الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ لَهُ وَغَسَلَ الْبَاقِيَ.
ــ
170 - مسألة: (فإن كان بَعْضُ بَدَنِه جَرِيحًا، تَيَمَّمَ له وغَسَل الباقِيَ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الجَرِيحَ والمَرِيضَ إذا أمْكَنَه غَسْلُ بَعْضِ بَدَنِه دُونَ بعضٍ، لَزِمه غَسْلُ ما أمْكَنَه غَسْلُه، وتَيَمَّمَ للباقِي. وهو قَوْلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافعيِّ. وقال أبو حَنِيفَةَ ومالكٌ: إن كان أكثَرُ بَدَنِه صَحِيحًا، غَسَلَه ولا يَتَيَمَّمُ، وإن كان أكثرُه جَرِيحًا، تَيَمَّمَ ولا غُسْلَ عليه؛ لأنَّ الجَمْعَ بينَ البَدَلِ والمُبْدَلِ لا يَجِبُ، كالصِّيامِ والإِطْعامِ. ولَنا، ما روَى جابِرٌ، قال: خَرَجْنا في سَفَرٍ، فأصابَ رَجُلًا مِنّا شَجَّةٌ في وَجْهِه، ثم احْتَلَمَ، فسأل أصْحابَه: هل تَجِدُونَ لي رُخْصَةً في التَّيَمُّمِ؟ قالوا: ما نَجِدُ لك رُخْصَةً، وأنت تَقْدِرُ على الماءِ. فاغْتَسَلَ، فمات، فلَمّا قَدِمْنا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بذلك، فقال:«قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ، ألَّا سَألُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فإنَّمَا شِفَاءُ الْعيِّ السُّؤّالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصبَ عَلَى جُرْحِهِ، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيهِ، ثُمَّ يَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّها شَرْطٌ مِن شَرائِطِ الصلاةِ، فالعَجْزُ عن بَعْضِها لا يُسْقِطُ جَمِيعَها، كالسِّتارَةِ، وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالمَسْحِ على الخُفَّين مع غَسْلِ بَقِيَّةِ الأعْضاءِ. فأمّا الذي قاسُوا عليه، فإنَّه جَمْعٌ بينَ البَدَلِ والمُبْدَلِ في مَحلِّ
(1) في: باب في المجروح يتيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 82.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحِدٍ، بخِلافِ مَسْألَتِنا، فإنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَمّا لم يُصِبْه الماءُ (1). وكلُّ ما لا يُمْكِنُ غَسْلُه مِن الصَّحِيحِ إلَّا بانْتِشارِ الماءِ إلى [الجَرِيحِ، حُكْمُه حُكْمُ الجَرِيحِ، فإِن لم يُمْكِنْه ضَبْطُه، وقَدَر أن يَسْتَنِيبَ مَن يَضْبِطُه، لَزِمَه ذلك، فإن](2) عَجَز تَيَمَّم، وصَلَّى، وأجْزأه، لأنَّه عَجَز عن غَسْلِه، فأجْزأه التَّيَمُّم عنه، كالجَرِيحِ.
فصل: ولا يَلْزَمُه أن يَمْسَحَ على الجُرْحِ بالماءِ إذا أمْكَنَه ذلك، سَواءٌ كان مَعْصُوبًا أوْ لا. هذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ. وقال ابنُ عَقِيل: نَصَّ أحمدُ في رِوايَةِ صالِحٍ، في المَجْرُوحِ إذا خاف: مَسَح مَوْضِعَ الجُرْحِ، وغَسَلَ ما حَوْلَه. لقَوْلِه عليه السلام:«إذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (3). لأنَّه عَجَز عن غَسْلِهَ، وقَدَر على مَسْحِه، وهو بَعْضُ
(1) سقط من: «م» .
(2)
سقط من: «الأصل» .
