الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُجْزِئ؛ وَهُوَ أنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ أذًى، وَيَنْوِي، وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغَسْلِ،
ــ
عليه (1). وقد اخْتَلَفَ (2) عن أحمدَ في غَسْلِ الرِّجْلَين، فقال في رِوايةٍ: بَعْدَ الوُضُوءِ على حَدِيثِ مَيمُونَةَ. وقال في رواية: العَمَلُ على حديثِ عائِشَةَ. وفيه أنَّه تَوَضَّأ للصلاةِ قبلَ اغْتِسالِه. وقال في مَوْضِعِ: غَسْلُ رِجْلَيه في مَوْضِعِه وبعده وقبلَه، سَواءٌ. ولَعَلَّه ذَهَب إلى أنَّ اخْتِلافَ الأحادِيثِ فيه يَدُلُّ على أنَّ مَوْضِعَ الغَسْلِ ليس بمَقْصُودٍ، وإنَّما المَقْصودُ أصْلُ الغَسْلِ.
161 - مسألة؛ قال: (ومُجْزِئ وهو أن يَغْسِلَ ما به مِن أذًى، ويَنْوِي، ويَعُمَّ بَدَنَه بالغَسْلِ)
مثلَ أن يَنْغَمِسَ في ماء راكِدٍ، أو جارٍ غامِر،
(1) أخرجه البخاري، في: باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 73، 74. ومسلم، في: باب صفة غسل الجنابة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 255. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 55. والنسائي، في: باب استبراء البشرة في الغسل من الجنابة، من كتاب الغسل. المجتبى 1/ 169. والإمام مالك، في: باب الحمل في غسل الجنابة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 44.
(2)
أي النقل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يَقِفَ تحتَ صَوْب المَطرَ، أو مِيزابٍ، حتى يَعُمَّ الماءُ جَمِيعَ جَسَدِه، فيُجْزِئَه؛ لقَولِه تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1). وقَوْلِه: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (2). وقد حَصَلَ الغُسْلُ، فتُباحُ له الصلاةُ؛ لأنَّ الله تعالى جَعَل الغُسْلَ غايةً للمَنْعِ مِن الصلاةِ، فيَقْتَضِي أن لا يُمْنَعَ منها بعدَ الاغْتِسال.
فصل: ويُسْتَحَبُّ إمْرارُ يَدِه على جَسَدِه في الغُسْلِ والوُضُوءِ، ولا يجِبُ إذا تَيَقَّنَ أو غَلَب على ظنِّه وُصُولُ الماءِ إلى جَمِيعِ جَسَدِه. وهذا قولُ الحسنِ، والنَّخَعِيِّ، والشَّعْبِيّ، والثَّوْرِيِّ، والشافعي، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأي. وقال مالكٌ: إمْرارُ يده على بَدَنِه إلى حيث تَنالُ واجِبٌ. ونَحْوَه قال أبو العالِيَةِ. قالوا: لأنَّ الله تعالى قال: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . ولا يُقالُ: اغتَسَل. إلَّا لمَن دَلَك نَفْسَه، ولأنَّها طهارة عن حَدَثٍ، فوَجَبَ فيها إمْرارُ اليَدِ، كالتَّيَمُّمِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمِّ سَلَمَةَ في
(1) سورة المائدة 6.
(2)
سورة النساء 43.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غُسْلِ الجَنابَةِ: «إنَّمَا يَكْفِيكِ أنْ تَحْثِي عَلَى رَأسِكِ. ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيكِ الْماءَ فَتَطْهُرِينَ» . رَواه مسلم (1). ولأنَّه غُسْلٌ واجِبٌ فلم يَجِبْ فيه إمْرارُ اليَدِ، كغَسْلِ النَّجاسَةِ، وما ذَكَرُوه مَمْنُوع، فإنَّه يُقالُ: غَسَل الإِناءَ. وإن لم يَدْلُكْه. والتَّيَمُّمُ أمِرْنا فيه بالمَسْحِ؛ لأنّها طهارة بالتُّرابِ، ويتَعَذَّرُ في الغالِبِ إمْرارُ التُّرابِ إلَّا باليَدِ.
فصل: ولا يَجِبُ الترتِيبُ في غُسْلِ الجَنابَةِ؛ لأنَّ الله تعالى قال: {وَإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} . وقال: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . فكَيفَما اغتَسَل فقد حَصَل التَّطَهُّرُ (2) ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. ولا يَجِبُ فيه مُوالاةٌ. نَصَّ عليه أحمدُ.
