الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ، وَمَيِّتٌ، وَمِنْ عَلَيهَا غُسْلُ حَيضٍ، فَبُذِلَ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمْ لأَوْلَاهُمْ بِهِ، فهُوَ لِلْمَيِّتِ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ لِلْحَيِّ. وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
ــ
193 - مسألة: (وإنِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ ومَيِّتٌ ومَن عليها غُسْلُ حَيضٍ، فبُذِلَ ماءٌ يَكْفِي أحَدَهم، لأوْلاهُم به، فهو للمَيِّتِ. وعنه، أنَّه للحَيِّ. وأيُّهما يُقدّمُ؟ فيه وَجْهان)
وجُمْلَتُه، أنَّه إذا اجْتَمَعَ جُنُبٌ ومَيِّت ومَن عليها غُسْلُ حَيضٍ، ومعهم ماءٌ لا يَكْفِي إلَّا أحَدَهم؛ فإن كان مِلْكًا لأحَدِهم، فهو أحَقُّ به؛ لأنَّه مُحْتاج إليه لنَفْسِه، ولا يَجُوزُ له بَذْلُه لغيرِه. وإن كان الماءُ لغيرِهم، فأرادَ أن يَجُودَ به على أوْلاهُم به، ففيه رِوايَتان؛ أُولاهُما، أنَّ المَيِّتَ أحَقُّ به؛ لأنَّ غُسْلَه خاتِمَة طَهارَتِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصاحِباه يَرْجِعان إلى الماءِ فيَغْتَسِلان، ولأنَّ القَصْدَ بغُسْلِ المَيِّتِ تَنْظِيفُه، ولا يَحْصُلُ بالتَّيَمُّمِ، والحَيُّ يُقْصَدُ بغُسْلِه إباحَةُ الصلاةِ، وذلك يَحْصُلُ بالتُّرابِ. والثانيةُ، الحَيُّ أوْلَى؛ لأنَّه مُتَعَبِّدٌ بالغُسْلِ مع وُجُودِ الماءِ، والمَيِّتُ قد سَقَط الفَرْضُ عنه بالمَوْتِ، ولأنَّ الحَيَّ يَسْتَفِيدُ ما لا يَستَفِيدُ المَيِّتُ؛ مِن قِراءَةِ القرآنِ، ومَسِّ المُصْحَفِ، والوَطْءِ. اخْتارَها الخَلّالُ. وهل يُقَدَّمُ الجُنُبُ أو الحائِضُ؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، الحائِضُ، لأنَّها تَقْضِي حَقَّ اللهِ تعالى، وحَقَّ زَوْجِها في إباحَةِ وَطْئِها. والثاني، الجُنُبُ أحَقُّ إذا كان رجلًا؛ لأنَّه يَصْلُحُ إمامًا لها، ولا تَصْلُحُ لإِمامَتِه. وإن كان على أحَدِهم نَجاسَةٌ فهو أوْلَى؛ لأنَّ طهارةَ الحَدَثِ لها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَدَلٌ مُجْمَعٌ عليه، بخِلافِ النَّجاسَةِ. وإن وَجَدُوا الماءَ في مَكانٍ، فهو للأحْياءِ؛ لأنَّه لا وجْدانَ للمَيِّتِ. وإن كان للمَيِّتِ ففَضَلَتْ منه فَضْلَةٌ، فهو لوَرَثَتِه، فإن لم يَكُنْ له وارِثٌ حاضِرٌ، فللحَيِّ أخْذُه بقِيمَتِه؛ لأنَّ في تَرْكِه إتْلافَه. وقال بَعْضُ أصحابِنا: ليس له أخْذُه؛ لأنَّ مالِكَه لم يَأْذَنْ فيه، إلَّا أن يَحْتاجَ إليه للعَطَشِ، فيَأخُذَه بشَرْطِ الضَّمانِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنِ اجْتَمَع جُنُبٌ ومُحْدِثٌ، وكان الماءُ لا يَكْفِي الجُنُبَ، فهو أوْلَى؛ لأنَّه يَسْتَفِيدُ به ما لا يَسْتَفِيدُه المُحْدِث. وإن كان فوقَ حاجَةِ المُحْدِثِ فهو أوْلَى به؛ لأنَّه يَسْتَفِيدُ به طهارةً كامِلَةً. وإن كان لا يَكْفِي واحِدًا منهما، فالجُنُبُ أوْلَى به، لأنَّه يَسْتَفِيدُ به تَطْهِيرَ بَعْضِ أعْضائِه. وإن كان يَفْضُلُ عن كلِّ واحدٍ منهما فَضْلَةٌ لا تَكْفِي صاحِبَه، ففيه ثلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحَدُها، يُقَدَّمُ الجُنُبُ؛ لأنَّه يَسْتَفِيدُ بغُسْلِه ما لا يَسْتَفِيدُه المُحْدِثُ. والثاني، يُقَدَّمُ المُحْدِثُ؛ لأنَّ فَضْلَتَه يَلْزَمُ الجُنُبَ اسْتِعْمالُها، رِوايةً واحِدَةً. والثالثُ، التَّسْويَةُ؛ لأنَّه تَقابَلَ التَّرْجِيحان فتَساوَيا، فيُدْفَعُ إلى أحَدِهما، أو يُقْرَعُ بينَهما، وإذا تَغَلَّبَ مَن غيرُه أوْلَى منه على الماءِ، فاسْتَعْمَلَه، كان مُسِيئًا، وأجْزأه، لأنَّ الآخَرَ لم يَمْلِكْه، وإنَّما رَجَح لشِدَّةِ حاجَتِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وهل يُكْرَهُ للعادِمِ جِماعُ زَوْجَتِه إذا لم يَخَفِ العَنَتَ؟ فيه رِوايَتان: إحْداهما، يُكْرَهُ. يُرْوَى نَحْوُه عن مالكٍ؛ لأنَّه يُفَوِّتُ على نَفْسِه طهارةً مُمْكِنًا بَقاؤُها. والثانية، لا يُكْرَهُ. رُوِيَ ذلك عن عليٍّ، وابنِ عُمَرَ، وابنِ مسعودٍ، رضي الله عنهم. وهو قولُ الزُّهْرِيِّ، وجابرِ بنِ زيدٍ (1)، والحسنِ، وقَتادَةَ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأْي، وابنِ المُنْذِرِ. وحُكِي عن عَطاءٍ: إن كان بينَه وبينَ الماءِ أرْبَعُ لَيالٍ فأَكْثَرُ فليُصِبْ أهْلَه، وإن كان ثلاث لَيالٍ فما دُونَها، فلا يُصِبْها. وقال الزُّهْرِيُّ: إن كان في سَفَرٍ فلا يَقْرَبْها حتى يَأْتِيَ الماءَ، وإن كان الماءُ مُعْزِبًا فلا بَأْسَ أن يُصِيبَها. والأوْلَى جَوازُ وَطْئِها مُطْلَقًا
(1) أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الفقيه بالبصرة، توفي سنة ثلاث مائة، وقيل: سنة ثلاث وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي 88، العبر 1/ 108.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن غيرِ كَراهَةٍ؛ لأنَّ أبا ذَرٍّ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي أعْزُبُ عن الماءِ ومعي أهْلِي، فتُصِيبُنِي الجَنابَةُ، فأُصَلِّي بغيرِ طَهُورٍ؟ فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورٌ» . رَواه أبو داودَ والنَّسائِيُّ (1). وأصاب ابنُ عباسٍ جارِيَةً له رُومِيَّةً، وهو عادِمٌ للماءِ، وصَلَّى بأصحابِه وفيهم عَمّارٌ، فلم يُنْكِرْه (2). قال إسحاقُ بنُ راهُويَه: هو سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أبي ذَرٍّ وعَمّارٍ وغيرِهما. فإذا فَعَلا ووَجَدا مِن الماءِ ما يَغْسِلان به فَرْجَيهِما، غَسَلاهما ثم تَيَمَّما، وإن لم يَجدا تَيَمَّما للجَنابَةِ والحَدَثِ الأصْغَرِ والنَّجاسَةِ، وصَلَّيا. ويَجُوزُ للمُتَيَمِّمِ أَن يُصَلِّيَ بالمُتَوَضِّئِين، لِما ذَكَرْنا مِن حَدِيثِ عَمْرِو بنِ العاصِ، رضي الله عنه. واللهُ أعلمُ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 206.
(2)
في م: «ينكروه» .