الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاصة: إن هذا التفصيل الذي قرره العلامة خليل والقول بجواز هذه الصلاة هو حكم ضعيف عند المالكية، كما صرح شارح خليل. وقال ابن جزي المالكي: تكره الصلاة على ظهر الكعبة، وتمنع في المذهب الفرائض داخل الكعبة.
وقال الشافعية (1): تجوز الصلاة فرضاً أو نفلاً في الكعبة أو على سطحها إن استقبل من بنائها أوترابها شاخصاً (سترة) ثابتاً كعتبة وباب مردود أو عصا مسمَّرة أو مثبتة فيه، قدر ثلثي ذراع تقريباً فأكثر بذراع الآدمي، وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر.
وإنما صح استقبال هوائها لمن هو خارج عنها، فلأنه يعد حينئذ متوجهاً إليها كالمصلي على أعلى منها كأبي قبيس، بخلاف القريب منها المصلي فيها أو عليها.
وأجاز الحنابلة (2) أيضاً صلاة النافلة في الكعبة أو على سطحها، ولا تصح صلاة الفريضة لقوله تعالى:{وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة:150/ 2]، والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها، والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صلاتها قاعداً، أو إلى غير القبلة في السفر على الراحلة.
صلاة النافلة على الراحلة للمسافر:
يجوز التطوع على الراحلة للمسافر باتجاه مقصده بإجماع العلماء، ولما ثبت في السنة، عن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على راحلته يسبِّح، يومئ برأسه، قِبَل أي وِجْهة توجَّه، ولم يكن يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة (3).
(1) المجموع:197/ 3، الحضرمية: ص52، المهذب:67/ 1.
(2)
كشاف القناع:354/ 1، المغني:73/ 2.
(3)
متفق عليه (نيل الأوطار:144/ 2) والراحلة في الأصل: الناقة التي تصلح للرحل، والمراد كل حيوان وإن لم يكن من الابل.
وللفقهاء آراء وشروط في صلاة النافلة على الراحلة:
قال الحنفية (1): إن قبلة العاجز لمرض أو ركوب على دابة جهة قدرته، ولو مضطجعاً، ويصلي بإيماء أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر، سواء أكان مسافراً أم خائفاً من عدو أو سبع أو لص، أم هارباً من العدو. لكن يشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر، كأن تذهب القافلة وينقطع، فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة، حتى في ابتداء الصلاة بتكبيرة الإحرام.
والجائز هو صلاة النفل والسنن المؤكدة إلا سنة الفجر، فلا تجوز صلاة الفرض، والواجب بأنواعه كالوتر، والمنذور، وصلاة الجنازة، أي لا يجوز ذلك على الدابة بلا عذر لعدم الحرج.
والنافلة تجوز للمقيم الراكب خارج المصر لمسافة يجوز القصر فيها (وهي 98كم) كما تجوز للمسافر بالأولى، فالأول في حكم الثاني.
وتتم الصلاة بالإيماء بالركوع والسجود، إلى أي جهة توجهت دابته للضرورة، ولا يشترط استقبال القبلة في الابتداء كما ذكرت، لأنه لما جازت الصلاة إلى غير جهة الكعبة، جاز الافتتاح إلى غير جهتها.
وظاهر المذهب والأصح: أنه تصح الصلاة ولو كان على سرج الدابة أو ركابها نجس كثير.
وقال المالكية (2): يجوز للمسافر الراكب في السفر الذي يخاف إن نزل لصاً أو سبعاً أن يتنفل بالصلاة ولو بوتر، على الدابة إلى القبلة وغيرها بحسب اتجاه
(1) الدر المختار ورد المحتار:402/ 1،654 - 658.
(2)
القوانين الفقهية: ص55، الشرح الصغير:298/ 1 - 302.
الدابة، ولو كان بمَحْمِل (وهو ما يركب فيه من مِحَفَّة (1) أو هَوْدَج ونحوهما مما يجلس فيه) ويصلي فيه متربعاً.
والراكب يصلي بالإيماء، فيومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يتكلم ولا يلتفت، ولا يشترط طهارة الأرض.
واشترطوا لجواز التنفل صوب السفر شروطاً:
1ً - أن يكون السفر طويلاً سفر قصر (98 كم) ومشروعاً، فلا يتنفل العاصي بسفره.
