الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِاليَدِ،
ــ
177 - مسألة: (ولا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بتُرابٍ طاهِرٍ له غُبارٌ يَعْلَقُ باليَدِ)
لأنَّ الله تعالى قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ}. قال ابنُ عباسٍ: الصَّعِيدُ: تُرابُ الحَرْثِ، والطَّيِّبُ: الطّاهِرُ. وقال سبحانه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ} . وما لا غُبارَ له،. لا يُمْسَحُ بشيءٍ منه. وبه قال الشافعيِّ، وإسْحاقُ، وأبو يُوسُفَ، وداودُ. وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: يَجُوزُ بكلِّ ما كان مِن جِنْسِ الأرْضِ، كالنُّورَةِ، والزِّرْنِيخَ (1)، والحِجارَةِ. وقال الأوْزاعِيُّ: الرَّمْلُ مِن الصَّعِيدِ. وقال حَمّادُ بنُ أبي سُلَيمانَ: لا بَأْسَ أن يَتَيَمَّمَ بالرُّخامِ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الْأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . رَواه البخاري (2). ولأنَّه مِن جِنْسِ الأرْضِ، فجاز التَّيَمُّمُ به، كالتُّرابِ. ولَنا، أنَّ الله تعالى أمَر بالصَّعيدِ، وهو التُّرابُ، وقال:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ} . ولا يَحْصُلُ المَسْحُ بشيءٍ منه، إلَّا أن يكُونَ ذا غُبارٍ يَعْلَقُ باليَدِ، وعن عليٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ مِنْ أنْبِيَاءِ اللهِ؛ جُعِلَ لِيَ التُّرَابُ طَهُورًا» . وذَكر الحَدِيثَ، رَواه الشافعيُّ في «مُسْنَدِه» (3). ولو كان غيرُ التُّرابِ
(1) الزرنيخ: حجر، منه ألوان عدة، يستعمله النقاشون والصيادلة. انظر: الجامع لمفردات الأدوية 2/ 160.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 206.
(3)
لم نجده في مسند الشافعي المطبوع بحاشية الجزء السادس من الأم، ولا في ترتيب مسند الشافعي للسندي. وهو في مسند الإمام أحمد 1/ 98، 158. وأخرجه البيهقي في: باب الدليل على أن الصعيد الطيب هو التراب، من كتاب الطهارة. السنن الكبرى 1/ 213. وانظر: التلخيص الحبير 1/ 148، نصب الراية 1/ 158، الفتح الرباني 2/ 188، والمغني 1/ 325 حاشية 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طَهُورًا، ذَكَرَه فيما مَنَّ اللهُ به عليه. ولأنَّ الطهارةَ اخْتَصَّتْ بأعَمِّ المائِعاتِ وُجُودًا، وهو الماءُ، فَتخْتَصُّ بأعَمِّ الجامِداتِ وُجودًا، وهو التُّرابُ، وحَدِيثُهم نَخُصُّه بحَدِيثنا.
فصل: فأمّا السَّبَخةُ، فعن أحمدَ، أنَّه يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بها. رَواها عنه أبو الحارِثِ، أنَّه قال: أرْضُ الحَرْثِ أحَبُّ إليَّ، وإن تَيَمَّمَ مِن أرْضِ السَّبَخةِ أجْزأه. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ، والأوْزاعِيِّ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لقوْلِه عليه السلام:«وَجُعِلَتْ تربَتُهَا طَهُورًا» (1). وعن أحمدَ، في الرَّمْلِ، والنُّورَةِ، والجِصِّ، نَحْوُ ذلك. وحَمَل القاضي قولَ أحمدَ، في جَوازِ التَّيَمُّم بذلك إذا كان له غُبارٌ، والمَوْضِع الذي مَنَع إذا لم يَكُنْ لها غُبارٌ. وعنه قولٌ ثالِثٌ، أنه يجوزُ ذلك مع الاضْطِرارِ خاصَّةً. رَواه عنه
(1) أخرجه مسلم، في: باب مواضع الصلاة، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 371.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِنْدِيٌّ (1). وقال الخَلّالُ: إنَّما سَهَّل أحمدُ فيها مع الاضْطِرارِ، إذا كانت غبَرَةً كالتُّرابِ، فأمّا إذا كانت قَحْلَةً (2) كالمِلْحِ، فلا يَتَيَمَّمُ بها أصْلًا.
وقال ابنُ أبي موسى: يَتَيَمَّمُ عندَ عَدَم التُّرابِ بكلِّ طاهِرٍ تَصاعَدَ على وَجْهِ الأرْضِ، مِثْلَ الرَّمْلِ والسَّبَخَةِ والنُّورَةِ والكُحْلِ، وما في مَعْنَى ذلك، ويُصَلِّي، وهل يُعِيدُ؟ على رِوايَتَين.
