الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، زَوَالُ الْعَقْلِ إلا النَّوْمَ الْيَسِيرَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا. وَعَنْهُ، أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالْسَّاجِدِ لَا يَنْقُضُ يسِيرُهُ.
ــ
والأوْزاعِيُّ، وأصحابُ الرَّأْي. والمذهبُ إلْحاقُه بالدَّمِ؛ لأنَّه في مَعْناه. وهذا قَوْلُ حَمّادِ بنِ أبي سُلَيمانَ (1). وكذلك الحُكْمُ في الدُّودِ الخارِجِ مِن الجُرُوحِ، لأنَّه خارِجٌ نَجِسٌ، أشْبَهَ الدَّمَ. فأمّا الجُشاءُ والبُصاق، فلا وُضُوءَ فيه، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وكذلك النُّخامَةُ، سَواءٌ خَرَجَتْ مِن الرَّأْسِ أو مِن الصَّدْرِ، لأنَّه لا نَصَّ فيها، ولا هي في مَعْنَى المَنْصُوصِ، ولأنَّها طاهِرَةٌ، أشْبَهَتِ البُصاقَ. واللهُ أعلمُ.
134 - مسألة؛ قال: (الثَّالِثُ، زَوالُ العَقْلِ، إلَّا النَّوْمَ اليَسِيرَ
(1) أبو إسماعيل حماد بن مسلم بن أبي سليمان الكوفي، أحد أئمة الفقهاء، وشيخ أبي حنيفة، توفي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جالسًا أو قائِمًا. وعنه، أنَّ نَوْمَ الرّاكِعِ والسّاجِدِ لا يَنْقُضُ يَسِيرُه) زَوالُ العَقْلِ على ضَرْبَينِ؛ نَوْمٍ، وغيرِه. فأمّا غيرُ النَّوْمِ، وهو الجُنُونُ والإِغْماءُ والسُّكْرُ، ونَحْوُه مِمّا يُزِيلُ العَقْلَ، فيَنْقُضُ الوُضُوءَ يَسِيرُه وكَثِيرُه إجْماعًا، ولأنَّ في إيجابِ الوُضُوءِ على النّائِمِ تَنْبِيهًا على وُجُوبِه بِما هو آكَدُ مِنه. الضَّربُ الثاني، النَّوْمُ، وهو ناقِضٌ للوُضُوءِ في الجُمْلَةِ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا ما حُكِي عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ وأبي مِجْلَزٍ (1)، أنَّه لا يَنْقُضُ. وعن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، أنَّه كان يَنامُ مِرارًا مُضْطَجِعًا يَنْتَظِرُ الصلاةَ، ثم يُصَلِّي ولا يُعِيدُ الوُضُوءَ. ولَعَلَّهم ذَهَبُوا إلى أنَّ النومَ ليس بحَدَثٍ في نَفْسِه، والحَدَثُ مَشْكُوكٌ فيه، فلا يَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«العَينُ وكَاءُ السَّهِ (2)، فمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَواهُ الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، وابنُ ماجَة (3). وقولُ
= سنة عشرين ومائة. الجواهر المضية 2/ 150 - 152.
(1)
أبو مجلز لاحق بن حميد بن سعيد البصري، تابعي، ثقة، له أحاديث، توفي منة مائة، أو بعد المائة. تهذيب التهذيب 11/ 171، 172.
(2)
الوكاء: ما تشد به رأس القربة ونحوها. والسه: من أسماء الدبر.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الوضوء من النوم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 46. وابن ماجة، في: باب الوضوء من النوم، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجة 1/ 161. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 111.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَفْوانَ بنِ عَسّالٍ: لكنْ مِن غائطٍ وبَولٍ ونَوْمٍ. حديثٌ صحيحٌ (1). ولأنَّ النومَ مَظِنَّةُ الحَدَثِ، فأُقِيم مُقامَه، كالْتِقاءِ الخِتانَين في وُجُوبِ الغُسْلِ، أُقِيم مُقامَ الإِنْزالِ. إذا ثَبَت هذا، فالنَّوْمُ يَنْقَسِمُ ثلاثةَ أقْسامٍ: أحَدُها، نَوْمُ المُضْطَجِعِ، فيَنْقُضُ يَسِيرُه وكَثِيرُه، عندَ جَمِيعِ القائِلِين بنَقضِ الوُضُوءِ بالنَّوْمِ. الثاني، نَوْمُ القاعِدِ، فإن كان كثيرًا نَقَض، رِوايَةً واحِدَةً، وإن كان يسيرًا لَم يَنْقُضْ. وهذا قولُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. وقال قَوْمٌ: متى خالطَ النَّوْمُ القَلْبَ نَقَض بكلِّ حالٍ. وهذا قولُ الحسنِ، وإسحاقَ، وأبي عُبَيدٍ. ورُوي مَعْنى ذلك عن أبي هُرَيرَةَ، وابنِ عباسٍ، وأنَسٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لعُمُوم الأحاديث الدَّالَّةِ على أنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ. ولَنا، ما روَى مسلمٌ (2)، عن أنَسٍ، قال: كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنامُون، ثم يُصَلُّون ولا يَتَوَضَّئُون. وعنه قال:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 12.
