الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُب إِذَا أرَادَ النَّوْمَ، أو الْأكْلَ، أو الْوَطْءَ ثَانِيًا أَن يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأ.
ــ
164 - مسألة: (ويُسْتَحَبُّ للجُنُبِ إِذا أرادَ النَّوْمَ أو الأكْلَ أو الوَطْءَ ثانيًا، أن يَغْسِلَ فَرْجَه ويَتَوَضَّأَ)
ورُوي ذلك عن علي، وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو (1). وكان ابنُ عُمَرَ يَتَوَضَّأ إلَّا غَسْلَ قَدَمَيه. وقال ابنُ
(1) في م: «عمر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسَيَّبِ: إذا أرادَ أن يَأكلَ، يَغْسِلُ كَفَّيه، ويَتَمَضْمَضُ. وحُكِى نَحْوُه عن إمامِنا، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأْي. وقال مُجاهِدٌ: يَغْسِلُ كَفَّيه؛ لِما رُوِيَ عن عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أنْ يَأكل وهو جُنُبٌ ، غَسَلَ يَدَيه. رَواه أبو داودَ، والنَّسائِيّ، وابنُ ماجه (1). وقال مالك: يَغْسِلُ يَدَيه إن كان أصابَهُما أذًى. وقال ابنُ المُسَيَّبِ، وأصحابُ الرَّأي: يَنامُ، ولا يمس ماءً؛ لِما رَوَتْ عائِشَةُ، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يَنامُ وهو جُنُبٌ، ولَا يَمسُّ ماءً. رَواه أبو داودَ وابنُ ماجه (2). ولَنا، أنَّ عُمَرَ سَأل
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الجنب يأكل، وباب من قال: الجنب يتوضأ، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 50، 51. والنسائي، في: باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل، وباب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 114. وابن ماجه، في: باب من قال يجزئه غسل يديه، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 195. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 102، 119، 192، 279.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب [في] الجنب يؤخر الغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 52. وابن ماجه، في: باب في الجنب ينام كهيئته لا يمس ماء، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 192. كما أخرجه الترمذي، في: باب في الجنب ينام قبل أن يغتسل، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 181. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 111، 146، 171.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيرْقُدُ أحَدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وعن أبي سعيدٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتَى أَحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرَادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأ» . رَواه مسلمٌ (2). وعن عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذَا أراد أن يَأْكُلَ، أو يَنامَ، تَوَضَّأ. يَعْنِي وهو جُنُبٌ. رَواه أبو داودَ (3). فأمّا أحادِيثُهم؛ فأحادِيثُنا أصَحُّ، ويُمْكِنُ الجمْعُ بَينَها بحَمْلِها على الجَوازِ وحَمْلِ أحادِيثنا على الاسْتِحْبابِ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب نوم الجنب، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 80. ومسلم، في: باب جواز نوم الجنب إلخ ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 248، 249. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الجنب ينام، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 50. والترمذي، في: باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 183. والنسائي، في: باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 115. وابن ماجه، في: باب من قال لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 193. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 17، 46، 79، 102، 112، 392.
(2)
في: باب جواز نوم الجنب إلخ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 249. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء إذا أراد أن يعود توضأ، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 233. وابن ماجه، في: باب في الجنب إذا أراد العود توضأ، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 193. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 28.
