الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً ـ زمن النية أو وقتها:
الأصل العام: أن وقت النية أول العبادة البدنية إلا في حالات سأذكرها (1).
فنية الوضوء: محلها عند غسل الوجه، قال الحنفية: ويسن أن تكون في أول السنن عند غسل اليدين إلى الرسغين، لينال ثواب السنن المتقدمة على غسل الوجه.
ووقتها: قبل الاستنجاء ليكون جميع فعله قربة لله تعالى.
وقال المالكية: محلها الوجه، وقيل: أول الطهارة. وقال الشافعية: يجب قرن النية بأول غسل جزء من الوجه، لتقترن بأول الفرض كالصلاة، ويستحب أن ينوي قبل غسل الكفين، لتشمل النية مسنون الطهارة ومفروضها، فيثاب على كل منهما، كما قال الحنفية، ويجوز تقديم النية على الطهارة بزمن يسير، فإن طال الزمن لم يجزئه ذلك. ويستحب استصحاب ذكر النية إلى آخر الطهارة، لتكون أفعاله مقترنة بالنية، وإن استصحب حكمها أجزأه، ومعناه ألا ينوي قطعها.
وقال الحنابلة: وقت النية عند أول واجب، وهو التسمية في الوضوء.
وللمتوضئ عند الشافعية والحنابلة تفريق النية على أعضاء الوضوء، بأن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عنه؛ لأنه يجوز تفريق أفعال الوضوء، فكذلك يجوز تفريق النية على أفعاله.
والمعتمد عند المالكية، خلافاً لابن رشد: أنه لا يجزئ تفريق النية على الأعضاء، بأن يخص كل عضو بنية، من غير قصد إتمام الوضوء، ثم يبدو له
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص43 ومابعدها، للسيوطي: ص21 ومابعدها، أحكام النية للحسيني: ص10، 74، 78، 122 - 125.
فيغسل ما بعده، فإن فرق النية على الأعضاء مع قصده إتمام الوضوء على الفور، أجزأه ذلك.
والغسل كالوضوء في السنن عند الحنفية؛ لأن الابتداء بالنية في الغسل عندهم سنة فقط، ليكون فعل المغتسل تقرباً يثاب عليه، كالوضوء. وأوجب الجمهور النية للغسل كالوضوء، للحديث السابق:(إنما الأعمال بالنيات) وتكون النية عند غسل أول جزء من البدن، بأن ينوي فرض الغسل، أو رفع الجنابة أو الحدث الأكبر، أو استباحة ممنوع مفتقر إليه.
والنية في التيمم فرض باتفاق المذاهب الأربعة، والمعتمد الراجح أنها شرط عند الحنفية والحنابلة، وتكون لدى الحنفية عند الوضع على الصعيد (التراب). وأوجب الشافعية قرن النية بالنقل الحاصل للتراب بالضرب إلى الوجه؛ لأنه أول الأركان، ويجب على الصحيح استدامة النية إلى مسح شيء من الوجه. واقتصر المالكية والحنابلة على إيجاب النية عند مسح الوجه.
ونية الصلاة تكون عند تكبيرة الإحرام، واشترط الحنفية (1) اتصال النية بالصلاة، بلا فاصل أجنبي، بين النية والتكبيرة، والفاصل: عمل ما لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك. وأوجب المالكية (2) استحضار النية عند تكبيرة الإحرام، أو قبلها بزمن يسير.
واشترط الشافعية (3) اقتران النية بفعل الصلاة، فإن تراخى عنه سمي عزماً.
(1) تبيين الحقائق للزيلعي: 99/ 1.
(2)
الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 305/ 1، طبع دار المعارف بمصر.
(3)
حاشية الباجوري: 305/ 1
وقال الحنابلة (1): الأفضل مقارنة النية للتكبير، فإن تقدمت النية على التكبير بزمن يسير بعد دخول الوقت في أداء فريضة وراتبة، ولم يفسخها، وكان ذلك مع بقاء إسلامه، بأن لم يرتدّ، صحت صلاته؛ لأن تقدم النية على التكبير بزمن يسير لا يخرج الصلاة عن كونها منْوية، ولا يخرج الفاعل عن كونه ناوياً مخلصاً، ولأن النية من شروط الصلاة، فجاز تقدمها كبقية الشروط، وفي طلب المقارنة حرج ومشقة، فيسقط لقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78/ 22]، ولأن أول الصلاة من أجزائها، فكفى استصحاب النية فيه كسائرها.
والخلاصة: يجب أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، لكن الشافعية أوجبوا أن تكون النية مقارنة للتكبير، ومقترنة بكل التكبير؛ لأن التكبير أول أفعال الصلاة، فيجب اقتران النية به كالحج وغيره، وأجاز باقي المذاهب (الجمهور) تقدم النية على التكبير بزمان يسير، فإن تأخرت النية أو تقدمت بزمن كثير، بطلت بالاتفاق.
وكذلك قال الشافعي في الإمامة: إذا أحرم، إماماً كان أو منفرداً، نوى في حال التكبير، لا قبله ولا بعده. قال أصحاب الشافعي: لم يرد بهذا أنه لا يجوز أن تتقدم النية على التكبير، ولا تتأخر عنه، وإنما أراد الشافعي بقوله:«لا قبله» أنه لا يجوز أن ينوي قبل التكبير، ويقطع نيته قبل التكبير، وكذلك لم يرد بقوله:«ولابعده» أنه لا تجوز استدامتها بعد التكبير، وإنما أراد لو ابتدأ بالنية بعد التكبير لم تجزه، فإن نوى قبل التكبير، واستصحب ذكرها إلى آخر التكبير أجزأه، وكذلك لو استدام ذكرها بعد الفراغ من التكبير أجزأه، وقد أتى بأكثر مما يجب عليه، ولا يضره ذلك.
(1) كشاف القناع: 367، طبع مكة، غاية المنتهى: 54/ 1، 115