الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المصنِّفُ عَفا اللهُ عنه: وقَعَ إليّ ذكْرُ أبي جعفر ابن الفَحّام المالَقيِّ يروي عن أبوَيْ بكر: ابن خَلَف بن صافٍ وابن طَلْحة، وأبي عليّ عُمَر بن عبد المجيد (1) الرُّنْدي، وأبي محمد بن الحَسَن ابن القُرْطُبي، وبعضِ من سُمِّي من أشياخ أبي جعفر بن عليّ المترجَم به، فغَلَبَ على ظني أنه هُو ولم أقطَعْ بذلك لحَصْرِه شيوخَه في برنامجَه الذي لخَّصتُ منه أسماءَ شيوخِه المذكورينَ أوّلًا، ولم أجدْه ذكَرَ هؤلاءِ فيهم والطبقةُ واحدةٌ والبلَدُ في بعضِهم واحد، فتعيَّن عليّ التوقَّفُ في ذلك حتى يصحَّ لي أو لغيري أمرُه فيعمَلَ بحسَبِ ذلك إن شاء الله.
415 -
أحمدُ (2) بن عليّ بن محمد بن عيسى، أبو العبّاس.
رَوى عن أبي العبّاس بن مَعدّ الأُقْليجي، وصَحِبَ أبا الوليد (3) بن خِيَرةَ من دانِيةَ إلى بِجاية فقَدِماها سنةَ ثلاث وأربعينَ وخمس مئة. حدَّث وأُخِذ عنه، وكان حيًّا سنةَ ثِنتينِ وسبعينَ وخمس مئة.
416 - أحمدُ بن عليّ بن محمدِ بن موسى الفِهْري، قُرطُبيُّ فيما أظَنُّ، أبو العبّاس
.
رَوى عن أبي بكر بن خَيْر، وأبَوي القاسم: خَلَف بن عبد الملكِ بن بَشْكُوال وأكثَرَ عنه، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عَمار. وكان من أهل العناية بالرِّواية فقيهًا عارِفاً بنَوازلِ الأحكام واستُقضِي.
417 -
أحمدُ (4) بن عليّ بن محمد بن هارونَ بن خَلَف بن هارون السُّمَاتي، إشبيليّ، تُرجاليُّ الأصل، نزَلَ مَرّاكُشَ، أبو العبّاس، ابنُ هارون.
(1) في ق: "عبد العزيز"، وهو غلط، وهو عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي المعروف بالرندي، مترجم في التكملة الأبارية (2636).
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (206).
(3)
بعد هذا بياض في النسختين، وأبو الوليد بن خيرة اسمه: محمد بن عبد الله بن محمد بن خيرة، وهو مترجم في الصلة لابن بشكوال (1302)، والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي (151)، وتاريخ الإِسلام 12/ 35، وتوفي سنة 551 هـ.
(4)
ترجمه ابن فرحون في الديباج 1/ 219، والمراكشي في الأعلام 1/ 354.
من بيتِ هارونَ بن مَيْسَرةَ بن عبد الله، وسُماتُ الذي يُنسَبُ هو إليه يقال: هو سُومات بن يطفت بن يفجاون بن لوا الكبير ابن زجيج بن مادغس بن جر بن سقفو بن أبدح بن وليل بن كراطَ بن يام بن يرمَ بن ماش بن آدمَ بن يام بن حام بن نُوح النبيّ صلى الله على نبيِّنا وعليه وسلم.
رَوى عن أبيه، وآباء محمد: ابن أحمدَ بن جُمْهُورٍ جَدِّه لأُمِّه وابن سُليمان بن حَوْطِ الله وعبدِ المُنعم بنَ محمد ابن الفَرَس، وأبي إسحاقَ بن خلَفَ السِّنْهُوُريِّ وأبي بكرِ عَتِيق بن عليّ بن قَنْتَرال، وأبي الحَسَن بن محمد بن خَرُوف النَّحْوي، وأبي ذَرٍّ مصعَب بن أبي رُكَب، وأبي عَمْرٍو بكرِ المُسفر، وأبوَي القاسم: الأحمدَيْنِ: ابن عبد الوَدُود بن سَمَجُون وابن يَزيدَ بن بَقِيّ، وأبي يحيى أبو (1) بكر بن عيسى، أخَذَ عنهم بينَ سَماع وقراءةٍ وأجازوا له. وقرَأ على أبي بكر بن طلحةَ، وذَكَرَ أنه لم يُجِزْ له، وعلى أبي الحَسَن بن عبد الله ابن آمِنة، وأبي الحَجّاج بن الفَتْح الباجِي وتدَبَّجَ معَه، وأبي الحَكَم (2) بن عبد الرحمن بن نُعمان، وأبي عبد الله بن عبد الكريم ابن الكَتّاني، وآباءِ العبّاس: ابن عليّ اللَّخْمي المتصَوّف وابن محمد المَخْزومي ابن النّجّار وابن محمد بن مُفرِّج النّباتي، وأبي عيسى يوسُفَ بن عيسى الشَّرِيشي، وأبي كامل تَمّام بن غالب، وأبي الوليد إسماعيلَ بن إبراهيمَ ابن (3) الأديب، ولم يَذكُرْ أنهم أجازوا له، ولقِيَ أبا يحيى بن محمد بن حِصْن (4)، وأبا جعفر بنَ عليّ بن عَوْن الله الحَصّار، وأبا الخَطّاب أحمدَ بن واجِب، وأبوَيْ عبد الله: ابن إسماعيلَ بن خَلْفُون وابن عبد الملكِ بن نسرةَ، وأبا العبّاس بن عليّ بن ثابت، وأجازوا له.
(1) هكذا في النسختين.
(2)
بعد هذا فراغ في النسختين.
(3)
سقطت من ق.
(4)
في ق:"حفص".
وكتَبَ إليه مجُيزًا ولم يلقَهُ: أبو إسحاقَ بن حَسَن الشطاطي (1)، وأبو الصَّبر أيوبُ الفِهْري، وأبو القاسم محمدُ بن عليّ ابن (2) البراق، وأبو محمد بن محمد التادَليُّ. وأجاز له ولم يَذكُرْ لُقياه: إياه أبو جعفر بنُ محمد بن يحيى.
