الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ وَطِئَهَا في الْفَرْجِ فَعَلَيهِ نِصْف دِينَارٍ كَفَّارَةً. وعَنْهُ، لَيسَ عَلَيهِ إلا التَّوْبَةُ.
ــ
218 - مسألة: (فإن وَطِئَها في الفَرْجِ، فعليه نِصْفُ دِينارٍ كَفّارَةً. وعنه، ليس عليه إلَّا التَّوْبَةُ)
اخْتَلَفَتِ الروايَةُ في وُجُوبِ الكَفَّارَةِ بوَطْءِ الحائِضِ في الفَرْجِ؛ فرُويَ عنه، أنّ عليه الكَفّارَةَ. وهو المَشْهُورُ في المذهبِ؛ لِما روَى ابنُ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي يَأْتِي امْرَاتُه وهي حائِضٌ، قال:«يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أوْ نِصْفِ دِينَارٍ» . رَواه الإمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ والنّسائِيُّ (1). والثانيةُ، لا كَفّارَةَ عليه. وهو قولُ مالكٍ، وأبي حنيفة، وأكْثَرِ أهلِ العلمِ. وللشافعيِّ قَوْلان
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في إتيان الحائض، من كتاب الطهارة، وفي: باب كفارة من أتى حائضا، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 60، 500. والترمذي، في: باب ما جاء في كفارة إتيان الحائض، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 218. والنسائي، في: باب ما يجب على من أن حليلته في حال حيضها مع علمه. . .، من كتاب الطهارة والحيض. المجتبى 1/ 125، 154. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 245.كما أخرجه ابن ماجه، في: باب في كفارة من أتي حائضا، وباب من وقع على امرأته وهي حائض، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 210، 213. والدارمي، في: باب من قال عليه كفارة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 254.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالمَذْهَبَين؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتى حَائِضًا أو امْرَأَةً في دُبُرِهَا، أو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . رَواه ابنُ ماجَه (1). ولم يَذْكُرْ كَفّارَةً، إلَّا أنَّ البُخارِي ضَعَّفَ هذا الحديثَ. حَكاه التِّرْمِذِيُّ (2). ولأنَّه وَطْءٌ نُهِيَ عنه لأجْلِ الأذَى، أشْبَهَ الوَطْءَ في الدُّبُرِ. وحديثُ الكَفّارَةِ مَدارُه على عبدِ الحميدِ بنِ زَيدِ بنِ الخَطّابِ، وقد قِيلَ لأحمدَ: في نَفْسِك منه شيءٌ؟ قال: نعم. وقال: لو صَحَّ ذلك الحديثُ كُنّا نَرَى عليه الكَفّارَةَ. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه قال: إن كانت له مَقْدِرَةٌ تَصَدَّقَ بما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وكَلامُه هذا يَدُلُّ على أنَّ المُعْسِرَ لا شيءَ عليه. قال أبو عبدِ اللهِ بنُ حامِدٍ: كَفّارَةُ وَطْءِ الحائِضِ تَسْقُطُ بالعَجْزِ عنها، أو عن بَعْضِها، ككَفَّارَةِ الوَطْءِ في رمضانَ.
(1) في: باب النهي عن إتيان الحائض، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 209. كمن أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء كراهية إتيان الحائض، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 217. والدارمي، في: باب من أتى امرأته في دبرها، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 259. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 408، 429، 476.
(2)
انظر: عارضة الأحوذي 1/ 218.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وظاهِرُ المذهبِ في الكَفَّارَةِ، أنَّها دِينارٌ، أو نِصْفُ دينارٍ، على وَجْهِ التَّخْيِيرِ. يُرْوَى ذلك عن ابنِ عباسٍ؛ لظاهِرِ الحديثِ. قال أبو داودَ: هكذا الرِّوايَةُ الصَّحِيحَةُ. قال: دِينارٌ أو نصفُ (1) دينارٍ. ولأنَّه مَعْنًى تَجِبُ الكَفّارَةُ بالوَطْءِ فيه، فاسْتَوَى الحالُ فيه بينَ إقْبالِه وإدْبارِه، كالإِحْرامِ. وعنه: إن كان الدَّمُ أحْمَرَ فدِينارُ، وإنْ كان أصفرَ فنِصْفُ دينارٍ. وهو قولُ إسحاقَ؛ لِما روَى ابنُ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«إنْ كَانَ دَمًا أحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإنْ كَانَ دَمًا أصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ» . رواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (2). إلَّا أنَّ أبا داودَ قال: هو مَوْقُوف مِن قولِ ابنِ عباسٍ (3). والأوَّلُ أوْلَى؛ لِما ذَكَرْنا، فإن قِيل: فكيفَ يُخَيَّرُ بينَ شيءٍ ونِصْفِه؟ قُلْنا: كما خُير المُسافِرُ بينَ القَصْرِ والإتْمامِ.
