الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ سَبْعًا، إحدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ،
ــ
ولأنَّها إحدَى الطَّهارَتَين المُشْتَرَطَةُ للصلاةِ، فأشْبهتْ طهارةَ الحَدَثِ، ومُطْلَقُ حَدِيثهم مُقَيَّدٌ بحَدِيثنا، والماءُ مُخْتَصٌّ بإحْدَى الطَّهارَتَين، فكذلك الأخْرَى، فأمّا ما لا يُزِيلُ كالمَرَقِ واللَّبَنِ والدُّهْنِ ونَحوه، فلا خِلافَ في أنَّ النَّجاسَةَ لا تَزُولُ (1) به. واللهُ أعلمُ.
194 - مسألة: (ويَجِبُ غَسْلُ نَجاسَةِ الكَلْبِ والخِنْزِيرِ سَبْعًا، إحداهُنَّ بالتُّرابِ)
لا يَخْتَلِف المَذْهبُ في نَجاسَةِ الكلبِ والخِنْزِيرِ وما تَوَلَّد منهما، أنَّه نَجِسٌ، عَينُه وسُورُه وعَرَقُه، وكلُّ ما خَرَج منه. رُوِيَ ذلك عن عُرْوَةَ. وهو قَوْلُ الشافعيِّ، وأبي عُبَيدَةَ. وبه قال أبو حَنِيفةَ في السُّورِ. وقال مالكٌ، والأوْزاعِيُّ، وداودُ: سُورُهما طاهِرٌ، يَتَوَضَّأُ منه، وإن وَلَغا في طعامٍ لم يحرُم أكْلُه. وقال الزُّهْرِيُّ: يَتَوَضّأ منه إذا لم يَجِد
(1) في م: «تزال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرَه. وقال عَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ (1)، والثَّوْرِيُّ، وابنُ الماجِشُون: يَتَوَضّأ، ويَتَيَمَّمُ. قال مالك: ويَغْسِلُ الإِناءَ الذي وَلَغ فيه الكلبُ، تَعَبُّدًا. في احْتَجَّ بَعضُهم على طَهارَتِه، بأنَّ الله تعالى قال:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} (2). ولم يَأمر بغَسْلِ أثَرِ فَمِه. وروَى أبو سعيدٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الحِياضِ التي بينَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، تَرِدُها السِّباعُ والكلابُ والحُمُرُ، وعن الطهارةِ بها، فقال:«لَها مَا حَمَلَتْ فِي بُطونِها، وَلَنا مَا غَبَرَ طَهُورٌ» . رَواه ابنُ ماجَه (3). ولأنَّه حَيَوانٌ يَجُوزُ اقْتِناؤه، ويَشُقُّ الاحتِرازُ منه، فكان طاهِرًا كالهِرِّ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أحَدِكُم فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» . مُتَّفَقٌ عليه. ولمسلم: «فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ» . ولو كان سُؤرُه طاهرًا لم
(1) أبو القاسم عبدة بن أبي لبابة الأسدي الغضائري، مولاهم، كوفيّ ثقة، نزل دمشق، وروى عن ابن عمر وابن عمرو وغيرهما. تهذيب التهذيب 6/ 461، 462.
(2)
سورة المائدة 4.
(3)
في: باب الحياض، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 173.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَجُزْ إراقَتُه، ولا وَجَب غَسْلُه. فإن قالوا: إنَّما وَجَب غَسْلُه تَعَبُّدًا، كما تُغْسَلُ أعضاءُ الوُضوءِ، وتُغْسَلُ اليَدُ مِن نَوْمِ اللَّيلِ. قُلْنا: الأصلُ وُجوبُ الغَسْلِ عن النَّجاسَةِ، كما في سائِرِ الغَسْلِ، ثم لو كان تَعَبُّدًا لَما أمَرَ بإراقَةِ الماءِ، ولَما اخْتَصَّ للغَسْلَ بمَوْضِع الوُلُوغِ؛ لعُمُومِ اللَّفْظِ في الإِناءِ كله، وأمّا غَسْلُ اليَدِ مِن نَوْمِ اللَّيلِ، فإنَّما أمَرَ به للاختِياطِ؛ لاحتِمالِ النَّجاسَةِ، والوُضُوءُ شُرِع للوَضاءَةِ والنَّظافَةِ؛ ليَكُونَ العَبْدُ في حالِ قِيامِه بينَ يَدَيِ الله تِعالى على أحسَنِ حالٍ وأكْمَلِها، ثم إن سَلّمنا ذلك، فإنَّما عَهِدنا التَّعَبُّدَ في غَسْلِ البَدَنِ أنها الآنِيَةُ والثِّيابُ فإنَّما يَجِبُ غَسْلُها مِن النَّجاساتِ، وقد رُوِيَ في لَفْظٍ:«طَهُورُ إنَاءِ أحدِكُم إِذَا، وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» . أخْرَجَه أبو داودَ (1). ولا يَكُونُ الطَّهُورُ إلَّا في مَحَلِّ الطَّهارَةِ. وقَولُهم: إنَّ الله تعالى أمَرَ بأكْلِ ما أمسَكَه الكلبُ قبلَ غَسْلِه. قُلْنا: اللهُ تعالى أمَر بأكْلِه، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِغَسْلِه، فيُعمَلُ بأمرِهما. وإن سَلَّفنا أنه لا يجبُ غَسْلُه، فلأنَّه يَشُقُّ، فعُفِيَ عنه، وحَدِيثُهم قَضِيَّة في عَين؛ يَحْتَمِلُ أنَّ الماءَ المَسْئُولَ عنه كان كَثِيرًا، ولذلك قال في مَوْضِعٍ آخَرَ،
