الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ أَن يَنْويَ، وَيُسَمِّيَ، وَيَضْرِبَ بِيَدَيهِ مُفَرَّجَتَيِ الأَصَابعِ عَلَى التُّرَابِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيهِ بِرَاحَتَيهِ.
ــ
190 - مسألة: (والسُّنَّةُ في التَّيَمُّمِ أن يَنْويَ ويُسَمِّيَ ويَضْرِبَ بيَدَيه مُفَرَّجَتَيِ الأصابعِ على التُّرابِ ضَرْبَةً واحِدَةً، فيَمْسَحَ وَجْهَه بباطِنِ أصابِعِه وكَفَّيْه براحَتَيه)
المَسْنُونُ عن أحمدَ، رحمه الله، التَّيَمُّمُ بضَرْبَةٍ واحِدَةٍ، قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ واحِدَةٌ؟ فقال: نعم، للوَجْهِ والكَفَّين، ومَن قال: ضَرْبَتَين. فإنَّما هو شيءٌ زادَه. قال التِّرمِذِيُّ (1): وهو قَوْلُ غيرِ واحِدٍ مِن أهلِ العِلمِ مِن أصْحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم؛ منهم عليٌّ، وعَمّارٌ، وابنُ عباسٍ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِيُّ، والأوْزاعِيُّ، ومالكٌ، وإسحاقُ. وقال الشافعيُّ: لا يُجْزِيء التَّيَمُّمُ إلَّا بضَرْبَتَين؛ للوَجْهِ واليَدَين إلى المِرْفَقَين. ورُوي ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وابنِه سالمٍ، والحسنِ،
(1) عارضة الأحوذي 1/ 240.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِيِّ، وأصحابِ الرَّأْي؛ لِما روَى ابنُ الصِّمَّةِ (1)، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ، فمَسَحَ وَجْهَه وذِراعَيه (2). وروَى ابنُ عُمَرَ، وجابِرٌ، وأبو أُمامَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«التَّيَمُّمُ ضَرْبَة لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَينِ إِلَى المِرْفَقَينِ» (3). ولأنَّه بَدَلٌ يُؤْتَى به في مَحَلِّ مُبْدَلِه، فكان حَدُّه فيهما واحِدًا كالوَجْهِ. ولَنا، ما روَى عَمّارٌ، قال: بَعَثَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حاجَةٍ،
(1) هو أبو الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري الصحابي، وكان أبوه من كبار الصحابة. أسد الغابة 6/ 59، 60.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة، من كتاب التيمم. صحيح البخاري 1/ 92. ومسلم، في: باب التيمم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 281. وأبو داود، في: باب في التيمم في الحضر، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 79. والدارقطني، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 176، 177. والبيهقي، في: باب كيف التيمم، من كتاب الطهارة. السنن الكبرى 1/ 205. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 169.
(3)
حديث ابن عمر أخرجه الحاكم في: باب أحكام التيمم، من كتاب الطهارة. المستدرك 1/ 179، 180 والدارقطني، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 180 - 182. والبيهقي، في: باب كيف التيمم، من كتاب الطهارة. السنن الكبرى 1/ 207. وكذلك أخرج الثلاثة السابقون حديث جابر، في المواضع السابقة: المستدرك 1/ 180، وسنن الدارقطني 1/ 181، 182، والسنن الكبرى 1/ 207 كما أخرجه الدارقطني عن علي أيضًا: «ضربة للوجه وضربة للذراعين». سنن الدارقطني 1/ 182.