(3)
أخرجه البخاري، في: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب الاعتصام. صحيح البخاري 9/ 117. ومسلم، في: باب فرض الحج مرة في العمر، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 975. والنسائي، في: باب وجوب الحج، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 83. وابن ماجه، في: باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المقدمة. سنن ابن ماجه 1/ 1. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 247، 258، 313، 314، 355، 448، 457، 467، 482، 495، 508.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الغَسْلِ، فوَجَبَ الإِتْيانُ بما قَدَر عليه، كمَن عَجَز عن الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وقَدَر على الإِيماءِ. ووَجْهُ القوْلِ الأوَّلِ؛ أنَّه مَحَلٌّ واحِدٌ، فلا يَجْمَعُ فيه بينَ المَسْحِ والتَّيَمُّمِ، كالجَبِيرَةِ، فإذا قُلْنا: يَجِبُ المَسْحُ على مَوْضِعِ الجُرْحِ، فهل يَتَيَمَّمُ معه؟ على رِوايَتَين؛ إحْداهُما، لا يَتَيَمَّمُ، كالجُرْحِ المَعْصُوبِ عليه، والجَبِيرَةِ على الكَسْرِ. والثانيةُ، عليه التَّيَمُّمُ؛ لأنَّ المَسْحَ بَعْضُ الغَسْلِ، فيَجِبُ أن يَتَيَمَّمَ للباقِي. ويُفارِقُ هذا الجَبِيرَةَ؛ لأنَّ الفَرْضَ فيها انْتَقَلَ إلى الحائِلِ، فهي كالخُفَّينِ.
فصل: فإن كانت جميعُ أعْضاءِ الوُضُوءِ قَرِيحَةً، تَيَمَّمَ لها، فإن لم يُمْكِنْه التَّيَمُّمُ، صَلَّى على حَسَبِ حالِه، وفي الإِعادةِ رِوايَتان، كمَن عَدِمَ الماءَ والتُّرابَ، وسَنَذْكُرُ ذلك، إن شاء اللهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا كان الجَرِيحُ جُنُبًا فهو مُخَيِّرٌ، إن شاء قَدَّمَ التَّيَمُّمَ على الغُسْلِ، وإن شاء أخَّرَه، بخِلافِ ما إذا كان التَّيَمُّمُ لعَدَمِ ما يَكْفِيه لطَهارَتِه، فإنَّه يَلْزَمُه اسْتِعْمالُ الماءِ أوَّلًا، لأنَّ التَّيَمُّمَ للعَدَم، ولا يَتَحَقَّقُ مع وُجُودِ الماءِ، وههُنا التَّيَمُّمُ للعَجْزِ، وهو مُتَحَقِّقٌ على كلِّ حالٍ. ولأنَّ الجَرِيحَ يَعْلَمُ أنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عن غَسْلِ الجُرْحِ، والعادِمُ لا يَعْلَمُ القَدْرَ الذي يَتَيَمَّمُ له إلَّا بعدَ اسْتِعْمالِ الماءِ، فلَزِمَه تَقْدِيمُ اسْتِعْمالِه. وإن كان الجَرِيحُ يَتَطَهَّرُ للحَدَثِ الأصْغَرِ، فذَكَرَ القاضي أنَّه يَلْزَمُه الترتِيبُ، فيَجْعَلُ التَّيَمُّمَ في مَكانِ الغَسْلِ الذي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عنه. فإن كان الجُرْحُ في الوَجْهِ، بحيث لا يُمْكِنُه غَسْلُ شيءٍ منه، تَيَمَّمَ أوَّلًا، ثم أتمَّ الوُضُوءَ. وإن كان في بَعْضِ وَجْهِه خُيِّر بينَ غَسْلِ الصَّحِيحِ مِنه ثم يَتَيَمَّمُ وبينَ التَّيَمُّمِ، ثم يَغْسِلُ صَحِيحَ وَجْهِه ويُتِمُّ الوُضُوءَ. وإن كان الجُرْحُ في عُضْوٍ آخَرَ، لَزِمَه غَسْلُ ما قَبْلَه، ثم كان فيه على ما ذَكَرْنا في الوَجْهِ. وإن كان في وَجْهِه ويَدَيه ورِجْلَيه، احْتاجَ في كلِّ عُضْوٍ إلى تَيَمُّمٍ في مَحَلِّ غَسْلِه، ليَحْصُلَ التَّرتِيبُ، ولو غَسَل صَحِيحَ وَجْهِه، ثم تَيَمَّم له وليَدَيه تَيَمُّمًا واحِدًا، لم يُجْزِه؛ لأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُؤَدِّي إلى سُقُوطِ الفَرْضِ عن جُزْءٍ مِن الوَجْهِ واليَدَين في حالٍ واحِدَةٍ. فإن