الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إلا الدَّمَ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ؛ مِنَ الْقَيحِ، وَالصَّدِيدِ، وَأَثَرَ الاسْتِنْجَاءِ.
ــ
204 - مسألة؛ قال: (ولا يُعْفَى عن يَسِيرِ شيءٍ مِن النَّجاساتِ، إلَّا الدَّمَ، وما تَوَلَّد منه مِن القَيحِ والصَّدِيدِ، وأثَرَ الاسْتِنْجاءِ)
أراد أثَرَ الاسْتِجْمارِ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا في العَفْو عنه بعدَ الإِنْقاءِ واسْتِيفاءِ العَدَدِ، وقد ذَكَرْنا الخِلافَ في طَهارتِه.
فصل: فأمّا الدَّمُ والقَيحُ، فأكْثَرُ أهلِ العلمِ يَرَوْن العَفْوَ عن يَسِيرِه، ومِمَّن رُوِيَ عنه ذلك ابنُ عباسٍ، وأبو هُرَيرَةَ، وجابرٌ، وابنُ أبي أوْفَى، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وابنُ جُبَيرٍ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، وعُرْوَةُ، والنَّخَعِيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْي. ورُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه كان يَنْصَرِفُ مِن قَلِيلِه وكَثِيرِه. ونَحْوُه عن الحسنِ، وسُلَيمانَ التَّيمِيِّ (1)؛ لأنَّه نَجِسٌ، أشْبَهَ البَوْلَ. ولَنا، ما رُوِيَ عن عائشةَ، قالت: قد يكُونُ
(1) سليمان بن طرخان التيمي البصري، أبو المعتمر. روى عن أنس. تابعي ثقة. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة. تهذيب التهذيب 4/ 201 - 203.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لإِحْدانا الدِّرْعُ، فيه تَحِيضُ، وفيه تُصِيبُها الجَنابَةُ، ثم تَرَى فيه قَطرةً مِن دَمٍ فتَقْصَعُه (1) برِيقِها. وفي رِوايَةٍ: بَلَّتْه برِيقِها، ثم قَصَعَتْه بظُفْرِها. رَواه أبو داودَ (2). وهذا يَدُلُّ على العَفْو عنه؛ لأنَّ الرِّيقَ لا يُطَهِّرُه، ويَتَنَجَّسُ به ظُفْرُها، وهو إخْبارٌ عن دَوامِ الفِعْلِ، ومِثْلُ هذا لا يَخْفَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يَصْدُرُ إلَّا عن أمْرِه، ولأنَّه قَوْلُ مَن سَمَّينا مِن الصَّحابَةِ، ولم يُعْرَفْ لهم مُخالِفٌ. وما رُويَ عن ابنِ عُمَرَ فقد رُويَ عنه خِلافُه، فرَوَى عنه الأثْرَمُ بإسْنادِه، أنَّه كان يَسْجُدُ فيُخْرجُ يَدَيه، فيَضَعُهما بالأرضِ وهما يَقْطرُان دَمًا مِن شُقاقٍ (3) كان في يَدَيه، وعَصَر بَثْرَةً فخَرَجَ منها دَمٌ، فمَسَحَه بيَدِه، وصَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ. وانْصِرافُه عنه في بَعْضِ الحالاتِ لا يُنافِي ما رَوَيناه عنه، فقد يَتَوَرَّعُ الإِنسانُ عن بعضِ ما يَرَى جَوازَه، ولأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه فعُفِيَ عنه، كأثَرِ الاسْتِجْمارِ. وحَدُّ اليَسِيرِ المَعْفُوِّ عنه، هو الذي لا يَنْقُضُ الطهارةَ، وقد ذَكَرْنا الخِلافَ فيه في نَواقِضِ الوُضُوءِ. واللهُ أعلمُ.
(1) تقصعه: تدلكه.
(2)
في: باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 86.كما أخرجه البخاري، في: باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 85.
