الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ؛ الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَينِ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا.
ــ
بابُ نَواقِضِ الوُضُوء
(وهي ثمانيةٌ؛ الخارِجُ مِن السَّبِيلَين، قَلِيلًا كان أَو كَثيِرًا، نادِرًا أو مُعْتادًا) وجُمْلَةُ ذَلِك، أنَّ الخارِجَ مِن السَّبِيلَين على ضَرْبَين؛ مُعْتادٍ، كالبَوْلِ، والغائِطِ، والمَذْي، والوَدْي، والرِّيحِ، فهذا يَنْقُضُ الوُضوءَ إجماعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حكاه ابنُ المُنْذِرِ. ودَمُ الاسْتِحاضَةِ يَنْقُضُ الطهارةَ في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا في قولِ رَبِيعَةَ. الضَّرْبُ الثاني، نادِرٌ، كالدَّمِ، والدُّودِ، والحَصَى، والشَّعَرِ، فيَنْقُضُ الوُضُوءَ أيضًا. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. وقال قَتادَةُ، ومالكٌ: ليس في الدُّودِ يَخْرُجُ مِن الدُّبُرِ الوُضُوءُ. ورُوي عن مالكٍ، أنَّه لم يُوجِبِ الوُضُوءَ مِن هذا الضَّرْبِ؛ لأنَّه نادِرٌ، أشْبَهَ الخارِجَ مِن غيرِ السَّبِيلِ. ولَنا، أنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، أشْبَهَ المَذْيَ، ولأنَّه لا يَخْلُو مِن بِلَّةٍ تَتَعَلَّقُ به، وقد أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُسْتَحاضَةَ بالوُضُوءِ لكلِّ صلاةٍ، ودَمُها غيرُ مُعْتادٍ.
فصل: فإن خَرَجَتِ الرِّيحُ مِن قُبُلِ المرأةِ، وذَكَرِ الرجلِ، فقال القاضي: يَنْقُضُ الوُضُوءَ. ونَقَل صالحٌ عن أبيه، في المرأةِ يَخْرُجُ مِن فَرْجِها الرِّيحُ: ما خَرَج مِن السَّبيلَين، ففيه الوُضوءُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أن يَكُونَ الأَشْبَهُ بمَذْهَبِنا في الرِّيحِ الخارِجِ مِن الذَّكَرِ، أن لا يَنْقُضَ؛ لأنَّ المَثانَةَ ليس لها مَنْفَذٌ إلى الجَوْفِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا جَعَلَها أصحابُنا جَوْفًا، ولم يُبْطِلُوا الصَّوْمَ بالحُقْنَةِ فيه. قال شيخُنا (1): ولا نَعْلَمُ لهذا وجودًا في حَقِّ أحَدٍ. وقد قِيلَ: إنَّه يُعْلَمُ بأن يُحِسَّ الإِنسانُ في ذَكَرِه دَبيبًا. وهذا لا يَصِحُّ، لكَوْنِه لا يَحْصُلُ به اليَقِينُ، والطهارةُ لا تَبْطُلُ بالشَّكِّ. فإن وُجِدَ ذلك يَقِينًا، نَقَض الطهارةَ، قِياسًا على سائِرِ الخارِجِ مِن السَّبِيلَين.
فصل: فإن قَطَّرَ في إحْلِييه دُهْنًا، ثم عادَ فخَرَجَ، نَقَض الوُضُوءَ، لأنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلَين، لا يَخْلُو مِن بِلَّةٍ نَجِسَةٍ تَصْحَبُه، فيَنْتَقِضَ بها الوُضُوءُ كما لو خَرَجَت مُنْفَرِدَةً. وقال القاضي: لا يَنْقُضُ؛ لأَنَّه ليس بينَ الإِحْلِيلِ والمَثانَةِ مَنْفَذٌ، وإنَّما يَخْرُجُ البَوْلُ رَشْحًا، فإذا كان كذلك، لم يَصِلِ الدُّهْنُ إلى مَوْضِعٍ نَجِسِ، فإذا خَرَج فهو طاهِرٌ، فلم يَنْقُضْ،
