الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويَجُوزُ له العُبُورُ في المسجدِ، ويَحْرُمُ عليه اللّبْثُ فيه، إلَّا أن يَتَوَضَّأ.
ــ
160 - مسألة: (ويَجُوزُ له العُبُورُ في المسجدِ، ويَحْرُمُ عليه اللّبْثُ فيه، إلَّا أن يَتَوَضَّأ)
يَحْرُمُ عليه اللّبْثُ في المسجدِ؛ لقولِ الله تِعالى: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (1). ولقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا أحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِض وَلَا جُنُبٍ» . رَواه أبو داودَ (2). فإن خاف على نَفْسِه أو مالِه، أو لم يُمْكِنْه الخُرُوجُ أو الغُسْلُ والوُضُوءُ، تَيَمَّمَ وأقامَ في المسجدِ؛ لأنَّه رُويَ عن عليٍّ وابنِ عباس، في قَوْلِه تعالى:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} : يَعْنِي مُسافِرِين لا يَجِدُونْ ماءً، فيَتَيَمَّمُون. وقال بَعْضُ
(1) سورة النساء 43.
(2)
في: باب في الجنب يدخل المسجد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابنا: يَلْبثُ بغَيرِ تَيَمُّمٍ؛ لأنَّه لا يَرْفَعُ الحَدَثَ. وهو غيرُ صحيحٍ؛ لمُخالفَتِه قَوْلَ الصَّحابَةِ، ولأنَّه أمْرٌ تُشْتَرَطُ له الطهارةُ، فوَجَبَ له التَّيَمُّم عندَ العَجْزِ عنه، كسائِرِ ما تُشْتَرَطُ له الطهارةُ. ويُباحُ له العُبُورُ في المسجدِ، للآية، وإنَّما يُباحُ العُبُورُ للحاجَةِ؛ مِن أخْذِ شيءٍ أو تَرْكِه في المسجدِ، أو كوْنِ الطرَّيقِ فيه، فأمّا لغَيرِ ذلك فلا. ومِمَّن رُويَتْ عنه الرُّخْصَةُ في العُبُورِ ابنُ مسعودٍ، وابنُ عباسِ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، ومالكٌ، والشافعيُّ. وقال الثَّوْرِيُّ وإسحاقُ: لا يَمُرُّ في المسجدِ إلَّا أن لا يَجِدَ بُدًّا، فيَتَيَمَّمَ. وهو قوْلُ أصحابِ الرَّأي؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا أحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» ، رَواه أبو داودَ. ولنا، قَوْلُ الله تِعالى:{إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} . والاسْتِثناءُ مِن النَّهْي إباحَةٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورَوَتْ عائِشَةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «نَاولِيني الْخُمْرَةَ (1) مِنَ الْمَسْجدِ» .
قالت: إنِّي حائِضٌ. قال: «إنَّ حَيضَتَكِ لَيسَتْ فِي يَدِكِ» . رَواه مسلمٌ (2). وعن زَيدِ بنِ أسْلَمَ، قال: كانْ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَمْشُون في المسجدِ وهم جُنُبٌ. رَواه ابنُ المُنْذِرِ. وهذا إشارَةٌ إلى
(1) الخمرة: هي السجادة، وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده؛ من حصير أو نسيجة من خوص، وسميت خمرة؛ لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه.
(2)
في: باب جواز غسل الحائض لرأس زوجها. . . . إلخ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 245. كما أخرجه أبو داود، في: باب الحائض تناول من المسجد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 60. والترمذي، في: باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 216. والنسائي، في: باب استخدام الحائض، من كتاب الطهارة، وفي: باب استخدام الحائض، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 120، 158. وابن ماجه، في: باب الحائض، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 207. والدارمي، في: باب الحائض تبسط الخمرة، وفي: باب الحائض تمشط زوجها، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 197، 247. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 70، 6/ 45، 101، 106، 110، 112، 114، 173، 179، 214، 229 ، 214.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَمِيعِهم، فيَكُونُ إجْماعًا. فإن تَوَضَّأ الجُنُبُ فله اللّبْثُ في المسجدِ عندَ أصحابِنا. وهو قوْلُ إسحاقَ. وقال الأكْثَرُون: لا يَجُوز؛ للآية والخَبَرِ. ووَجْهُ الأوَّلَ ما روَى زيدُ بنُ أسْلَمَ، قال: كان أصحابُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثُون في المسجدِ على غيرِ وُضُوءٍ، وكان الرجلُ يَكُونُ جُنُبًا فيَتَوَضَّأ، ثم يَدْخُلُ فيَتَحَدَّثُ. وهذا إشارَة إلى جَمِيعِهم، فيَخُصُّ عُمُومَ الحَدِيثِ. وعن عَطاءِ بنِ يَسارٍ قال: رَأيتُ رِجالًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُونَ في المسجدِ وهم مُجْنِبُون؛ إذا تَوضَّئُوا وُضُوءَ الصلاةِ. رَواه سعيدُ بنُ منصورٍ والأثْرَمُ. وحُكْمُ الحائِض إذا انْقَطَعَ حَيضُها حُكْمُ الجُنُبِ، فأمّا في حالِ حَيضِها فلا يُباحُ لها اللّبْثُ؛ لأنَّ وُضُوءَها لا يَصِحُّ.
