الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لجَمِيعِ الْأَحدَاثِ، وَلِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ تَضُرُّهُ إِزَالتُهَا.
ــ
174 - مسألة: (ويَجُوزُ التَّيَمُّمُ لجَميعِ الأحْداثِ، وللنَّجاسَةِ على جُرْحٍ تَضُرُّه إزالتُها)
يجُوزُ التَّيَمُّمُ للحَدَثِ الأصْغَرِ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه، إذا وُجِدَتِ الشَّرائِطُ، لِما ذَكَرْنا مِن الأدِلَّةِ. ويَجُوزُ للجَنابَةِ، في قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم عليٌّ، وابنُ عباسٍ، وعَمْرُو بنُ العاصِ، وأبو موسى الأشْعَرِيُّ، وعَمّارٌ. وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، ومالكٍ، والشافعيِّ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأْي. وكان ابنُ مسعودٍ لا يَرَى التَّيَمُّمَ للجُنُبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِيَ نَحْوُه عن عُمَرَ (1)، رضي الله عنهما. والدَّلِيلُ على إباحَتِه ما رَوَى عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا مُعْتَزِلًا، لم يُصَلِّ مع القَوْمِ، فقال:«يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَكَ أنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ» ؟ فقال: أصابَتْنِي جَنابَةٌ، ولا ماءَ. فقال:«عَلَيكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وحَدِيثُ أبي ذَرٍّ (3)، وعَمْرِو بنِ العاصِ (4)، وحديث صاحِبِ الشَّجَّةِ (5)، ولأنَّه حَدَثٌ أشْبَهَ الحَدَثَ الأصْغَرَ. وحُكْمُ الحائِضِ إذا انْقَطع دَمُها حُكْمُ الجُنُبِ.
فصل: ويَجُوزُ التَّيَمُّمُ للنَّجاسَةِ على بَدَنِه إذا عَجَز عن غَسْلِها؛ لخَوْفِ الضَّرَرِ، أو لعَدَمِ (6) الماءِ، قال أحمدُ: هو بمنزِلَةِ الجُنُبِ، يَتَيَمَّمُ. رُوِيَ نَحْوُ ذلك عن الحسنِ. وقال الأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وأبو ثَوْرٍ: يَمْسَحُها بالتُّرابِ ويُصَلِّي، لأنَّ طهارةَ النَّجاسَةِ إنَّما تكُونُ في مَحَلِّ النَّجاسةِ دُونَ غيره. وقال أكثرُ الفُقَهاءِ: لا يَتَيَمَّمُ للنَّجاسَةِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ إنَّما وَرَد بالتَّيَمُّمِ للحَدَثِ، وغَسْلُ النَّجاسَةِ ليس في مَعْناه؛ لأنَّ الغَسْلَ إنَّما يكونُ
(1) في الأصل: «ابن عمر» .
(2)
أخرجه البخاري، في: باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، وباب حدثنا عبدان، من كتاب التيمم. صحيح البخاري 1/ 93، 96. ومسلم، في: باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 474. كما أخرجه النسائيُّ، في: باب التيمم بالصعيد، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 139. والدارمي، أي: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 190. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 434.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 166.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 173.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 187.