ومن شيوخِه غيرَ من سَمَّى ممّن لم أتحقَّقْ كيفيَّة حَمْلِه عنهم: أبو أُميَّة إسماعيلُ بن سَعْد السُّعود بن عُفَيرْ، وأبو بكر بن عبد الملكِ بن زُهْر، وأبو جعفر بن عبد الرحمن بن مَضًاء، وأبو الحَجّاج بن عبد الصّمد بن نَمُوي، وابنُ اختِ ابن وَهْبونَ، كذا ذكَرَه، والذي أعرِفُ الآنَ يوسُفَ بن إبراهيم بن عبد العزيز بن وَهْبون الكَلاعيَّ، ولعلّه هذا ونُسِب إلى خالِه، فكثيرًا ما يوجَدُ مثلُ هذا كبني أُبَيّ وغيرِهم، وأبو الحَكَم (3) بن حَجّاج، وأبو الرَّبيع بن موسى بن سالم، وأبو زيد بن يَخْلفْتن الفًازًازي، وآباءُ العباس: ابن جعفرٍ الرُّعَيْنيُّ اللَّبْليُّ، وابنُ محمد العَزَفي، وابن (4) الأصفَر، وأبو الفَضْل العبّاسُ بن عبد العزيز ابن الغَرابِيلي، وأبو المتوكِّل الهيْثمُ، وأبو نَصْر الطُّفَيْلُ بن أبي الحَسَن محمد بن عظيمة (5)، وأبو يعقوبَ (6) التّادَلي.
رَوى عنه من كبارِ أصحابِه المعدودِينَ في شيوخِه: أبو الحَجّاج بن الفَتْح الباجِيُّ المذكورُ وتدَبَّجا، وأبو عبد الله بنُ أحمدَ الرُّنْدي.
وكان أحدَ شُيوخ أهل العلم، عُنيَ طويلًا برواية الحديث ولقاءِ حمَلتِه بإشبيِلِيَةَ وغيرها من بلاد الأندَلُس وبسَبْتةَ وفاسَ ومَرّاكُشَ وغيرِها من مُدُن
(1) في ق: "الشطامي".
(2)
سقطت من ق.
(3)
بعد هذا بياض في النسختين.
(4)
بعد هذا بياض في النسختين.
(5)
في ق: "عطية"، محرف، وهو أبو نصر الطفيل بن محمد بن عبد الرحمن بن الطفيل العبدي المقرئ من أهل إشبيلية المعروف بابن عظيمة، مترجم في التكملة الأبارية (951)، وسيأتي في موضعه من السفر الرابع من هذا الكتاب (الترجمة 296).
(6)
بعد هذا فراغ في النسختين.
العُدْوة، وكثُرَ تهمُّمُه بتقييدِ العلم وتخليدِ التواريخ، وكتَبَ بخطِّه الكثيرَ الجيِّد من الدّواوينِ الكبار والدّفاتر الصِّغار، وقَطَعَ في ذلك عُمُرَه الممتدَّ وتخلَّف من ذلك أحمالًا من التصانيف الكبار والصّغار والتعاليق والفوائد شَهِدت بطُول إكبابِه على خدمة العلم وإن كانت تشتملُ على أوهامٍ عَثَرْتُ على كثيرٍ من ذلك فيها. وكان معَ ذلك فقيهًا حافظًا، عاقدًا للشّروط بصيرًا بها، مُبرِّزًا في المعرِفة بعِلَلِها والضّبط لأحكامِها، ذاهبًا في كَتْبِها إلى الاختصار، معَ جَوْدة إحكام عقودِها ومتعلِّقاتِ ما تقتضيه، أدركتُه وعاينْتُه بدُكّانِ انتصابِه لعَقْد الشّروط وبغيرِها، شيخًا نقيَّ الشَّيبة حسَنَ القَدِّ نظيفَ الملبَس وَقُورًا، أجَلَّ كبارِ العاقِدينَ للشّروط بمَرّاكُش والمقدَّمينَ في العدالة بها مُكبَّرًا عند الخاصّة والعامّة معروفَ القَدْر والجلالة عند القُضاة والرّؤساء مُستمرَّ الحال على ذلك إلى أن توفِّي رحمه الله بها في منتصَف ذي قَعْدةٍ من عام تسعةٍ وأربعينَ وست مئة وقد ناهَزَ الثمانينَ أو أرْبَى عليها.
418 -
أحمدُ (1) بن عليّ بن محمد بن يَخلُفَ الأنصاري، أبو جعفر.
رَوى عن أبي الحَسَن عبد الرحيم بن قاسم الحِجَاري، وكان مُقرئًا مجوِّدًا نَحْويًّا ماهرًا.
419 -
أحمدُ (2) بن عليّ بن محمد الأنصاريّ الأَوْسيّ، قُرْطُبيّ، سكَنَ باغُه (3) وأصلُه من وادي آش، أبو جعفر.
رَوى عن أبي إسحاقَ بن عبد الملكِ بن طَلْحةَ، وأبي بكر بن سَمَجُون، وأبي بحرٍ عليّ بن جامِع، وأبي القاسم خَلَف بن عبد الملكِ بن بَشْكُوال.
رَوى عنه أبو القاسم القاسمُ بن محمد ابن الطَّيْلَسان. وكان محدِّثًا حافظًا للقرآنِ العظيم كثيرَ التلاوة له ديِّنًا فاضلًا، أديبًا ذاكرًا، يَستظهِرُ "أماليَ" أبي علي
(1) ترجمه السيوطي في بغية الوعاة 1/ 346 نقلًا عن المؤلف.
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (256).
(3)
في ق: "غرناطة"، وهو تحريف، وما أثبتناه من م والتكملة.
القالي، وكثيرًا من الأشعار، وكتَبَ الآدابَ، معَ العفاف والنَّزاهة والشُّهرة بالصّلاح والعدالة.
