الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو اغتسل محدث حدثاً أصغر فقط بنية رفع الحدث أو نحوه، فالأصح عن الشافعية: أنه إن أمكن تقدير ترتيب بأن غطس مثلاً صح، ولو بلا مُكْث؛ لأنه يكفي ذلك لرفع أعلى الحدثين، فللأصغر أولى، ولتقدير الترتيب في لحظات معينة.
ولا يكفي ذلك عند الحنابلة، إلا إذا مكث في الماء قدراً يسع الترتيب، فيخرج وجهه ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يخرج من الماء، سواء أكان الماءراكداً أم جارياً.
والترتيب مطلوب بين الفرائض، ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين، وإنما هو مندوب، لأن مخرجهما في القرآن واحد، قال تعالى:{وأيديكم} .... {وأرجلكم} [المائدة:6/ 5]، والفقهاء يعدون اليدين عضواً، والرجلين عضواً، ولا يجب الترتيب في العضو الواحد. وهذا هو المقصود من قول علي وابن مسعود، قال أحمد: إنما عنيا به اليسرى قبل اليمنى؛ لأن مخرجهما من الكتاب واحد.
وفي تقديري: أن رأي القائلين بالترتيب أولى، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً عليه، واستمر الصحابة على ذلك، لا يعرفون غير الترتيب في الوضوء، ولايتوضؤون إلا مرتبين، ودرج المسلمون على الترتيب في كل العصور. وكون الواو لا يقتضي الترتيب صحيح مسلّم به، لكن ذلك عند عدم القرائن الدالة على إرادة الترتيب، والقرائن الدالة عليه كثيرة، وهي المواظبة من النبي وصحبه (1).
ثالثاً ـ الموالاة أو الوِلاء:
هي متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها ما يعد فاصلاً في العرف، أو هي
(1) مقارنة المذاهب: ص21 - 23.
المتابعة بغسل الأعضاء قبل جفاف السابق، مع الاعتدال مزاجاً وزماناً ومكاناً ومناخاً. واختلف الفقهاء في وجوبها (1).
فقال الحنفية الشافعية: الموالاة سنة لا واجب، فإن فرق بين أعضائه تفريقاً يسيراً لم يضر؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. وإن فرق تفريقاً كثيراً، وهو بقدر ما يجف الماء على العضو في زمان معتدل، أجزأه؛ لأن الوضوء عبادة لايبطلها التفريق القليل والكثير كتفرقة الزكاة والحج.
واستدلوا على رأيهم بالآتي:
1ً - «إنه صلى الله عليه وسلم توضأ في السوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد يمسح على خفيه وصلى عليها» (2) قال الإمام الشافعي: وبينهما تفريق كثير.
2ً - صح عن ابن عمر رضي الله عنهما التفريق أيضاً، ولم ينكر عليه أحد.
وقال المالكية والحنابلة: الموالاة في الوضوء لا في الغسل فرض، بدليل مايأتي:
1ً - «إنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لُمْعة (بقعة) قدر الدرهم، لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة» (3) ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة.
(1) بداية المجتهد: 1/ 17، القوانين الفقهية: ص21، المجموع:489/ 1 - 493، الدر المختار: 1/ 113، الشرح الصغير: 1/ 111، الشرح الكبير: 1/ 90، مغني المحتاج: 1/ 61، كشاف القناع: 1/ 117، المغني: 1/ 138، المهذب: 1/ 19.
(2)
الواقع أنه أثر صحيح رواه مالك عن نافع: «أن ابن عمر توضأ في السوق
…
» الخ (المجموع:493/ 1).
(3)
رواه أحمد وأبو داود والبيهقي عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال عنه النووي: إنه ضعيف الإسناد، وقال عنه أحمد: إسناده جيد.