(2)
في: باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 284. كما أخرجه الترمذي، في: باب الوضوء من النوم، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 104.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان أصحابُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على عَهْدِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُون العِشاءَ الآخِرَةَ حتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُم، ثم يُصَلُّون ولا يَتَوَضَّؤُن. رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّ النَّوْمَ يَكْثُرُ مِن مُنْتَظِرِى الصلاةِ، فعُفِي عنه لمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عنه. وقال الشافعيُّ: لا يَنْقُضُ وإن كَثُرَ، إذا كان القاعِدُ مُتَمَكِّنًا مُفْضِيًا بمَحَلِّ الحَدَثِ إلى الأرضِ، لحَدِيثَيْ أنسٍ، وبهما يَتَخَصَّصُ عُمُومُ الحَدِيثَينِ الأوَّلَين، ولأنَّه مُتَحَفِّظٌ عن خُرُوجِ الحَدَثِ، فلم يَنْقضْ، كاليَسِيرِ. ولَنا، عُمُومُ الحديثَين الأوَّلَين، خَصَّصْناهُما بحديثِ أنسٍ، وليس فيه بَيانُ كَثْرَةٍ ولا قِلَّةٍ، فحَمَلْناه على القَلِيلِ، لأنَّه اليَقِينُ، وما زادَ عليه مُحْتَمِلٌ لا يُتْرَكُ له العُمُومُ المُتَيَقَّنُ، ولأنَّ نَقْضَ الوُضُوءِ بالنَّوْمِ مُعَلَّلٌ بإِفْضائِه إلى الحَدَثِ، ومع الكَثْرَةِ والغَلَبَةِ لا يُحِسُّ بما يَخْرُجُ منه، بخِلافِ اليَسِيرِ، وبهذا فارَقَ اليَسِيرُ الكَثِيرَ، فلا يَصِحُّ قياسُه عليه. الثالثُ، ما عدا ذلك، وهو نَوْمُ القائِمِ والرَّاكِعِ والسّاجِدِ، ففيه رِوايتَان؛ إحْداهما، يَنْقُضُ. وهو قَوْلُ الشافعيِّ، لأنَّه لم يَرِدْ فيه نَصٌّ،
(1) في: باب في الوضوء من النرم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 45.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ، لكَوْنِ القاعِدِ مُتَحَفِّظًا مُعْتَمِدًا (1) بمَحَلِّ الحَدَثِ على الأرضِ، فهو أبْعَدُ مِن خُرُوجِ الخارِجِ، بخِلافِ غيرِه. والثانيةُ، حُكْمُه حُكْمُ الجالِسِ قِياسًا عليه، ولأنَّه على حالةٍ مِن أحْوالِ الصلاةِ، أشْبَهَ الجالِسَ. والظّاهِرُ عن أحمدَ، رحمه الله، التَّسْويَة بينَ نَوْمِ القائِمِ والجالِسِ. وهذا قولُ الحَكَمِ، وسُفْيانَ، وأصحابِ الرَّأْي؛ لما روَى ابنُ عباسٍ، قال: بِتُّ لَيلَةً عندَ خالتِي مَيمُونَةَ، فقُلتُ لها: إذا قامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأيقِظِيني. فقامَ صلى الله عليه وسلم، فقُمْتُ إلى جَنْبِه الأيسَرِ، فأخَذَ بيَدِي فجَعَلَنِى في شِقِّه الأيمَنِ، فجَعَلْتُ إذا أغْفَيتُ يَأْخُذُ بشَحْمَةِ أُذُنِي. رَواه مسلمٌ (2). ولأنَّهما يَشْتَبِهان في الانْخِفاضِ واجْتِماعِ المَخْرَجِ، ورُبَّما كان القائِمُ أبْعَدَ مِن الحَدَثِ، لكَوْنِه لو اسْتَثْقَل في النَّوْمِ سَقَط،
(1) في م: «متعمدًا» .