وحديث أبي أمامة أخرجه الطبراني في الكبير ولفظه: «التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين» . المعجم الكبير 8/ 292، 293.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأَجْنَبْتُ، فلم أجِدِ الماءَ، فتَمَرَّغْتُ في الصَّعِيدِ كما تَمَرَّغُ الدّابَّةُ، ثم أتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرْتُ ذلك له، فقال.:«إنَّمَا يَكْفِيكَ أنْ تَقولَ بِيَدَيكَ هَكَذَا» . ثم ضَرَب بيَدَيه الأرْضَ ضَرْبَةً واحِدَةً، ثم مَسَح الشِّمال على اليَمِينِ، وظاهِرَ كَفَّيه ووَجْهَه. مُتِّفَقٌ عليه (1). ولأنَّه حُكْمٌ عُلِّقَ على مُطْلَقِ اليَدَين، فلم يَدْخُلْ فيه الذِّراعُ، كقَطْعِ السّارِقِ، ومَسِّ الفَرْجِ، وقد احْتَجَّ ابنُ عباسٍ بهذا. وأمّا أحادِيثُهم فضَعِيفَةٌ، قال الخَلّالُ: الأحادِيثُ في ذلك ضِعافٌ جِدًّا، ولم يَرْو أصحابُ السُّنَنِ منها إلَّا حديثَ ابنِ عُمَرَ. وقال أحمدُ: ليس بصَحِيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عندَهم حديثٌ
(1) أخرجه البخاري، في: باب التيمم للوجه والكفين، من كتاب التيمم. صحيح البخاري 1/ 93. ومسلم، في: باب التيمم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 280. كما أخرجه أبو داود، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 77. والنسائي، في: باب التيمم في الحضر، وباب نوع آخر من التيمم، وباب تيمم الجنب، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 35، 138، 139. وابن ماجه، في: باب ما جاء في التيمم بضربة واحدة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 188. وانظر: باب ما جاء في التيمم، من أبواب الطهارة، من سنن الترمذي. عارضة الأحوذي 1/ 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُنْكَرٌ. قال الخَطَّابِيُّ (1): يَرْويه محمدُ بنُ ثابتٍ، وهو ضَعِيفٌ (2). وحديثُ ابنِ الصِّمَّةِ صَحِيحٌ، لكنْ إنَّما جاء في المُتَّفَقِ عليه: فمَسَحَ وَجْهَه ويَدَيه. فيَكُونُ حُجَّةً لَنا؛ لأنَّ ما عَلِق على مُطْلَقِ اليَدَين لا يَتَناوَلُ الذِّراعَين. ثم أحادِيثُهم لا تُعارِضُ حَدِيثنا؛ لأنَّها تَدُلُّ على جَوازِ التَّيَمُّمِ بضَرْبَتَين، ولا يَنْفِي ذلك جَوازَ التَّيَمُّمِ بضَرْبَةٍ، كما أنَّ وُضُوءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا لا يَنْفِي الإِجْزاءَ بمَرَّةٍ. فإن قِيل: فقد رُوِيَ في حديثِ عَمّارٍ: «إلى المِرْفَقَينِ» . فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ بالكَفَّين اليَدَين إلى المِرْفَقَين. قُلْنا: حديثُ: «إلى المِرْفَقَينِ» ، لا يُعَوَّلُ عليه، إنَّما رَواه سَلَمَةُ (3)، وشَكَّ فيه. ذَكَر ذلك النَّسائِيُّ (4). فلا يَثْبُتُ مع الشَّكِّ، مع أنَّه قد أُنْكِر عليه،
(1) معالم السنن 1/ 101.
(2)
العبارة في معالم السنن: قالوا: وحديث ابن عمر لا يصح؛ لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا، لا يحتج بحديثه.
(3)
أي: سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي الكوفي، أبو يحيى، متقن للحديث، توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 4/ 155 - 157.
(4)
في: نوع آخر من التيمم، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 138.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وخالفَ به سائِرَ الرُّواةِ الثِّقاتِ، فكيف يُلْتَفَتُ إلى مِثْلِ هذا؟ وأمّا التَّأْويلُ فباطِلٌ، لأمُورٍ: أحَدُها، أنَّ عَمَّارًا الرّاويَ له الحاكِيَ فِعْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أفْتَى بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّيَمُّمِ للوَجْهِ والكَفَّين، عَمَلًا بالحديثِ. وقد شاهَدَ فِعْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والفِعْلُ لا احْتِمال فيه. الثاني، أنَّه قال: ضَرْبَةً واحِدَةً. وهم يقولون: ضَرْبَتان. الثالثُ، أنّا لا نَعْرِفُ في اللُّغَةِ التَّعْبِيرَ بالكَفَّين عن الذِّراعَين. الرابعُ، أنَّ الجَمْعَ بينَ الخَبَرَين بما ذَكَرْناه، مِن أنَّ كلَّ واحِدٍ من الفِعْلَين جائِزٌ، أقْرَبُ مِن تَأْويلِهم وأسْهَلُ. وقِياسُهم يَنْتَقِضُ بالتَّيَمُّم عن الغُسْلِ الواجِبِ، فإنَّه يَنْقُضُ عن المُبْدَلِ، وكذلك في الوُضُوءِ، فإنَّه في عُضْوَين، وكذا في الوَجْهِ، فإنَّه [لا يَجِبُ](1) مَسْحُ ما تحتَ الشُّعُورِ الخَفِيفَةِ. واللهُ أعلمُ.
فصل: ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ أنَّه يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ بضَرْبَةٍ واحِدَةٍ وبضَرْبَتَين، وإن تَيَمَّمَ بأكْثَرَ مِن ضَرْبَتَين جاز؛ لأنَّ المَقْصُودَ إيصالُ التُّرابِ إلى مَحَلِّ الفَرْضِ، فكَيفَما حَصَل جاز، كالوُضُوءِ. فإن تَيَمَّمَ
(1) في الأصل: «يجب» .
