الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أحدَثَ حَرُمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصحَف.
ــ
151 - مسألة؛ قال: (ومَن أحدَثَ حَرُم عليه الصلاةُ والطَّوافُ ومَسُّ المصحفِ)
أنها الصلاةُ؛ فلقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقبَلُ اللهُ صَلَاةَ مَنْ أحدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). والطَّواف؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَاف بِالْبَيتِ صَلَاةٌ، إلّا أنَّ الله أباحَ فِيهِ الْكَلَامَ» . رَواه الشافعيُّ في مسنده (2). ومسُّ المصحفِ، رُوِيَ هذا عن ابن عمَرَ، والحسنِ، وعَطاءٍ، وطاوُسِ، وهو قَوْلُ مالكٍ، والشافعي (3)، وأصحابِ الرَّأي. وقال داودُ: يُباحُ مَسُّه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَب في كتابِه إلى قَيصَرَ آيَةً مِن القرآنِ. وأباحَ الحَكَم، وحَمّادٌ مَسَّه بظاهِرِ الكَفِّ؛ لأنَّ آلةَ
(1) أخرجه البخاري، في: باب لا تقبل صلاة بغير طهور، من كتاب الوضوء، وفي: باب في الصلاة، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 1/ 46، 9/ 29. ومسلم، في: باب وجوب للطهارة للصلاة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 204. كما أخرجه أبو داود، في: باب فرض الوضوء، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 14. والترمذي، في: باب في الوضوء من الريح، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 102. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 308، 318.
(2)
موقوفًا على ابن عمر وابن عباس بمعناه. مسند الشافعي 75. وقد روى نحوه الترمذي مرفوعًا، في: باب ما جاء في الكلام في الطواف، من أبواب الحج. عارضة الأحوذي 4/ 182. والدارمي، في: باب الكلام في الطواف، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 44. وانظر: إرواء الغليل 1/ 154.
(3)
ساقطة من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّمسِ باطِنُ اليَدِ، فيَنْصَرِفُ إليه النَّهْيُ دُونَ غيرِه. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{لَّا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (1). وفي كتابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعَمرِو بنِ حَزْمٍ (2): «أنْ لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأنتَ طَاهِرٌ» . رواه الأثْرَمُ (3). فأمّا الآيَة التي كَتَب بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فإنَّما قَصَد بها المُراسلَةَ، والآيَةُ في الرِّسالةِ أو في كتابِ فِقْهٍ ونَحوه لا تَمنَعُ مَسَّه، ولا يَصِيرُ بها الكتابُ مصحفًا. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه لا يَجُوزُ مَسُّه بشيءٍ مِن جَسَده قِياسًا على اليَدِ. قَوْلُهم: إنَّ المَسَّ يَخْتَصُّ باطِنَ اليَدِ. مَمنُوعٌ، بل كلّ شيءٍ لاقَى شَيئًا فقد مَسَّه.
(1) سورة الواقعة 79.
(2)
عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري، أبو الضحاك. شهد الخندق وما بعدها، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا كتبه له، فيه الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك. مات بعد الخمسين من الهجرة. الإصابة 4/ 621.
