الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث عشر ـ النية في المباحات والعادات:
تختلف صفة المباحات والعادات التي تصدر عن الإنسان في اليوم والليلة باعتبار ما قصدت لأجله، فإذا قصد بها التقوّي على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة، وإن لم يقصد بها العبادة لا ثواب عليها. وبناء عليه إن المباحات كالأكل والشرب والنوم واكتساب المال والجماع أو الوطء كالتروك مثل ترك الزنا والخمر، ليست مفتقرة إلى نية، ولا تكون عبادة إلا إذا نوى بها العبادة كالأكل والشرب بقصد التقوي بهما على الطاعة، والجماع بقصد إعفاف نفسه وزوجه وحصول نسل يعبد الله، وترك الزنا والخمر مثلاً بقصد امتثال نهي الشارع.
وهكذا كل فعل يصح أن يكون عبادة بالقصد، لا بد فيه من القصد ليكون عبادة يترتب عليها الثواب، وإليه يشير حديث (إنما الأعمال بالنيات).
فينبغي ـ كما قال الرملي ـ استحضار النية عند المباحات والعاديات ليثاب عليها ثواب العبادات، ولا مشقة عليه في القيام بها، بل هي مألوفة لنفسه، مستلذة، فسبحان الله ماأعظم منته، وما أوسع رحمته، أباح لعبده الطيبات التي يشتهيها، ثم هو مع ذلك يثيبه عليها بحسن نيته، كما يثيبه على عبادته التي طلبها منه، فله الحمد والمنة، لا ربَّ غيره، ولا خير إلا خيره.
ويسن لكل إنسان أن يقول في الصباح والمساء، ليحظى بالثواب والأجر على المباحات والتروك:(اللهم ما أعمله في هذا النهار ـ أو في هذه الليلة ـ من خير، فهو امتثال لأمرك، وما أتركه من معصية فهو امتثال لنهيك).
الرابع عشر ـ النية في أمور أخرى:
هناك غير ما ذكرناه أمور أخرى، أشير إلى النية فيها بإجمال (1):
(1) غاية المنتهى: 1/ 115.
1 -
الجهاد: هو من أعظم العبادات، فلا بد له من خلوص النية، ليكون في سبيل الله.
2 -
الوصية كالعتق: إن قصد به التقرب إلى الله فله الثواب، وإلا فهي صحيحة فقط.
3 -
الوقف: ليس عبادة وضعاً، بدليل صحته من الكافر، فإن نوى القربة، فله الثواب، وإلا فلا.
4 -
الزواج: أقرب إلى العبادات، حتى إن الاشتغال به أفضل من التخلي لمحض العبادة، وهو عند الاعتدال سنة مؤكدة على الصحيح في مذهب الحنفية، فيحتاج إلى النية لتحصيل الثواب: وهو أن يقصد إعفاف نفسه وتحصين زوجته وحصول الولد. والرجعة كالزواج لأنها استدامة، فما كان منها صريحاً لا يحتاج إلى نية، وما كان منها كناية يحتاج إلى نية.
5 -
القضاء: من العبادات، والثواب عليه متوقف عليه متوقف على النية.
6 -
الحدود والتعازير وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة، وتحمل الشهادات وأداؤها: الثواب في كل ذلك متوقف على النية.
7 -
الضمان أو التعويض عن الضرر: لا يتوقف على النية أو القصد، ويجب الضمان عن الضرر كالتلف، سواء حدث عمداً أم خطأ. وهل يترتب الضمان في شيء بمجرد النية من غير فعل؟ قال الحنفية في المُحْرِم إذا لبس ثوباً، ثم نزعه، ومن قصده أن يعود إليه، لا يتعدد الجزاء. فإن قصد ألا يعود إليه، تعدد الجزاء بلبسه. وقالوا أيضاً في الوديع إذا لبس ثوب الوديعة ثم نزعه، ومن نيته أن يعود إلى لبسه، لم يبرأ من الضمان.