الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرابَ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ،
ــ
176 - مسألة: (فإن عَدِم الماءَ والتُّرابَ، صَلَّى على حَسَبِ حالِه)
في الصَّحِيحِ مِن المَذْهَبِ. وهو قَوْلُ الشافعيِّ. ورُوي عن أحمدَ، أنَّه لا يُصَلِّي حتى يَقْدِرَ على أحَدِهما. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والْأوزاعِيِّ، وأبي حنيفةَ؛ لأنَّها عِبادَة لا تُسْقِطُ القَضاءَ، فلم تَجِبْ، كصِيامِ الحائِضِ. وقال مالكٌ: لا يُصَلِّي، ولا يَقْضِي؛ لأنَّه عَجَز عن الطهارةِ، فلم تَجِبْ عليه الصلاةُ، كالحائِضِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذه رِوايَة مُنْكَرَةٌ عن مالكٍ. وذَكَر عن أصحابِه قَوْلَين؛ أحَدُهما كقَوْلِ أبي حنيفةَ. والثّاني، يُصَلِّي
وَفِي الإعَادَةِ رِوَايَتَانِ.
ــ
ويُعِيدُ. ولَنا، ما روَى مسلمٌ في «صَحِيحِه» (1)، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَث أُناسًا لطَلَب قِلادَةٍ أضَلَّتْها عائشةُ، فحَضَرتِ الصلاةُ، فصَلَّوْا بغيرِ وُضُوءٍ، فأتَوْا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرُوا ذلك له، فنَزَلَتْ آيةُ التَّيَمُّم، ولم يُنْكِرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا أمَرَهم بإعادَةٍ، فدَلَّ على أنَّها غيرُ واجِبَةٍ. ولأنَّ الطهارةَ شَرْطٌ فلم تُوخَّرِ الصلاةُ عندَ عَدَمِه، كالسُّتْرَةِ. إذا ثَبَت هذا، فصَلَّى، ثم وَجَد الماءَ أو (2) التُّرابَ، لم تَجِبْ عليه الإِعادَةُ في أصَحِّ الرِّوايَتَين؛ لِما ذَكَرْنا مِن الخَبَرِ، ولأنَّه أتَى بما أُمِرَ، فوَجَب أن يَخْرُجَ عن العُهْدَةِ، ولأنَّه أحَدُ شُرُوطِ الصلاةِ، فسَقَطَ عندَ العَجْزِ، كسائِرِ شُرُوطِها. والثانيةُ، تجبُ عليه الإِعادَةُ. وهو مذهبُ الشافعيُّ؛ لأنَّه فَقَد شَرْطَ الصلاةِ، أشْبَهَ ما لو صَلَّى بالنَّجاسَةِ. والأولَى أوْلَى؛ لما ذَكَرْنا، وما قاسُوا عليه مَمْنُوعٌ.
(1) في: باب التيمم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 279. وأخرجه أيضًا البخاري، في: باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا، من كتاب التيمم، وفي: باب فضل عائشة، رضي الله عنها، من كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي: باب تفسير سورة النساء، من كتاب التفسير، وفي: باب استعارة الثياب للعروس وغيرها، من كتاب النكاح، وفي: باب استعارة القلائد، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 1/ 92، 5/ 37، 6/ 57، 7/ 29، 204. وأبو داود، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 76. والنسائي، في: باب في من لم يجد الماء ولا الصعيد، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 140. وابن ماجه، في: باب ما جاء في السبب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 188. والدارمي، في: باب التيمم مرة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 190، 191. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 57.
(2)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمّا قِياسُ أبي حنيفةَ على الحائِضِ في تَأْخِيرِ الصيامِ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ الصومَ يَدْخُلُه التَّأْخِيرُ، بخِلافِ الصلاةِ؛ لأنَّ المُسافِرَ يُؤخِّرُ الصومَ دُونَ الصلاةِ. ولأنَّ عَدَمَ الماءِ لو قام مُقامَ الحَيضِ لأسْقَطَ الصلاةَ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ قِياسَ الصلاةِ على جِنْسِها أوْلَى مِن قِياسِها على الصومِ، وقِياسُ مالكٍ لا يَصِحُّ؛ لمُخالفَتِه لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (1). ولأنَّ قِياسَ الطهارةِ على شَرائِطِ الصلاةِ أوْلَى مِن قِياسِه على الحائِضِ، والحَيضُ عُذْرٌ مُعْتادٌ يَتَكَرَّرُ، والعَجْزُ ههُنا عُذْرٌ نادِرٌ، فلا يَصِحُّ إلْحاقُه بالحَيضِ؛ لأنَّ النّادِرَ لا يَشُقُّ إيجابُ القَضاءِ فيه، بخِلافِ المُعْتادِ، ولأنَّه عُذْرٌ نادِرٌ فلم يُسْقِطِ الفَرْض، كنِسْيانِ الصلاةِ وفَقْدِ سائِرِ الشُّرُوطِ. واللهُ أعلمُ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 188.