الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن بها تعارف المسلمين وتآلفهم، وتعاونهم على البر والتقوى، وتغذية الاهتمام بأوضاع وأحوال المسلمين العامة، ومساندة الضعيف والسجين والملاحَق بتهمة والغائب عن أسرته وأولاده. ويعد المسجد والصلاة فيه مقراً لقاعدة شعبية منظمة متعاونة متآزرة، تخرِّج القيادة، وتدعم السلطة الشرعية، وتصحح انحرافاتها وأخطاءها بالكلمة الناصحة والموعظة الحسنة، والقول الليِّن، والنقد البناء الهادف؛ لأن «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (1).
والصلاة تميِّز المسلم عن غيره، فتكون طريقاً للثقة والائتمان، وبعث روح المحبة والمودة فيما بين الناس، جاء في الحديث:«من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم» (2).
حكم تارك الصلاة:
اتفق المسلمون على أن الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، أي غير ذي حيض أو نفاس، ولا ذي جنون أو إغماء، وهي عبادة بدنية محضة لا تقبل النيابة أصلاً، فلا يصح أن يصلي أحد عن أحد، كما لا يصح أن يصوم أحد عن أحد.
وأجمع المسلمون على أن من جحد وجوب الصلاة، فهو كافر مرتد، لثبوت فرضيتها بالأدلة القطعية من القرآن والسنة والإجماع، كما أبنت. ومن تركها تكاسلاً وتهاوناً فهو فاسق عاص، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة.
وترك الصلاة موجب للعقوبة الأخروية والدنيوية، أما الأخروية فلقوله تعالى:{ما سلككم في سَقَر؟ قالوا: لم نك من المصلين} [المدثر:74/ 42 - 43]
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري والترمذي، وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه (جامع الأصول: 158/ 1 وما بعدها).
{فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون:107/ 4 - 5]، {فخلَف من بعدهم خَلْف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيّاً} [مريم:19/ 59]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من ترك الصلاة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله» (1).
وأما عقوبتها الدنيوية لمن تركها كسلاً وتهاوناً، فلها أنماط عند الفقهاء.
فقال الحنفية (2): تارك الصلاة تكاسلاً فاسق يحبس ويضرب ـ على المذهب ـ ضرباً شديداً حتى يسيل منه الدم، حتى يصلي ويتوب، أو يموت في السجن ومثله تارك صوم رمضان، ولا يقتل حتى يجحد وجوبهما، أو يستخف بأحدهما كإظهار الإفطار بلا عذر تهاوناً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (3).
وأضاف الحنفية: أنه يحكم بإسلام فاعل الصلاة بشروط أربعة: أن يصلي الوقت، مع جماعة، أو يؤذن في الوقت، أو يسجد للتلاوة عند سماع آية سجدة، ولا يحكم بإسلام الكافر في ظاهر الرواية إن صام أوحج أو أدى الزكاة.
وقال الأئمة الآخرون (4): تارك الصلاة بلا عذر ولو ترك صلاة واحدة. يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد (5)، وإلا قتل إن لم يتب، ويقتل عند المالكية والشافعية
(1) رواه أحمد بإسناده عن مكحول، وهو مرسل جيد.
(2)
الدر المختار:326/ 1، مراقي الفلاح: ص60.
(3)
متفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
القوانين الفقهية: ص42، بداية المجتهد:87/ 1، الشرح الصغير:238/ 1، مغني المحتاج:327/ 1 ومابعدها، المهذب:51/ 1، كشاف القناع:263/ 1 ومابعدها، المغني:442/ 2.
(5)
الاستتابة عند الشافعية والجمهور مندوبة هنا، أما استتابة المرتد فواجبة لأن الردة تخلد في النار، فوجب إنقاذه منها، بخلاف ترك الصلاة كسلاً لا يكفر.
حداً، لا كفراً، أي لا يحكم بكفره وإنما يعاقب كعقوبة الحدود الأخرى على معاصي الزنى والقذف والسرقة ونحوها، وبعد الموت يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين. ودليلهم على عدم تكفير تارك الصلاة قوله تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:4/ 48]، وأحاديث متعددة منها: حديث عبادة بن الصامت: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيِّع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يُدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفَر له» (1).
وحديث أبي هريرة: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع، أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثلُ ذلك» (2) فلا يكفر بترك الصلاة؛ لأن الكفر بالاعتقاد، واعتقاده صحيح، ويكفر إن تركها جاحداً وجوبها. وتأولوا الأحاديث الآتية التي استدل بها الحنابلة بأنها محمولة على المستحل أو المستحق عقوبة الكافر وهي القتل.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3): يقتل تارك الصلاة كفراً أي بسبب كفره، لقوله تعالى:{فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم} [التوبة:9/ 5]، فمن ترك الصلاة، لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل، فلا يخلى من لم يقم الصلاة.
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:294/ 1).
(2)
رواه الخمسة، وهناك أحاديث أخرى في موضوع هذين الحديثين (نيل الأوطار:295/ 1 ومابعدها).
(3)
المغني:442/ 2 - 447.