(3)
الشقاق: تشقق الجلد من بَرْدٍ أو غيره في اليدين والوجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والقَيحُ والصَّدِيدُ مِثْلُه، إلا أنَّ أحمدَ قال: هو أسْهَلُ مِن الدَّمِ؛ لأنَّه رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ والحسنِ أنَّهما لم يَرَياه كالدَّمِ. قال أبو مِجْلَزٍ، في الصَّدِيدِ: إنَّما ذَكَر الله الدَّمَ المَسْفُوحَ. وقال أُمَيُّ بنُ رَبيِعَةَ (1): رَأيتُ طاوُسًا كأنَّ إزارَه نِطْعٌ (2) مِن قُرُوحٍ كانت برِجْلَيه. ونَحْوُه عن مُجاهِدٍ. وقال إبراهيمُ، في الذي يَكُونُ به الحُبُونُ (3): يُصَلِّي، ولا يَغْسِلُه، فإذا بَرَأ غَسَلَه. ونَحْوُه قَوْلُ عُرْوَةَ. فعلى هذا يُعْفَى منه عن أكْثَرَ مِمّا يُعْفَى عن مِثْلِه مِن الدَّمِ؛ لأنَّ هذا لا نَصَّ فيه، وإنَّما ثَبَتَتْ نَجاسَتُه لاسْتِحالتِه مِن الدَّمَ.
(1) أبو عبد الرحمن أمي بن ربيعة المرادى الكوفي، ثقة، روى عن عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وغيرهما، روى عنه شريك، وسفيان بن عيينة. تهذيب التهذيب 1/ 369، 370.
(2)
النطع: بساط من أديم، يوضع على الأرض تحت ما يذبح.
(3)
في م: «الحبور» . والحِبْن، بالكسر: خراج كالدمل، وما يعترى في الجسد فيقيح ويرم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِ الدَّمِ مُجْتَمِعًا أو مُتَفَرِّقًا فإذا (1) جُمِع بَلَغ هذا القَدْرَ. ولو كانتِ النَّجاسَةُ في شيءٍ صَفِيقٍ (2) قد نَفَذَتْ منه (3) مِن الجانِبَينِ، فاتَّصَلَتْ، فهي نَجاسَةٌ واحِدَةٌ، وإن لم تَتَّصِلْ، بل كان بينَهما شيءٌ لم يُصِبْه الدَّمُ فهما نَجاسَتان، إذا بَلَغَا لو جُمِعا قَدْرًا لا يُعْفَى عنه، لم يُعْفَ عنهما (4)، كجانِبَيِ الثَّوْبِ.
(1) في الأصل: «إذا» .
(2)
في الأصل: «ضيق» . والصفيق: المتين.
(3)
سقطت من: «م» .
(4)
في الأصل: «عنها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ودَمُ الحَيضِ في العَفْو عنه كغيرِه؛ لحديثِ عائشةَ الذي ذَكَرْناه، وكذلك سائِرُ فِي دِماءِ الحَيَواناتِ الطّاهِراتِ. فأمّا دَمُ الكلبِ والخِنْزِيرِ، وما تَوَلَّدَ منهما، أو مِنِ أَحَدِهما، فلا يُعْفَى عن يَسِيرِه؛ لأنَّ رُطُوباتِه الطّاهِرَةَ مِن غيرِه، لا يُعْفى عن يَسِيرِها، فدَمُه أوْلَى. فأمّا دَمُ البَغْلِ، والحِمارِ، وسِباعِ البَهائِمِ، والطَّيرِ، إن قُلْنا بطَهارَتِها، عُفِي عن يَسِيرِ دِمائِها، كسائِرِ الحيواناتِ الطّاهِراتِ، وإن قُلْنا بنَجاسَتِها، وقُلْنا: لا يُعْفَى عن يَسِيرِ شيءٍ مِن رُطُوباتِها، كالرِّيقِ، والعَرَقِ. فأَوْلَى أن لا يُعْفَى عن دَمِها، كدَمِ الكلبِ والخِنْزِيرِ. ولأنَّ دَمَها لابُدَّ أن يُصِيبَ جِسْمَها، فلم يُعْفَ عنه، كالماءِ، وهكذا حُكْمُ كلِّ دَم أصاب نَجاسَةً غيرَ مَعْفُوٍّ عنها، لم يُعْفَ عن شيءٍ منه؛ لذلك (1). وإن قُلْنا: يُعْفَى عن يَسِيرِ رِيقِها، وعَرَقِها. احْتَمَلَ أن يُعْفَى عن يَسِيرِ دَمِها، قِياسًا عليه. واللهُ أعلمُ.