(1) في: باب حكم ضفائر المغتسلة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 259. كما أخرجه أبو داود، في: باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل، من كتاب الطهارة. سننن أبي داود 1/ 58. والترمذي، في: باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 158. والنسائي، في: باب ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من جنابة، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 108.
(2)
في م: «التطهير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال حَنْبَلٌ: سألتُ أحمدَ عَمَّن اغْتَسَل وعليه خاتَمٌ ضَيِّقٌ؟ قال: يَغْسِلُ مَوْضِعَ الخاتَمِ. قلتُ: فإن جَفَّ غُسْلُه؛ قال: يَغْسِلُه، ليس هو بمَنْزِلَةِ الوُضُوءِ. قلتُ: فإن صَلَّى، ثم ذَكَر؛ قال: يَغْسِلُ مَوْضِعَه، ثم يُعِيدُ الصلاةَ. وهذا قَوْلُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقال رَبِيعَةُ: مَن تَعَمَّدَ ذلك أعادَ الغُسْلَ. وهو قولُ اللَّيثِ. واخْتَلَفَ فيه عن مالكٍ. وفيه وَجْهٌ لأصحابِ الشافعيِّ قِياسًا على الوُضُوءِ. وذَكَر الشيخُ أبو الفَرَجِ في «الإِيضاحِ» ، أنَّه شَرْطٌ. والأوْلَى قولُ الجُمْهُور؛ لأنَّها طهارةٌ لا تَرْتيِبَ فيها، فلم تَجِبْ فيها مُوالاةٌ، كغَسْلِ النَّجاسَةِ. فعلى هذا تَكُونُ واجِباتُ الغُسْلِ شَيئَين؛ النيةَ، وتَعْمِيمَ البَدَنِ بالغَسْلِ، وقد ذَكَرْنا الاخْتِلافَ في التَّسْمِيَةِ فيما مَضَى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنِ اجْتَمَع شَيئان يُوجِبان الغُسْلَ؛ كالحَيضِ والجَنابَةِ، والْتِقاءِ الخِتانَين والإِنْزالِ، فنَواهُما بغُسْلِه، أجْزأه عنهما. وهو قَوْلُ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم مالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأي. ورُوي عن الحسنِ والنَّخَعِيِّ، في الحائِضِ الجُنُبِ (1): تَغْتَسِلُ غُسْلَين. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ يَغْتَسِلُ مِن الجِماعَ إلَّا اغْتِسالًا (2) واحِدًا، وهو يَتَضَمَّنُ الْتِقاءَ الخِتانَين والإِنْزال غالِبًا، ولأنَّهما سَبَبان يُوجبان الغُسْلَ، فأجْزَأ الغُسْلُ الواحِدُ عنهما، كالحَدَثِ والنَّجاسَةِ. وهكَذا الحُكْمُ إِنِ اجْتَمَعَتْ أحْداثٌ تُوجِبُ الطهارةَ الصُّغْرَى؛ كالنَّوْمِ واللَّمْسِ وخُرُوجِ النَّجاسَةِ، فنَواها بطَهارَتِه. وإن نَوَى أحَدَها ففيه وَجْهان، مَضَى ذِكْرُهما.
(1) في م: «والجنب» .
(2)
ساقطة من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا بَقِيَتْ لُمْعَةٌ مِن جَسَدِه لم يُصِبْها الماءُ، فمَسَحَها بيَدِه أو بشَعَرِه، أو عَصَر شَعَرَه عليها، فقد اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ فيه عن أحمدَ؛ فرُوِيَ أنَّه سُئِل عن حديثِ العَلاءِ بنِ زِيادٍ (1)، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ، فرَأى لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ فدَلَكَها بشَعَرِه. قال: نعم، آخُذُ به (2). [ورُوي عن علي](3)، قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي اغْتَسَلْتُ مِن الجَنابَةِ، وصَلَّيتُ الفَجْرَ، ثم أصْبَحْتُ فرَأيتُ قَدْرَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ لم يُصِبْه ماءٌ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«لو كنت مَسَحْتَ عَلَيهِ بِيَدِكَ، أجْزَأكَ» . رَواه ابنُ ماجه (4). ورُوي عن أحمدَ أنَّه قال: يَأخُذُ لها ماءً جَدِيدًا، فيه حَدِيثٌ لا يَثْبُتُ بعَصْرِ شَعَرِه. وذُكِرَ له حديثُ ابنِ عباس؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَصَر لِمَّتَه على لُمْعَةٍ كانت في جَسَدِه (5). فضَعَّفَه، ولم يُصَحِّحْه. قال
(1) أبو نصر العلاء بن زياد بن مطر العدوي البصري، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من عُبَّاد أهل البصرة وقرائهم، توفي سنة أربع وتسعين. تهذيب التهذيب 8/ 181، 182.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من اغتسل من الجنابة فبقى من جسده لمعة لم يصبها الماء كيف يصنع؛ من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 217. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 243.