(3)
في: باب من قال: الجنب يتوضأ، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 51.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا غَمَسَتِ الحائِض، أو الجُنُبُ، أو الكافِرُ، أيدِيَهُم في الماءِ، فهو طاهِرٌ ما لم يَكُنْ على أيدِيهِم نَجاسَةٌ؛ لأنَّ أبدانَهُم طاهِرَةٌ، وهذه الأحْداثُ لا تَقْتَضِي تَنْجِيسَ الماءِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ عَوامُّ أهلِ العلمِ على أنَّ عَرَقَ الجُنُبِ طاهِرٌ. يُرْوَى ذلك عن عائشةَ، وابنِ عباس، وابنِ عُمَرَ. وهو قَوْلُ مالكٍ والشافعيِّ، ولا نَعْلَمُ عن غيرِهم خِلافًا. وقد روَى أبو هُرَيرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَه في بعضِ طُرُقِ المَدِينَةِ، قال: فانْخَنَسْت منه، فذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ، ثم جِئْتُ، فقال:«أينَ كُنْتَ يَا أبا هُرَيرَةَ» ؟ قال: يا رسولَ الله، كُنْتُ جُنُبًا، فكَرِهْتُ أن أجالِسَك وأنا على غيرِ طهارةٍ، فقال:«سُبْحَانَ الله، إِنَّ الْمُؤمِنَ لَا يَنْجُسُ» . مُتَّفقٌ عليه (1). ورُوي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَتْ إليه امرأةٌ مِن نِسائِه قَصْعَةً ليتَوَضَّأَ منها، فقالتِ امرأةٌ: إنِّي غَمَسْتُ يَدَىَ فيها وأنا جُنُبٌ. فقال: «الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ» (2). وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ مِن سُورِ عائشةَ وهي حائِضٌ. وتَوَضَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن مَزادَةِ مُشْرِكَةٍ. مُتَّفَقٌ عليه. وأجاب النبيّ صلى الله عليه وسلم
(1) تقدم تخريجه في 1/ 64.
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 62.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَهُودِيًّا أضافَه بخُبْزٍ وإهالةٍ سَنِخَةٍ (1). قال شَيخُنا (2): ويَتَخَرَّجُ التَّفْرِيقُ بينَ الكِتابِيِّ الذي لا يَأكُلُ المَيتَةَ والخِنْزِيرَ، وبينَ غيرِه مِمَّن يَأكُلُ ذلك، ومَن لا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهم، كقَوْلِنا في آنِيَتهِم، وقد ذَكَرْناه (3).
فصل: فأمّا طُهُورِيَّةُ الماءِ، فإِنَّ الحائِضَ والكافِرَ لا يُؤثِّرُ غَمْسهما أيدِيَهما في الماءِ؛ لأنَّ حَدَثَهما لا يَرْتَفِعُ، وأمّا الجُنُبُ، فإن لم يَنْو بغَمْسِ. يَدِه في الماءِ رَفْعَ الحَدَثِ عنها، فكَذلِك، بدَلِيلِ حَدِيثِ المرأةِ التي قالت: غَمَسْتُ يَدَيَّ في الماءِ وأنا جُنُبٌ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ» . ولأنَّ الحَدَثَ لا يَرْتَفِعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، أشْبَهَ غَمْسَ الحائِض. وإن نَوَتْ رَفْعَ حَدَثِها، فحُكْمُ الماءِ حُكْمُ ما لو اغْتَسَلَ الجُنُبُ فيه للجَنابَةِ، كذا ذَكَرَه شَيخُنا (4). وفي هذا نَظر؛ فإنَّهم قد قالوا: إنَّ الماءَ المُسْتَعْمَلَ إذا اخْتَلَطَ
(1) انظر ما تقدم في الجزء الأول صفحات 156، 158.
(2)
انظر: المغني 1/ 281.
(3)
انظر الجزء الأول صفحة 155.
(4)
في الموضع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالماءِ الطَّهُورِ، إنَّما يُؤَثِّرُ فيه إِذا كان بحيث لوْ كان مائِعًا آخَرَ غَيَّرَه، والمُنْفَصِلُ عن اليَدِ ها هنا يَسِيرٌ، فيَنْبَغِي إِذا كان الماءُ كَثِيرًا، بحيث لا يُؤَثِّرُ فيه المُنْفَصِلُ عن غَسْلِ اليَدِ لو غُسِلَتْ مُنْفَرِدَةً بماءٍ، ثم صُبَّ فيه، أن لا يُؤثِّرَ ها هنا؛ لأنَّه في مَعْناه. وإن كان الماءُ يَسِيرًا، بحيث يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّ قَدْرَ المُنْفَصِلِ عن اليَدِ يُؤَثِّرُ فيه لو غُسِلَتْ مُنْفَرِدَةً، ثم صُبَّ فيه، أثَّرَ ها هنا. وقد رُوِيَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على هذا؛ فإنَّه سُئِل عن جُنُبٍ، وُضِع له ماءٌ، فأدْخَلَ يَدَه يَنْظرٌ حَرَّه مِن بَرْدِه، قال: إن كان أُصْبُعًا فأرْجُو أن لا يَكُونَ به بَأْسٌ، وإن كانتِ اليَدَ أجْمَعَ. فكأنَّه كَرِهَه.
