندَلُس فأذِنَ له عن تغيُّر خاف أبو القاسم سوءَ مغَبّتِه، فأسرع اللَّحاقَ بالأندَلُس، ولمّا وَصَلَ مالَقةَ ألْفَى أهلَها وقد قاموا بدعوةِ العبّاسيِّينَ داخِلينَ في طاعة الأمير أبي عبد الله محمد بن يوسُف بن هُود المتلقّب بالمتوكِّل على الله أمير المسلمين (1)، فأحاطَتِ العامة بموضع نزوله ظنًّا منهم أنه إنّما وَصَلَ داعيًا لصاحبِه المأمون عن إذْنِه في ذلك ومخُيِّبًا أصنافَ الناس ببلاد الأندَلُس على ابن هُود، فاستَدعاه والي البلد واستَطْلَعَه أمرَه حتى تحقَّق براءتَه ممَّا اتُّهِم به، وهَمَّ بالكَتْبِ في شأنِه إلى المتوكِّل فأبَتِ العامّة إلا قتلَه، وتحرَّشوا للوالي حتى خاف منهم ثورةً عليه أو اختلالَ حال، فأخرَجَه إليهم وقتَلَه ضَحوةَ يوم الاثنين لستٍّ بقِين من ربيعٍ الآخِر من سنة سبع وعشرينَ وست مئة، رحمه الله ونفَعَه.
ومن غرائبِ الاتّفاق ما ذكَرَه أبو القاسم بنُ عِمران ونقَلْتُه من خطِّه، قال: كنتُ بسَبْتةَ عامَ سبعةٍ وعشرينَ فرأيتُني عند الفقيه شيخِنا أبي العبّاس العَزَفي رحمه الله في دُوَيْرة غير دارِه المعلومة له وقدِ اجتَمعَ حولَه حلقةٌ من طلبَة العلم، فبَيْنا نحن نتَذاكرُ قال قائل: أتى السَّيْلُ أتى السَّيل! ونال الحاضرينَ لذلك رَوْعٌ، ثم سمِعتُ من سألَ: من أين جاء؟ قيل: من أَزْمُور، وها هو أحمرُ مُنحدِرٌ إلى البحر، فقال لي شخصٌ كان يُقابُلني مِن أولئك الطلبة: أجزْ [مجزوء الرمل]:
* قد أتى الوادي بسَيْلٍ *
فقلتُ:
* أحمرٍ لِلُّجِّ قاصدْ *
فلم يُجِبْني، فقلت:
فهُما لابسُ دِرْع
…
قَرْنُه في الماءِ راقدْ
(1) بعد هذا في م: "وقد خلعوا المأمون ونبذوا عهده ونزعوا عن دولة آل عبد المؤمن رأساً"، ثم طلب الناسخ حذفها بعلامتي "لا""إلى"، فحذفناها، وهذه العبارة سابقة في ق.