(3)
في م: «وروى على» .
(4)
في الموضع السابق، 1/ 218.
(5)
أخرجه ابن ماجه في الموضع السابق، 1/ 217.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَيْخُنا: والصحِيحُ أنَّ ذلك يُجْزِئُه إذا كان مِن بَلَلِ الغَسْلَةِ الثانيةِ أو الثالثةِ، وجَرَى ماؤُه (1) على اللُّمْعَةِ؛ لأنَّه كغَسْلِها بماءٍ جديدٍ، على ما فيه مِن الأحاديثِ (2). فإن لم يَجْرِ الماءُ، فالأوْلَى غَسْلُها بماءٍ جَدِيدٍ. ويُمْكِنُ حَمْلُ المَسْحِ على الغَسْلِ الخَفِيفِ في الحَدِيثِ، فإنَّ الغَسْلَ الخَفِيفَ يُسَمَّى مَسْحًا. وإن عَصَر شَعَرَه في الغَسْلَةِ الأولَى، انْبَنَى على المُسْتَعْمَلِ في رَفْعِ الحَدَثِ، على ما مَضَى.
(1) في م: «ماؤها» .
(2)
انظر: المغني 1/ 293.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَجِبُ على المرأةِ نَقْضُ شَعَرِها لغُسْلِها مِن الجَنابَةِ، رِوايَةً واحِدَةً، إذا رَوَّتْ أصُولَه. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا، إلَّا أنَّه رُوِيَ عن ابنِ عَمْرٍو، أنه كان يَأمُرُ النِّساءَ بذلك. وهو قَوْلُ النَّخَعِي. ولا نَعْلَمُ أحدًا وافَقَهُما على ذلك. ووَجْهُ الأوَّلِ ما رَوَتْ أمُّ سَلَمَةَ، أنَّها قالت: يا رسولَ الله، إنِّي امرأةٌ أشُدُّ ضَفْرَ رَأسِي، أفأنْقُضُه للجَنابَةِ؟ قال:«لَا، إنَّمَا يكفيك أنْ تَحْثِي عَلَى رَأسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» . رَواه مسلمٌ (1). وعن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ (2)، قال: بَلَغ عائشَةَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو يَأمُرُ النِّساءَ إذا اغْتَسَلْنَ أن يَنْقُضْنَ رُوُّوسَهُنَّ. فقالت:
(1) تقدم في صفحة 132.
(2)
أبو عاصم عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، قاصّ أهل مكة، مكي، تابعي، ثقة، من كبار التابعين، توفي سنة ثمان وستين. تهذيب التهذيب 6/ 71.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يا عَجَبِي لابنِ عَمْرٍو هذا، يَأْمُرُ النِّساءَ إذا اغْتَسَلْنَ أن يَنْقُضْنَ رُووسَهُنَّ، أفلا يَأْمُرُهُنَّ أن يَحْلِقْنَ رُؤوسَهُنَّ، لقد كنتُ أغْتَسِلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن إِناءٍ واحِدٍ، وما أزِيدُ على أن أفْرِغَ على رَأسِي ثلاثَ إفْراغاتٍ. رَواه مسلم (1). إلَّا أن يَكُونَ في رأس المرأةِ حَشْوٌ أو سِدْرٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الماءِ إلى ما تحتَه، فتجِبُ إزالتُه، وإن كان خَفِيفًا لا يَمْنَعُ، لم تَجِبْ.
فصل: فأمّا غُسْلُ الحَيضِ، فنَصَّ أحمدُ على أنها تَنْقُضُ شَعَرَها فيه. قال مُهَنّا: سَألْتُ أحمدَ عن المرأةِ، تَنْقُضُ شَعَرَها مِن الحَيضِ؟ قال: نعم. فقُلْتُ له: كيف تَنْقُضُه مِن الحَيض، ولا تَنْقُضُه مِن الجَنابَةِ؟ فقال: حَدِيثُ أسماءَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«تَنْقُضُهُ» (2). واخْتَلَفَ فيه
(1) في: باب حكم ضفائر المغتسلة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 260. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 198. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 43.