فصل: قال بَعْضُ أصحابِنا: إِذا نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ، ثم غَمَس يَدَه في الماءِ؛ ليَغْرِفَ بها، صار الماءُ مُسْتَعْمَلًا. قال شَيخُنا (1): والصَّحِيحُ، إن شاء اللهُ، أنَّ ذلك لا يُؤَثِّرُ؛ لأنَّ قَصْدَ الاغْتِرافِ مَنَع قَصْدَ غَسْلِها،
(1) في الموضع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على ما بَيَّنّاه في المُتَوَضِّئِ إِذا اغْتَرَفَ مِن الإِناءِ لغَسْلِ يَدَيه بعدَ وَجْهِه. وإنِ انْقَطَع حَيضُ المرأةِ فهي قبلَ الغُسْلِ كالجُنُبِ في ما ذَكَرْنا مِن التَّفْصِيلِ. وقد اخْتَلَف (1) عن أحمدَ في هذا؛ فقال في مَوْضِعٍ، في الجُنُبِ والحائِضِ يَغْمِسُ يَدَيه في الإِناءِ: إذا كانا نَظِيفَين، فلا بَأْسَ به. وقال في مَوضِع: كُنْتُ لا أرَى به بَأْسًا، ثم حُدِّثْتُ عن شُعْبَةَ، عن مُحارِبِ بنِ دِثارٍ، عن ابنِ عُمَرَ، وكأنِّي تَهَيَّبْتُه. وسُئِل عن جُنُبٍ وُضِعَ له ماءٌ، فوَضَعَ يَدَه فيه يَنْظُرُ حَرَّه مِن بَرْدِه، فقال: إن كان أُصْبُعًا فأرْجُو أن لا يَكُونَ به بَأْسٌ، وإن كانتِ اليَدَ أجْمَعَ. فكأنَّه كَرِهَه. وسُئِل عن الرجل يَدْخُلُ الحَمّامَ، وليس معه ما يَصُبُّ به الماءَ على يَدِه، تَرَى له أن يَأْخُذَ بفِيه؟ فقال: لا، يَدُه وفَمُه واحِدٌ. وقِياسُ المذْهبِ ما ذَكَرْنا، وكَلامُ أحمدَ مَحْمُولٌ على الكَراهَةِ؛ لِما فيه مِن الخِلافِ. وقال أبو يُوسُفَ: إن أدْخَلَ الجُنُبُ يَدَه في الماءِ لم يَفْسُدْ، وإن أدْخَلَ رِجْلَه فَسَد؛ لأنَّ الجُنُبَ نَجِسٌ،
(1) أبي: النّقْلُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعُفِيَ عن يَدِه؛ لمَوْضِعِ الحاجَةِ. وكَرِهَ النَّخَعِيُّ الوُضُوءَ بسُؤْرِ الحائِضِ. وأكْثَرُ أهلِ العلمِ لا يَرَوْنَ به بَأْسًا؛ منهم الحسنُ، ومُجاهِدٌ، والزُّهْرِيُّ، ومالكٌ، والأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ. وقد دَلَّلْنا على طهارةِ الجُنُبِ والحائِضِ، والتَّفْرِيقُ بينَ اليَدِ والرِّجْلِ لا يَصِحُّ؛ لاسْتِوائِهما فيما إذا أصابَتْهما نَجاسَةٌ، كذلك في الجَنابَةِ. قال شَيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أن نَقُولَ به؛ لأنَّ اليَدَ يُرادُ بها الاغْتِرافُ، وقَصْدُه هو المانِعُ مِن جَعْلِ الماءِ مُسْتَعْمَلًا، وهذا لا يُوجَدُ في الرِّجْلِ، فيُؤثِّرَ غَمْسُها في الماءِ. واللهُ أعلمُ.
فُصُولٌ في الحَمّامِ: بناءُ الحَمّامِ، وكِراؤُه، وبَيعُه، وشِراؤُه، مَكْرُوهٌ عندَ أبي عبدِ اللهِ؛ فإِنَّه قال في الذي يَبْنِي حَمّامًا للنِّساءِ: ليس بعَدْلٍ. وإنَّما كَرِهَه؛ لِما فيه مِن كَشْفِ العَوْرَةِ، والنَّظرَ إِليها، ودُخُولِ النِّساء إليه.