فصل: والأغْسالُ المُسْتَحَبَّةُ ثلاثةَ عَشَرَ غُسْلًا؛ لِلجُمُعَةِ،
ــ
فصل: فأمّا المُستَحاضَةُ، ومَن به سَلَسُ البَوْلِ، فلهم العُبُورُ في المسجدِ واللُّبْثُ فيه، إذا أمِنُوا تَلْويثَه؛ لما رَوَتْ عائِشَةُ، أنَّ امرأةً مِن أزْواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَتْ معه وهي مُسْتَحاضَةٌ، فكانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ والصُّفْرَةَ، ورُبَّما وَضَعْنا الطَّسْتَ تَحْتَها وهي تُصَلِّي. رَواه البُخارِي (1). فأمّا إن خاف تَلْويثَ المسجدِ، أو خَشِيَتِ الحائِضُ ذلك بالعُبُورِ فيه، حَرُم عليهما؛ لأنَّ المسجدَ يُصانُ عن هذا، كما يصانُ عن البَوْلِ فيه.
فصل: (والأغْسالُ المسْتَحَبَّةُ ثَلاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا) أحَدها، غُسْلُ
(1) في: باب الاعتكاف للمستحاضة، من كتاب الحيض. صحيح البخاري 1/ 85.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المستحاضة تعتكف، من كتاب الصوم. سنن أبي داود 1/ 576. وابن ماجه، في: باب المستحاضة تعتكف، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 566. والدارمي، في: باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 217. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 131.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجُمُعَةِ، وهو مُسْتَحَب بغير خِلافٍ، و «فيه آثارٌ كَثِيرة صحيحةٌ؛ منها ما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أتى مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وروَى سَلْمانُ الفارِسِيُّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمسُّ مِنْ طِيبِ بَيتهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفرِّق بَينَ اثْنَينِ، وَيُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ
(1) أخرجه البخاري، في: باب فضل الغسل يوم الجمعة. . . . إلخ، وباب حدثنا أبو نعيم. . . إلخ، وباب هل على من لم يشهد الجمعة غسل، وباب الخطبة على المنبر، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري 2/ 2، 4، 6، 12. ومسلم، في: أول كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 579، 580. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 83. والترمذي، في: باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذي 2/ 278. والنسائي، في: باب الأمر بالغسل يوم الجمعة، وباب حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 76، 86. وابن ماجة، في: باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 246. والدارمي، في: باب الغسل يوم الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 361. والإمام مالك، في: باب العمل في غسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. الموطأ 1/ 102. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 15، 46، 2/ 3، 9، 35، 37، 41، 42، 48، 53، 55، 57، 64، 77، 78، 101، 105، 115، 120، 141، 145، 149.
والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، ومِنْ غُسْلِ الميت،
ــ
مَا بَينَهُ وَبَينَ الْجُمُعَةِ الأخْرَى». رَواه البُخارِي (1). وليس ذلك بواجِبٍ في قَوْلِ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ، وقد قِيل: إنَّه إجْماعٌ. حكاه ابنُ عبدِ البَرِّ، وسيُذْكَرُ ذلك في مَوْضِعِه بأبسَطَ مِن هذا، إن شاء الله تعالى. الثاني، غُسْلُ العِيدَين، مُسْتَحَب؛ لما روَى ابنُ عباس والفاكِهُ بنُ سعدٍ (2)، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ يومَ الفِطر والأضْحَى. رَواه ابنُ ماجَه (3). الثالثُ، الاسْتِسْقاء؛ لأنَّها عِبادَةٌ يَجْتَمِعُ لها النّاس، فاسْتُحِبَّ لها الغُسْلُ، كالجُمُعَةِ. الرابعُ، الكُسُوف؛ لأنَّه كالاسْتِسْقاءِ. الخامسُ، الغُسْلُ مِن غُسْلِ المَيِّتِ، وهو مُسْتَحَبٌّ؛ لِما روَى أبو هُرَيرَةَ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) في: باب الدهن للجمعة، وباب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري 2/ 4، 9. كما أخرجه الدارمي، في: باب في فضل الجمعة والغسل والطيب فيها، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 362. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 438، 440.
(2)
الفاكه بن سعد بن جبير الأنصاري الأوسي الصحابي، شهد صفين مع علي، وقتل بها. أسد الغابة 4/ 349.