(3)
أخرجه الدارمي، في: باب لا طلاق قبل نكاح، من كتاب الطلاق. سنن الدارمي 2/ 161. والإمام مالك، في: باب الأمر بالوضوء لمن مسَّ لقرآن، من كتاب القرآن. الموطأ 1/ 199.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجُوزُ حَمْلُه بعِلاقَتِه. وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ. ورُوي ذلك عن الحسنِ، وعَطاءٍ، والشَّعبِيِّ، وحَمّادٍ. ومَنَع منه الأوزاعِيّ، ومالكٌ، والشافعيُ؛ تَعظِيمًا للقرآنِ. ولأنَّه مكَلَّف مُحدِثٌ قاصِدٌ لحَملِ المصحفِ، فهو كما لو حَمَلَه مع مَسِّه. ولَنا، أنَّه غيرُ ماسٍّ، فلم يُمنَع، كما لو حَمَلَه في رَحلِه، ولأنَّ النَّهْيَ إنَّما تَناوَلَ المَسَّ، والحَملُ ليس بمَسٍّ، وقِياسُهُم لا يَصِحُّ، لأنَّ العِلَّةَ في الأصلِ مَسُّه، وهو غيرُ مَوْجُودٍ في الفَرعِ، والحَملُ لا أثَرَ له، فلا يَصِحُّ التَّعلِيلُ به. وعلى هذا لو حَمَلَه بحائِلٍ بَينَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبينَه مِما لا يَتْبَعُ في البَيعِ، جازَ، وعِنْدَهم لا يَجُوزُ. ويجُوزُ تقْلِيبُه بعُودٍ ومَسُّه به، وكَتْبُ المصحفِ بيَدِه مِن غيرِ أن يَمَسَّه، وذَكر ابنُ عَقِيلٍ في ذلك كلِّه، وفي حَملِه بعِلاقَتِه رِوايَتَين. وفي مَسِّه بكُمِّه رِوايَتان، ووَجْهُهُما ما تَقَدَّمَ. والصَّحِيحُ في ذلك كلِّه الجَوازُ، قاله شَيخُنا؛ لأنَّ النَّهْيَ إنَّما تَناوَلَ مَسَّه، وهذا ليس بمَسٍّ (1).
(1) انظر: المغني 1/ 203.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجُوزُ مَس كُتُب الفِقْهِ والتَّفْسِيرِ، والرَّسائِلِ، وإن كان فيها آيات مِن القرآنِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَب إلى قَيصَرَ كِتابًا فيه آيَةٌ، ولأنَّها لا يَقَعُ عليها اسْمُ المُصحَفِ، ولا يَثْبُتُ لها حُرمَتُه. وكذلك إن مَس ثَوْبًا مُطرًّزًا بآيةِ مِن القرآنِ. وفي مَسِّ الصِّبْيانِ ألْواحَهُم التي فيها القُرآنُ وَجْهان؛ أحَدهما، الجَوازُ؛ لأنَّه مَوْضِعُ حاجَةٍ، فلو اشْتَرَطْنا الطهارةَ أدَّى إلى تَنْفِيرِهم عن حِفْظِه. والثاني، المَنْعُ؛ لعُمُومِ النَّصِّ. وفي الدَّراهِم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَكْتُوب عليها القُرآنُ وَجْهان؛ أحَدُهما، المَنْعُ، وهو مَذْهبُ أبي حَنِيفَةَ؛ لأنَّ القُرآنَ مَكْتُوبٌ عليها، أشبهتِ الوَرَقَ. والثاني، الجَوازُ؛ لأنَّها لا يَقَعُ عليها اسْمُ المُصحَفِ، أشْبَهتْ كُتُبَ الفِقْهِ، ولأنَّ في الاحتِرازِ منها مَشَقَّةٌ، أشْبَهتْ ألْواحَ الصِّبْيانِ. ومَن كانْ مُتَطَهِّرًا، وبَعْضُ أعضائِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَجِسٌ، فمَسَّ المصحفَ بالعُضْو الطّاهِرِ، جازَ؛ لأنَّ حُكْمَ النَّجاسَةِ لا يَتَعَدَّى مَحَلَّها، بخِلافِ الحَدَثِ. وإنِ احتاجَ المُحْدِثُ إلى مَسِّ المصحف عندَ عَدَمِ الماءِ، تَيَمَّمَ ومَسَّه؛ لأنَّه يَقُومُ مَقامَ الماءِ. ولو غَسَل المُحدِثُ بعضَ أعضاءِ الوُضُوءِ، لم يَجُز لهْ مَسُّه به قبلَ إتْمامِ وُضُوئِه؛ لأنَّه لا يَكونُ مُتَطَهِّرًا إلَّا بغَسْلِ الجَمِيعِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَجُوزُ المُسافَرَةُ بالمصحفِ إلى دارِ الحَربِ؛ لما روَى ابنُ عُمَرَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقرآنِ إلَى أرضِ الْعَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أنْ تَنَالهُ أيدِيهم» (1).
(1) أخرجه البخاري، في: باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 4/ 68. ومسلم، في: باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1490، 1491. وأبو دواد، في: باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 35. وابن ماجه، في: باب الهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. سنن ابن ماجه 2/ 961. والإمام مالك، في: باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. الموطأ 2/ 446. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 6، 7، 10، 55، 63، 76، 128.