الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا؛ بَعْضُهُ ثَخِينٌ أسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحمَرُ، فَحَيضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الأسْوَدِ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ،
ــ
226 - مسألة: (فإن جاوَزَ أكْثَرَ الحَيضِ، فهي مُسْتَحاضَةٌ)
لأنَّ الدَّمَ كلَّه لا يَصْلُحُ أن يكُونَ حَيضًا.
227 - مسألة: (فإن كان دَمُها مُتَمَيِّزًا؛ بعضُه أسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ، وبعضُه رَقِيقٌ أَحْمَرُ، فحَيضُها زَمَنَ الدَّمِ الأسْوَدِ، وما عَداه اسْتِحاضَةٌ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ المُبْتَدَأةَ إذا جاوَزَ دَمُها أكْثَرَ الحَيضِ، لم تَخْلُ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حالَيْن؛ أحَدُهما، أن تكُونَ مُمَيِّزةً، وهي أن يكُونَ بَعْضُ دَمِها أسْوَدَ ثَخِينًا مُنْتِنًا، وبَعْضُه أحْمَرَ رَقِيقًا، أو أصْفَرَ لا رائِحةَ له، ويكُونَ الدَّمُ الأسْوَدُ أو الثَّخِينُ لا يَزِيدُ على أكثَرِ الحَيضِ، ولا يَنْقُصُ عن أقَلِّه، فحُكْمُ هذه أنَّ حَيضَها زَمَنَ الدَّمِ الأسْوَدِ والثَّخِينِ، فإذا انْقَطعَ فهي مُسْتَحاضَةٌ وتَغْتَسِلُ للحَيضِ، وتَتَوَضَّأْ لكلِّ صلاةٍ، وتُصَلِّي. وبهذا قال مالكٌ والشافعيُّ؛ لِما رَوَتْ عائِشةُ، قالت: جاءت فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيشٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي اسْتَحاضُ. فلا أطْهُرُ، أفأدَعُ الصلاةَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيسَ بِالْحَيضَةِ، فَإذَا أقْبَلَتِ الْحَيضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وللنَّسائِيِّ وأبي داودَ (2): «إذَا كَانَ دَمُ الحَيضِ فَإنَّه أسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» . وقال ابنُ عباسٍ:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 366.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب من قال تتوضأ لكل صلاة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 73. والنسائي، في: باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، من كتابي الطهارة والحيض. المجتبى 1/ 102، 151.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمّا ما رَأتِ الدَّمَ البَحْرانِيَّ (1) فإنَّها تَدَعُ الصلاةَ، إنَّها واللهِ لن تَرَى الدَّمَ بعدَ أيَّامِ مَحِيضِها إلَّا كغُسالَةِ ماءِ اللَّحْمِ. ولأنَّه خارِجٌ مِن الفَرْجِ يُوجِبُ الغُسْلَ؛ فرُجِعَ إلى صِفَتِه عندَ الاشْتِباهِ، كالمَنِيِّ والمَذْي.
فصل: وظاهِرُ كلامِ شَيخِنا (2)، رحمه الله، ها هنا، أنَّ المُمَيِّزةَ إذا عَرَفَتِ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْه مِن غيرِ تَكْرارٍ. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِيِّ، واخْتِيارُ ابنِ عَقِيلٍ؛ لأنَّ مَعْنَى التَّمْيِيزِ أن يَتَمَيَّزَ أحَدُ الدَّمَين عن الآخَرِ في الصِّفَةِ، وهذا يُوجَدُ بأوَّلِ مَرَّةٍ. وهذا قولُ الشافعيِّ. وقال القاضي، وأبو الحسنِ الآمِدِيُّ: إنَّما تَجْلِسُ المُمَيِّزَةُ مِن التَّمْيِيزِ ما تَكَرَّرَ مَرَّتَين أو ثلاثًا، بِناءً على الرِّوايَتَين، فيما تَثْبُتُ به العادَةُ. ولَنا، قولُ النبيِّ: صلى الله عليه وسلم: «إذَا أقْبَلَتِ الْحَيضَةُ فَاتْركِي الصَّلَاةَ، فَإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» . أمَرَها بتَرْكِ الصلاةِ إذا أقْبَلَتِ الحَيضَةُ، مِن غيرِ اعْتِبارِ أمْرٍ آخَرَ، ثم مَدَّه إلى حينِ إدْبارِه؛ ولأنَّ (3) التَّمْيِيزَ أمارَةٌ بمُجَرَّدِه، فلم يَحْتَجْ إلى
(1) دم بحراني: شديد الحمرة، كأنه نسب إلى البحر وهو اسم قعر الرحم، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبالغة. النهاية 1/ 99.
(2)
انظر: المغني 1/ 393.