(1) انظر: المغني 1/ 231.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كسائِرِ الطّاهِراتِ إذا خَرَجَتْ مِن البَدَنِ. والأوَّلُ أولَى. وقَوْلُه: لا يَصِلُ الدُّهْنُ إلى مَوْضِعٍ نَجِسٍ. مَمْنُوعٌ، فإنَّ باطِنَ الذَكَرِ نَجِسٌ مِن آثارِ البَوْلِ، والماءُ لا يَصِلُ إليه فيُطَهِّرُه، فيَتَنَجَّسُ به الدُّهْنُ. ولو احْتَشَى قُطْنًا في ذَكَرِه، ثم أخْرَجَه وعليه بَلَلٌ، نَقَض الوُضُوءَ أَيضًا، كما لو خَرَج البَلَلُ مُنْفَرِدًا. وإن خَرَج ناشِفًا، ففيه وَجْهان، أحَدُهما، يَنْقُضُ، لأنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، أشْبَهَ سائِرَ الخارِجِ. والثاني، لا يَنْقُضُ، لأنَّه ليس بينَ المَثانَةِ والجَوْفِ مَنْفَذٌ، ولم تَصْحَبْه نَجاسَةٌ، فلم يَنْقُضْ، كسائِرِ الطَّاهِراتِ. ونَقَل القاضي في «المُجَرَّدِ» عن أحمدَ، في رِوايَةِ عبدِ اللهِ: إذا احْتَشَى القُطْنَ في ذَكَرِه وصَلَّى، ثم أخْرَجَه ووَجَد بَلَلًا، فلا بَأْسَ ما لم يَظْهَرْ. يَعْنِي: جارِيًا. وهذا يَدُلُّ على أنَّ نَفْسَ البَلَلِ لا يَنْقُضُ. ولو احْتَقَنَ في دُبُرِه، فرَجَعَتْ أجْزاءٌ مِن الحُقْنَةِ، فخَرَجَتْ مِن الفَرْجِ، نَقَضَتِ الوُضُوءَ. وهكذا لو وَطِئَ امْرَأْتَه دُونَ الفَرْجِ، فدَبَّ ماؤُه فدَخَلَ الفَرْجَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم خَرَج، نَقَض الوُضُوءَ، وعليها (1) الاسْتِنْجاءُ؛ لأنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، لا يَخْلُو مِن بِلَّةٍ تَصْحَبُه مِن الفَرْجِ. فإن لم يَعْلَمْ خُرُوجَ شيءٍ منه، احْتَمَلَ وَجْهَينِ؛ أحَدُهما، النَّقْضُ فيهما؛ لأنَّ الغالِب أَنَّه لا يَنْفَكُّ عن الخُرُوجِ، فنَقَضَ كالنَّوْمِ. والثاني، لا يَنْقُضُ، عَمَلًا بالأصْلِ. لكنْ إن كان المُحْتَقِنُ قد أدْخَلَ رَأْسَ الزَّرَّاقَةِ ثم أخْرَجَه، نَقَض الوُضُوءَ، وكذلك إن أدْخَلَ فيه مِيلًا أو غيرَه ثم خَرَج؛ لأنَّه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، فنَقَضَ كسائِرِ الخارِجِ.
(1) في م: «وعليهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: قال أبو الحارِثِ: سَألْتُ أحمدَ عن رجلٍ به عِلَّةٌ، رُبَّما ظَهَرَتْ مَقْعَدَتُه؟ قال: إن عَلِمَ أنَّه يَظْهَرُ معها نَدًى تَوَضَّأَ، وإن لم يَعْلَمْ فلا شيءَ عليه. قال شيخُنا (1)، رحمه الله: يحْتَمِلُ أنَّه إنَّما أرادَ نَدًى يَنْفَصِلُ عنها، فأمّا الرُّطُوبَةُ اللّازِمَةُ لها فلا تَنْقُضُ، لأنَّها لا تَنْفَكُّ عن رُطُوبَةٍ، فلو نَقَضَتْ لنَقَضَ خُرُوجُها على كلِّ حالٍ، وذلك لأنَّه شيءٌ لم ينْفَصِلْ عنها، فلم يَنْقُضْ كسائِرِ أجْزائِها، وقد قالوا في مَن أخْرَجَ لِسانَه وهو صائِمٌ، وعليه بَلَلٌ، ثم أدْخَلَه وابْتَلَعَ ذلك البَلَلَ: لم يُفْطِرْ، لأنَّه لم يَثْبُتْ له حُكْمُ الانْفِصالِ. واللهُ أعلمُ.
فصل: والمَذْيُ ما يَخْرُجُ عَقِيبَ الشَّهْوَةِ زَلِجًا مُتَسَبْسِبًا، فيَكُونُ على رَأسِ الذَّكَرِ، يَنْقُضُ الوُضُوءَ إجماعًا، وهل يَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ والأُنْثَيَين منه؟ فيه رِوايتان؛ إحْداهُما، يُوجِبُ ذلك؛ لما رُوِيَ أنَّ عليًّا، رضي الله عنه، قال: كُنتُ رجلًا مَذّاءً، فاسْتَحَيَتُ أن أسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لمَكانِ ابْنَتِه، فأمَرْتُ المِقْدادَ بنَ الأسْوَدِ فسألَه، فقال:«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيهِ، وَيَتَوَضَّأُ» . رَواه أبو داودَ (2). وفي لفظٍ: «تَوَضَّأْ وَانْضَحْ
(1) انظر: المغني 1/ 232.
(2)
في: باب في المذي، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 47، 48. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 124، 126، 145.