(1) في تش: «كذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ودَمُ ما لا نَفْسَ له سائِلَةً؛ كالبَقِّ، والبَراغِيثِ، والذُّبابِ، ونَحْوه، طاهِرٌ في ظاهِرِ المذهبِ. ومِمَّن رَخَّصَ في دَمِ البَراغِيثِ؛ عَطاءٌ، وطاوُسٌ، والحسنُ، والشَّعْبِيُّ، والحَكَمُ، وحَمّادٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ؛ لأنَّه لو كان نَجِسًا لنَجَّسَ الماءَ اليَسِيرَ إذا مات فيه، فإنَّه إذا مَكَث في الماءِ، لا يَسْلَمُ مِن خُرُوجِ فَضْلَةٍ منه، ولأنَّه ليس بدَمٍ مَسْفُوحٍ، وإنَّما حَرَّمَ اللهُ سبحانه الدَّمَ المَسْفُوحَ. ورُوي عن أحمدَ، أنَّه قال في دَمِ البَراغِيثِ: إنِّي لأفْزَعُ منه إذا كَثُر. وقال النَّخَعِيُّ: اغْسِلْ ما اسْتَطَعْتَ. وقال مالكٌ، في دَمِ البَراغِيثِ: إذا كَثُر وانْتَشَرَ، فإنِّي أرَى أن يُغْسَلَ. والأوَّلُ أظْهَرُ. وقولُ أحمدَ ليس فيه تَصْرِيحٌ بنَجاسَتِه، بل هو دلِيلُ التَّوَقُّفِ، ولأنَّ المَنْسُوبَ إلى دَمِ البَراغِيثِ إنَّما هو بَوْلُها في الظّاهِرِ، وبَوْلُ هذه الحَشَراتِ ليس بنَجِسٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا دَمُ السَّمَكِ، فقال أبو الخَطّابِ: هو طاهِرٌ. وهذا قَوْلُ الحسنِ (1)؛ لأنَّ إباحَتَه لا تَقِفُ على سَفْحِه، ولو كان نَجِسًا، لوَقَفَتِ الإِباحَةُ على إراقَتِه بالذَّبْحِ، كحَيَوانِ البَرِّ، ولأنَّه إذا تُرِك اسْتَحال ماءً. وقال أبو ثَوْرٍ: هو نَجِسٌ؛ لأنَّه مَسْفُوحٌ، فيَدْخُلُ في عُمُومِ الآيةِ. والعَلَقَةُ نَجِسَةٌ؛ لأنَّها دَمٌ خارِجٌ مِن الفَرْجِ، أشْبَهَ دَمَ الحَيضِ. وعنه، أنَّها طاهِرَةٌ؛ لأنَّه بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، أشْبَهَتِ المَنِيَّ. قال شَيخُنا (2): والصَّحِيحُ نَجاسَتُها؛ لأنَّها دَمٌ، أشْبَهَتْ سائِرَ الدِّماءِ، ولأنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ فيها بطَهارَةٍ، فتَدْخُلُ في عُمُومِ النَّصِّ. وما يَبْقَى في اللَّحْمِ مِن الدَّمِ مَعْفُوٌ عنه، ولو عَلَتْ (3) حُمْرَةُ الدَّمِ في القِدْرِ، لم يَكُنْ نَجِسًا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه. وإذا أصابَ الأجْسامَ الصَّقِيلَةَ، كالسَّيفِ والمِرْآةِ، نَجاسَةٌ يُعْفَى عن يَسِيرِها، كالدَّمِ، عُفِى عن كَثِيرِها بالمَسْحِ؛ لأنَّ الباقِي بعدَ المَسْحِ يَسِيرٌ. وإن كَثُر مَحَلُّه؛ يُعْفَى (4) عنه، كيَسِيرِ غيرِه.