وتوفِّي في أواخرِ ستّةٍ أو أوائل سبعة وست مئة، ودُفن خارجَ باب عامر أحدِ أبواب قُرْطُبة.
قرأتُ على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ رحمه الله وأراني مثالَ النَّعل النَّبويّة وحَذاً لي عليه، قال: أخبَرني الراوِيةُ أبو القاسم القاسمُ بن محمد بن الطَّيْلَسان وأراني مثالَ النَّعل النَّبَويّة وحَذاً لي عليه، قال: أخبرنا الإمامُ أبو جعفرٍ أحمدُ بن عليّ الأَوْسيُّ رحمه الله قراءةً منّي عليه وحَذَوْتُ هذا المثالَ على مقدارِ نَعْل كان عندَه ناوَلَنيه وقال لي: أخبرنا الإمامُ أبو القاسم خَلَفُ بن عبد الملِك بن بَشْكُوال قراءةً منّي عليه ودفَعَ إليّ مثالَ نَعْل كان عندَه فحَذَوْتُ عليه ونقَلتُ هذا منه وقال لي: أخبَرَني الإمامُ أبو بكر ابنُ العَرَبي وحَذَوتُ على مقدار نَعْل كان عندَه، قال: حدثنا أبو القاسم مكِّيُّ بن عبد السلام بن الحَسَن الرُّمَيْليُّ لفظًا وحَذَوْتُ على مثلِ نَعْل كان عندَه، قال: حدّثنا أبو زكريّا عبدُ الرحيم بنُ أحمدَ بن نَصْر بن إسحاقَ البُخاريُّ الحافظُ بمِصرَ لفظًا وحَذَوتُ على مثالِه، قال: قال لي محمدُ بن الحَسَن (1) الفارِسيُّ: حَذَوْتُ هذه النَّعلَ على مقدارٍ نَعْلٍ كانت عند محمد بن جعفر التَّميمي، وذَكَرَ أنه حَذًا على نَعْلٍ كانت لأبي سعيدٍ عبدِ الرحمن بن محمد بن عبد الله بمكّة، أخبرنا إبراهيمُ بن سَهْل الشَّيْبيُّ (2) أبو يحيى بنُ أبي مسَرّةَ، أخبرنا ابنُ أبي (3) أُوَيْس إسماعيلُ بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن أبي أُوَيْس، عن مالك بن أبي عامرٍ الأصبَحيّ، قال: كانت نَعْلُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم التي حَذَيْتُ هذه النَّعلَ على مِثالهِا عندَ إسماعيلَ بن إبراهيمَ بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
(1) سقطت من ق.
(2)
في ق: السبتي، وهو تحريف.
(3)
قوله: "مسرة، أخبرنا ابن أبي" سقطت من ق.
رَبيعةَ المَخْزُوميِّ، قال إسماعيلُ: فأمرَ أبي أبو أُوَيْس فحَذًا هذه النَّعلَ على نَعْلِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم سواءً ولها قِبالانِ في موضعَي النُّقطتَيْن، قال إسماعيل: وإنّما صارتْ نَعُل رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى إسماعيلَ بن إبراهيمَ فيما بَلَغَنا ممّن نثِقُ به أنها كانت عندَ عائشةَ رضي الله عنها زَوْجِ النبيِّ رضي الله عنها، ثُم صارت من قِبَلِ عائشةَ إلى أُختِها أُمّ كُلثوم بنتِ أبي بكرِ الصِّدّيق رضي الله عنهما، وكانت أُمُّ كلثوم عندَ طلحةَ بن عُبَيد الله بن عُمرَ بن كَعْب بن سَعْد بن تَيْم، فقُتلَ يومَ الجَمَل فخَلَفَ على أُمّ كلثوم عبدُ الله بنُ عبد الرحمن بن أبي رَبيعةَ المَخْزوميُّ، وهو جَدُّ إسماعيلَ الذي كانت عندَه نَعْلُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم (1).
قال الراوِيةُ أبو القاسم: وأخبرَني الإمامُ أبو العبّاس أحمدُ بن مِقْدام قال: أخبرنا أبو بكر ابن العَرَبي قال: أخبرنا أبو المُطهَّر الأثِيريُّ، قال: حدثنا أبو نعيم الحافظُ (2) قال: حدثنا ابنُ خَلّاد (3)، قال: حدثنا الحارثُ بن أبي أُسامةَ قال: حدثنا أشهَلُ (4)، قال: حدثنا ابنُ عَوْنِ (5)، قال: أتيْتُ حَذّاءً بالمدينة، فقلتُ: احْذُ نَعْلي، فقال: إنْ شئتَ حذَوْتُها هكذا وإن شئتَ حَذَوْتُها كما رأيتُ نَعْلَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأين رأيتَ نَعْلَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: رأيْتُها في
(1) انظر وجوه سند ابن العربي هذا في فتح المتعال: 116، 118، 120.
(2)
في ق: "إبراهيم"، محرف، وما أثبتناه من م، وهو صاحب "تاريخ أصبهان" و"حلية الأولياء" وغيرهما، والمتوفى سنة 430 هـ.
(3)
في م: "ابن أبي خلاد"، وفي فتح المتعال:"ابن أبي جلدة"، وكله تحريف والصواب ما أثبتنا من ق، وهو أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد العطار وهو من المكثرين بالرواية عن الحارث بن محمد بن أبي أسامة، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني "مسند الحارث بن أبي أسامة" وغيره، وتوفي في صفر سنة 359 هـ، كما في تاريخ مدينة السلام للخطيب 6/ 469 - 470، وسير أعلام النبلاء 16/ 69، والتقييد لابن نقطة (140).
(4)
في فتح المتعال: "سهل"، محرف، وهو أبو حاتم أشهل بن حاتم الجمحي البصري، من رجال التهذيب 3/ 300، وتاريخ الإسلام 5/ 36، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/الترجمة 1319.
(5)
هو عبد الله بن عون المحدث المشهور.
بيتِ فاطمةَ بنتِ عبد الله بن العبّاس، فقلتُ: احْذُها كما رأيتَ نَعْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فحَذَاها لها قِبالانِ، قال: فقَدِمتُ وقدِ اتّخَذَها محمد، يعني ابنَ سِيرين (1).