(3)
أخرجه ابن ماجه عنهما، في: باب ما جاء في الاغتسال في العيدين، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 417. والإمام أحمد عن الفاكه، في: المسند 4/ 78.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «مَنْ غَسَّل مَيَّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأ» (1). قال الترمِذِيُّ: هذا حديث حسنٌ. وليس بواجِبٍ، يروَى ذلك عن ابنِ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الغسل من غسل الميت، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 2/ 179. والترمذي، في: باب ما جاء في الغسل من غسل الميت، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 4/ 214. وابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل الميت، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 470. والإمام أحمد، في المسند 1/ 103، 130، 2/ 280، 433، 454، 472، 4/ 246.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عباس، وابنِ عُمَرَ، وعائِشَةَ، والحسنِ، والنَّخَعِي، والشافعي، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصحابِ الرَّأي. ورُوي عن عليٍّ، وأبي هُرَيرَةَ، أنَّهما قالا: مَن غَسَّلَ مَيِّتًا فليَغْتَسِلْ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وابنُ سِيرِينَ، والزُّهْرِيُّ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثِ. وذَكر أصحابُنا في وُجُوبِ الغُسْلِ مِن غُسْلِ المَيِّتِ الكافِرِ رِوايَتَين؛ إحداهما، لا يَجِبُ، كالمُسْلِمِ. والثانيةُ، يَجِبُ؛ لِما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر عليًّا أن يَغْتَسِلَ حينَ غَسَّلَ أباه (1). ولَنا، قَوْلُ صَفْوانَ بنِ عَسّالٍ: أمَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذا كُنَّا مُسافِرِين، أن لا نَنْزِعَ خِفافَنا ثلاثةَ أيام ولَيالِيَهُنَّ، إلَّا مِن جَنابَةٍ (2). حديث حسنٌ. ولأنَّه غسْلُ آدَمِي، فلم يُوجِبِ الغُسْلَ، كغُسْلِ الحَيِّ. وحَدِيثُهم مَوْقُوفٌ على أبي هُرَيرَةَ، قاله أحمدُ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: ليس في هذا حديث يَثْبُتُ، ولذلك لم يُعْمَلْ به في وُجُوبِ الوُضُوءِ على حامِلِه، لا نَعْلَمُ به قائِلًا. وأمّا حديثُ عليٍّ، فقال أبو إسحاقَ الجُوزجانِيّ: ليس فيه أنَّه غَسَّل أبا طالِبٍ، إنَّما قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:
(1) رواه الإمام أحمد في: المسند 1/ 103، 130.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 12.
والمَجْنُونُ، والمُغْمَى عليه، إذا أفاقا مِن غَيرِ احْتِلامِ،
ــ
«اذْهَبْ فَوَارِه، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيئًا حَتَّى تَأْتِيَني» . قال: فأتَيتُه فأخْبَرْتُه، فأمَرَنِي فاغْتَسَلْتُ. وذَكَر بَعْضُ أصحابِنا رِوايَةً في وُجُوبِ الغُسْلِ مِن غُسْلِ الحَيِّ الكافِرِ، قِياسًا على المَيِّتِ، والصَّحِيحُ أنَّه لا يَجِبُ؛ لأنَّ الوُجُوبَ مِن الشمرعِ، ولم يَرِدْ به، وقِياسُه على المَيِّتِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُسْلِمَ المَيِّتَ يَجبُ مِن غُسْلِه الوُضُوءُ، بخِلافِ الحَيِّ، وهذا يَدُلُّ على افْتِراقِ حالِ المَيِّتِ والحَيِّ، ولا نَعْلَمُ أحَدًا قال به مِن العُلَماءِ. السادسُ، الغُسْلُ مِن الإِغْماءِ والجُنُونِ، إذا أفاقا مِن غيرِ احْتِلامٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسْتَحَبٌّ؛ لأنَّه رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه اغْتَسَل للإِغْماءِ. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأنَّه لا يُؤمَنُ أن يَكُونَ قد احْتَلَمَ ولم يَشْعُرْ، والجُنُونُ في مَعْناه، بل أوْلَى؛ لأنَّ مُدَّتَه تَطُولُ، فيَكُونُ وُجودُ الاحْتِلامِ فيه أكْثَرَ، ولا يجِبُ الغُسْلُ لذلك. حَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. وذَكَر أبو الخَطّابِ فيه رِوايَتَين؛ إحْداهما، يجِب؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه. والثانيةُ، لا يجبُ، وهي أصَحُّ؛ لأنَّ زَوال العَقْلِ بنَفْسِه ليس مُوجبًا للغُسْلِ، والإِنْزالُ مَشْكُوكٌ فيه، فلا يَزُولُ عن اليقِينِ بالشَّكِّ، فإن تُيُقِّنَ منهما الإِنْزالُ، فعَلَيهِما الغُسْلُ؛ لأنَّه
(1) أخرجه البخاري، في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 176. ومسلم، في: باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 311. كما أخرجه النسائي، في: باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدا، من كتاب الإمامة. المجتبى 2/ 78. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 52، 6/ 251.