(1) في م: «أبي الحسن» .
(2)
انظر: المغني 2/ 499.
(3)
في الأصل: «غلب» .
(4)
في الأصل، م:«فعفى» . والمثبت من: تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنَّما يُعْفَى عن يَسِيرِ الدَّمِ في غيرِ المائِعاتِ، فلو وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِن دَمٍ في مائِعٍ يَسِيرٍ تَنَجَّسَ، وصار حُكْمُه حُكْمَ الدَّمِ في العَفْو عن يَسِيرِه؛ لأنَّه فَرْعٌ عليه.
وَعَنْهُ، فِي الْمَذْي، وَالْقَىْءِ، وَرِيقِ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَالطَّيرِ، وَعَرَقِهَا، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالنَّبِيذِ، وَالْمَنِيِّ، أَنَّهُ كَالدَّمِ. وَعَنْهُ، فِي الْمَذْي، أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ.
ــ
205 -
مسألة: (وعنه، في المَذْي، والقَىْءِ، ورِيقِ البَغْلِ، والحِمارِ، وسِباعِ البَهائِمِ، والطَّيرِ، وعَرَقِها، وبَوْلِ الخُفّاشِ، والنَّبِيذِ، والمَنِيِّ؛ أنَّه كالدَّمِ. وعنه، في المَذْي؛ أنَّه يُجْزِئُ فيه النَّضْحُ) اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في ذلك، فرُوِي عنه في المَذْي، أنَّه قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُغْسَلُ ما أصابَ الثَّوْبَ منه، إلَّا أن يكُونَ يَسِيرًا. وروَى الخَلّالُ بإسْنادِه، قال: سُئِل سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيرِ، وأبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرَّحْمنِ، وسُلَيمانُ بنُ يَسارٍ عن المَذْي، فكلُّهم قال: إنَّه بمَنْزِلَةِ القُرْحَةِ؛ فما عَلِمْتَ منه فاغْسِلْه، وما غَلَبَك (1) منه فدَعْه. ولأنَّه (2) يَخْرُجُ مِن [الشّبابَ كَثِيرًا](3) فيَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فعُفِيَ عن يَسِيرِه كالدَّمِ. وعن أحمدَ، أنَّه كالمَنِيِّ؛ لأنَّه خارِجٌ بسَبَبِ الشَّهْوَةِ، أشْبَهَ المَنِيَّ. وعنه، أنَّه يُجْزىِءُ فيه النَّضْحُ؛ لأنَّ في حديثِ سَهْلِ بنِ حُنَيفٍ، قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، فكَيفَ بما أصابَ ثَوْبِي منه؟ قال:«إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فتَنْضَحَ بِهِ حَيثُ تَرَى أَنَّهُ أَصابَ مِنْهُ» (4). قال التِّرمِذِيُّ: حديثٌ صحيحٌ. والرِّوايَةُ الأُخْرَى، يَجِبُ غَسْلُه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر بغَسْلِ الذَّكَرِ منه (5). ولأنَّه نَجاسَةٌ خارِجَةٌ مِن الذَّكَر، أشْبَهَ البَوْلَ. يُرْوَى ذلك عن عُمَرَ، وابنِ عباسٍ. وهو مذهَبُ
(1) في الأصل: «لم تعلم ما عليك» .
(2)
في م: «لأنه» .
