الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَنْجُسُ الآدمي بالْمَوْتِ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً؛ كَالذُّبَاب وَغَيرِه
ــ
206 - مسألة: (ولا يَنْجُسُ الآدمي بالمَوْتِ، ولا ما لا نَفْسَ له سائِلَةً، كالذُّبابِ وغيرِه)
ظاهِرُ المذهبِ أنَّ الآدَمِيّ طاهِرٌ حَيًّا ومَيتًا؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤمِنُ لَا يَنْجُسُ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وعن أحمدَ، أنه سُئِل عن بِئْرٍ وَقَع فيها إنْسان، فماتَ، فقال: تُنْزَحُ حتَّى تَغْلِبَهمْ. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، قال: ينجس، ويَطْهُرُ بالغَسْلِ؛ لأنَّه حَيَوانٌ له نَفسٌ سائِلَة، فنَجُس بالمَوْتِ، كسائِرِ الحيواناتِ. وللشافعي قَوْلان، كالرِّوايَتَين. والصحيحُ الأوَّلُ؛ للخَبَرِ، ولأنَّه آدَمِيٌّ، فلم يَنْجُسْ بالمَوْتِ، كالشَّهِيدِ، ولأنَّه لو نَجُسَ بالمَوتِ، لم يَطْهُرْ بالغَسْلِ، كالحيواناتِ التي تَنْجُسُ بالموتِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 155.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولم يُفَرِّقْ أصحابُنا بينَ المسلمِ والكافرِ؛ لاسْتِوائِهما في حالِ الحياةِ، قال شيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أن يَنْجُسَ الكافِرُ بموتِه؛ لأنَّ الخَبَرَ إنَّما وَرَد في المسلم، ولا يُقاسُ الكافرُ عليه؛ لأنَّه لا يُصَلَّى عليه، ولا حُرْمَةَ له كالمسلمَ.
فصل: وحُكْمُ أجزاءِ الآدَمِي وأُبعاضِه حُكْمُ جُمْلَتِه، سَواء انْفَصَلَتْ في حَياتِه أو بعدَ مَوْتِه؛ لأنَّها أجْزاءٌ مِن جُمْلَةٍ (2)، فكانَ حُكْمُها [كحُكْمِها، كسائِرِ](3) الحيواناتِ الطّاهِرَةِ والنَّجِسَةِ. وذَكَر القاضي أنها نَجِسَة، رِوايَةً واحِدةً؛ لأنَّه لا حُرمَةَ لها، بدَلِيلِ أنها لا يُصَلَّى عليها. وما ذكره مَمْنُوع؛ لأنَّ (4) لها حُرْمَة؛ فإن كَسْرَ عَظْمِ المَيِّتِ ككَسْرِه وهو حَيٌّ، ولأنَّه يُصَلَّى عليها إذا وُجِدَتْ مِن المَيِّتِ، ثم يَبْطُلُ بشَهِيدِ المَعْرَكَةِ، فإنَّه لا يُصَلَّى عليه، وهو طاهِرٌ.
(1) انظر: المغني 1/ 63.
(2)
في الأصل: «جملته» .
(3)
في الأصل: «كحكم» .
(4)
في م: «فإن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وما لا نَفْسَ له سائِلَةً، لا يَنْجُسُ بالمَوتِ، والمُرادُ بالنَّفْسِ الدَّمُ، فإن العَرَبَ تُسَمِّي الدَّمَ نَفْسًا، قال الشاعر (1):
نُبِّئْتُ أنَّ بني سُحَيم أدْخَلُوا
…
أبياتَهُمْ تامُورَ نَفْس المُنْذِرِ
أي دَمِه (2). ومِنه قِيل للمرأةِ: نُفَساءُ؛ لسيلانِ دَمِها عندَ الولادَةِ، ويقال: نَفِسَتِ (3) المرأةُ. إذا حاضَتْ. فكلُّ ما ليس له دَمٌ سائِلٌ مِن حَيَوانِ البَرِّ والبَحْرِ، مِن العَلَقِ، والدِّيدانِ، والسَّرَطانِ، ونَحْوها، لا
(1) هو أوس بن حجر، والبيت في ديوانه 47.
(2)
التامور: دم القلب، وعم بعضهم به كل دم. وقال الأصمعيُّ: أي مهجة نفسه، وكانوا قتلوه. اللسان (ت م ر).