قال الراوِيةُ أبو القاسم: حدَّثني أبو الحَسَن عليُّ بن أحمدَ الإمام بقراءتي عليه بالمسجد الجامع بقرطبة (2)، قال: حدّثنا الحافظُ أبو بكر محمدُ بن عبد الله ابن العَرَبي، قال: حدّثنا المبارَكُ بن عبد الجَبّار الصَّيْرَفيّ ببغدادَ قال: حدّثنا أبو يَعْلَى أحمد بن عبد الواحِد بن محمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو عليّ الحَسَن (3) بن محمد بن شُعبَة المَرْوَزي، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمدَ بن محبوب، قال: حدّثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، قال (4): حدّثنا محمد بن بشّار، قال: حدّثنا أبو داود (5)، قال: حدّثنا هَمّامٌ، عن قَتاًدةَ، قال: قلتُ لأَنَس بن مالك رضي الله عنه: كيف كانت نَعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لها قِبالان.
قال المصِّنفُ عَفَا اللهُ عنه: ومثالُ النَّعل هُو ما تَرى في الصَّفْحة المتّصِلة بهذه إن شاء الله (6). وأُنشِدت على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيّ رحمه الله لنفسِه فيه ونقَلتُه من خطِّه [الطويل]:
مثالٌ لنعل المصطفى سيِّدِ الوَرَى
…
نبيِّ الهُدى المختارِ من آلِ هاشمِ
حَذَاهُ لنا أشياخُنا عن شيوخِهمْ
…
بإسنادِهمْ عن عالمٍ بعدَ عالمِ
(1) ينظر فتح المتعال (120).
(2)
في ق: "بغرناطة"، وما أثبتناه من م، وهو الصواب، فأبو القاسم ابن الطيلسان قرطبي.
(3)
في ق: "الحسين"، محرف، وهو الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة أبو علي المروزي السنجي نزيل بغداد والمتوفى بها سنة 391 هـ، وهو مترجم في تاريخ الخطيب 8/ 450، وتاريخ الإسلام 8/ 701.
(4)
الجامع الكبير (1772)، والشمائل (75)، وهو في صحيح البخاري (5857) وغيره.
(5)
هو الطيالسي.
(6)
لا صورة ولا بياض في النسختين، وتنظر الصورة في فتح المتعال (132) وما بعدها، وأزهار الرياض 3/ 267، وجاء في حاشية م:"لم نجد الورقة التي فيها صورة النعل الكريمة".
فأهدَى إلى أبصارِنا كلَّ قُرّةٍ
…
ونالَ به أقصَى المُنى كلُّ لاثمِ
تلقَّتْه منّا أوجهٌ بخدودها
…
وألقَتْه أيْدِينا مكانَ العَمائمِ
وعُفِّرَتِ الوَجْناتُ فيه محبّة
…
وألصقَ تقبيلًا له بالمَباسمِ
فقُدِّستِ النَّعلُ التي قد غَدَتْ لها
…
خواضعَ تيجانُ الملوكِ الأعاظمِ
إذا لم تُعايِنْها فهذا مثالُها
…
مثيرٌ شديدَ الشَّوق من كلِّ هائمِ
فَلَثْمُ ثَراها فيه رَيٌّ لأنفُسٍ
…
لأنْ تَبرُدَ الأكبادُ منه حوائمِ
فليتَ جَبيني كان مَوطئَها فلا
…
يَخافُ غدًا للنارِ لَفْحةَ جاحمِ
ويا فَضْلَها لمّا حوَتْ رِجْلَ سيّدٍ
…
تُقرُّ له بالفَضْل كلُّ العوالمِ
حبيبي رسُولِ الله خاتمِ رُسلِهِ
…
وصَفْوتِه المُعطى جميعَ المكارمِ
حنيني إلى تُرْبٍ له كان واطئًا
…
تقَدَّس من تُربٍ حنينُ الرّوائمِ
فهل لي سبيلٌ والمُنى قد تُتاحُ لي
…
إلى وَقْفةٍ ما بينَ تلك المَعالمِ
فأشْفي غَلِيلي بالتثامي تُرابَها
…
وأسقيه من دمعي بأَوْكف ساجمِ
على خر خَلْقِ الله أزكَى تحيّةٍ
…
تَخُبُّ بها أيدي المَطِيِّ الرّواسمِ
فتحمِلُ طِيبًا نحوَ طِيبةَ زاريًا
…
على نَفَحاتِ المِسكِ طيَّ اللّطائمِ (1)
وتُهديه للقبرِ الكريم وقد سَرَتْ
…
على الرَّوْض هبّاتِ الرياح النَواسمِ (2)
وأنشَدني شيخُنا أبو الحَكَم مالكُ بن عبد الرحمن المالَقيُّ عَفَا اللهُ عنه بسَبْتَةَ حرَسَها الله لنفسِه، وكتَبَ لي بخطِّه في هذا المعنى ووَطّأَ له بمدحِهِ صلى الله عليه وسلم[الطويل]:
(1) في فتح المتعال: "الأطائم"، وهو تحريف.
(2)
أورد هذه القصيدة -فيما خلا البيت الثالث منها- المقري في فتح المتعال 289 - 290 نقلًا عن ابن عبد الملك بواسطة رحلة ابن رشيد.