فصل: فأمّا دُخُولُ الحَمّام، فإِن دَخَل رجلٌ، وكان يَسْلَمُ مِن النَّظرَ إِلى عَوْراتِ النّاسِ، ونَظرَهِم إِلىَ عَوْرَتِه، فلا بَأْسَ به؛ فإنَّه يُرْوَى أنَّ ابنَ عباسٍ دَخَل حَمّامًا بالجُحْفَةِ. ويُرْوَى ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وكان الحسنُ وابنُ سِيرِينَ يَدْخُلان الحَمّامَ. رَواه الخَلّالُ. وإن خَشِيَ أن لا يَسْلَمَ مِن ذلك، كُرِهَ له؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ وُقُوعَه في المَحْظُورِ، وهو النَّظرُ إِلى عَوْراتِ النّاسِ، ونَظرُهم إلى عَوْرَتِه، وهو مُحَرَّمٌ؛ بدَلِيلِ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا
(1) انظر: المغني 1/ 282.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْظرٌ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظرٌ الْمَرْأةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأةِ». وقَوْلِه عليه السلام «لَا تَمْشُوا عُرَاةً». رَواهما مسلمٌ (1). قال أحمدُ: إن عَلِمْتَ أنَّ كلَّ مَن في الحَمّام عليه إزارٌ فادْخُلْه، وإلَّا فلا تَدْخُلْ.
فصل: فأمّا النِّساءُ فليس لَهُنَّ دُخُولُه، مع ما ذَكَرْنا مِن السِّتْرِ، إلَّا لعُذْرٍ؛ مِن حَيضٍ، أو نِفاسٍ، أو مَرَضٍ، أو حاجَةٍ إلى الغُسْلِ، ولا يُمْكِنُها أن تَغْتَسِلَ في بَيتها، لتَعَذُّرِ ذلك عليها، أو خَوْفِها مِن مَرَضٍ، أو ضَرَرٍ، فيُباحُ لها إذا سَتَرَتْ عَوْرَتَها، وغَضَّتْ بَصَرَها. ولا يَجُوزُ مِن غيرِ عُذْرٍ، لِما رُوِيَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«سَتُفْتَحُ أرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ، فَامَنْعُوا نِسَاءَكُمْ، إلَّا حَائِضًا أوْ نُفَساءَ» . ورُوي أنَّ عائِشَةَ دَخَل عليها نِساءٌ مِن أهْلِ حِمْصَ، فقالت: لَعَلَّكُنَّ مِن النِّساءِ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الحَمّاماتِ، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:«إنَّ الْمَرْأةَ إذَا خَلَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوْجِهَا هَتَكَتْ سِتْرَهَا بَينَهَا وَبَينَ اللهِ تَعَالى» . رَواهما ابنُ ماجه (2).
(1) الأول أخرجه مسلم، في: باب تحريم النظر إلى العورات، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 226. كما أخرجه أبو داود، في: باب [ما جاء] في التعري، من كتاب الحمام. سنن أبي داود 2/ 364. والترمذي، في: باب في كراهية مباشرة الرجال الرجال والمرأة المرأة، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذي 10/ 238. وابن ماجه، في: باب النهي أن يرى عورة أخيه، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 217. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 63.
والثاني أخرجه مسلم، في: باب الاعتناء بحفظ العورة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 268. كما أخرجه داود، في الموضع السابق.
(2)
في: باب دخول الحمام، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 2/ 1233.كما أخرجهما أبو داود، في: باب النهي عن التعري، من كتاب الحمام. سنن أبي داود 2/ 363. وأخرج الثاني الترمذي، في: باب ما جاء في دخول الحمام، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذي 10/ 246. والدارمي، في: باب في النهي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن اغْتَسَلَ عُرْيانًا بينَ النّاسِ لم يَجُزْ؛ لِما ذَكَرْنا، وإن كان وَحْدَه جاز؛ لأنَّ موسى، عليه السلام، اغْتَسَلَ عُرْيانًا، وأيُّوبَ اغْتَسَلَ عُرْيانًا. رَواهما البُخارِيُّ (1). وإن سَتَرَه إنسانٌ بثَوْبٍ، فلا بَأْسَ، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَتِرُ بثَوْبٍ، ويَغْتَسِلُ. مُتَّفَقٌ عليه (2). ويُسْتَحَبُّ التَّسَتُّرُ وإِن كان خالِيًا، لقَوْلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَاللهُ أحَقُّ أنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» (3). وقد قال أحمدُ: لا يُعْجِبُنِي أنْ يَدْخُلَ الماءَ إلَّا
= عن دخول المرأة الحمام، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمي 2/ 281. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 41. 173، 199، 267.