(1) في الأصل: «ونصف» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في إتيان الحائض، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 60. بمعناه. والترمذي، في: باب ما جاء في الكفارة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 218. كما أخرجه الدارمي، في: باب من قال عليه كفارة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 255.
(3)
انظر: سنن أبي داود 1/ 61.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن وَطِئَها بعدَ الطُّهْرِ، قبلَ الغُسْلِ، فلا كَفّارَةَ عليه. وقال قَتادَةُ، والأوْزاعِيُّ: عليه نِصْفُ دِينارٍ؛ لأنَّه حُكْمٌ تَعَلَّقَ بالوَطْء في الحَيضِ، فلم يَزُلْ إلا بالغُسْلِ، كالتَّحْرِيمِ. ولَنا، أنَّ وُجوبَ الكَفَّارَةِ مِن الشِّرْعِ، ولم يَرِدْ بذلك إلَّا في الحائِضِ، وقِياسُهم يَبْطُل بما لو حَلَف لا يَطَأُ حائِضًا، فإنَّه يَحْنَثُ بالوَطْءِ في الحَيضِ، ولا يَحْنَثُ بالوَطْءِ قبلَ الغُسْلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وهل تَجِبُ الكَفّارَةُ على الجاهِلِ والنّاسِي؟ على وَجْهَين؛ أحَدُهما، تَجِبُ؛ لعُمُومِ الخَبَرِ، وقِياسًا على الوَطْء في الإحْرامِ. والثاني، لا تَجِبُ؛ لقَوْلِه عليه السلام:«عُفِيَ لأُمَّتِي عَنِ الخَطَأ والنِّسْيانِ» (1). ولأنَّها وَجَبَتْ لمَحْو الإِثْمِ، فأشْبَهَتْ كَفّارَةَ اليَمِينِ. فإن وَطِئ طاهِرًا، فحاضَتْ في أثْناءِ وَطْئِه، لم تَجِبْ عليه الكَفَّارَةُ على الوَجْهِ الثاني، وتَجِبُ على الأوَّلِ، وهو قولُ ابنِ حامِدٍ. وإن وَطِئ الصَّبِيُّ لَزِمَتْه الكَفّارَةُ عندَ ابنِ حامِدٍ؛ لعُمُومِ الخَبَرِ، وكالوَطْءِ في الإحْرامِ.
قال شَيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أن لا يَلْزَمَه؛ لأنَّها مِن فُرُوعِ التَّكْلِيفِ، وهو غيرُه مُكَلَّفٍ.
(1) أخرجه ابن ماجة، في: باب طلاق المكره والناسي، من كتاب الطلاق، بلفظ مقارب. سنن ابن ماجه 1/ 659. وانظر: إرواء الغليل 1/ 123.
(2)
انظر: المغني 1/ 418.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وتَجِبُ الكَفّارَةُ على المرأةِ في المَنْصُوصِ؛ لأنَّه وَطْءٌ يُوجِبُ الكَفّارَةَ، فأوْجَبَها على المرأةِ، كالوَطْءِ في الإِحْرامِ. وقال القاضي: فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا تَجِبُ؛ لأنَّ الوُجُوبَ مِن الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ. فإن كانت مُكْرَهَةً أو غيرَ عالِمَةٍ، فلا كَفّارَةَ عليها، لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«عُفِيَ لأمَّتِي عَنِ الخَطَأ والنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» . وحُكْمُ النُّفَساءِ حُكْمُ الحائِضِ في ذلك؛ لأنَّها في مَعْناها. ويُجْزِيء نِصْفُ دِينارٍ مِن أيِّ ذَهَبٍ كان، إذا كان صافِيًا، ويَسْتَوى التِّبْرُ والمَضْرُوبُ؛ لوُقُوعِ الاسْمِ عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُجْزِئُّ إخْراجُ القِيمَةِ في أحَدِ الوَجْهَين، لأنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ بها، فجازَ مِن أيِّ مالٍ كان، كالخَراجِ. والثاني، لا يَجُوزُ، لأنَّه كَفّارَةٌ، فاخْتَصَّ ببَعْضِ الأنواعِ، كسائِرِ الكَفّاراتِ. فعلى هذا الوَجْهِ هل يَجُوزُ إخْراجُ الدَّراهِمِ؟ يَنْبَنِى على جَوازِه في الزَّكاةِ، والصَّحِيحُ جوازُه، لِما ذَكَرْنا، واخْتارَه شَيخُنا (1). ومَصْرِفُها إلى المَساكِينِ، كسائِرِ الكَفّاراتِ، واللهُ أعلمُ.
(1) انظر: المغني 1/ 419.