قِيل: هذا يَبْطُلُ بالتَّيَمُّمِ عن جُمْلَةِ الطهارةِ، [حيث يَسْقُطُ الفَرْضُ عن جميعِ الأعْضاءِ جُمْلَة واحِدَةً. قُلْنا: إذا كان عن جُمْلَةِ الطهارةِ] (1)، فالحُكْمُ له دُونَها، وإن كان عن بَعْضِها، نابَ عن ذلك البَعْضِ، فاعْتُبِر فيه ما يُعْتَبَرُ فيما يَنُوبُ عنه مِن الترتِيب. قال شَيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ هذا التَّرتِيبُ؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ طهارة مُفْرَدَة، فلا يَجِبُ الترتِيبُ بينَها وبينَ الطهارةِ الأُخْرَى،؛ لو كان الجَرِيحُ جُنُبًا، ولأنَّه تَيَمَّمَ عن الحَدَثِ الأصْغَرِ، فلم (3) يَجِبْ أن يَتَيَمَّمَ عن كلِّ عُضْوٍ في مَوْضِع غَسْلِه، كما لو تَيَمَّمَ عن جُمْلَةِ الوُضُوءِ، ولأنَّ فيه حَرَجًا، فيَنْدَفِعُ بقَوْلِه تعالى:{مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (4). وحَكَى الماوَرْدِيُّ (5)، عن مَذْهَبِ الشافعيِّ مِثْلَ هذه، وحَكَى ابنُ الصَّبّاغِ (6) عنه مِثْلَ القَوْلِ الأوَّلِ. والله تعالى أعلمُ.
(1) سقط من: «الأصل» .
(2)
انظر: المغني 1/ 338.
(3)
في م: «فلا» .
(4)
سورة الحج 78.
(5)
أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، إمام جليل الشأن، وهو صاحب «الحاوي» و «أدب الدنيا والدين» و «الأحكام السلطانية» ، توفي سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 5/ 267 - 285.
(6)
أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، ابن الصباغ، الشافعي، صاحب «الشامل» في فقه الشافعية، و «الكامل» في الخلاف بين الشافعية والحنفية، توفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 5/ 122 - 134.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن تَيَمَّمَ الجَرِيحُ لجُرْحٍ في بعضِ أعْضائِه، ثم خَرَج الوَقْتُ، بَطَل تَيَمُّمُه، ولم تَبْطُلْ طَهارَتُه بالماءِ إن كان غُسْلًا للجَنابَةِ أو نَحْوها؛ لأنَّ الترتِيبَ والمُوالاةَ غيرُ واجِبَين فيها. وإن كانت وُضُوءًا، وكان الجُرْحُ في وَجْهِه، فإن قُلْنا: يَجِبُ التَّرْتِيبُ بينَ التَّيَمُّمِ والوُضُوءِ. بَطَل الوُضوءُ ههُنا؛ لأنَّ طهارةَ العُضْو الذي نابَ التَّيَمُّمُ عنه بَطَلَتْ، فلو لم يَبْطُلْ [ما بعدَه لتَقَدَّمَتْ طهارةُ ما بعدَه عليه، فيَفُوتُ التَّرتِيبُ. فإن قُلْنا: لا يَجِبُ التَّرتِيبُ. لم يَبْطُلِ](1) الوُضُوءُ، ويجوزُ (2) له التَّيَمُّمُ لا غيرُ. وإن كان الجُرْحُ في رِجْلَيه، فعلى قَوْلِنا: لا يَجِبُ التَّرْتِيبُ. لا تَجِبُ المُوالاةُ بينَهما أيضًا، وعليه التَّيَمُّمُ وَحْدَه. وإن قُلْنا: يَجِسبُ التَّرْتِيبُ. فيَنْبَغِي أن يُخَرَّجَ وُجُوبُ المُوالاةِ ههُنا على وُجُوبِها في الوُضُوءِ، وفيها رِوايَتان؛ فإن قُلْنا: تَجِبُ في الوُضُوءِ. بَطَل الوُضُوءُ ههُنا؛ لفَواتِها، وإن قُلْنا: لا تَجِبُ. كَفاه التَّيَمُّمُ وَحْدَه، قال شَيخُنا (3): ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ المُوالاةُ بينَ الوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ وَجْهًا واحِدًا، لأنَّهُما. طَهارَتان، فلم تَجِبِ المُوالاةُ بَينَهما، كسائِرِ الطَّهاراتِ، ولأنَّ في إيجابِها حَرَجًا، فيَنْتَفِي بقَوْلِه تعالى:{مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
(1) سقط من: «الأصل» .
(2)
في م: «جوز» .
(3)
انظر: المغني 1/ 338.