الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ، جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيضِ في كُلِّ شَهْرٍ.
وَعَنْهُ أقَلَّهُ. وَقِيلَ: فِيهِ الرِّوَايَاتُ الْأرْبَعُ.
ــ
231 - مسألة: (فإن لم يَكُنْ لها تَمْيِيزٌ جَلَسَتْ غالِبَ الحَيضِ مِن كلِّ شَهْرٍ. وعنه: أقَلَّه. وقِيل: فيها الرِّواياتُ الأرْبَعُ)
وهذا القِسْمُ الرَّابِعُ مِن أقْسامِ المُسْتَحاضَةِ، وهي مَن لا عادَةَ لها ولا تَمْيِيزَ، ولها ثَلاثةُ أحْوالٍ؛ أحَدُها، أن تكُونَ ناسِيَةً لوَقْتِها وعَدَدِها، وهذه تُسَمَّى المُتَحَيِّرَةَ، وحُكْمُها أنَّها تَجْلِسُ في كلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبْعَةً، في ظاهِرِ المَذْهَب، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، فإن كانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَها، جَلَسَتْ ذلك منه؛ لأنَّه عادَتُها فتُرَدُّ إليه؛ تُرَدُّ المُعْتادَةُ إلى عادَتِها، إلَّا أنَّه متى كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَهْرها أقَلَّ مِن عِشْرِين (1) يَوْمًا لم تَجْلِسْ منه أكْثَرَ مِن الفاضِلِ عن ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أو خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِئَلّا يَنْقصَ الطُّهْرُ عن أقَلِّه، ولا سَبِيلَ إليه. وإن لم تَعْرِفْ شَهْرَها جَلَسَتْ مِن الشَّهْرِ المُعْتادَ؛ لِما رَوَتْ حَمْنَةُ بنتُ جَحْشٍ، قالت: كُنتُ أُسْتَحاضُ حَيضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فأتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسْتَفْتِيه، فوَجَدْتُه في بَيتِ أُخْتِي، فقلْت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أُسْتَحاضُ حَيضَةً كَبيرَةً شَدِيدَةً، فما تَأْمُرُنِي فيها؟ قد مَنَعَتْنِي الصيامَ والصلاةَ، فقال:«أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإَّنه يُذْهِبُ الدَّمَ» . قلت: هو أكْثَرُ من ذلك، إنَّما أثُجُّ ثَجًّا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أيَّامٍ، أوْ سَبْعَةَ أيَّامٍ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإذَا رَأيتِ أنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأتِ فَصَلِّي أرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيلَةً، أوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيلَةً وَأيَّامَهَا، وَصُومِي، فَإنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي، كَمَا يَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لمِيقَاتِ حَيضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» (2). رَواه أبو داودَ،
(1) في الأصل: «شهرين» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 395.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتِّرْمِذِيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال الشافعيُّ في هذه: لا حَيضَ لها بيَقِين، وجَمِيعُ زَمَنِها مَشْكُوكٌ فيه، تَغْتَسِلُ لكلِّ صلاةٍ، وتُصَلِّي وتَصُومُ، ولا يَأْتِيها زَوْجُها. وله قَوْلٌ: إنَّها تَجْلِسُ اليَقِينَ. وقال بَعْضُ أصْحابِه: الأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ هذه لها أيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ، ولا يُمْكِنُ رَدُّها إلى غيرِها، فجَمِيعُ زمانِها مَشْكُوكٌ فيه، وقد رَوَتْ عائِشَةُ، أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فسألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ صَلِّي» . فكانت تَغْتَسِلُ عندَ كلِّ صلاةٍ. مُتَّفَقٌ عليه (1).
(1) أخرجه البخاري، في: باب عرق الاستحاضة، من كتاب الحيض. صحيح البخاري 1/ 89، 90 ومسلم، في: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 263. كما أخرجه أبو داود، في: باب [من قال] إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وباب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 66، 68. والترمذي، في: باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 207. والنسائي، في: باب ذكر الاغتسال من الحيض، وباب ذكر الأقراء، من كتاب الطهارة، وفي: باب ذكر الأقراء، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 98، 100، 149. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم، فلم تقف على أيام حيضها، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 205. والدارمي، في: باب غسل المستحاضة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 200. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 82، 83، 141، 187، 434.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن حديثِ حَمْنَةَ، وهو بظاهِرِه يُثْبِتُ الحُكْمَ في حَقِّ النّاسِيَةِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَفْصِلْها، هل هي مُبْتَدَأةٌ، أو ناسِيَةٌ؟ ولو افْتَرَقَ الحالُ لاسْتَفْصَلَ. واحْتِمالُ أن تكُونَ ناسِيَةً أكْثَرُ، فإنَّ حَمْنَةَ امرأةٌ كَبِيرَةٌ، كذلك قال أحمدُ. ولم يَسْألْها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تَمْيِيزِها؛ لأنَّه قد جَرَى مِن كلامِها مِن تَكْثِيرِ الدَّمِ وصِفَتِه ما أغْنَى عن السُّؤالِ عنه، ولم يَسْألْها، هل لها عادَةٌ فيَرُدُّها إليها؟ لاسْتِغْنائِه عن ذلك بعِلْمِه إيّاه، إذ كان مُشْتَهِرًا، وقد أمَرَ به أُخْتَها أُمَّ حَبِيبَةَ، فلم يَبْقَ إلَّا أن تَكُونَ ناسِيَةً، ولأنَّها لا عادَةَ لها ولا تَمْيِيزَ، أشْبَهَتِ المُبْتَدَأةَ. قَوْلُهم: لها أيّامٌ مَعْرُوفَةٌ. قُلْنا: قد زالتِ المَعْرِفَةُ، فصار وُجُودُها كعَدَمِها. وأمّا أُمُّ حَبِيبَةَ فكانت مُعْتادَةً رَدَّها إلى عادَتِها؛ لأنَّه قد روَى مسلمٌ، أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ شَكَتْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال لها:«امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبسُكِ حَيضَتُكِ، ثم اغْتَسِلِي» (1). فكانت تَغْتَسِلُ عندَ كلِّ صلاةٍ، فيَدَلُّ على أنَّها إنَّما كانت تَغْتَسِلُ لكلِّ صلاةٍ في غيرِ وَقْتِ الحَيضِ، وأمّا وُجُوبُ غُسْلِ المُسْتَحاضَةِ لكلِّ صلاةٍ، فسيُذْكَرُ في المُسْتَحاضَةِ، إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: قَوْلُه: سِتًّا أو سَبْعًا. الظّاهِرُ أنَّه رَدَّها إلى اجْتِهادِها، فيما يَغْلِبُ على ظَنَّها أنَّه عادَتُها، أو ما يُشْبِهُ أن يكُونَ حَيضًا. ذَكَرَه القاضي، وذَكَر في مَوْضِع آخَرَ أنَّه على وَجْهِ التَّخْيِيرِ بينَ السِّتِّ والسَّبْعِ، كما خَيَّرَ واطِئَ الحَيضِ في التَّكْفِيرِ بدِينارٍ أو نِصْفِ دِينارٍ؛ لأنَّ حَرْفَ «أو» للتَّخْيِيرِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 414.