الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرر الحنفية والمالكية (1): نجاسة بول أو قيء الصبي والصبية، ووجوب الغسل منه، عملاً بعموم الأحاديث الآمرة بالاستنزاه من البول:«استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» (2).
إلا أن المالكية قالوا: يعفى عما يصيب ثوب المرضعة أو جسدها من بول أو غائط الطفل، سواء أكانت أماً أم غيرها، إذا كانت تجتهد في درء النجاسة عنها حال نزولها، بخلاف المفرِّطة، لكن يندب لها غسله إن تفاحش.
6ً -
بول الحيوان المأكول اللحم وفضلاته ورجيعه:
هناك اتجاهان فقهيان: أحدهما القول بالطهارة، والآخر القول بالنجاسة، الأول للمالكية والحنابلة، والثاني للحنفية والشافعية.
قال المالكية والحنابلة (3): بول ما يؤكل لحمه من الحيوان كالإبل والبقر والغنم والدجاج والحمام وجميع الطيور، ورجيعه وفضلاته (روثه): شيء طاهر، واستثنى المالكية التي تأكل النجاسة أو تشربها، فتكون فضلته نجسة، كما أن ما يكون منها مكروهاً، أبوالها وأرواثها مكروهة. وهكذا فإن أبوال سائر الحيوانات تابعة للحومها، فبول الحيوان المحرم الأكل نجس، وبول الحلال طاهر، وبول المكروه مكروه.
(1) بداية المجتهد:77/ 1،82، الشرح الصغير: 73/ 1، مراقي الفلاح: ص 25، اللباب شرح الكتاب: 55/ 1، فتح القدير: 140/ 1، الدر المختار: 293/ 1.
(2)
رواه ثلاثة من الصحابة: أنس، وأبو هريرة، وابن عباس، وحديث أنس رواه الدارقطني، وهو مرسل، وحديث أبي هريرة رواه الدارقطني أيضاً والحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه، وحديث ابن عباس رواه الطبراني والدارقطني والبيهقي والحاكم (نصب الراية:128/ 1).
(3)
الشرح الصغير: 47/ 1، بداية المجتهد: 77/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص33 ومابعدها، كشاف القناع: 220/ 1.
ودليلهم على الطهارة: إباحته عليه الصلاة والسلام للعُرَنيين شرب أبوال الإبل وألبانها (1)،ولأن إباحة الصلاة في مرابض الغنم دليل على طهارة أرواثها وأبوالها (2).
وقال الشافعية والحنفية (3): البول والقيء والروث من الحيوان أو الإنسان مطلقاً نجس، لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي في المسجد (4)، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث القبرين:«أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول» (5)، ولقوله صلى الله عليه وسلم السابق:«استنزهوا من البول» وللحديث السابق: «أنه صلى الله عليه وسلم لما جيء له بحجرين وروثة ليستنجي بها، أخذ الحجرين ورد الروثة، وقال: هذا ركس، والركس: النجس» . والقيء وإن لم يتغير وهو الخارج من المعدة: نجس؛ لأنه من الفضلات المستحيلة كالبول. ومثله البلغم الصاعد من المعدة، نجس أيضاً، بخلاف النازل من الرأس أو من أقصى الحلق والصدر، فإنه طاهر.
وأما حديث العرنيين وأمره عليه السلام لهم بشرب أبوال الإبل، فكان للتداوي، والتداوي بالنجس جائز عند فقد الطاهر الذي يقوم مقامه.
(1) روى الشيخان وأحمد عن أنس بن مالك «أن رهطاً من عُكْل أو قال: عُرَيْنة، قدموا، فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يخرجوا، فيشربوا من أبوالها وألبانها» واجتووها أي استوخموها، يقال: اجتويت المدينة: إذا كرهت المقام فيها، وإن كنت في نعمة، وقيده الخطابي: بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة (نيل الأوطار: 48/ 1).
(2)
قال ابن تيمية في نهاية الحديث السابق: وقد ثبت عنه أنه قال: صلوا في مرابض الغنم، روى أحمد والترمذي وصححه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في مرابض الغنم، ولاتصلوا في أعطان الإبل» قيل: إن حكمة النهي مافيها من النفور، فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها (نيل الأوطار:137/ 2).
(3)
مغني المحتاج: 79/ 1، المهذب:46/ 1، فتح القدير: 142/ 1 ومابعدها، مراقي الفلاح: ص25 ومابعدها، الدر المختار: 295/ 1 - 297.
(4)
متفق عليه بين أحمد والشيخين عن أنس بن مالك (نيل الأوطار:43/ 1، نصب الراية: 212/ 1).
(5)
رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس (نصب الراية:214/ 1).
إلا أن الحنفية فصلوا في الأمر، فقالوا:
بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة مخففة، فتجوز الصلاة معه إذا أصاب المرء ما يبلغ ربع الثوب. وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف.
وأما روث الخيل وخِثْي البقر، فنجس نجاسة مغلظة عند أبي حنيفة مثل غير مأكول اللحم، لأنه صلى الله عليه وسلم رمى الروثة، وقال: هذا رجس أو ركس. ونجس عند الصاحبين نجاسة مخففة، فلا يمنع صحة الصلاة بالثوب المتنجس به حتى يصبح كثيراً فاحشاً، لأن للاجتهاد فيه مساغاً، ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق به، ورأي الصاحبين هو الأظهر لعموم البلوى بامتلاء الطرق بها.
والكثير الفاحش: ما يستكثره الناس ويستفحشونه، كأن يبلغ ربع الثوب.
وعلى هذا: يكون بول ما يؤكل لحمه، ورجيع (نجو) الكلب، ورجيع ولعاب سباع البهائم كالفهد والسبع والخنزير، وخرء الدجاج والبط والأوز لنتنه، من النجاسة الغليظة بالاتفاق، ويعفى قدر الدرهم منها.
وبول الفرس، وبول ما يؤكل لحمه، وخرء طير لا يؤكل كالصقر والحدأة في الأصح لعموم الضرورة، من النجاسة الخفيفة، ويعفى منها ما دون ربع الثوب، أو البدن أي ما دون ربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدناً. وأما الربع فأكثر فهو كثير فاحش.
وأما خرء الطير المأكول اللحم الذي يذرق (أو يزرق) في الهواء، كالحمام، فهو طاهر عند الحنفية، لعموم البلوى به بسبب امتلاء الطرق والخانات بها.
كما أن الإمام محمد حكم آخراً بطهارة بول ما يؤكل لحمه ومنه الفرس، وقال: لا يمنع الروث وإن فحش، لما رأى من بَلْوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها، لما