الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَالْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيلَةً، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لأكْثَرِهِ فَمَا دُونَ، اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، وَتَفْعَل ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإنْ كَانَ في الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً، وَانْتَقَلَتْ إِلَيهِ، وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِيهِ. وَعَنْهُ، يَصِيرُ عَادَةً بِمَرَّتَينِ.
ــ
ولا يُتَصَوَّرُ إلَّا على قَوْلِنا: أقَلُّه ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وأقَلُّ الحَيضِ يومٌ. وهذا في الطُّهْرِ بينَ الحَيضَتَين، فأَمَّا الطُّهْرُ بينَ الحَيضَةِ فسيَأْتِي حُكْمُه. وغالبُ الطُّهْرِ أربعةٌ وعِشْرُون، أو ثلاثةٌ وعِشْرُون، لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لحَمْنَةَ:«ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، أوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا يَحِيضُ النِّساءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ» . ولا حَدَّ لأَكْثَرِه، لأنَّ التَّحْدِيدَ مِن الشَّرْعِ ولم يَرِدْ به، ولا نَعْلَمُ له دَلِيلًا. واللهُ أعلمُ.
225 - مسألة: (والمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ يَوْمًا ولَيَلَةً ثم تَغْتَسِلُ وتُصَلِّي، فإنِ انْقَطَعَ دَمُها لأكْثَرِه فما دُونَ، اغْتَسَلَتْ عندَ انْقِطاعِه، وتَفْعَلُ ذلك ثلاثًا. فإن كان في الثَّلاثِ على قَدْرٍ واحِدٍ، صار عادَةً وانتقَلَتْ إليه، وأعادَتْ ما صامَتْه مِن الفَرضِ فيه. وعنه: يَصِيرُ عادَةً بمَرَّتَين)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ المُبْتَدَأةَ أوَّلَ ما تَرَى الحَيضَ ولم تَكُنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حاضَتْ قبلَه، إذا كان في وَقْتٍ يُمْكِنُ حَيضُها وهي التي لها تِسْعُ سِنِينَ فصاعِدًا، إذا انْقَطَعَ لأقَلَّ مِن يَوْم ولَيلَةٍ، فهو دَمُ فَسادٍ، وإن كان يَوْمًا ولَيلَةً فما زادَ، فإنَّها تَدَعُ الصومَ والصلاةَ، لأنَّ دَمَ الحَيضِ جِبِلَّةٌ وعادَةٌ، ودَمُ الاسْتِحاضَةِ لعارِضٍ، الأصْلُ عَدَمُه. وظاهِرُ المذهبِ أنَّها تَجْلِسُ يَوْمًا ولَيلَةً، ثم تَغْتَسِلُ وتَتَوَضَّأُ لوَقْتِ كلِّ صلاةٍ، وتُصَلِّي، وتَصُومُ. فإذا انْقَطعَ دَمُها لأكْثَرِ الحَيضِ فما دُونَ، اغْتَسَلَتْ غُسْلًا ثانِيًا عندَ انْقِطاعِه، ثم تَفْعَلُ ذلك في الشَّهْرِ الثاني والثالثِ، فإن كان في الأشْهُرِ الثَّلاثَةِ مُتَساويًا، صارَ ذلك عادَةً، وعَلِمْنا أنَّها كانت حَيضًا، فيَجِبُ عليها قَضاءُ ما صامَتْه مِن الفَرْضِ فيه، لأنَّنا تَبَيَّنَا أنَّها صامَتْهْ في زَمَنِ الحَيضِ. وهذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ. قال القاضي: المذهبُ عِنْدِي في هذا رِوايَةٌ واحِدَةٌ. وذلك لأنَّ العِبادَةَ واجِبَةٌ في ذِمَّتِها بيَقِينٍ، فلا تَسْقُط بأمْرٍ مَشْكُوكٍ فيه أوَّلَ مَرَّةٍ، كالمُعْتَدَّةِ لا نَحْكُمُ ببَراءَةِ ذِمُّتِها مِن العِدَّةِ بأوَّلِ حَيضَةٍ، ولا يَلْزَمُ عليه اليَوْمُ واللَّيلَةُ، لأنَّها اليَقِينُ، فلو لم نُجْلِسْها ذلك أدَّى إلى أنْ لا نُجْلِسَها أصْلًا، وقد نُقِل عن أحمدَ فيها ثَلاثُ رِواياتٍ أُخَرُ، إحْداها، أنَّها تَجْلِسُ سِتًّا أو سَبْعًا: نَقَلَها عنه صالِحٌ على حديثِ حَمْنَةَ، لأنَّه أكثَرُ ما تَجْلِسُه النِّساءُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثانيةُ، تَجْلِسُ عادَةَ نِسائِها، كأَنَّها وأُخْتِها وعَمَّتِها وخالتِها. وهذا قول عَطاءٍ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزاعِيِّ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّها تُشْبِهُهُنَّ في ذلك. وهو قولُ إسحاقَ. غيرَ أنَّه قال: فإِن لم تَعْرِفِ الأُمَّ والخالةَ أو العَمَّةَ، فإنَّها تَجْلِسُ سِتَّةَ أَيَّامٍ، أو سَبْعَةً، كما في حديثِ حَمْنَةَ. والثالثةُ، أنَّها تَجْلِسُ ما تَراه مِن الدَّم، ما لم يُجَاوزْ أكْثَرَ الحَيضِ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ، ومالكٍ، والشافعيِّ. اخْتارها شَيخُنا (1). فإنِ انْقَطَعَ لأكْثَرِه [فما دُونَ](2)، فالجمِيعُ حَيضٌ، لأنَّنا حَكَمْنا بأنَّ ابْتِداءَ الدَّمِ حَيضٌ، مع جَوازِ أن يكُونَ اسْتِحاضَةً، فكذلك باقِيه. ولأنَّ دَمَ الحَيضِ دَمُ جِبِلَّةٍ، والاسْتِحاضَةُ دَمٌ عارِضٌ، والأصْلُ فيها الصِّحَّةُ والسَّلامَةُ.
