الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أْو عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ رَفِيقِهِ، أَوْ
ــ
إنَّما اخْتَلَفَتْ جِهاتُه. واخْتَلَفُوا في الخَوْفِ المُبِيحِ للتَّيَمُّمِ؛ فرُويَ عن أحمدَ: لا يُبِيحُه إلَّا خَوْفُ التَّلَفِ. وهذا أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. والصَّحِيحُ مِن لمَذْهَبِ، أنَّه يُباحُ له التَّيَمُّمُ إذا خاف زِيادَةَ المَرَضِ، أو تَباطُؤَ البُرْء، أو خاف شَيئًا فاحِشًا، أو ألَمًا غيرَ مُحْتَمَلٍ. وهذا مذهبُ أَبي حَنِيفَةَ، والقَوْلُ الثاني للشافعيِّ؛ لعُمُومِ قَوْلِه تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} (1). ولأنَّه يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ إذا خاف ذهابَ شيءٍ مِن مالِه، أو ضَرَرًا في نَفْسِه؛ مِن لِصٍّ، أو سَبُعٍ، أو لم يَجِدِ الماءَ إلَّا بزِيادَةٍ كَثِيرَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِه، فلَأن يَجُوزَ ههُنا أوْلَى. ولأنَّ تَرْكَ القِيامِ في الصلاةِ، وتَأْخِيرَ الصومِ في المَرَضِ، لا يَنْحَصِرُ في خَوْفِ التَّلَفِ، فكذا ههُنا. فأمّا المَرِيضُ والجَرِيحُ. الذي لا يَخافُ الضَّررَ باسْتِعْمالِ الماءِ، مِثْلُ مَن به الصُّداعُ والحُمَّى الحارَّةُ، وأمْكَنَه اسْتِعْمالُ الماءِ الحارِّ (2)، ولا ضَرَرَ عليه فيه، لَزِمَه ذلك؛ لأنَّ إباحَةَ التَّيَمُّمِ لنَفْي الضَّرَرِ، ولا ضَرَرَ عليه. وحُكِيَ عن مالكٍ وداودَ، إباحَةُ التَّيَمُّمِ للمَرِيضِ مُطْلَقًا؛ لظاهِرِ الآيَةِ. ولَنا، أنَّه قادِرٌ على اسْتِعْمالِ الماءِ مِن غيرِ ضَرَرٍ، فأشْبَهَ الصَّحِيحَ، والآيَةُ اشْتُرِطَ فيها عَدَمُ الماءِ، فلم يَتَناوَلْ مَحَلَّ النِّزاعِ، على أنَّه لابُدَّ مِن إضْمارِ الضَّرُورَةِ، والضَّرورَةُ إنَّما تكُون عندَ الضَّرَرِ.
167 - مسألة: (أو عَطَشٍ يَخافُه على نَفْسِه، أو رَفِيقِه، أو
(1) سورة المائدة 6.
(2)
في م: «الجاري» .
بَهِيمَتِهِ،
ــ
بَهيمَتِه) متى خاف العَطَشَ على نَفْسِه، جازَ له التَّيَمُّمُ، ولا إعادَةَ عليه إجْماعًا، قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ، على أنَّ المُسافِرَ إذا كان معه ماءٌ، وخَشِيَ العَطَشَ، أنَّه يُبْقِي الماءَ للشُّرْبِ، ويَتَيَمَّمُ، منهم عليٌّ، وابنُ عباسٍ، والحسنُ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والثَّوْرِيُّ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْي. ولا نَعْلَمُ عن غيرِهم خِلافَهُم. وإن خاف على رَفِيقِه، أو رَقِيقِه، أو بَهائِمِه، فهو كما لو خاف على نَفْسِه؛ لأنَّ حُرْمَةَ رَفِيقِه كحُرْمَةِ نَفْسِه، والخائِفُ على بَهائِمِه خائِفٌ مِن ضَياعِ مالِه، وعليه ضَرَرٌ فيه، فجازَ له التَّيَمُّمُ، كالمَرِيضِ. وإن وَجَد عَطْشانَ يَخافُ تَلَفَه، لَزِمَه سَقْيُه، ويَتَيَمَّمُ. قِيلَ لأحمدَ: رجلٌ معه إداوَةٌ مِن ماءٍ للوُضُوءِ، فيَرَى قَوْمًا عِطاشًا، أحَبُّ إليك أن يَسْقِيَهُم، أو يَتَوَضَّأَ؟ قال: لا، بل يَسْقِيهِم. ثم ذَكَر عِدَّةً مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَيَمَّمُون، ويَحْبِسُون الماءَ لشِفاهِهم. وقال أبو بكرٍ والقاضي: لا يَلْزَمُه بَذْلُه، لأنَّه مُحْتاجٌ إليه. ولَنا، أنَّ حُرْمَةَ الآدَمِيِّ تُقَدَّمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الصلاةِ؛ بدَلِيلِ ما لو رأى حَرِيقًا، أو غَرِيقًا، عندَ ضِيقِ وَقْتِ الصلاةِ، لَزِمَه تَرْكُ الصلاةِ، والخُرُوجُ لإِنْقاذِه، فلَأَن يُقَدِّمَها على الطهارةِ بالماءِ أوْلَى، وقد رُويَ في حديثِ البَغِيِّ أنَّ اللهَ غَفَر لها بسَقْي الكَلْبِ عندَ العَطَشِ (1)، فإذا كان في سَقْي الكَلْبِ فالآدَمِيُّ أوْلَى.
(1) أخرجه البخاري، في: باب حدثنا أبو اليمان، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري 4/ 211. ومسلم، في: باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1761. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 507.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا وَجَد الخائِفُ مِن العَطَشِ ماءً طاهِرًا، وماءً نَجِسًا، يَكْفِيه أحَدُهما لشُرْبِه، فإنَّه يَحْبِسُ الطّاهِرَ لشُرْبِه، ويُرِيقُ النَّجِسَ إنِ اسْتَغْنَى عنه. وقال القاضي: يَتَوَضَّأُ بالطّاهِرِ، ويَحْبِسُ النَّجسَ لشُرْبِه؛ لأنَّه وَجَدَ ماءً طاهِرًا يَسْتَغْنِي عن شُرْبِه، أشْبَهَ ما لو كان الكلَّ طاهِرًا. ولنا، أنَّه لا يَقْدِرُ على ما يَجُوزُ شُرْبُه والوُضُوءُ به إلَّا الطّاهِرَ، فجازَ له حَبْسُه لشُرْبِه، كما لو انْفَرَدَ. وإن وَجَدهُما وهو عَطْشانُ، شَرِب الطّاهِرَ، وأراقَ النَّجِسَ إذا اسْتَغْنَى عنه، سَواءٌ كان في الوَقْتِ أو قبلَه. وقال بَعْضُ الشّافِعِيَّةِ: إن كان في الوَقْتِ شَرِب النَّجسَ؛ لأنَّ الطّاهِرَ مُسْتَحِقٌّ للطهارةِ، فهو كالمَعْدُومِ. ولا يَصِحُّ، لَأنَّ شُرْبَ النَّجِسِ حَرامٌ، وإنَّما يَصِيرُ الطّاهِرُ مُسْتَحِقًّا. للطهارةِ إذا اسْتَغْنَى عن شُرْبِه، وهذا غَيرُ مُسْتَغْنٍ عن شُرْبِه، فوُجُودُ النَّجِسِ كعَدَمِه.