(2)
ليس في حديث أسماء ذكر نقض الشعر أو عدم نقضه، وإنما ورد الأمر بالنقض في حديث عائشة الذي أورده المصنف بعد قليل. ويأتي تخريج حديث أسماء بعد قليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابُنا؛ فمنهم مَن أوْجَبَه، وهو قَوْلُ الحسنِ وطاوُس؛ لِما رُوِيَ عن عائِشَةَ، رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها، إذْ كانت حائِضًا:«خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ وامْتَشِطِي» (1). ولا يَكُونُ المَشْطُ إلَّا في شَعَرٍ غيرِ مَضْفُورٍ. وللبُخارِي (2): «انْقُضِي رَأسَكِ وَامْتَشِطِي» . ولأنَّ الأصْلَ وُجُوبُ نَقْضِ الشَّعَرِ، ليُتَيَقَّنَ وُصُولُ الماء إلى ما تحتَه، فعُفِىَ عنه في غُسْلِ الجَنابَةِ؛ لأنَّه يَكْثُرُ، فيَشُقُّ ذلك، بخِلافِ الحَيض. وقال بَعْضُ أصحابِنا: هو مُسْتَحَب غيرُ واجِبٍ. رُوِيَ ذلك عن عائِشَةَ، وأمِّ سَلَمة. وهو قَوْلُ مالكٍ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأي، وأكْثَرِ العلماءِ. وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ في بَعْضِ ألفاظِ حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ: أفأنْقُضُه للحَيضَةِ
(1) أخرجه الدارمي، في: باب في غسل المستحاضة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 197، بلفظ:«خذي ماءك وسدرك ثم اغتسلي وأنقي، ثم صبي على رأسك حتى تبلغي شئون الرأس» .
(2)
في: باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، وباب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض، وباب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة، من كتاب الحيض، وفي: باب كيف تهل الحائض والنفساء إلخ، من كتاب الحج، وفي: باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها، وباب الاعتمار بعد الحج بدون هدى، من كتاب العمرة، وفي: باب حجة الوداع، من كتاب المغازي. صحيح البخاري 1/ 86، 87، 2/ 172، 3/ 4، 5، 5/ 221.كما أخرجه مسلم، في: باب بيان وجوه الإحرام إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 870 - 872. وأبو داود، في: باب في إفراد الحج، من كتاب الحج. سنن أبي داود 1/ 412. والنسائي، في: باب ذكر الأمر بنقض ضفر الرأس عند الاغتسال للإحرام، من كتاب الطهارة. وفي: باب في المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج، من كتاب الحج. المجتبى 1/ 109، 5/ 129. وابن ماجه، في: باب العمرة من التنعيم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 998. والإمام مالك، في: باب دخول الحائض مكة، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 410، 411. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 164، 177، 191، 246. وهو طرف من الحديث الآتي؛ «دعي عمرتك. . . .» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجَنابَةِ؟ قال: «لَا» . رَواه مسلمٌ (1). وهذه زِيادَةٌ يَجِبُ قَبُولُها. وهذا صَرِيحٌ في نَفْي الوُجُوبِ، فأمّا حديثُ عائشةَ الذي رَواه البُخارِيُّ، فليس فيه أمْرٌ بالغُسْلِ، ولو كان فيه أمْر لم يَكُنْ فيه حُجَّةٌ؛ لأنَّ ذلك ليس هو غُسْلَ الحَيضِ، إنَّما أمِرَتْ بالغُسْلِ في حالِ الحَيضِ للإِحْرامِ بالحَجِّ. ولو ثَبَت الأمْرُ بالغُسْلِ، حُمِل على الاسْتِحبابِ؛ جَمْعًا بينَ الحَدِيثَين، ولأنَّ فيه ما يَدُلُّ على الاسْتِحْبابِ، وهو المَشْطُ والسِّدْرُ، وليس بواجِبٍ، فما هو مِن ضَرُورَتِه أوْلَى.
فصل: ويَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةِ الرَّأْسِ، كَثِيفًا كان الشَّعَرُ أو خَفِيفًا، وكذلك كلُّ ما تحتَ الشَّعَرِ، كجِلْدِ اللِّحْيَةِ؛ لِما رَوَتْ أسماءُ، قالت: سألْتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن غُسْلِ الجَنابَةِ، فقال:«تَأخُذُ مَاءً فَتَطهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ شُوونَ رَأسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيهِ الْمَاءَ» . رَواه مسلمٌ. وعن عليٍّ، رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«مَنْ تَركَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فُعِلَ بِهِ مِنَ النَّارِ كَذَا وَكَذَا» . قال عليٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عادَيتُ شَعَرِي. قال: وكان يَجُزُّ شَعَرَه. رَواه أبو داودَ (2).