(1) في: باب الوضوء بسؤر الكلب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17، 18، وتقدم تخريجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حينَ سُئِل عن الماءِ، وما يَنُوبُه مِن السِّباعِ فقال:«إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَينِ لَمْ يَحمِلِ الْخَبَثَ» (1). ولأنَّ لَنا رِوايَةً أنَّ الماءَ لا يَنْجُسُ إلَّا بالتَّغَيُّرِ (2)، فلذلك (3) لا يُنَجِّسُ الماءَ شُربُها منه، وقِياسُهم على الهِرِّ في مُعارَضة النَّصِّ لا يَصِحُّ، والفَرقُ بينَهما، أنَّ الكلبَ يَأكُلُ النَّجاساتِ عادَةً، بخِلافِ الهِرِّ. واللهُ أعلم. وإذا ثَبَتَتْ نَجاسَةُ الكلبِ، ثَبَتَتْ نَجاسَةُ الخِنْزِيرِ بطرِيقِ التنبِيهِ؛ لأنَّه شَرٌّ منه، وقد نَصَّ الشّارِعُ على تَحرِيمِه، فكان تَنْجِيسُه أوْلَى. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَجِبُ غَسْلُها إذا كانت على غيرِ الأرض سَبْعًا إحداهُنَّ بالتُّرابِ، ومِمَّن قال: يُغْسَلُ سَبْعَ مَرّاتٍ. أبو هُرَيرَةَ، وابنُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب ما ينجس من الماء، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 15. والترمذي، في: باب من أن الماء لا ينجسه شيء، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 85. والنسائي، في: باب التوقيت في الماء، من كتاب الطهارة، ومن كتاب المياه. المجتبى 1/ 42، 142. وابن ماجه، في: باب مقدار الماء الذي لا ينجس، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 172. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 12، 38. هو عند ابن ماجه والإمام أحمد في المسند 2/ 23، 27. 107:«إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء» .
(2)
في م: «بالتغيير» .
(3)
في الأصل: «فكذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عباسٍ، وعُروَةُ، وطاوُسٌ، وعَمرُو بنُ دِينارٍ (1)، والأوْزاعِيُّ، والشافعيّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال الزُّهْري: يُغْسَلُ ثلاثَ مَرّاتٍ. وقال عَطاءٌ: كلٌّ قد سَمِعْتُ، ثَلاثًا، وخَمْسًا، وسَبْعًا. وعن أحمدَ، أنه يَجِبُ غَسْلُها ثَمانِيًا، إحداهُنَّ بالتُّرابِ. وهو رِوايَةٌ عن الحسنِ، لأنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتراب» . رَواه مسلمٌ (2). ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأولَى، ما روَى أبو هُرَيرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي
(1) أبو محمد عمرو بن دينار، من فقهاء التابعين بمكة، توفي سنة ست وعشرين ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 70.
(2)
في: باب حكم ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 235.
وكذلك أخرجه أبو داود، في: باب الوضوء بسؤر الكلب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 18. والنسائي، في: باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 47. وابن ماجه، في: باب غسل الإناء من ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 130. والدارمي، في: باب في ولوغ الكلب، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 188. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 86، 5/ 56.
وبلفظ «أولاهن بالتراب» أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في سؤر الكلب، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 133. والنسائي، في: باب تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه. المجتبى من السنن 1/ 144، 145.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنَاءِ أحَدِكم فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا، أُولاهُنَّ بِالترابِ». رَواه مسلم. وهذه الرِّوايَةُ أصَحُّ. ويُحمَلُ هذا الحَدِيثُ على أنه عَدَّ التُّرابَ ثامِنَةً؛ لكَوْنِه جِنْسًا آخَرَ، جَمعًا بينَ الخَبَرَين. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يَجِبُ العَدَدُ في شيءٍ مِن النَّجاساتِ، إنَّما يُغْسَلُ حتى يَغْلِبَ على الظنِّ نَقاؤه من النَّجاسَة، لأنَّه رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال في الكلبِ يَلَغُ في الإِناءِ:«يُغْسَلُ ثَلَاثًا، أو خَمسًا، أو سَبْعًا» (1). فلم يُعَيِّنْ عَدَدًا، ولأنَّها نَجاسَة فلم يَجِبْ فيها العَدَدُ،؛ لو كانت على الأرضِ. ولَنا، ما ذَكَرنا مِن الحَدِيثَين، وحَدِيثُهم يَرويه عبدُ الوَهّابِ بنُ الضَّحّاكِ (2)، وهو ضَعِيفٌ، فلا يُعارِضُ حَدِيثَنا. وقد روَى غيرُه مِن الثقاتِ:«فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» . وعلى أنَّه يَحتَمِلُ الشَّكَّ مِن الرّاوي، فيَنْبغي أن يُتَوَقَّفَ فيه، والأرضُ سُومِحَ في غَسْلِها للمَشَقَّةِ، بخِلافِ غيرِها.
(1) أخرجه الدارقطني، في: باب ولوغ الكلب في الإناء، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 65.
(2)
هو عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان السلمي العرضي الحمصي. انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال 2/ 679، 680، وتهذيب التهذيب 6/ 446 - 448.