(6)
في م: «عدم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مَحَلِّ النَّجاسَةِ دُون غيرِه، ولأنَّ مَقْصُودَ الغَسْلِ إزالةُ النَّجاسَةِ، ولا يَحْصُلُ ذلك بالتَّيَمُّمِ. ووجْهُ الأوَّلِ، قَوْلُه عليه السلام:«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» (1). وقَوْلُه: «جُعِلَتْ لِيَ الْأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (2). ولأنَّها طهارةٌ في البَدَنِ تُرادُ للصلاةِ، فجاز لها التَّيَمُّمُ قِياسًا على الحَدَثِ. ويُفارِقُ الغَسْلُ التَّيَمُّمَ؛ فإنَّه في طهارةِ الحَدَثِ يُؤْتَى به في غيرِ مَحَلِّه، فيما إذا تَيَمَّمَ لجُرْحٍ في رِجْلِه، بخِلافِ الغَسْلِ. قَوْلُهم: لم يَرِدْ به الشَّرْعُ. قُلْنا: هو داخِلٌ في عُمُومِ الأخْبارِ. إذا ثَبَت هذا، فتَيَمَّمَ وصَلَّى، فهل تَلْزَمُهْ الإِعادَةُ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهُما، لا تجِبُ عليه الإِعادَةُ؛ لأنَّه أتَى بما أُمِرَ به. والثانيةُ، تجبُ عليه؛ لأنَّه صلَّى مع النَّجاسَةِ، أشْبَهَ إذا لم يَتَيَمَّمْ. واخْتارَ أبو الخَطّابِ وُجوب الإِعادةِ فِيما إذا تَيَمَّمَ لعَدَمِ الماءِ، بخِلافِ ما إذا كانتِ النَّجاسَةُ على جُرْحٍ؛ لأنَّه خائِفٌ للضَّرَرِ باسْتِعْمالِ الماءِ، أشْبَهَ المَرِيضَ. وقال أصحابُنا: لا تَلْزَمُه الإِعادَةُ فيهما؛ لقَوْلِه عليه السلام: «التُّرَابُ كَافيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ» . وقِياسًا على طهارةِ الحَدَثِ، وكما لو تَيَمَّمَ للنَّجاسَةِ على الجُرْحِ عندَ أبي الخَطّابِ. فأمّا إن كانتِ النَّجاسَةُ على ثَوْبِه، لو يَتَيَمَّمْ لها؛ لأنَّ التَيّمَّمَ طهارةٌ في البَدَنِ، فلا تَنُوبُ عن غيرِ البَدَنِ، كالغَسْلِ.
فصل: إذا ثبت أنه تيمم للنجاسة، فقال القاضي: يحتمل أن لا يحتاج
(1) أخرجه الترمذي، في: باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 192. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 180. وانظر المغني 1/ 19.
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 34.
وَإنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيهِ، إلا عِنْدَ أَبي الْخَطَّابِ.
ــ
إلى نِيَّةٍ، لأنَّ غَسْلَها لا يَفْتَقِرُ إلى نِيَّةٍ، كذلك التَّيَمُّمُ لها، وقِياسًا على الاسْتِجْمارِ. قال ابنُ عَقِيل: ويَحْتَمِلُ أنْ يُشْتَرَطَ، لقَوْلِه عليه السلام:«وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1). ولأنَّ التَّيَمُّمَ طهارةٌ حُكْمِيَّةٌ، وغَسْلُ النَّجاسَةِ بالماءِ طهارةٌ عَينِيَّةٌ، فجاز أن تُشْتَرَطَ النِّيَّةُ في الحُكْمِيَّةِ دُونَ العَينِيَّةِ؛ لِما بَينَهما مِن الاخْتِلافِ.
فصل: وإن اجْتَمَعَ عليه نَجاسَةٌ وحَدَثٌ، ومعه ماءٌ يَكْفِي أحَدَهما حَسْبُ، قَدَّمَ غَسْلَ النَّجاسَةِ. نَصَّ عليه أحمدُ، ورُوي عن سُفْيانَ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، لأنَّ التَّيَمُّمَ للحَدَثِ ثابِتٌ بالإِجْماعِ، والتَّيَمُّمُ للنَّجاسَةِ مُخْتَلَفٌ فيه. وإن كانتِ النَّجاسَةُ على ثَوْبِه، قَدَّمَ غَسْلَها، وتَيَمَّمَ للحَدَثِ. وحُكِي عن أحمدَ، أنَّه يَدَعُ الثَّوْبَ ويَتَوَضَّأُ، لأنَّه واجِدٌ للماءِ، والوُضوءُ أشَدُّ مِن الثَّوْبِ. وحَكاه أبو حنيفةَ، عن حَمّادٍ في الدَّم. والأوَّلُ أوْلَى؛ لما ذَكَرْنا، ولأنَّه إذا قُدِّمَتْ نَجاسَةُ البَدَنِ مع أنَّ للتَّيَمُّمِ فيها مَدْخَلًا، فتَقْدِيمُ طهارةِ الثَّوْبِ وليس له فيها مَدْخَلٌ أوْلَى. وإنِ اجْتَمَعَ نَجاسَةٌ على الثَّوْبِ، ونجاسةٌ على البَدَنٍ، غَسَل الثَّوْبَ، وتَيَمَّمَ لنَجاسَةِ البدنِ، لأنَّ للتَّيَمُّمِ فيها مَدْخَلًا.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 151.