فصل: وإن دُقَّ الخَزَفُ أو الطِّينُ المُحْرَقُ لم يَجُزِ التَّيَمُّم به، لأنَّ الطَّبْخَ أخْرَجَه عن أن يَقَعَ عليه اسمُ التُّرابِ، وكذا إن نُحِت المَرْمَرُ والكذّانُ (3) حتى صار غُبارًا، لم يَجُزِ التَّيَمُّم به، لأنَّه غيرُ تُرابٍ. وإن دُقَّ الطِّينُ الصُّلْبُ كالأرْمَنِيِّ، جازَ التَّيَمُّم (4) به، لأنَّه تُرابٌ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُخَرَّجُ عندِي فيه وَجْهان، لشَبَهِه بالمَعادِنِ، فهو كالنُّورَةِ. وإن ضَرَب بيَدِه على لِبْدٍ، أو ثَوْبٍ، أو في شَعِيرٍ، أو نَحْوه، فعَلِقَ بيَدَيه غُبارٌ، فتَيَمَّمَ به، جازَ. نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك لو ضَرَب بيَدِه على صَخْرَةٍ
(1) سندي هو أبو بكر الخواتيمي البغدادي، سمع من الإمام أحمد مسائل صالحة. وهو من جوار أبي الحارث، الذي تقدم ذكره منذ قليل، مع أبي عبد الله أحمد بن حنبل. طبقات الحنابلة 1/ 170، 171.
(2)
القحل: اليبس.
(3)
المرمر: نوع من الرخام. والكذان، ككتان: حجارة رخوة كالمدر.
(4)
في م: «تيممه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو حائِطٍ أو حَيَوانٍ، أو أيِّ شيءٍ كان، فصارَ على يَدَيه غُبارٌ، بدَلِيلِ ما روَى ابنُ عُمَرَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَب يَدَيه على الحائِطِ، ومَسَح بهما وَجْهَه، ثم ضَرَب ضَرْبَةً أخْرَى، فمَسَحَ ذِراعَيه. رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّ المَقْصُودَ التُّرابُ الذي يَمْسَحُ به وَجْهَه ويَدَيه، وقد رُوِيَ عن مالكٍ وأبي حنيفةَ، التَّيَمُّم بصَخْرَةٍ لا غُبارَ عليها، وتُرابٍ نَدِء لا يَعْلَقُ باليَدِ منه غُبار. وأجازَ مالك التَّيَمُّمَ بالثَّلْجِ والحَشِيش، وكلِّ ما تَصاعَدَ على وَجْهِ الأرْضِ، ومَنَع مِن التَّيَمُّمِ بغُبارِ اللِّبْدِ والثَّوْبِ، قال: لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا ضَرب بيَدَيه نَفَخَهُما. ولَنا، قولُه تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأيدِيكُم مِنْهُ} . و «مِنْ» للتبعِيضِ، فيَحْتاجُ أن يَمْسَحَ بجُزْءٍ منه، والنَّفْخُ لا يُزِيل الغُبارَ المُلاصِقَ، وذلك يَكْفِي. وروَى الأثرَمُ، عن عُمَرَ أنَّه قال: لا يَتَيَمَّمُ بالثَّلْجِ، فإنْ لم يَجِدْ فضَفَّةُ (2) فرَسِه أو مَعْرَفَةُ (3) دابَّتِه.
(1) في: باب التيمم في الحضر، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 79.
(2)
في م: «فصفحة» . وضفة الشيء: جانبه.
(3)
معرفة دابته: منبت عرفها من رقبتها. النهاية 3/ 218.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا التُّرابُ النَّجِسُ فلا يجُوزُ التَّيَمُّم به، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا أنَّ الأوْزاعِيَّ قال: إن تَيَمَّمَ بتُرابِ المَقْبَرَةِ وصَلَّى، مَضَتْ صَلاتُه. ولَنا، قولُه تعالى:{فتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًّا} . والنَّجِسُ ليس بطَيِّبٍ. ولأنَّ التَّيَمُّمَ طهارةٌ، فلم تَجُزْ بغيرِ طاهرٍ، كالوُضُوءِ، فأمّا المَقْبَرةُ، فإن كانت لم تُنْبَشْ، فتُرابُها طاهِرٌ، وإن تَكَرَّرَ نَبْشُها والدَّفْنُ فيها، لم يَجُزِ التَّيَمُّم بتُرابِها، لاخْتِلاطِه بصَدِيدِ المَوْتَى ولُحُومِهم. ذَكَر ذلك شَيخُنا (1). وقال ابنُ عَقِيلٍ، في التُّربَةِ المَنْبُوشَةِ: لا يجُوزُ التَّيَمُّم منها، سَواءٌ تَكَرَّرَ النبشُ، أم لا. وإن شَكَّ في ذلك، أو في نَجاسَةِ التُّرابِ الذي يَتَيَمَّمُ به، جاز التَّيَمُّم به، لأنَّ الأصْلَ الطهارةُ، فهو كما لو شَكَّ في نَجاسَةِ الماءِ. وذَكَر ابنُ عَقِيلٍ، فيما إذا لم يَعْلَمْ حال المَقْبَرَةِ، وَجْهَين؛ أحَدُهما، يَجُوزُ، لِما ذَكَرْنا. والثاني، لا يجوزُ، لأنَّ الظّاهِرَ مِن الدَّفْنِ فيها حُصُولُ النَّجاسة في بَعْضِها، فيَشْتَبِهُ بغيرِه، والمُشْتَبِهُ لا تَجُوزُ الطهارةُ به، كالأوانِي. قال ابنُ عَقِيلٍ: ويُكْرَهُ الوُضوءُ مِن البِئْرِ التي في المَقْبَرَةِ، وأكْلُ البَقْلِ وثَمَرِ الشَّجَرِ الذي فيها، كالزُّرُوعِ التي تُسَمَّدُ بالنَّجاسَةِ، وكالجَلالةِ.
(1) انظر: المغني 1/ 334.