(1) انظر: المغني 1/ 409.
(2)
سقط من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: لا يَخْتَلِفُ المذهبُ أنَّ العادَةَ لا تَثْبُتُ بمَرَّةٍ، وظاهِرُ مذهب الشافعي أنها تَثْبُتُ بمَرَّةٍ؛ لأنَّ المرأةَ التي اسْتَفْتَتْ لها أمُّ سَلَمَةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّها إلى الشَّهْرِ الَّذي يَلي شهرَ الاسْتِحاضَةِ؛ لأنَّ ذلك أقْرَبُ إليها، فوَجَبَ رَدُّها إليه. ولَنا، أنَّ العادَةَ مأخُوذَةٌ مِن المُعاوَدَةِ، ولا تَحْصُلُ بمَرَّةٍ، والحديثُ حُجَّةٌ لَنا؛ لأنَّه قال:«لِتَنْظر عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أصَابَهَا» (1). و «كان» يُخْبَرُ بها عن دَوامِ الفِعْلِ وتَكْرارِه، ولا يُقالُ لمَن فَعَل شيئًا مَرَّةً: كان يَفْعَلُ. واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ؛ هل تَثْبُتُ العادَةُ بمَرَّتَين، أو ثلاثٍ؟ فعنه، أنَّها تَثْبُتُ بمَرَّتَين؛ لأنَّها مَأْخُوذَةٌ مِن المُعاوَدَةِ، وقد عاوَدَتْها في المَرَّةِ الثانيةِ. وعنه، لا تَثْبُتُ إلَّا بثَلاثٍ. وهو
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في المرأة تستحاض. . . .، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 62. والنسائي، في: باب ذكر الاغتسال من الحيض، من كتاب الطهارة. وفي: باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر»، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 99، 149. والدارمي، في: باب في غسل المستحاضة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 199، 149. والإمام مالك، في: باب المستحاضة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 62. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 293، 304، 320، 323.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَشْهُورُ في المذهبِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أيَّامَ أقْرَائِهَا» (1). والأقْراءُ جَمْعٌ، وأقَلُّه ثلاثةٌ، ولأنَّ العادَةَ إنَّما تُطْلَقُ على ما كَثُرَ، ولأنَّ ما اعْتُبِرَ له التَّكْرارُ اعْتُبِرَ ثَلاثًا، كخِيارِ المُصرِّاةِ. فإن قُلْنا بهذه الرِّواية، لم تَنْتَقِلْ عن اليَقِينِ في الشَّهْرِ الثالثِ. وإن قُلْنا بالرِّوايَةِ الأُولَى، انْتَقَلَتْ إليه في الشَّهْرِ الثالثِ. وعلى قَوْلِنا: إنَّها تَجْلِسُ أقَلَّ الحَيضِ أو غالِبَه أو عادَةَ نِسائِها، إذا انْقطَعَ الدَّمُ لأكْثَرِ الحَيضِ فما دُونَ، وكان في الأشْهُرِ الثَّلاثَةِ. على قَدْرٍ واحِدٍ، أو في شَهْرَين، على اخْتِلافِ الرِّوايَتَين. انتقَلَتْ إليه وعَمِلَتْ عليه، وأعادَتْ ما صامَتْه مِن الفَرْضِ فيه؛ لأنَّنا (2) تَبَيَّنَا أنَّها صامَتْه في حَيضِها.
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في المرأة تستحاض. . . .، وباب من قال تغتسل من طهر إلى طهر، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 64، 70. والترمذي، في: باب ما جاء في أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 199. وابن ماجة، في: باب ما جاء في المستحاضة. . . .، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجة 1/ 204 كلهم من حديث عدي بن ثابت.
(2)
في الأصل: «ولأننا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومتى أجْلَسْناها يَوْمًا ولَيلَةً، أو سِتًّا، أو سَبْعًا، أو عادَةَ نِسائِها، فرَأتِ الدَّمَ أكْثَرَ مِن ذلك، لم يَحِلَّ لزَوْجِها وَطْؤُها حتَّى يَنْقَطِعَ، أو يُجاوزَ أكْثَرَ الحَيضِ، لأنَّ الظّاهِرَ أنَّه حَيضٌ، وإنَّما أمَرْناها بالعبادَةِ فيه احْتِياطًا لبَراءَةِ ذِمَّتِها، فيَجِبُ تَرْكُ وَطْئِها احْتِياطًا أيضًا. وإنِ انْقَطَعَ الدَّمُ، واغْتَسَلَتْ، حَلَّ وَطْؤُها، ولم يُكْرَهْ، لأنَّها رَأتِ النَّقاءَ الخالِصَ. وعنه، يُكْرَهُ، لأنَّا لا نَأْمَنُ مُعاوَدَةَ الدَّمِ، فكُرِهَ وَطْؤُها، كالنُّفَساءِ إذا انْقَطَعَ دَمُها لأقَلَّ مِن أرْبَعِين يَوْمًا.