(1) في الموضع السابق.
(2)
في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 57. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب تحت كل شعرة جنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 196.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا غَسْلُ ما اسْتَرْسَلَ مِن الشَّعَرِ، وبَلُّ ما على الجَسَدِ منه، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَجِبُ. وهو ظاهِرُ قَوْلِ أصحابنا، ومَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لِما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعَرَ، وَأنْقُوا الْبَشَرَةَ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّه شَعَرٌ نابِتٌ في مَحَلِّ الفَرْضِ، فوَجَبَ غَسْلُه، كشَعَرِ الحاجبَين. والثاني، لا يَجِبُ. وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«يكْفِيكِ أنْ تَحْثِي عَلَى رَأسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ» . مع إخْبارِها إيّاه بشَدِّ ضَفْرِ رَأسِها، ومِثْلُ هذا لا يَبُلُّ الشَّعَرَ المَشْدُودَ ضَفْرُه في العادَةِ، ولو وَجَب غَسْلُه لوَجَبَ نَقْضُه؛ ليُعْلَمَ أنَّ الماءَ قد وَصَل إليه، ولأنَّ الشَّعَرَ ليس مِن الحَيَوانِ؛ بدَلِيلِ أنَّه لا يَنْقُضُ مَسُّه مِن المرأةِ، ولا تَطْلُقُ بإيقاعِ الطَّلاقِ عليه، فلم يَجِبْ غَسْلُه كثَوْبِها. وأمّا حَدِيثُ:«بِلُّوا الشَّعَرَ» . فيَرْويه الحارِثُ بنُ وَجيهٍ (2) وَحْدَه، وهو
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 57. والترمذي، في: باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 161. وابن ماجه، في: باب تحت كل شعرة جنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 196.
(2)
أبو محمد الحارث بن وجيه الراسبي البصري. انظر تضعيفه في تهذيب التهذيب 2/ 162. وانظر قول الترمذي فيه، في موضعه من التخريج السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضَعِيفُ الحَدِيثِ، عن مالكِ بنِ دِينارٍ (1). والحاجِبانِ إنَّما وَجَبَ غَسْلُهما مِن ضَرُورَةِ غَسْلِ بَشَرَتِهما، وكذلك كلُّ شَعَرٍ لا يُمْكِنُ غَسْلُ بَشَرَتِه إلَّا بغَسْلِه، لأنَّه مِن قَبِيلِ ما لا يَتمُّ الواجِبُ إلَّا به. فإن قُلْنا بوُجُوبِ غَسْلِه، فتَرَكَ غَسْلَ شيءٍ منه، لم يَتمَّ غُسْلُه. فإن قَطَع المَتْرُوكَ، ثم غَسَلَه، أجْزأه؛ لأنَّه لم يَبْقَ في بَدَنِه شيءٌ غيرُ مَغْسُول. ولو غَسَلَه، ثم تَقَطعَ، لم يَجِبْ غَسْلُ مَوْضِعِ القَطْعِ، كما لو قَصَّ أظْفارَه بعدَ الوُضُوءِ.
فصل: وغُسْلُ الحيض كغُسْلٍ الجَنابَةِ، إلَّا أنَّه يُسْتَحَبُّ أن تَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ، وتَأخُذَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فتَتَّبعَ بها مَجْرَى الدَّمِ، والمَوْضِعَ الذي يَصِلُ إليه الماءُ مِن فَرْجِها؛ ليَزُولَ عنها زُفُورَةُ الدَّمِ، فإن لم تَجِدْ مِسْكًا فَغَيرُه مِن الطِّيبِ، فإن لم تَجِدْ فالماءُ كافٍ؛ لأنَّ في حديثِ أسماءَ:«تَأخُذُ إحْدَاكُنَّ سِدْرَتَهَا وَمَاءَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، [ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤونَ رَأسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيهِ الْمَاءَ، ثُمَّ تَأخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا» ] (2). قالت أسماءُ: وكيف
(1) مالك بن دينار السامي البصري الزاهد، أبو يحيى، ثقة، قليل الحديث. توفي سنة 130 هـ. تهذيب التهذيب 10/ 14، 15.
(2)
سقط من: «الأصل» .