وَقَال الْقَاضِي: الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ، يَمْسَحُ بإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ، وَبِالأُخْرَى يَدَيهِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ، فَيَضَعُ بُطُونَ أصَابِعِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ أصَابِعِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّهَا إِلَى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطنِ الذِّرَاعِ ويُمِرُّهَا عَلَيهِ،
ــ
بضَرْبَةٍ، فإنَّه يَمْسَحُ وَجْهَه بباطِنِ أصابِعِه، وظاهِرَ كَفَّيهِ إلى الكُوعَين بباطِنِ راحَتَيه، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَمْسَحَ إحْدَى الرّاحَتَين بالأُخْرَى، ولا يَجبُ ذلك؛ لأنَّ فَرْضَ الرَّاحَتَين قد سَقَط بإمْرارِ كلِّ واحدَةٍ على ظَهْرِ الكَفِّ. ويُفَرِّقُ أصابِعَه عندَ الضَّربِ؛ ليَدْخُلَ الغُبارُ فيما بَينَها. وإن كان التُّرابُ ناعِمًا، فوَضَعَ اليَدَين عليه وَضْعًا، أجْزأَة. وإن مَسَح بضَرْبَتَين، مَسَح بإحْداهما وَجْهَه، وبالأُخْرَى يَدَيه. قال ابنُ عَقِيلٍ: رَأيتُ التَّيَمُّمَ بضَرْبَةٍ واحِدَةٍ قد أسْقَطَ تَرْتِيبًا مُسْتَحَقًّا في الوُضُوءِ، وهو أنَّه يَعْتَدُّ بمَسْحِ باطِنِ أَصابِعِه مع مَسْحِ وَجْهِه، وكَيفَما مَسَح بعدَ أن يَسْتَوْعِبَ مَحَلَّ الفَرْضِ أَجْزأه.
فصل: والمَسْنُونُ عن أحمدَ، رحمه الله، التَّيَمُّمُ بضَرْبَةٍ كما وَصَفْنا. نَصَّ عليه. (وقال القاضِي): التَّيَمُّمُ بضَرْبَةٍ إلى الكُوعَين صِفَةُ الإِجْزاءِ و (المَسْنُونُ ضَرْبَتان؛ يَمْسَحُ بأُولاهُما وَجْهَه، وبالأُخْرَى يَدَيه إلى المِرْفَقَين، فيَضَعُ بُطُونَ أَصابعِ اليُسْرَى على ظَهْرِ أصابِعِ اليُمْنَى ثم يُمِرُّها إلى مِرْفَقِه، ثم يُدِيرُ بَطنَ كَفِّه إلى بَطنِ الذِّراعِ، ويمِرُّها عليه،
ويُمِرُّ إِبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ إِبْهَامِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحُ الْيُسْرَى بالْيُمْنَى كَذَلِكَ، وَيَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَينِ بِالأخْرَى، وَيُخَلِّلُ الأصَابِعَ.
ــ
ويُمِرُّ إبْهامَ اليُسْرَى على ظَهْرِ إبهامِ اليُمْنَى، ثم يَمْسَحُ يَدَه اليُسْرَى بيَدِه اليُمْنَى كذلك، ويَمْسَحُ إحْدَى الرّاحَتَين بالأُخْرَى) ويُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُ الأصابِعِ قِياسًا على الوُضُوء، وإنَّما اسْتُحِبَّ ذلك لوَجْهَين؛ أحَدُهما، أَنَّه قد رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه تَيَمَّمَ بضَرْبَتَين إلى المرْفقَين، وأقلُّ أحْوالِ فِعْلِه إذا يَدُلَّ على الإِيجابِ الاسْتِحْبابُ. الثاني، أنَّ فيه خُرُوجًا مِن الخِلافِ. وإنَّما اخْتارَ الإِمامُ أحمدُ الأوَّلَ؛ لأنَّ الأحادِيثَ الصَّحِيحةَ إنَّما جاء فيها المَسْحُ إلى الكُوعَين.
فصل: وإذا وَصَل التُّرابُ إلى وَجْهِه ويَدَيه بغيرِ ضَرْبٍ، نَحْوَ أنْ نَسَفَتِ الرِّيحُ عليه غُبارًا، فإن لم يَكُنْ قَصَد الرِّيحَ ولا صَمَد لها، فمَسَحَ وَجْهَه بما عليه لم يُجْزِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمَر بقَصْدِ الصَّعِيدِ، ولم يُوجَدْ، وإن مَسَح وَجْهَه بغيرِ ما عليه أجْزأه؛ لأنَّه قد أخَذَ التُّرابَ لوَجْهِه، فلا فرْقَ بينَ أن يَأْخُذَه مِن ثِيابِه، أو مِن الأرْضِ، وإن كان صَمَد للرِّيحِ، وأحْضَرَ النِّيَّةَ، فقال القاضي والشَّرِيفُ أبُو جَعْفَرٍ: يُجْزِئُه كما لو صَمَد للمَطرَ حتى جَرَى على أعْضائِه. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ أنَّه لا يُجْزِئُه. وهو اخْتِيارُ ابنِ عَقِيل؛ لأنَّه لم يَمْسَحْ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بالمَسْحِ. فعلى هذا، إن مَسَح وَجْهَه بما عليه أجْزأه؛ لحُصُولِ المَسْحِ،
(1) انظر: المغني 1/ 324.