بوَصْف حبيبي طرَّزَ الشعرَ ناظمُهْ
…
ونَمْنمَ خدَّ الطّرسِ بالنَّقْش راقمُهْ
حبيبٌ (1) له فضلٌ على الناس كلِّهمْ
…
مفاخِرُه مشهورةٌ لا ومكارِمُهْ
له الحُسنُ والإحسانُ في كلِّ مذهبٍ
…
فآثارُه محمودٌ ومَعالمُهْ
رَؤوفٌ عَطو فٌ أوسعُ الناس رحمةً
…
وجادَتْ عليهم سُحْبُهُ (2) وغَمائمُهْ
حفِيٌّ وَفِيٌّ لا تَمينُ عُهودُهُ
…
حَمِيٌّ أبيٌّ لا تَلينُ شَكائمُهْ
وكم نازعَتْه الأمرَ قومٌ (3) أعِزّةٌ
…
فما أسلمَتْه بِيضُهُ وصَوارمُهْ (4)
غدا العالَمُ الأعلى (5) يقاتلُ (6) دونَهُ
…
فتَقدُمُهُ قبْلَ اللقاءِ هزائمُهْ
سَلِ الحربَ عنه يومَ أُحْدٍ وغيرَه
…
ويومَ حُنَيْن كيف كانت عزائمُهْ
أمًا حسَمَ الكُفرَ الصّريحَ حُسامُهُ
…
أمًا صرَمَ الإفْكَ [الصَريحَ](7) صَوارمُهْ؟
أمًا نَصَرَ الإسلامَ نَصْرًا مُؤزَّرًا
…
فلم يَنْجُ إلّا مسلمٌ أو مُسألمُهْ؟
نبيٌّ له في حضرةِ الحقِّ رُتبةٌ
…
ترَفَّي بها في عالَم العُلوِ عالمُهْ
به ختَمَ اللهُ النبيِّينَ كلَّهمْ
…
وكلُّ فِعَال صالح هو خاتمُهْ
أُحبُّ رسُولَ الله حبًّا لوَ أنّهُ
…
تَقاسَمَه جِيلٌ (8) كفَتْهمْ قسائمُهْ
كأنّ فؤادي كلّما مرَّ ذكْرُهُ
…
من الوُرْقِ خَفّاقٌ أُصيبَتْ قَوادمُهْ
أميلُ (9) إذا هبَّت نواسمُ أرضِهِ
…
ومَن لفؤادي أن تهُبّ نَواسمُهْ
(1) في فتح المتعال: "نبي".
(2)
في فتح المتعال: "بالنوال"، وكذلك في المواهب اللدنية.
(3)
في فتح المتعال: "شم".
(4)
في فتح المتعال: "ولهاذمه".
(5)
في فتح المتعال: "العلوي".
(6)
في فتح المتعال: "ينازع".
(7)
بياض في النسختين وما بين الحاصرتين مستفاد من فتح المتعال.
(8)
في فتح المتعال: "تقسمه قومي"، وفي نسخة:"تقسمه جيلي".
(9)
في فتح المتعال:"أهيم"، وكذلك في المواهب اللدنية.
فأنشَقُ مِسكًا تُبّتيًا كأنمّا (1)
…
نَوافجُه (2) جاءت به ولطائمُهْ
وممّا دَعاني والدواعي كثيرةٌ
…
إلى الشّوقِ أنّ الشّوقَ ممّا أُكاتمُهْ
مثالٌ لنَعْلَيْ مَن أُحبُّ حَذَيْتُهُ (3)
…
وها أنا في يومي وليليَ لاثمُهْ
أجُرُّ على رأسي ووجْهي أديمَهُ
…
وألثُمُهُ طَوْرًا وطَوْرًا أُلازمُهْ
صَبابةَ مشتاقٍ ولَوْعَةَ هائمٍ
…
نعَمْ، أنا مشتاقُ الفؤادِ وهائمُهْ
كأنّ مثالَ النَّعلِ محِرابُ مسجدٍ
…
فؤاديَ (4) فيه شاخصُ الطَّرفِ دائمُهْ
أمثِّلُهُ في رِجْل أكرم مَنْ مشَى
…
فتُبصرُه عيني وما أنا حالمُهْ
أصُكُّ به خَدّي وأحسَبُ وقعَهُ
…
على وجْنَتي خَطْوًا هناك يُداومُهْ
ومَن لي بوَقْع النَّعل في حُرِّ وَجْنتي
…
لِماشٍ علَتْ فوقَ النجوم بَراجمُهْ
تَفيضُ دموعي كلَّما لاحَ نورُهُ
…
بكاءَكَ للبَرْقِ (5) الذي أنت شائمُهْ
فيا دمعَ عيني أنت تمنَعُ ناظري
…
نعيمًا به فارفُقْ فإنّكَ ظالمُهْ
ويا حَرَّ قلبي أنت تحرمُ باطني
…
لصُوقًا به فاسكُنْ لعلَّكَ راحمُهْ
سأجعَلُه فوقَ الترائبِ عَوْذةً (6)
…
لقلبي لعلَّ القلبَ يُطفَأُ (7) جاحِمُهْ
وأربِطُه فوقَ الشؤونِ تميمةً
…
لجَفْني لعلّ الجَفْنَ يَرقأُ ساجمُهْ
ألا بأبي تمثالُ نَعْل محمدٍ
…
لقد طابَ حاذيهِ وقُدِّس خازمُهْ (8)
(1) في فتح المتعال: "طيبًا وكأنما"، وكذلك في المواهب اللدنية.
(2)
في فتح المتعال: "نوافخه"، وهو تصحيف.
(3)
في ق: "حويته"، وكذلك في فتح المتعال.
(4)
في فتح المتعال: "فوجهي".
(5)
في فتح المتعال:"يكابد ذا البرق"، وهو تحريف.
(6)
في فتح المتعال: "عودة".
(7)
في فتح المتعال: "يبرد".
(8)
خزم شراك النعل: ثقبه وشدّه.
