الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد
أوجب العلماء في الغسل ما يأتي
(1):
1 - تعميم الجسد شعره وبشره بالماء الطهور:
هذا متفق عليه بين الفقهاء، فيجب تعميم (أو إعمام وهو الأصح) الشعر والبشرة بالماء مرة واحدة، حتى لو بقيت بقعة يسيرة لم يصبها الماء، يجب غسلها، ويجب تعهد مواطن تجاعيد البدن، كالشقوق التي في البدن أي التكاميش والسُّرة، والإبطين وكل ما غار من البدن، بصب الماء عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة:«إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشَّعرَ، وأنْقُوا البَشَر» (2).
قال الحنفية: يجب غسل سائر البدن مما يمكن غسله من غير حرج كأذن وسرة وشارب وحاجب وداخل لحية وشعر رأس، وخارج فرج، ولا يجب غسل ما فيه حرج كداخل عين وداخل قُلْفة، والأصح أنه يندب عند الحنفية.
وهل يجب نقض ضفائر الشعر؟ للعلماء آراء متقاربة: قال الحنفية: يكفي بلُّ أصل الضفيرة (3) أي شعر المرأة المضفور، دفعاً للحرج، أما المنقوض، فيفرض غسله كله اتفاقاً، ولو لم يبتل أصل الضفيرة بأن كان متلبداً أو غزيراً، أو مضفوراً ضفراً شديداً لا ينفذ فيه الماء، يجب نقضها مطلقاً، على الصحيح، لكن لو ضرها غسل رأسها تركته، وقيل: تمسحه، ولا تمنع نفسها عن زوجها.
ويجب عند الحنفية غسل داخل قُلْفة، لا عسر في فسخها،
(1) فتح القدير:38/ 1 ومابعدها، الدر المختار:140/ 1 - 143، مراقي الفلاح: ص17، اللباب:20/ 1، الشرح الصغير:166/ 1 - 170، الشرح الكبير:133/ 1 - 135، بداية المجتهد:42/ 1 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص26، مغني المحتاج:72/ 1وما بعدها، المهذب:31/ 1 وما بعدها، المغني: 218/ 1 - 229، كشاف القناع: 173/ 1 - 177.
(2)
رواه أبو داود والترمذي، وضعفاه (سبل السلام:92/ 1).
(3)
الضفيرة: هي الذؤابة، وهي الخصلة من الشعر، والضفر: فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض.
كما يجب نقض ضفائر الرجل وغسل أصول الشعر مطلقاً.
وكذلك قال المالكية: لا يجب على المغتسل نقض مضفور شعره، ما لم يشتد الضفر، حتى يمنع وصول الماء إلى البشرة، أو يضفر بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة، أو إلى باطن الشعر.
ودليل الحنفية والمالكية: حديث أم سلمة، قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة أو الحيضة؟ فقال: لا إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسك ثلاث حَثَيات» (1).
وقال الشافعية: يجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض، لكن يعفى عن باطن الشعر المعقود، ولا يجب غسل الشعر النابت في العين والأنف، وإن كان يجب غسله من النجاسة. ويجب غسل الأظفار، وما يظهر من صماخي الأذنين، وما تحت القُلْفة من الأقلف (غير المختون)، بدليل حديث أبي هريرة المتقدم الدال على وجوب إيصال الماء إلى الشعر والبشرة. وقيدوا حديث أم سلمة بحالة وصول الماء إلى الضفائر من غير نقض.
أما الإمام أحمد ففرق بين الحيض والجنابة، وقال: تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض والنفاس، وليس عليها نقضه من الجنابة إذا أروت أصوله، عملاً في الجنابة بحديث أم سلمة. ودليل نقضه من الحيض: ماروت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذ كانت حائضاً: «خذي ماءك وسدرك وامتشطي» (2) ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور، وللبخاري:«انقضي رأسك وامتشطي» ولابن
(1) رواه مسلم، لكن لفظه:(أشد ضَفْر رأسي) بدل (شعر رأسي)(سبل السلام: 91/ 1).
(2)
رواه البخاري.
ماجه «انقضي رأسك وامتشطي» لكن قال ابن قدامة: النقض من الحيض مستحب، وهو الصحيح إن شاء الله، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة:«أفأنقضه للحيض؟ قال: لا» .
والخلاصة: أن المذاهب الأربعة متفقة على أن نقض الشعر للمرأة غير واجب إن وصل الماء لأصول الشعر لحديث أم سلمة المتقدم.
وإذا بقيت لُمْعة من الجسد لم يصبها الماء، يجزئه غسلها، والصحيح عند الحنابلة أنه يجزئه مايصيبها من بلل شعره في الغسلة الثانية أو الثالثة وجرى ماؤه على تلك اللمعة، لأن غسلها بذلك البلل كغسلها بماء جديد، مع ما فيه من الأحاديث. روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه رأى على رجل موضعاً لم يصبه الماء، فأمره أن يعصر شعره عليه» .
أما غسل بشرة الرأس: فواجب، سواء أكان الشعر كثيفاً أم خفيفاً، وكذلك ما تحت الشعر كجلد اللحية وغيرها، لما روت أسماء:«أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة، فقال: تأخذ إحداكن ماء، فتطهر، فتحسن الطهور ـ أو تبلغ الطهور ـ ثم تصب على رأسها، فتدلكه، حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء» (1).
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء، فعل الله به كذا وكذا من النار، قال علي: فمن ثم عاديت شعري، زاد أبو داود: وكان يجزّ شعره رضي الله عنه» (2)، ولأن ما تحت الشعر بشرة أمكن إيصال الماء إليها من غير ضرر، فلزمه كسائر بشرته.
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه أبو داود وأحمد (نيل الأوطار:247/ 1).