(1)
في: باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، من كتاب الغسل. وأخرج الأول في باب حدثني إسحاق بن نصر، من كتاب الأنبياء. والثاني في: باب قول الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري 1/ 78، 4/ 184، 190، 9/ 175.
كما أخرج الأول الترمذي في: تفسير سورة الأحزاب، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 12/ 96، 97. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 514، 515.
وأخرج الثاني النسائي، في: باب الاستتار عند الاغتسال، من كتاب الغسل. المجتبى 1/ 165. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 314.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل، وباب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة، وباب التستر في الغسل عند الناس، من كتاب الغسل، وفي: باب الصلاة في الثوب الواحد، من كتاب الصلاة، وفي: باب أمان النساء وجوارهن، من كتاب الجزية، وفي: باب ما جاء في زعموا، من كتاب الأدب. صحيح البخاري 1/ 75، 77، 78، 100، 4/ 122، 8/ 46. ومسلم، في: باب تستر المغتسل بثوب ونحوه، من كتاب الحيض، وفي: باب استحباب صلاة الضحى إلخ، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 265، 266، 498. كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر الاستتار عند الاغتسال، من كتاب الطهارة، وفي: باب الاغتسال في قصعة بها أثر العجين، من كتاب الغسل. المجتبى 1/ 105، 166. والترمذي، في: باب ما جاء في مرحبا، من أبواب الاستئذان. عارضة الأحوذي 10/ 194. وابن ماجه، في: باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل، وباب ما جاء في الاستتار عند الغسل، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 158، 201. والدارمي، في: باب صلاة الضحى، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 339. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 155، 171، 421، 6/ 336.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب [ما جاء] في التعري، من كتاب الحمام. سنن أبي داود 2/ 364. والترمذي، في: باب ما جاء في حفظ العورة، من أبواب الأدب. عارضة الأحوذي 10/ 223، 238. وابن ماجه، في: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسْتَتِرًا، إِنَّ للماءِ سُكّانًا. لأنَّه يُرْوَى عن الحسنِ، والحُسَينِ، أنَّهما دَخَلا الماءَ وعليهما بُرْدان، فقِيلَ لهما في ذلك، فقالا: إنَّ للماءِ سُكّانًا. ولأنَّ الماءَ لا يَسْتُرُ فتَبْدُوَ عَوْرَةُ مَن دَخَلَه عُرْيانًا. واللهُ أعلمُ.
فصل: ويُجْزِئُه الوُضُوءُ والغُسْلُ مِن ماءِ الحَمّامِ. قال أحمدُ: لا بَأْسَ بالوُضُوءِ مِن ماءِ الحَمّام؛ وذلك لأنَّ الأصْلَ الطهارةُ. ورُوي عن أحمدَ، أنَّه قال: لا بَأْسَ أن يَأخُذَ مِن الأُنْبُوبَةِ. وهذا على سَبِيلِ الاحْتِياطِ، ولو لم يَفْعَلْه جاز؛ لأنَّ الأَصلَ الطهارةُ. وقد قال أحمدُ: ماءٌ الحَمّامِ عِنْدِي طاهِرٌ، وهو بمَنْزِلَةِ الماءِ الجارِي. وهل يُكْرَهُ اسْتِعْمالُه؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يُكْرَهُ، لأنَّه يُباشِرُه مَن يَتَحَرَّى ومَن لا يَتَحَرَّى. وحَكاه ابنُ عَقِيلٍ رِوايَةً عن أحمدَ. وقد روَى الأثْرَمُ عن أحمدَ، قال: منهم مَن يُشَدِّدُ فيه، ومنهم مَن يقولُ: هو بمَنْزِلَةِ الماءِ الجارِي. والثاني، لا يُكْرَهُ؛ لكَوْنِ الأصلِ طَهارَتَه، فهو كالماءِ الذي شَكَكْنا في نَجاسَتِه. واللهُ أعلمُ. قال شيخُنا (1): وقَوْلُه: هو بمَنْزِلَةِ الماءِ الجارِي. فيه دَلِيلٌ على أنَّ الماءَ الجارِيَ لا يَنْجُسُ إلا بالتَّغْيِيرِ؛ لأنَّه لو تَنَجَّسَ بمُجَرَّدِ المُلاقاةِ لم يكُنْ لكَوْنِه جاريًا أثَرٌ، وإنَّما جَعَلَه بمَنْزِلَةِ الماءِ الجارِي إذا كان الماءُ لفيضُ مِن الحَوْضِ ويَخْرُجُ، فإنَّ الذي يَأْتِي أخِيرًا يَدْفَعُ ما في الحَوْضِ، ويَثْبُتُ مَكانَه؛ بدَلِيلِ أنَّه لو كان ما في الحَوْضِ كَدِرًا، وتتابَعَتْ عليه دُفَعٌ مِن الماءِ صافِيًا، لزالتْ كُدُورَتُه.