يوَدُّ هلالُ الأُفْقِ لوأنه هَوَى
…
يُزاحمُنا في لَثْمِهِ ونُزاحمُهْ
وما ذاك إلّا أنّ حُبَّ نبيِّنا
…
يقومُ بأجسام الخلائق لازمُهْ
سلامٌ عليه كلّما هبَّتِ الصَّباً
…
وغنَّت بأغصانِ الأراكِ حَمائِمُهْ
سلامٌ عليه كلّما افتَرَّ بارِقٌ
…
فراقَتْ عيونُ المُجدِبينَ مَباسِمُهْ
سلامٌ عليه ما تفاوَحَتِ الرُّبَى
…
بزَهْر كأنّ المِسكَ تَحوي كمائمُهْ (1)
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وفي هذه القصيدة، على ما بها من إجادة، تعقُّبٌ من وجوه، منها: التضمينُ، وهو من عيوبِ النَّظْم، وذلك في قولِه: وممّا دَعاني، والبيتِ الذي بعدَه، ومنها: الإيطاءُ في صوارمُهْ في بيتينِ بينَهما بيتان، ومنها: إعادةُ ضمير نواسمُهْ وهو مُذكَّر على الأرض وهي مؤنَّثة، وحَمْلُها على إرادةِ التذغير بتأويل المكان أو المحَلّ أو شِبهِهما أو إعادتُه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأدنَى نسبة، كلُّ ذلك متكلَّفٌ (2) بعيدُ المُتناوَل، ولو جَعَلَ الرَّبْعَ عِوَضَ الأرض لخَلَصَ من هذا الانتقاد وأحرَزَ فَضْلَ الصِّقالةِ في اللّفظ، واللهُ أعلم (3).
(1) أورد المقري في فتح المتعال 282 - 284 هذه القصيدة بتمامها نقلًا عن رحلة ابن رشيد وذكر أن صاحب المواهب اللدنية أنشد بعضها، وهي غير كاملة في أزهار الرياض 3/ 263، وانظر أيضًا المواهب اللدنية بشرح الزرقاني 5/ 50 - 51.
(2)
في ق: "تكلف".
(3)
نقل ابن رشيد في رحلته تعقيب المؤلف على قصيدة ابن المرحّل ثم عقّب عليه تعقيبًا نورده تتميمًا للفائدة فيما يلي: قال ابن رشيد: هذا ما قاله صاحبنا جريًا على عادته - عفا الله عنه - من انتقاص الأفاضل، واعتساف المجاهل، وترك الصافي الزلال وورود الكدر والعكر من المناهل، وكل ما قاله فاسد، والنقد عليه عائد. أما هذا التضمين الذي ادعى أنه عيب فليس بهذا، وإنما العيب الذي ترجم له أهل القوافي هو ما كان بين القافية وصدر البيت الذي يليها كقولهم:
...........................
…
وهم أصحاب يوم عكاظ إني
شهدت لهم مواطن صادقات
وأما هذا التضمين الذي فعله الشيخ فسبيل مفيدة، وطريق مستحسنة عند العرب والمولدين المتقدمين منهم والمتأخرين. وإنما أوقعه في ذلك عدم معرفته باللفظ المشترك، وأما ما ادّعاه من =
وأنشَدَني أيضًا بسَبْتةَ حرَسَها اللهُ تعالى، لنفسِه في المعنى وكَتبَه لي بخطِّه [الطويل]:
أدمعُكَ أم سِمطٌ وقلبُك أم قُرْطُ
…
وشوقُك أم سَقْطٌ وجِسمُك أم خَطُّ؟
أخافرةٌ بعدَ النُّزوع على الصِّبا
…
وللشَّيب رَشْقٌ في عِذارِكَ أم وَخْطُ؟
أَلا لا (1) ولكنْ نفحة قُدُسيّةٌ
…
أشُمُّ لها تُرْبَ الجنان فأنحَطُّ
رأيتُ مثالَ النَّعل نَعْلِ محمدٍ
…
فمِلتُ وما لي غيرُ ذِكْراه إسفَنْطُ (2)
خَرقتُ (3) حِجابَ السَّبع عن حُسن وجهِهِ
…
فأبصَرْتُه في سِدرةِ المُنتهَى يخطو
رأيتُ مثالًا لو رأتْه كرُؤيتي
…
نجومُ الدُّجن واللّيلُ أسودُ مُشمطُّ
لَسرَّ (4) الثُّرَيّا أنها (5) قَدَمٌ ولم
…
يَسُرَّ الثُّريّا أنّها أبدًا قُرْطُ
إلا بأبي ذاك المثالُ فإنه
…
خيالُ حبيبٍ والخيالُ له قِسْطُ
فإن لم يَكُنْها (6) أو تكُنْه فإنهُ
…
أخوها اعتدالًا مثلَ ما اعتَدلَ المِشطُ
= الإيطاء فغلط وقر في سمعه أو في خطه عند كَتْبه ووضعه، وإنّما قال الناظم في البيت السادس: فما أسلمته بيضه ولهازمه. وإنما وقع: صوارمه في البيت التاسع وهو الذي ألزم به النقد هذا الناقد المتعسف. وأما ما قاله في عود الضمير فمما تصان عنه المسامع. ويا لله ويا الله ويا للمسلمين ما الذي يمنع من إعادة الضمير على النبي صلى الله عليه وسلم، وأي تكلف فيه أو أي نسبة أو بُعد تناول؟! مع أن إعادته على الضمير المخفوض في قوله: أرضه، وهو ضمير المثال أو ضميره صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم - صحيح حسن. ولكنها عادة تعوّدها، ووسادة اعتمدها وتوسدها. وما نعلم في هذه القصيدة شيئاً ينقد إلا ثقل لفظ: أصك به خدي. والله المرشد، والإنصاف أحق ما اعتمد، وأولى ما اعتضد. اهـ (من فتح المتعال للمقري 285 - 286).
(1)
في فتح المتعال: "أجل".
(2)
في فتح المتعال: "تملت وما لي غير ذلك إسفنط".
(3)
في فتح المتعال: "رمقت".
(4)
في فتح المتعال: "يسر".
(5)
في ق: "أنهم".
(6)
في فتح المتعال:"فإلّا تكنها".