(3)
من باب تعب. ونقل عن الأصمعيِّ «نُفِست» بالبناء للمفعول أيضًا، وليس بمشهور في الكتب. المصباح المنير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْجُسُ بالمَوْتِ، ولا يُنَجِّسُ الماءَ إذا ماتَ فيه، في قَوْلِ عامَّةِ العلماءِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْلَمُ في ذلك خِلافًا، إلَّا ما كان مِن أحدِ قَوْلَي الشافعيِّ، فإن عندَه في تَنْجِيسِ الماءِ إذا ماتَ فيه قَوْلَين. فأمّا الحَيَوانُ في نَفسِه، فهو عندَه نَجِسٌ، قولًا واحِدًا؛ لأنَّه حيوانٌ لا يُؤكَلُ، لا لحُرْمَتِه، فنَجُس بالمَوْتِ، كالبَغْلِ والحِمارِ. ولَنا، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أحَدِكُمْ، فَلْيَمْقُلْهُ، فَإِنَّ فِي أحَدِ جَنَاحَيهِ دَاءً، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً» . رَواه البُخارِيُّ. وفي لَفْظٍ: «فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطرحْهُ» (1).
وقال الشافعي: مَقْلُه ليس بقَتْلِه (2). قُلْنا: اللَّفْظُ عام في كل شَرابٍ بارِدٍ، أو حار، أو دُهْن، مِمّا يَمُوتُ بغَمْسِه فيه، فلو كان يُنَجِّسُ الشَّرابَ كان أمْرًا بإفْسادِه، وقد رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لسَلْمانَ: «يَا سَلْمَانُ،
(1) بلفظ «فليمقله» أو «فامقلوه» أخرجه أبو داود، في: باب الذباب يقع في الطَّعام، من كتاب الأطعمة. سنن أبي داود 2/ 328. وابن ماجه، في: باب يقع الذباب في الإِناء، من كتاب الطب. سنن ابن ماجه 2/ 1159. والنَّسائيُّ، في: باب الذباب يقع في الإناء، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 158. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 24، 67.
وبلفظ: «فليغمسه» أخرجه البُخاريّ، في: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم. . . . إلخ، من كتاب بدء الخلق، وفي: باب إذا وقع الذباب في الإناء، من كتاب الطب. صحيح البخاري 4/ 158، 7/ 181. وابن ماجه، في: باب يقع الذباب في الإناء، من كتاب الطب سنن ابن ماجه 2/ 1159. والدارمي، في: باب الذباب يقع في الطَّعام، من كتاب الأطعمة. سنن الدَّارميّ 2/ 99. والإمام أحمد، في المسند 2/ 229، 230، 246، 263، 340، 355، 388، 398، 443.
(2)
في م: «يقتله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيُّمَا طَعَام أَوْ شَرَابٍ مَاتَتْ فيهِ دَابَّةٌ، لَيسَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَة، فَهُوَ الْحَلَالُ؛ أكْلُهُ، وشُرْبُه، وَوُضُوءُهُ» (1). وهذا صَرِيحٌ. أخْرَجَه الدّارقُطْنِي (2). قال الترمِذِيُّ: يَرْويه بَقِيَّةُ (3)، وهو يُدَلِّسُ، فإذا روَى عن الثِّقاتِ جَوَّدَ. ولأنَّه لا نَفْس له سائِلَةً، أشْبَهَ دُودَ الخَلِّ إذا مات فيه، فإنَّهم سَلَّمُوا أنَّ ذلك لا يُنَجِّسُ إلَّا أن يُؤخَذَ ويُطرحَ فيه، أو يَشُقَّ الاحْتِرازُ منه، أشْبَهَ ما ذَكَرْنا، وإذا ثَبَت أنه لا يُنَجِّسُ الماءَ، لَزِمَ أن لا يكُونَ نَجِسًا، وإلَّا لنَجَّسَ الماءَ كسائِرِ النَّجاساتِ.