= باب التستر عند النكاح. من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 618. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 3، 4. وروى البخاري طرفه «الله أحق أن يستحيى منه من الناس» . في: باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل، من كتاب الغسل (الترجمة). صحيح البخاري 1/ 78.
(1)
انظر: المغني 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا بَأْسَ بذِكْرِ اللهِ في الحَمّامِ؛ فإنَّ ذِكْرَه سبحانه حَسَنٌ في كلِّ مَكانٍ، ما لم يَرِدِ المَنْعُ منه، وقد رُوِيَ أنَّ أبا هُرَيرَةَ دَخَل الحَمّام، فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ. ورَوَتْ عائشةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَذْكُرُ اللهَ على كلِّ أحْيانِه. رَواه مسلمٌ (1). فأمّا قِراءَةُ القُرْآنِ فيه، فكَرِهَها أبو وائِلٍ (2)، والشَّعْبِيُّ، والحسنُ، ومَكْحُولٌ. وحَكاه ابنُ عَقِيلٍ عن عليٍّ وابنِ عُمَرَ؛ لأنَّه مَحَلٌّ للتَّكَشُّفِ، ويُفْعَلُ فيه ما لا يَحْسُنُ في غيرِه، فاسْتُحِبَّ صِيانَةُ القُرْآنِ عنه. ولم يَكْرَهْه النَّخَعِيُّ، ومالكٌ، لأنّا لا نَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ الكَراهَةَ، فأمّا رَدُّ السَّلامِ، فقال أحمدُ: ما سَمِعْتُ فيه شَيئًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ. والأوْلَى جَوازُه مِن غيرِ كَراهَةٍ؛ لعُمُومِ قَوْلِه عليه السلام: «أفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُمْ» (3). ولأنَّه لم يَرِدْ فيه نَصٌّ، والأشْياءُ على الإِباحَةِ. واللهُ أعلمُ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 110.
(2)
أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لم يره، وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخلق من الصحابة والتابعين، ثقة، قال خليفة بن خياط: مات بعد الجماجم سنة اثنتين وثمانين. وقال الواقدي: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. تهذيب التهذيب 4/ 361 - 363.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 74. والترمذي، في: باب ما جاء في فضل إطعام الطعام، من أبواب الأطعمة، وفي: باب حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، من أبواب صفة القيامة: عارضة الأحوذي 8/ 44، 45، 9/ 315. وابن ماجه، في: باب في الإيمان، من المقدمة، وباب ما جاء في قيام الليل، من كتاب الإقامة، وباب إطعام الطعام، من كتاب الأطعمة، وباب إفشاء السلام، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 1/ 26، 423، 2/ 1083، 1217. والدارمي، في: باب فضل صلاة الليل، من كتاب الصلاة، وفي: باب في إطعام الطعام، من كتاب الأطعمة، وفي: باب في إفشاء السلام، وباب في النهي عن الجلوس في الطرقات، من كتاب الاستئذان. سنن الدارمي 1/ 341، 2/ 109، 275، 282. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 165، 167، 2/ 156، 170، 196، 391، 442، 495، 512.