أرى لثْمَهُ مثلَ التيمُّم مُجزِيًا
…
فألثُمُهُ حتى أقولَ سينغَطُّ
وماهيَ إلّا لوعةٌ وصَبابةٌ
…
بقلبي لها قِسطٌ (1) وفي مَدْمَعي سِمْطُ
قَذَفتُ الكَرى في الدّمع والصّبرَ في الأسَى
…
وهيهاتَ أن يُطفًا ومُوقِدُهُ الشَّحطُ (2)
سيُطفَأُ يومَ الحشْرِ عند لقائهِ
…
على الحَوْض بالكاس الرَّويّةِ إذْ أُعْطُوا (3)
تبسَّطَ عبدٌ مُذنبٌ غيرَ أنهُ
…
بحُبِّ رسُولِ الله صَحَّ له البَسْطُ
عليه سلامُ الله ما عنَّ عارضٌ
…
ولاحَ له بَرْقٌ وسَحَّ له نَقْطُ (4)
قال المصنّفُ عَفَا اللهُ عنه: وفي هذه القصيدة أيضًا، على حُسنِها، تعقُّبٌ من وجوه، منها: استعمالُ أمْ مكان أو في قولِه: أم وَخْطُ، وفي حملِها على الانقطاع بعدَه لا يَحْسنُ فيه المعنى إلا على تكلُّف، ومنها: تكريرُ المعنى في قولِه: بقلبي لها سَقْطُ، وفي مَدْمَعي سِمْطُ، فبه افتَتحَ القصيدةَ، وذلك ضِيقُ عَطَنٍ، ومنها: استعمالُ البَسْطُ في قافية البيت الذي قبلَ الأخير منها مكانَ التبسُّط، ومنها، وهو أقبحُها: التضمينُ المَنْعيُّ عليه في القصيدة التي قبلَ هذه، وذلك بينَ البيتَيْن: رأيتُ مثالًا، والذي بعدَه يليه، وفي البيت الثاني منهما معنًى بديعٌ قلَبَه من معنى آخَر ونقَلَ مُعظمَ ألفاظِه، وذلك في قول أبي العلاءِ أحمدَ بن عبد الله بن سُليمان بن محمد بن سُليمان بن أحمدَ بن محمد بن سُليمان بن أحمدَ بن سليمان (5) بن داودَ بن المُطهَّر بن زيادِ بن رَبيعةَ بن الحارِث بن رَبيعةَ بن أرقمَ بن أنورَ بن
(1) في فتح المتعال: "سقط".
(2)
في فتح المتعال:
قذفت الكرى في الدمع والصبر في الأسى
…
فأغرق ذا نقط وأحرق ذا نقط
فلا تغفلي ياعين أو يطفأ الأسى
…
وهيهات أن يطفأ وموقده الشحط
(3)
في فتح المتعال: "يعط".
(4)
أورد هذه القصيدة بتمامها المقري في فتح المتعال 217 - 218 نقلًا عن المؤلف هنا بواسطة رحلة ابن رُشيد.
(5)
من "سليمان" السابقة إلى هنا سقط من ق.
أسحَمَ بن النُّعمان -ويقال له: الساطعُ- بن عَدِي بن عبد غَطَفان بن عَمْرو بن بديح بن جَذِيمةَ بن فَهْم، وهو تَنُوخُ بن تَيْم الله بن أسَد بن وَبْرةَ بن ثَعلبِ بن حُلْوان بن عِمران بن الحاف بن قُضَاعةَ التَّنوخيُّ الساطِعيُّ المَعَرِّيّ [الطويل]:
قُرَيْطِيّةُ الأخوالِ ألمعَ قُرْطُها
…
فسَرَّ الثُّريّا إنها أبدًا قُرْطُ (1)
ويتبيَّنُ ذلك بإيراد المقصُود ممّا ذكَرَه الأستاذُ أبو محمد بنُ محمد بن السِّيْد البَطَلْيَوْسيُّ في كلامِه على هذا البيت في شَرْحه ما اختار شَرْحَه من شعرِ العَرِّي، وذلك قولُه (2): وفي قولِه: "أبدًا" ها هُنا نُكتةٌ ينبغي أن يوقَفَ عليها، وذلك أنّ ابنَ المعتَزِّ قال في تشبيه الثُّريّا [المنسرح]:
في الشَّرق كأسٌ وفي مَغارِبها
…
قُرطٌ وفي أوسَطِ السماءِ قدَمْ
فشبَّهَها وقتَ طلوعِها بكأس ووقتَ غروبها بقُرْط ووقْتَ توسُّطِها في السماء بقَدَم، فوَلّد أبو العلاءِ من هذا المعنى معنىً آخَرَ فقال: إنّ الثُّرَيّا لمّا رأتْ قُرْطَ هذه المرأة سَرَّها ألا تُشَبَّه في جميع أحوالِها إلّا بالقُرط دون غيره مما شُبِّهت به، وفيه نُكتةٌ ثانية، وذلك أنّ طلوعَ النَّجم كأنّه له أشرَفُ أحوالِه وسُقوطَه كأنهُ أدوَنُ أحوالِه، فيقول: لمّا رأتِ الثُّريّا قُرْطَ هذه المرأة سَرَّها أن تكونَ قُرطًا وإن كان ذلك إنّما هو في وقتِ غروبِها، وهذا على مذهبِ ابن المعتَزّ. انتهى المقصُود. فنَقَلَ شيخُنا أبو الحَكَمْ ذلك المعنى إلى هذا المعنى نَقْلًا بَديعًا، فذَكَرَ أنّ الثُّرَيّا إنّما يَسُرُّها لو رأَتْ هذا المثالَ تشبيهًا بالقَدَم دونَ القُرْط والكأس.
تنبيهٌ يجبُ بيانُه: وهو أنه قد يَسبِقُ إلى بادي الرّأي أنّ الثُّرَيّا إنّما آثَرَت أن تكونَ قَدَمًا دون ما شُبِّهت بهِ غيرَها لتكونَ واطئةً لهذا المثال، وذلك تقصيرٌ بما يجبُ له من التعظيم والإجلال بانتسابه إلى النَّعْل الكريمة النّبَوّية لحَذْوِه عليها، ومَن للثّريّا بأن تكونَ مَوْطِئًا لهذه النَّعْل الكريمة بل للمثالِ المَحْذوِّ عليها؟
(1) البيت في ديوان المعري 178.
(2)
انظر شروح سقط الزند - القسم الرابع 1613 - 1614.
