الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر لي: أن الخارج من غير السبيلين كالدم والقيء ينقض الوضوء إذا كان كثيراً فاحشاً أي كما قال الحنابلة، قياساً على الخارج النجس من السبيلين، إذ في الأحاديث كلها كلام، ولا تخلو من ضعف.
5ً -
غيبة العقل أو زواله
بالمخدرات أو المسكرات، أو بالإغماء أو الجنون، أو الصرع، أو بالنوم: هذا السبب وما بعده من لمس المرأة المشتهاة، ومس الذكر أو القبل أو الدبر، قد يترتب عليه غالباً خروج شيء من أحد السبيلين، فيكون ناقضاً للوضوء، لأن زائل العقل لا يشعر بحال، والنوم يذهب معه الحس، والجنون والإغماء ونحوهما أشد تأثيراً من النوم.
والدليل على أن النوم الثقيل أو غير اليسير ناقض للوضوء: قوله صلى الله عليه وسلم من حديث علي: «العين وِكاء السَّهِ، فمن نام فليتوضأ» (1) وحديث معاوية «العين وكاء السه، فإذا نامت العينان، استطلق الوكاء» (2) والحديثان يدلان على أن النوم مظِنَّة للنقض، لا أنه بنفسه ناقض.
وقد
اختلف الفقهاء على آراء في كون النوم ناقضاً للوضوء
، ذكرها النووي في شرح مسلم (73/ 1) أختار منها رأيين متقاربين لا يختلفان إلا في بيان مدى عمق النوم الذي يعد دليلاً على خروج الريح، وهما ما يأتي:
الرأي الأول ـ للحنفية والشافعية: أن النوم الناقض للوضوء هو الذي لم تتمكن فيه المقعدة من الأرض، أو النوم مضطجعاً أو متكئاً أو منكباً على شيء؛
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. والوكاء: الخيط الذي يربط به الشيء، والسه: الدبر، والمعنى: اليقظة وكاء الدبر، أي حافظة ما فيه من الخروج لأنه ما دام مستيقظاً، أحس بما يخرج منه (نيل الأوطار: 1/ 192).
(2)
رواه أحمد والدارقطني (المرجع السابق).
لأن الاضطجاع ونحوه سبب لاسترخاء المفاصل. فإن نام قاعداً ممكناً مقعدته من الأرض كأرض وظهر دابة سائرة، لم ينتقض وضوءه.
فإن كان مستنداً إلى شيء لو أزيل عنه لسقط، ولم يكن ممكناً مقعده من الأرض، انتقض وضوءه عند الحنفية؛ لأن الاسترخاء يبلغ نهايته بهذا النوع من الاستناد، ولم ينتقض عند الشافعية إذا كان ممكناً مقعده من الأرض، للأمن حينئذ من خروج شيء، فالحكم في المذهبين إذن واحد.
ولا ينتقض الوضوء عند الحنفية بالنوم حالة القيام والركوع والسجود في الصلاة وغيرها؛ لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط، فلم يتم الاسترخاء.
ودليلهم: أحاديث، منها حديث ابن عباس:«ليس على من نام ساجداً وضوء، حتى يضطجع، فإنه إذا اضطجع، استرخت مفاصله» (1) وفي لفظ «لاوضوء على من نام قاعداً، إنما الوضوء على من نام مضطجعاً فإن من نام مضطجعاً استرخت مفاصله» (2) وفي رواية للبيهقي: «لا يجب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو ساجداً حتى يضع جنبه» .
ومنها حديث أنس: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء، فينامون قعوداً، ثم يصلون، ولا يتوضؤون» (3) وهويدل على أن يسير النوم لا ينقض الوضوء.
(1) رواه أحمد وهو ضعيف (نيل الأوطار: 1/ 193).
(2)
رواه أبو داود والترمذي والدارقطني، وهو ضعيف (المرجع السابق).
(3)
رواه الشافعي وأبو داود ومسلم والترمذي وهو صحيح (المرجع السابق).
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام جالساً فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء» (1). وروى مالك عن ابن عمر أنه كان ينام جالساً، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد، حتى غَطَّ أو نفخ، ثم قام يصلي، فقلت: يا رسول الله، إنك قد نمت؟ قال:«إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» (2).
قال الكمال بن الهمام: وأنت إذا تأملت فيما أوردناه لم ينزل عندك الحديث عن درجة الحسن (3).
الرأي الثاني ـ للمالكية والحنابلة: أن النوم اليسير أو الخفيف لا ينقض، والنوم الثقيل ينقض.
وعبارة المالكية: النوم الثقيل ولو قَصُر زمنه ناقض للوضوء، أما النوم الخفيف ولو طال زمنه فلا ينقض. والثقيل: ما لا يشعر صاحبه بالأصوات، أو بسقوط شيء بيده، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإن شعر بذلك فنوم خفيف. ودليلهم حديث أنس المتقدم:«كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفُق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون» .
وحديث ابن عباس، قال: «بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي، فجعلني عن شقه الأيمن، فجعلت إذا
(1) أخرجه ابن عدي (نصب الراية: 1/ 45) وأخرج أيضاً البيهقي حديثاً مماثلاً عن حذيفة بن اليمان.
(2)
نصب الراية: 1/ 44.
(3)
فتح القدير: 1/ 33.