(3)
في تش: «أسباب كثيرة» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 309.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 10، 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافعيِّ، وإسحاقَ، وكثيرٍ مِن أهلِ العلمِ. وكذلك المَنِيُّ إذا قُلْنا بنَجاسَتِه؛ لِما ذَكَرْنا في المَذْي. فأمّا الوَدْيُ، فهو نَجِسٌ لا يُعْفَى عنه في الصحيح؛ لأنَّه خارِجٌ مِن مَخْرَجِ (1) البَوْلِ، فهو كالبولِ. وعن أحمدَ أنَّه كالمَذْي. وأمّا القَيْءُ، فرُوىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: هو عندِي بمَنْزِلَةِ الدَّمِ، لَأنَّه خارِجٌ نَجِسٌ مِن غيرِ السَّبيلِ، أشْبَهَ الدَّمَ. ورُوي عن أحمدَ في رِيقِ البَغْلِ والحِمارِ، وعَرَقِهما، أنَّه يُعْفَى عنه إذا كان يَسِيرًا، وهو الظّاهِرُ عن أحمدَ. قال الخَلّالُ: وعليه مذهبُ أبي عبدِ اللهِ، لأنَّه
(1) في الأصل: «مجرى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَشُق التَّحَرُّزُ منه. قال أحمدُ: مَن يَسْلَمُ مِن هذا مِمَّن يَرْكَبُ الحَمِيرَ؟ إلَّا أنِّي أرْجُو أن يكُونَ ما خَفَّ (1) منه أسْهَلَ. قال القاضي: وكذلك ما كان في مَعْناهما مِن سِباعِ البَهائِمِ، سوى الكلبِ والخِنْزِيرِ. وكذلك الحُكْمُ في أرْواثِها. وكذلك الحُكْمُ في سِباعِ الطَّيرِ؛ لأنَّها في مَعْنَى سِباعِ البَهائِمِ، وبَوْلِ الخُفّاشِ. قال الشَّعْبِيُّ، والحَكَمُ، وحَمّادٌ، وحَبِيبُ بنُ أبي ثابِتٍ (2):[لا بَأسَ ببَوْلِ الخُفّاشِ](3)، والخُطّافِ؛ لأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فإنَّه في المَساجِدِ كَثِيرٌ، فلو لم يُعْفَ عن يَسِيرِه، لم يُقَرَّ في المَساجِدِ.
(1) في م: «جف» .
(2)
أبو يحيى حبيب بن أبي ثابت، من فقهاء التابعين بالكوفة، توفي سنة سبع عشرة ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 83.
(3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك النَّبيذُ، لوُقُوعِ الخِلافِ في نَجاسَتِه. وكذلك بَوْلُ ما يُؤْكَلُ لَحْمُه، إذا قُلْنا بنَجاسَتِه؛ لأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، لكَثْرَتِه. وعن أحمدَ، لا يُعْفَى عن يَسِيرِ شيءٍ مِن ذلك؛ لأنَّ الأصْلَ أن لا يُعْفَى عن شيءٍ مِن النَّجاسَةِ، خُولِفَ في الدَّمَ وما تَوَلَّدَ منه، فيَبْقَى ما عَداه على الأصْلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُعْفَى عن يَسِيرِ شيءٍ مِن النَّجاساتِ غيرَ ما ذَكَرْنا، ومِمَّن قال: لا يُعْفَى عن يَسِيرِ البَوْلِ. مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حنيفةَ: يعْفَى عن يَسِيرِ جَمِيعِ النَّجاساتِ؛ لأنَّها يُكْتَفَى فيها بالمَسْحِ في مَحَلِّ الاسْتِنْجاءِ، فلوْ لم يُعْف عن يَسِيرِها، لم يَكْفِ فيها المَسْحُ، ولأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَشُقُّ التَّحَرُّز منه، أشْبَهَ الدَّمَ. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (1). وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» (2). ولأنَّها نَجاسَةٌ لا تَشُقُّ إزالتُها، فوَجَبَتْ كالكَثِيرِ، وأمّا
(1) سورة المدثر 4.
(2)
أخرجه الدارقطني، في: باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه، من كتاب الطهارة، عن أنس، وقال: المحفوظ مرسل. سنن الدارقطني 1/ 127.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدَّمُ فإنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فإنَّ الإِنْسانَ لا يكادُ يَخْلُو مِن بَثْرَةٍ، أو حَكَّةٍ، أو دُمَّلٍ، ويَخْرُجُ مِن أنْفِه وغيرِه، فيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِن يَسِيرِه أكْثَرَ مِن كَثِيرِه، ولهذا فُرِّقَ في الوُضُوءِ بينَ قَلِيلِه وكَثِيرِه.