فصل: فأمّا إن كان مُتَوَلِّدًا مِن النَّجاساتِ كدُودِ الحُشِّ (4)، وصَراصِرِه، فهو نَجِسٌ حيًّا ومَيتًا. [إلَّا إذا قُلْنا: إنَّ النَّجاسَةَ تَطْهُرُ بالاسْتِحالةِ] (5)؛ لأنَّه مُتَوَلِّدٌ مِن النَّجاسَةِ، فكان نَجِسًا، كالمُتَوَلِّدِ مِن الكلبِ والخِنْزِيرِ. قال المَرُّوذِيُّ: قال أحمدُ: صَراصِرُ الكَنِيفِ والبالُوعَةِ إذا وَقَعِ في الإِناءِ صُبَّ، وصَراصِرُ البِئْرِ ليس هي بقَذِرَةٍ؛ لأنَّها لا تَأكلُ العَذِرَة.
(1) أخرجه البيهقي، في: باب ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء القليل، من كتاب الطهارة. السنن الكبرى 1/ 253. والدارقطني، في: باب كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 37.
(2)
بعده بالأصل: «والترمذي» . ولم نجده في سنن التِّرمذيِّ. وانظر: نصب الراية 1/ 115.
(3)
أي: ابن الوليد بن صائد. انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال 1/ 331.
(4)
أصل الحش: البستان، الفتح أكثر من الضم، وبيت الحش مجاز؛ لأنَّ العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم. المصباح المنير.
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وما له نَفْسٌ سائِلَةٌ مِن الحَيَوانِ غيرَ الآدَمِيِّ، يَنْقَسِمُ قِسْمَين؛ أحَدُهما، [ما مَيتَتُه](1). طاهِرَةٌ، وهو السَّمَكُ وسائِرُ حيوانِ البَحْرِ الذي لا يَعِيشُ إلَّا في الماءِ، فهو طاهِرٌ حَيًّا ومَيِّتًا، لأنَّه لو كان نَجِسًا لم يُبَح أكلُه. القِسْمُ الثاني، ما لا تُباحُ مَيتَتُه غيرَ الآدَمِيِّ؛ كحَيَوانِ البَرِّ المَأكُولِ، وغيرِه، وحيوانِ البَحْرِ الذي يَعِيشُ في البَرِّ، كالضُّفْدَعِ، والحَيَّةِ، والتِّمْساحِ، ونَحْوه، فكلُّ ذلك يَنْجُسُ بالمَوْتِ، ويُنَجِّسُ الماءَ القَلِيلَ إذا مات فيه، والكَثِيرَ إذا غَيَّرَه. وهذا قَوْلُ ابنِ المُبارَكِ، والشافعيِّ، وأبي يوسفَ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ، في الضُّفْدَعِ: لا تُفْسِدُ الماءَ إذا ماتَتْ فيه؛ لأنَّها تَعِيشُ في الماءِ، أشْبَهَتِ السَّمَكَ. ولَنا، أنَّها تُنَجِّسُ غيرَ الماءِ، فنَجَّسَتِ الماءَ، كحَيَوانِ البَرِّ، ولأنَّه حيوانٌ له نَفْسٌ سائِلَةٌ لا تُباحُ مَيتَتُه (2)، أشْبَهَ طَيرَ الماءِ، وبهذا فارَقَ السَّمَكَ.
(1) في الأصل: «ما ميتة» . وفي م: «ميتة» .
(2)
في الأصل: «ميتة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وفي الوَزَغِ وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَنْجُسُ بالمَوْتِ؛ لأنَّه لا نَفْسَ له سائِلَةً، أشْبَهَ العَقْرَبَ. والثاني، أنَّه نَجِسٌ؛ لأنَّ عَلِيًّا، رضي الله عنه، كان يقولُ: إن ماتَتِ الوَزَغَةُ أو الفَأْرَةُ في الحُبِّ (1) يُصَبُّ ما فيه، وإن ماتَتْ في بِئْرٍ فانْتَزِحْها (2) حتَّى تَغْلِبَكَ.
فصل: [وإذا ماتَ الحَيَوانُ في ماءٍ لا نَعْلَمُ](3)، هل يَنْجُسُ بالمَوْت أم لا؟ فالماءُ طاهِرٌ، لأنَّ الأصْلَ طَهارَتُه، والنَّجاسَةُ مَشْكُوكٌ فيها. وكذلك إن شَرِب مِنه حَيَوانٌ يُشَكُّ في نَجاسَةِ سُؤرِه وطَهارَتِه، لِما ذَكَرْنا.