2ً - وأن يكون راكباً لا ماشياً ولا جالساً. أما الراكب في السفينة فيصلي إلى القبلة، فإن دارت السفينة استدار.
3ً - وأن يكون راكب دابة من حمار أو بغل أو فرس أوبعير، لا سفينة أو راجل.
4ً- وأن يكون ركوبه لها على الوجه المعتاد، لا مقلوباً، أو جاعلاً رجليه معاً لجنب واحد.
ولا تصح صلاة فرض على ظهر الدابة، وإن كان المصلي مستقبلاً القبلة إلا في أحوال أربع هي:
أولها ـ حالة التحام القتال مع العدو الكافر أو غيره، من كل قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، ولا يعيد الملتحم.
(1) المحفة: مركب من مراكب النساء كالهَوْدَج، إلا أنها لاتُقبَّب كما تقبب الهوادج.
ثانيها ـ حالة الخوف من عدو كسبع أو لص إن نزل عن دابته، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، وإن لم يمكن صلى لغير القبلة. فإن أمن الخائف بعد صلاته، أعاد في الوقت.
ثالثها ـ الراكب في خضخاض (قليل) من ماء، لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه، وخاف خروج الوقت الاختياري (المعتاد) أو الضروري (1) ويصلي الفرض على الدابة إيماء، فإن لم يخف خروج الوقت أخر الصلاة لآخر الاختياري.
رابعها ـ حالة مرض الراكب الذي لا يطيق النزول معه، فيؤدي الفريضة إيماء على الدابة للقبلة بعد إيقافها، كما يؤديها على الأرض بالإيماء.
وقال الشافعية (2): يجوز للمسافر سفراً مباحاً طويلاً أو قصيراً صلاة النافلة على الراحلة، ولا يجوز ذلك للعاصي بسفره والهائم، ولا للماشي، فعليهم إتمام الشروط والأركان كلها من استقبال القبلة وإتمام الركوع والسجود، ولا يمشي الماشي إلا في قيامه وتشهده.
ويومئ المتنفل بركوعه وسجوده، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، ويشترط أن يبدأ الصلاة بالاتجاه إلى القبلة إن أمكنه. ولا تصح صلاة الآخذ بزمام الدابة إذا كان بها نجاسة. وإن وطئت نجاسة رطبة أو جافة لم تفارقها بطلت صلاته، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
(1) الوقت عند الثلاثة (المالكية والحنفية والشافعية) نوعان: وقت الاختيار: وهو الوقت المعروف لكل صلاة. ووقت الضرورة: هو الذي يمتد أكثر من الوقت الاختياري، وهو الذي يجوز فيه جمع الصلاتين. (انظر القوانين الفقهية: ص43 ومابعدها).
(2)
حاشية الباجوري:148/ 1 ومابعدها، المهذب: 69/ 1، المجموع:214/ 3 ومابعدها. مغني المحتاج:142/ 1 ومابعدها.
أـ إن كان الراكب في مَرْقَد أو هودج (محمل واسع)، لزمه أن يتوجه إلى القبلة في جميع صلاته وإتمام الأركان كلها أو بعضها الذي هو الركوع والسجود، لتيسره عليه، وإن لم يسهل عليه ذلك، فلا يلزمه إلا التوجه للقبلة في تكبيرة إحرامه إن سهل عليه: بأن تكون الدابة واقفة وأمكنه تحريفها، أو تكون سائرة وبيده زمامها، وهي سهلة القيادة. فإن كانت صعبة أو لم يمكن تحريفها، أو كانت مقطورة لم يلزمه التوجه للقبلة للمشقة واختلال أمر السير عليه. ويحرم انحراف المصلي عن طريقه إلا إلى القبلة.
ودليل اشتراط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة: حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في السفر، وأراد أن يصلي على راحلته تطوعاً، استقبل القبلة، وكبر، ثم صلى، حيث توجهت به» (1).
ب ـ وأما الملاح في سفينة (أي قائدها) فلا يلزمه التوجه للقبلة لمشقة ذلك عليه.
وقال الحنابلة (2): يجوز للمسافر الراكب لا الماشي، سفراً طويلاً أو قصيراً أن يتطوع في السفر على الراحلة إذا قصد جهة معينة، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، قال جابر:«بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع» (3) ولا يسقط الاستقبال إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مصره أو قريته؛ لأنه ليس مسافراً، وليس للهائم والتائه والسائح التنفل؛ إذ ليس له جهة معينة.