(2)
في: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 528.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمّا الراكِعُ والسّاجدُ فالطاهِرُ إلْحاقُهُما بالمُضْطَجِعِ؛ لأنَّه يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الحَدَثِ، فلا يَتَحَفَّظُ، فهو كالمُضْطَجعِ. ويَحْتَمِلُ التَّفْرِقَةَ بينَ الرّاكِعِ والسّاجِدِ، فيُلْحَقُ الرّاكِعُ بالقائِمِ؛ لَكَوْنِه لا يَسْتَثْقِلُ في النَّوْمِ، إذْ لو اسْتَثْقَل سَقَط، فالظّاهِرُ أنَّه يُحِسُّ بما يَخْرُجُ منه، بخِلافِ السَّاجِدِ، فإنَّه يَعْتَمِدُ بأعْضائِه على الأرضِ ويَسْتَثْقِلُ في النَّوْم، فيُشْبِهُ المُضْطجِعَ، فلا يُحِسُّ بما يَخْرُجُ. وذَكَر ابنُ عَقِيلٍ روايةً عن أَحمدَ، أنَّه لا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ السّاجِدِ وَحْدَه.
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، في القاعِدِ المُسْتَنِدِ والمُحْتَبِي، فعنه: لا يَنْقُضُ يَسِيرُه، كالقاعِدِ الَّذي ليس بمُسْتَنِدٍ. وعنه: يَنْقُضُ بكلِّ حالٍ. وهو ظاهِرُ المذهبِ. قال القاضي: متى نامَ مُضْطَجِعًا أو مُسْتَنِدًا، أو مُتَّكِئًا إلى شيءٍ، متى أُزِيلَ عنه سَقَط، نَقَض الوُضُوءَ قَلِيلُه وكَثِيرُه؛ لأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُعْتَمِدٌ على شيءٍ، فهو كالمُضْطَجِعِ. وعنه ما يَدُلُّ على التَّفْرِقَةِ بَينَ المُحْتَبِي والمُسْتَنِدِ، فإنَّه قال في روايَةِ أبي داودَ: المُتَسانِدُ كأنَّه أشَدُّ. يَعْنِي مِن المُحْتَبِي. قال شَيخُنا (1): والأوْلَى أنَّه متى كان مُعْتَمِدًا بمَحَلِّ الحَدَثِ على الأرضِ، أن لا يَنْقُضَ منه إلَّا الكثيرُ؛ لأنَّ دَلِيلَ انْتِفاءِ النَّقْضِ في القاعِدِ لا تَفْرِيقَ فيه، فيُسَوَّى بينَ أحْوالِه.
فصل: واخْتَلَفَ أصحابُنا في حَدِّ اليَسِيرِ مِن النَّوْمِ الَّذي لا يَنْقُضُ، فقال القاضي: ليس للقَلِيلِ حَدٌّ يُرْجَعُ إليه، فعلى هذا يُرْجَعُ إلى العُرْفِ. وقِيلَ: حَدُّ الكَثِيرِ ما يَتَغَيَّرُ به النّائِمُ عن هَيئَتِه، مِثْلَ أن يَسْقُطَ على الأرضِ، أو يَرَى حُلْمًا. قال شَيخُنا (2): والصَّحِيحُ أنَّه لا حَدَّ له؛ لأنَّ التَّحْدِيدَ إنَّما يُعْلَمُ بالتَّوْقِيفِ، ولا تَوْقِيفَ، فمتى وُجِدَ ما يَدُلُّ على الكَثْرَةِ، مِثْلَ سُقُوطِ المُتَمَكِّنِ، انتَقَض وُضُوءُه، وإلَّا فلا، وإن شَكَّ في كَثْرَتِه لم يَنْتَقِضْ؛ لأنَّ الأصْلَ الطهارةُ، فلا تَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ.
(1) انظر: المغني 1/ 237.
(2)
انظر: المغني 1/ 237.