الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، إسْلَام الْكَافِرِ، أصْلِيًّا كَانَ أو مُرْتَدًّا. وَقَال أبو بَكْرٍ: لَا غسْلَ عَلَيهِ.
ــ
156 - مسألة: (الثالِثُ: إسلامُ الكافِرِ، أصْلِيًّا كانَ أو مُرتَدًّا. وقال أبو بَكْرٍ: لَا غُسْلَ عليه)
وجُمْلَتُه أنَّ الكافِرَ إذا أسْلَم وَجَب عليه الغُسْلُ، أصْلِيًّا كان أو مُرْتَدًّا، سَواءٌ اغْتَسَل قبلَ إسلامِه أو لا، وُجدَ منه في زَمَنِ الكُفْرِ ما يُوجِبُ الغُسلَ أو لم يُوجَدْ. وهو قولُ مالكٍ، وأَبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال أبو بكرٍ: يُسْتَحَبُّ ولا يَجِبُ، إلَّا أن يكُونَ قد وُجِدَت منه جَنابَةٌ زَمَنَ كُفْرِه، فعليه الغُسْلُ إذا أسْلَم، وإن اغْتَسل قبلَ الإِسلامِ. وهو مذهبُ الشافعيِّ. وقال أبوْ حَنِيفَةَ: لا يجِبُ عليه الغُسل بحالٍ؛ لأنَّ العَدَدَ الكَثِيرَ والجَمَّ الغَفِيرَ أسْلَمُوا، فلو أُمِرَ كلُّ مَن أسْلِم بالغُسْلِ، لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَواتِرًا أو ظاهِرًا، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حينَ بَعَث مُعاذًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى اليَمَنِ (1) لم يَذْكُرْ له الغُسْل، ولو كان واجِبًا لأمَرَهم به؛ لأنه أوَّلُ واجِباتِ الإِسلام. ولنا، ما روَى قَيس بنُ عاصِمٍ (2)، أنَّه أسْلَم، فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَغتَسِلَ بماءٍ وسِدرٍ (3). رَواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائِيُّ، والترمِذِيّ (4)، وقال: حديث حسنٌ. والأمْرُ
(1) أخرجه البخاري، في: باب وجوب الزكاة، وباب أخذ الصدقة من الأغناء وترد في الفقراء حيث كانوا، من كتاب الزكاة، وفي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، من كتاب المغازي، وفي: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 2/ 130، 158، 5/ 204، 9/ 140. ومسلم، في: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 50 ،51. وأبو داود، في: باب زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 366. والنسائي، في: باب وجوب الزكاة، وباب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 3، 41. وابن ماجه، في: باب فرض الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 568. والدارمي، في: باب في فضل الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمي 1/ 379. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 233.
(2)
قيس بن عاصم بن سنان التميمي المِنْقَرِي، أبو علي. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم فأسلم، كان سيدًا جوادًا، وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية. توفي سنة اثنتين وثلاثين. انظر: الإصابة 5/ 483 - 486، تهذيب التهذيب 8/ 399، 400.
(3)
السدرة: شجرة النبق. . . . وإذا أطلق السدر في الغسل فالمراد الورق المطحون. المصباح المنير.
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 86. والترمذي، في: باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذي 3/ 84. والنسائي، في: باب ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه غسل الكافر إذا أسلم، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 91. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 61.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للوُجُوبِ، وما ذَكَرُوه مِن قِلَّةِ النَّقْلِ، فلا يَصِحُّ مِمَّن أَوْجَبَ الغُسْلَ على مَن أسْلمَ بعدَ الجَنابَةِ في كُفْرِه؛ لأنَّ الظاهِرَ أن البالِغَ لا يَسْلَمُ منها، على أنَّ الخَبَرَ إذا صَحَّ كان حُجَّةً مِن غيرِ اعْتِبارِ شَرْطٍ آخَرَ. وقد رُوِيَ أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيرٍ وسعدَ بنَ مُعاذ، حينَ أرادا الإِسلامَ، سألا مُصْعَبَ بنَ عُمَيرٍ: كيف تَصْنَعُونَ إذا دَخَلْتُم في هذا الأمْرِ؟ قال: نَغْتَسِلُ ونَشْهَدُ شَهادَةَ الحَقِّ (1). وهذا يَدُلُّ على أنَّه كان مُسْتَفِيضًا. ولأنَّ الكافِرَ لا يَسْلَمُ غالِبًا مِن جَنابَةٍ تَلْحَقُه، ونَجاسَةٍ تُصحبُه، وهو لا يَصِحُّ غُسْلُه، فأقِيمَتِ المَظِنَّةُ مَقامَ حَقِيقَةِ الحَدَثِ، كما أُقِيمَ النَّومُ مَقامَ الحَدَثِ.
(1) انظر: السيرة النبوية، لابن هشام 2/ 436.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أجْنَبَ الكافِرُ، ثم أسْلَمَ، لم يَلزَمْه غُسْلُ الجَنابَةِ، سَواءٌ اغْتَسَل في كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا قَوْلُ مَن أوْجب غُسْلَ الإِسلام، وقولُ أبي حَنِيفَةَ. وقال الشافعيّ: عليه الغُسْلُ. وهو قَولُ أبي بكرٍ؛ لَأنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الغُسْلِ، كالصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، واغْتِسالُه في كُفْرِه لا يَرْفَعُ حَدَثَه، قِياسًا على الحَدَثِ الأصْغَرِ. وحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ، وأحَدُ الوَجْهَين لأصحابِ الشافعيِّ، أنَّه يَرْتَفِعُ حَدَثُه؛ لأنَّه أصَحُّ نِيَّةً مِن الصَّبِيِّ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ الطهارةَ عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فلم تَصِحَّ مِن الكافِرِ، كالصلاةِ. ووجْه الأولَ أنه لم يُنْقَلْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أحَدًا مِمَّن أسْلَم بغُسْلِ الجَنابَةِ، مح كَثْرَةِ مَن أسْلَمَ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ البالِغِين المُتَزَوِّجِين، ولأنَّ المظِنَّةَ أُقِيمَتْ مَقامَ حَقِيقَةِ الحَدَثِ، فسَقَطَ حُكمُ الحَدَثِ، كالسَّفَرِ مع المَشَقَّةِ. ويُسْتَحَبُّ أن يَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ ، كما في حَدِيثِ قَيسٍ. ويُسْتَحَبُّ إزالةُ شَعَرِه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ أسْلَم:«ألْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ وَاختَتِنْ» . رواه أبو داودَ (1).
(1) في: باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 86. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 415.