(3)
في م: «لأن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضَمِّ غيرِه إليه، كالعادَةِ. وعندَ القاضي: لا تَجْلِسُ مِن التَّمْيِيزِ إلّا ما تَكَرَّرَ. فعلى هذا، إذا رَأتْ في كلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أحْمَرَ، ثم خَمْسَةً أسْوَدَ، ثم أحْمَرَ، واتَّصَلَ، جَلَسَت زَمانَ الأسْوَدِ، فكان حَيضَها، والباقي اسْتِحاضَةً. وهل تَجْلِسُ الأسْوَدَ في الشَّهْرِ الثاني أو الثالثِ أو الرابعِ؟ يُخَرَّجُ ذلك على الرِّواياتِ الثَّلاثِ. وكذلك لو رَأتْ عَشَرَةً أحْمَرَ، ثم خَمْسَةً أسْوَدَ، ثم أحْمَرَ، فإنِ اتَّصَلَ الأسْوَدُ وعَبَر أكْثَرَ الحَيضِ، فليس لها تَمْيِيزٌ وحَيضُها (1) مِن الأسْوَدِ؛ لأنَّه أشْبَهُ بدَمِ الحَيضِ. ولو رَأتْ أقَلَّ مِن يَوْمٍ ولَيلَةٍ أشودَ، فلا تَمْييزَ لها؛ لأنَّه لا يَصْلُحُ حَيضًا. وإن رَأتْ في الشَّهْرِ الأولِ أحْمَرَ كلَّه، وفي الثاني والثالثِ والرابع خَمْسَةً أسْوَدَ، وفي الخامِسِ كلِّه أحْمَرَ، فإنّها تَجْلِسُ في الأشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اليَقِينَ، على قَوْلِنا: يُعْتَبَرُ التَّكْرارُ في المُمَيِّزَةِ. وفي الرابعِ أيَّامَ الدَّمِ الأسودِ في قَوْلِ شَيخِنا (2)، وفي الخامِسِ تَجْلِسُ خَمْسَةً أيضًا. وقال القاضي: لا تَجْلِسُ
(1) في م: «نحيضها» .
(2)
انظر: المغني 1/ 412.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الرابع إلَّا اليَقِينَ، إلَّا أن نقُولَ: تَثْبُتُ العادَةُ بمَرَّتَين. قال شيخُنا: وفيه نَظرٌ، فإنَّ أكْثَرَ ما يُقَدَّرُ فيها أنَّها لا عادةَ لها ولا تَمْيِيزَ، ولو كانت كذلك لجَلَسَتْ سِتًّا أوْ سَبْعًا، في أصَحِّ الرِّواياتِ. فكذا ههُنا. قُلتُ: فيَنْبَغِي على هذا أن لا تَجْلِسَ بالتَّمْيِيزِ، وإنَّما تَجْلِسُ غالِبَ الحَيضِ؛ لِما ذَكَرَه. ومَن لم يَعْتَبِرِ التَّكْرارَ في التَّمْيِيزِ فهذه مُمَيِّزَةٌ، ومَن قال: إنها تَجْلِسُ بالتَّمْيِيزِ في الشَّهْرِ الثاني، قال: إنَّها تَجْلِسُ الدَّمَ الأسْوَدَ في الشَّهْرِ الثالثِ؛
وَإنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيضِ، وَعَنْهُ، أَقَلَّهُ. وَعَنْهُ، أكْثَرَهُ.
ــ
لأنَّها لا تَعْلَمُ أنَّها مُمَيِّزَةٌ قَبْلَه. الحالُ الثاني، أن لا يكونَ دَمُها مُتَمَيِّزًا على ما مَضى، ففيها أربعُ رِواياتٍ، إحْداها، أنَّها تَجْلِسُ غالِبَ الحَيضِ مِن كلِّ شَهْرٍ، وذلك سِتَّةُ أَيَّام أو سَبْعَةٌ. وهذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه غالِبُ عَاداتِ النِّساءِ، فيَجِبُ رَدُّها إليه، كرَدِّها في الوَقْتِ إلى حَيضِها في كلِّ شَهْرٍ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، أنَّها تَجْلِسُ أقَلَّ الحَيضِ لأنَّه اليَقِينُ. وللشافعيِّ قَوْلان كهاتَين الرِّوايَتَين. والثالثةُ، أنَّها تَجْلِسُ أكْثَرَ الحَيضِ. وهو قَوْلُ أبي
وَعَنْهُ، عَادَةَ نِسَائِهَا؛ كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَخَالتِهَا.
ــ
حنيفةَ؛ لأنَّه زَمَانُ الحَيضِ، فإذا رَأتِ الدَّمَ فيه جَلَسَتْه كالمُعْتادَةِ. والرابعةُ أنَّها تَجْلِسُ عادَةَ نِسائِها كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا وخالتِها. وهو قولُ عَطاء، والثَّوْرِي، والأوْزاعِي؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أسنَها تُشْبِهُهُنَّ في ذلك. والأوَّلى أصَحُّ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ:«تَحَيَّضِي في عِلْمِ اللهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي أرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، كما يَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْن، لِمِيقَاتِ حَيضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» (1).
حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. رَدَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، ولم يَرُدَّها إلى غيرِه مِمّا ذَكَرُوا (2)، ولأنَّ هذه تُرَدُّ إلى غالِبِ عاداتِ النِّساءِ في وَقْتِها، بمَعْنَى أنَّها تَجْلِسُ في كلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فكذلك في عَدَدِ أيَّامِها، وبهذا يَبطُلُ ما ذُكِر؛ لليَقِينِ، ولعادَةِ نِسائِها.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 395.
(2)
في م: «ذكر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وهل تُرَدُّ إلى ذلك إذا اسْتَمَرَّ بها الدَّمُ في الشَّهْرِ الرابعِ أو الثاني؟ المَنْصُوصُ أنَّها لا تُرَدُّ إلى سِتٍّ أو سَبْعٍ إلَّا في الشَّهْرِ الرابعِ؛ لأنّا لا نُحَيِّضُها أكْثَرَ مِن ذلك إذا لم تَكُنْ مُسْتَحاضَةً، فأوْلَى أن نَفْعَلَ ذلك إذا كانت مُسْتَحاضَةً. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أن تَنْتَقِلَ إليها في أيَّامِ الشَّهْرِ الثاني بغيرِ تَكْرارٍ؛ لأنّا قد عَلِمْنا اسْتِحاضَتَها، فلا مَعْنَى للتَّكْرارِ في حَقِّها. وهو أصَحُّ إن شاء اللهُ؛ لظاهِرِ حديثِ حَمْنَةَ.