وتَوَفِّيه بما يجبُ له من التشريفِ والتكريم إنّما يكونُ بأعلى رُتبتهِ على الثُّريّا وما هُو أرفع (1) منها مكاناً، والذي ينبغي اعتقادُه أنّ مُرادَ شيخِنا أبي الحَكَم أنّ سرورَ الثُّرَيّا بكوْنِها قَدَمًا لا قُرْطًا لو رأتْ هذا المثالَ لتفوزَ بشَرَفِ المشاركة في هذا الجِنس القَدَميِّ الذي قَدَمُ النبي صلى الله عليه وسلم بعضُ أشخاصِه، فبذلك تَحصُلُ فضيلةُ هذا المثالِ الكريم ويُرْبي على الثُّرَيّا، واللهُ أعلم (2).
(1) في ق: "أعلى".
(2)
قال ابن رشيد: ولما أنشد القاضي محمد بن عبد الملك المراكشي هذه القصيدة الطائية بعد قوله: أنشدنيها ناظمها أتبع ذلك بالاعتراض جريًا على عادته التي رافقها، وأبى أن يفارقها، حتى عادت له طبعًا، وقرع بجوار غربه من صليب عودها نبعًا، فقال عفا الله عنه (ثم نقل ما انتقد به ابن عبد الملك قصيدة ابن المرحل هنا) وقال: وهذه الاعتراضات كلها ساقطة، ولكن ليس لها لاقطة، فأما الأول وهو قوله: منها استعمال"أم" مكان "أو" في قوله:"أم وخط" فتلك شكاة ظاهر عنك عارها، فإن ناظمهُ إنما قاله بأو وكذلك أنشده لنا، وإنما ابن عبد الملك كتبه بأم بخطه.
وأما الثاني وهو قوله: إنه كرر سمط وسقط، وذلك ضيق عطن، فهذا لا درك فيه بل هي طريقة مسلوكة مألوفة وسبيل في الفصاحة معروفة، وإنما يكره ذلك إذا تكرر في القافية ولا سيما وتكريره لسمط إنما هو بعد تسعة أبيات، وإذا وقع مثل هذا وبينهما هذا العدد لم يكن إيطاء مع أنه في الصدر اشتمل فيه مع سقط الترصيع دون أن يكون واحد منهما في مصراع فيقال: المصراع قد يشبه العجز، وهذا شيء ما تحاماه متسع عطن، ولا قدح فيه أحد ولا طعن، ممن ظعن أو قطن، ومع هذا فاستعمالهما في البيت الأول المصرع وفي الثاني المعترض عنده ليس على حد واحد بل هما مصرفان في مهيعين من الكلام مختلفين، ولا خلاف بين أهل البيان أن هذا من أنواع الافتنان، ومما يعد من الفاضل لا من المفضول فإنه استعمل في البيت الأول من باب تجاهل العارف، وفي البيت المعترض عند هذا المعترض من تحقق الواصف، فاستيقظ أيها النائم إن وافقت المعترض فقد أدلج الناس!
وأما الثالث وهو استعمال البسط في القافية مكان التبسط الذي في صدر البيت فهذا أيضًا واه، في حضيض الخمول واه، وهل ينكر عربي وضع المصادر بعضها في مواضع بعض وأين أنت عن قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17]، ثم مع ذلك إذا اعتبر =
وقد استَدعَى ذكْرُ هذا المثالِ الكريم إنشادَ ما أنشَدَناهُ فيه، وذلك تبرُّكٌ بالآثارِ الكريمة النَّبَوية.
وبالوُدِّ لو أطَلْنا فيه عِنانَ القول حتى نستوعبَ مُعظَمَ ما وقَعَ إلينا من منظوم الناس فيه (1)، وسيأتي له ذكْرٌ في رَسْم أبي أُمَيَّةَ إسماعيلَ بن سعدِ السُّعود بن
= معنى البيت اتجه فيه مقصد آخر وهو أنه لما انبسط في لذاته وذنوبه صح له بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لقي البسط ولم يلق القبض إنعامًا عليه من الله تعالى وهذا كما قال بعض الراجين المعترفين من المذنبين:
تبسطناعلى اللذات حتى
…
رأينا العفو من ثمر الذنوب
وهذا معنى حسن يسقط اعتراض هذا المعترض.
وأما الرابع وهو الذي قال أنه أقبحها وهو التضمين فقد وقع الجواب عنه:
وكم من عائب قولًا صحيحًا
…
وآفته من الفهم السقيم
وأما ما ذكره من التنبيه وما توقعه من الوارد على كلام الشيخ حتى احتاج إلى أن يبدي ما فيه، فكلام الشيخ رحمه الله تعالى غني عن إرفاده، وما أورده غير محتاج إلى إيراده، فكلام الشيخ واضح، ومعناه الذي قصده لكل فهم صحيح لائح، فإنه رحمه الله إنما قصد مجاراة المعري في مأخذه في نقله كلام ابن المعتز حيث قال ما حاصله: إن الثريا آثرت أن يقتصر بها على تشبيهها بالقرط لأجل قرط هذه المرأة ففعل الشيخ ذلك بالقدم وأن الثريا آثرت الاقتصار بها على تشبيهها بالقدم لأجل القدم الكريمة التي شرف هذا المثال الكريم بوطئها له، وهذا القدر كاف وما ذكره المعترض لا يكاد يخطر بالبال إلا بالإخطار، ولا يحضر إلا بتكلف الإحضار، ومعاني الشعراء إنما هي أزهار وأنوار تختطف وتقتطف، ويحتمل مع ذلك أيضًا معنى آخر سائغًا حسنًا، وهو أن يكون أطلق على المثال نفسه قدمًا لملازمته القدم الكريمة، وهو إطلاق شائع ذائع متعارف مجازًا وعُرفًا، وعلى المعترض درك في قوله لمشاركته في هذا الجنس القدمي الذي قدم النبي صلى الله عليه وسلم بعض أشخاصه وهو أن الشخص لا يوجد إلا بتوسط النوع فيطالب بالنوع لتعامله بذكر الجنس والشخص والله المرشد للصواب. اهـ كلام ابن رشيد نقلًا عن فتح المتعال 220 - 222.
(1)
يعتبر كلام فتح المتعال للمقري أوفى كتاب جامع لما قيل في هذا الموضوع، وانظر أزهار الرياض 3/ 224 وما بعدها.