(1) رواه أحمد وأبو داود، وأخرجه الشيخان بنحو ما هنا (نيل الأوطار:172/ 2).
(2)
المغني:432/ 1 - 438،600، كشاف القناع:350/ 1 - 353.
(3)
رواه أبو داود.
ويجوز أن يصلي على البعير والحمار وغيرهما، قال ابن عمر:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر» (1) لكن إن صلى على حيوان نجس، فلا بد أن يكون بينهما سترة طاهرة. وقبلة المصلي: حيث كانت وجهته، ولا يجوز انحرافه عن جهة سيره عند الإمكان إلا إلى القبلة، فإن فعل ذلك مغلوباً أو نائماً فهو على صلاته. وإن كان في مركب أو سفينة كبيرة يدور فيه كيفما شاء، ويتمكن من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود، فعليه استقبال القبلة في صلاته، ويسجد على ماهو عليه إن أمكن ذلك. وإن قدر على الاستقبال دون الركوع والسجود، استقبل القبلة وأومأ بهما.
وإن عجز عن الاستقبال سقط بغير خلاف، كما يسقط الاستقبال لأعذار أخرى كالتحام حرب وهرب من سيل أو نار أو سبع ونحوه، ولو كان العذر نادراً كمريض عجز عن الاستقبال، وكمقعد عجز عمن يديره إلى القبلة وكمربوط ونحوه. وإن عجز عن الاستقبال في ابتداء صلاته، كراكب راحلة لا تطيعه، أو كان في قافلة (قطار) فليس عليه استقبال القبلة في شيء من الصلاة. ولا يلزم الملاح في سفينة الاتجاه إلى القبلة ولو في الفرض، لحاجته إلى تسيير السفينة وإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة، كراكب راحلة منفردة تطيعه، ففي إلزامه التوجه إلى القبلة روايتان عن أحمد:
إحداهما وهي الراجحة: يلزمه، لحديث أنس السابق في مذهب الشافعية، وعلى هذا يلزم الراكب إذا تنفل على راحلته افتتاح النافلة إلى القبلة بالدابة، بأن يديرها إلى القبلة إن أمكنه بلا مشقة، أو يدور بنفسه إلى القبلة إن أمكنه ذلك بلا مشقة.
(1) رواه أبو داود والنسائي.
والثانية: لا يلزمه، لأنه جزء من أجزاء الصلاة، فأشبه سائر أجزائها، ولأن ذلك لا يخلو من مشقة، فسقط، وخبر أنس السابق يحمل على الفضيلة والندب.
ويجوز للمسافرالتنفل على الراحلة ولو كانت النافلة وتراً أو غيره من سنن الرواتب وسجود التلاوة. والماشي في السفر لا تباح له الصلاة في حال مشيه، بل يلزمه افتتاح النافلة إلى القبلة، كما يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة على الأرض لتيسر ذلك عليه مع متابعة سيره، ويفعل باقي الصلاة إلى جهة سيره.
وأما الصلاة على الراحلة لأجل المرض، ففيه روايتان:
إحداهما: ىجوز؛ لأن المشقة بالنزول في المرض أشد منها بالنزول في المطر. ومن صلى على الراحلة لمرض أو مطر، فليس له ترك الاستقبال.
والثانية: لا يجوز ذلك؛ لأن ابن عمر (كان يُنزل مرضاه) ولأنه قادر على الصلاة أو على السجود، فلم يجز تركه كغير المريض.
والخلاصة: أن الفقهاء اتفقوا على جواز الصلاة على الراحلة في السفر الطويل، وعلى كون الصلاة بالإيماء، واختلفوا في السفر القصير، فأجازها الشافعية والحنابلة، ومنعها المالكية والحنفية.
وليس استقبال القبلة شرطاً عند الحنفية والمالكية، وهو شرط عند الشافعية والحنابلة في بداية الإحرام بالصلاة عند الإمكان، ويسقط بالعجز، بأن لم يمكنه افتتاح النافلة إلى القبلة، بلا مشقة، كأن يكون مركوبه حَرُوناً تصعب عليه إدارته.
ولا يضر اشتمال الدابة على نجاسة عند الحنفية والمالكية، ويضر ذلك عند الشافعية، وتصح الصلاة عند الحنابلة بشرط وجود ساتر، إذ إنه يشترط لصحة التنفل طهارة محل المصلي نحو سرج وإكاف كغيره، لعدم المشقة فيه، فإن كان