وغُسْلُ المُسْتَحاضَةِ لكلِّ صلاةٍ،
ــ
مِن جُمْلَةِ المُوجِباتِ (1). السابعُ، غُسْلُ المُسْتَحاضَةِ لكلِّ صلاةٍ، مُستحَبٌّ؛ لما روَى أبو داودَ، أنَّ امرأةً كانت تُهَرَاقُ الدَّمَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأمَرَها أن تَغْتَسلَ عندَ كلِّ صلاةٍ (2). وقد ذَهَب بعضُ أهلِ العلمِ إلى وُجُوبِه؛ لما ذَكَرْنا مِن ألحدِيثِ، وسنَذْكُرُه في مَوْضِعِه، إن شاء الله. وذَكَر ابنُ أبي موسى أنَّ انْقِطاعَ دَمِ الاسْتِحاضَةِ يُوجِبُ الغُسْلَ.
(1) في م: «الواجبات» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في المرأة تستحاض. . . . إلخ، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 62. والنسائي، في: باب ذكر الاغتسال من الحيض، من كتاب الطهارة، وفي: باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 99، 149. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المستحاضة. . . .، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 204. وأخرجه أيضًا: الدارمي، في: باب في غسل المستحاضة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 199، 200. والامام مالك، في: باب المستحاضة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 62. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 293، 304، 320، 323.
والغسل للإحرام، ودُخُول مَكَّةَ، والوُقُوف بعَرَفَةَ. والمَبِيت بمُزْدَلِفَةَ، ورمي الجمار، والطواف.
ــ
الثامنُ، الغُسْلُ للإِحْرامِ، وهو مُسْتَحَبٌّ، لِما روَىْ زَيدُ بنُ ثابِتٍ، أنَّه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لإِهْلَالِهِ واغْتَسَل. رَواه الترمِذِي (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ. التاسعُ، دُخُول مَكَّةَ. العاشرُ، الوُقُوف بعَرَفَةَ. الحادِي عَشرَ، المَبِيت بمُزْدَلِفَةَ. الثانِي عَشر، رَمْي الجِمارِ. الثالثَ عَشر، الطَّواف. وسنَذْكُرُ ذلك في مَوْضِعِه، إن شاء الله تعالى، وقد روَى البُخاري عن ابنِ عُمَرَ، أنه كان يَغْتَسِلُ، ثم يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهارًا، ويَذْكُرُ
(1) في: باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام، من أبواب الحج. عارضة الأحوذي 4/ 48. كما أخرجه الدارمي، في: باب الاغتسال في الإحرام، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 31.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه فَعَلَه (1). ورُوي الغُسْلُ للوُقُوفِ بعَرَفَةَ عن علي، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، واسْتَحَبَّه الشافعيُّ. ورُوي عن ابنِ عُمَرَ أنَّه كان يَغْتَسِلُ لإِحْرامِهِ قبلَ أن يُحْرِمَ، ولدُخُولِه مَكَّةَ، ولوُقُوفِه عَشِيَّةَ عَرَفَةَ. رَواه مالكٌ في «المُوَطَّأ» (2). ولأنَّها أنْساكٌ تَجْتَمِعُ لها النّاس، فاسْتُحِبَّ لها الغُسْلُ، كالإِحْرامِ، ودُخُولِ مَكَّةَ. واللهُ أعلمُ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب من نزل بذي طوى. . . .، من كتاب الحج. صحيح البخاري 2/ 222. ومسلم، في: باب استحباب المبيت بذي طوى. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 919. كما أخرجه أبو داود، في: باب دخول مكة، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 432. والنسائي، في: باب دخول مكة، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 157. والدارمي، في: باب دخول البيت نهارًا، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 70. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 14، 157. والبيهقي، في: باب الغسل لدخول مكة، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 71.
(2)
في: باب الغسل للإهلال، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 322.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُسْتَحَبُّ الغُسْلُ مِن الحِجامَةِ، وذَكَر ابنُ عَقِيلٍ في اسْتِحْبابِه رِوايَتَينِ؛ إحْداهُما، يُسْتَحَبُّ؛ لأنَّه يُرْوَى عن علي، وابنِ عباس، ومُجاهِدٍ، أنَّهم كانوا يَفْعَلُون ذلك. والثانيةُ، لا يُسْتَحَبُّ؛ لأنَّه دَمٌ خارِجٌ، أشْبَهَ الرُّعافَ، واللهُ أعلمُ.