الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المالكية (1): يجوز المسح على عمامة خيف بنزعها ضرر، ولم يقدر على مسح ماتحتها مما هي ملفوفة عليه كالقلنسوة. فإن قدر على مسح بعض الرأس، أتى به وكمل على العمامة.
وقال الشافعية: لايجوز الاقتصار على مسح العمامة، لحديث أنس السابق:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وعليه عمامة قِطْرية (من صنع قَطَر)، فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة» (2)؛ ولأن الله فرض المسح على الرأس، والحديث في العمامة محتمل التأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس.
قال الشوكاني (3): والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط، وعلى العمامة فقط، وعلى الرأس والعمامة، والكل صحيح ثابت، فقصر الإجزاء على بعض ماورد لغير موجب، ليس من دأب المنصفين.
سابعاً - المسح على الجوارب:
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجوربين (4) إذا كانا مجلَّدين أو منعلين (5)، واختلفوا في الجوربين العاديين على اتجاهين:
(1) الشرح الكبير:163/ 1، الشرح الصغير:203/ 1 وما بعدها.
(2)
رواه أبو داود، قال الحافظ ابن حجر: في إسناده نظر (نيل الأوطار:157/ 1).
(3)
نيل الأوطار:166/ 1.
(4)
الجورب: لفافة الرجل، قال الزركشي: هو غشاء من صوف يتخذ للدفء. وقال في شرح المنتهى عند الحنابلة: ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل، على هيئة الخف من غير الجلد، أي سواء أكان مصنوعاً من صوف أو قطن أو شعر أو جوخ أو كتان.
(5)
يقال أنعلت خفي ودابتي، ونعَّلت بالتشديد، والخفان منعلان بسكون النون، أو منعلان بتشديد العين وفتح النون.
اتجاه يمثله جماعة: وهم أبو حنيفة والمالكية والشافعية: لايجوز، واتجاه آخر يمثله الحنابلة، والصاحبان من الحنفية وعلى رأيهما الفتوى: يجوز.
وهذه آراء المذاهب (1):
قال أبو حنيفة: لايجوز المسح على الجوربين، إلا أن يكونا مجلَّدين أو منعلين، لأن الجورب ليس في معنى الخف؛ لأنه لايمكن مواظبة المشي فيه، إلا إذا كان منعلاً، وهو محمل الحديث المجيز للمسح على الجورب.
والمجلد: هو الذي وضع الجلد أعلاه وأسفله.
إلا أنه رجع إلى قول الصاحبين في آخر عمره، ومسح على جوربيه في مرضه، وقال لعواده: فعلت ماكنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه. وقال الصاحبان، وعلى رأيهما الفتوى في المذهب الحنفي: يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين، لا يشفان (لا يرى ما وراءهما)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه (2)، ولأنه يمكن المشي في الجورب إذا كان ثخيناً، كجوارب الصوف اليوم. وبه تبين أن المفتى به عند الحنفية: جواز المسح على الجوربين الثخينين، بحيث يمشي عليهما فرسخاً فأكثر، ويثبت على الساق بنفسه، ولا يرى ما تحته ولا يشف. واشترط المالكية كأبي حنيفة: أن يكون الجوربان مجلّدين ظاهرهما وباطنهما، حتى يمكن المشي فيهما عادة، فيصيران مثل الخف. وهو محمل أحاديث المسح على الجوربين.
(1) الدر المختار:248/ 1 وما بعدها، فتح القدير:108/ 1 وما بعدها، البدائع:10/ 1، مراقي الفلاح: ص21، بداية المجتهد: 19/ 1، الشرح الصغير:153/ 1، الشرح الكبير:141/ 1، مغني المحتاج:66/ 1، المجموع:539/ 1 وما بعدها، المهذب:21/ 1، المغني:295/ 1، كشاف القناع:124/ 1، 130.
(2)
روي من حديث المغيرة بن شعبة عند أصحاب السنن الأربعة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ومن حديث أبي موسى عند ابن ماجه والطبراني، ومن حديث بلال عند الطبراني، وفي الأخيرين ضعف (نصب الراية:184/ 1 وما بعدها).
وأجاز الشافعية المسح على الجورب بشرطين:
أحدهما ـ أن يكون صفيقاً لا يشف بحيث يمكن متابعة المشي عليه.
والثاني ـ أن يكون منعلاً.
فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه، لأنه لا يمكن متابعة المشي عليه حينئذ كالخرقة. قال البيهقي عن حديث المغيرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه»: إنه ضعيف، وضعف المحدثون حديثي أبي موسى وبلال.
وأباح الحنابلة المسح على الجورب بالشرطين المذكورين في الخف وهما:
الأول ـ أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني ـ أن يمكن متابعة المشي فيه، وأن يثبت بنفسه.
ودليلهم ما روي من إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة: علي وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد، وبه قال جماعة من مشاهير التابعين كعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب وابن جبير والنخعي والثوري.
وثبت في السنة النبوية المسح على الجوربين منها:
حديث المغيرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين» (1).
وحديث بلال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على المُوقَين والخمار» (2).
(1) رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. وروي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري، وليس بالمتصل ولا بالقوي (نيل الأوطار:179/ 1) ويلاحظ أن الزيلعي ذكر النسائي من رواة حديث المغيرة، ولكن ابن تيمية في منتقى الأخبار استثنى النسائي.
(2)
رواه أحمد والترمذي والطبراني، والموق: الذي يلبس فوق الخف، أو الخف المقطوع الساقين. والخمار: العمامة، أو النصيف في رواية سعيد بن منصور عن بلال:«امسحوا على النصيف والخمار» (المرجع السابق).